presidentielles-elections-candidats

تمّت مؤخّرا المصادقة على القانون الإنتخابي بالمجلس الوطني التّأسيسي ممّا يمكّن الأحزاب السياسية في تونس من الشّروع في الإعداد للإنتخابات التشريعية والرّئاسيّة القادمة بكّل أريحيّة. ويجري الإعداد بنسق متسارع للإنتخابات وفي شبه سرّيّة نظرا لاختيار بعض الأطراف السياسيّة عدم الكشف عن أوراقها مبكّرا. ولكن ورغم الأزمة الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد إلاّ أنّ وسائل الإعلام التونسية شرعت في طرح التساؤلات حول أبرز المتنافسين في الإنتخابات القادمة والأوفر حظوظا في الفوز بالمناصب القيادية. ورغم أهميّة الإنتخابات التّشريعيّة إلاّ أنّ التساؤل طرح خصوصا حول المرشّح الأوفر حظّا للحصول على منصب رئيس الجمهورية.

أسماء عديدة لسياسيين تتصدّر صورهم اليوم الصّحفات الأولى للصحف التونسية كمرشّحين بارزين للإنتخابات الرّئاسيّة. هؤلاء السياسيين يواصلون لعبة المناورة مع الشّعب حول صّحة أخبار ترشّحهم من عدمها فلا هم يؤكّدون هذا التّرشّح ولا ينكرونه أيضا في محاولة لجسّ نبض التونسيين عبر رصد تفاعلهم مع هذه الأخبار غير المؤكّدة. ولكن بعضهم أعلنوا فعلا عن ترشّحه للإنتخابات الرّئاسيّة مؤكّدين وإصرارهم على الفوز بثقة كبيرة في من ” ناشدهم ” للترّشح وهو ما صرّح به كلّ من رئيس حزب تيار المحبّة الهاشمي الحامدي ورئيس حزب تونس الزّيتونة عادل العملي.

وقد أعادت المصادقة على القانون الإنتخابي الأمل في إجراء الإنتخابات قبل موفى سنة 2014 كما نصّ عليه الدّستور بعد أن أيّده 132 نائباً ممن حضروا الجلسة، مقابل رفض 11 نائباً، وامتناع 9 عن التصويت من جملة 217 عضوا بالمجلس التأسيسي. وينظّم القسم الثاني من هذا القانون شروط التّرشّح للإنتخابات الرّئاسيّة كالتّالي:

يحق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
ويشترط في المترشح يوم تقديم ترشحه ان يكون بالغا من العمر خمسا وثلاثين سنة على الأقل، وإذا كان حاملا لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدم ضمن ملف ترشحه تعهدا بالتخلي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيسا للجمهورية.
الفصل 40

تتمّ تزكية المترشّح للانتخابات الرّئاسيّة من عشرة نواب من مجلس نوّاب الشّعب، أو من أربعين من رؤساء مجالس الجماعات المحلّية المنتخبة، أو من عشرة ألاف من الناخبين المرسّمين والموزّعين على الأقل على عشرة دوائر انتخابيّة على أن لا يقلّ عددهم عن خمسمائة ناخب بكّل دائرة منها.
الفصل 41

يؤمّن المترشّح لدى الخزينة العامّة للبلاد التونسية ضمانا ماليّا قدره عشرة آلاف دينار لا يتمّ استرجاعه إلاّ عند حصوله على ثلاثة بالمائة على الأقلّ من عدد الأصوات المصرّح بها.
الفصل 42

بناءا على هذه الفصول إضافة إلى سقوط مقترح العزل السياسي الذي تقدّم به نواب من كتلة المؤتمر من أجل الجمهوريّة أصبح التّرشّح للانتخابات الرّئاسيّة في متناول كلّ الأسماء التي اعلنت مبكّرا عن دخولها معترك المنافسة من أجل هذا المنصب.

قايد السبسي ، الطيب البكوش أم محسن مرزوق؟

يعتبر حزب نداء تونس من أبرز المنافسين في الانتخابات التشريعية والرّئاسية القادمة نظرا لنجاحه في استقطاب قواعد شعبية ظهرت أعداها جليّة خلال الاجتماعات العامة التي ينظّمها الحزب وتتّهمها بعض الأطراف بأنها القواعد المناصرة لحزب التجمّع الدستوري المنحلّ مما يفسّر أعدادها الهائلة. حزب نداء تونس لم يكشف بعد عن مرشّحه لرئاسة الجمهورية، ولكنّ عمل أعضائه بالمجلس التّأسيسي على إلغاء السن القصوى من شروط الترشح للرئاسة – وهو ما نجحوا فيه فعلا- ونجاحهم أيضا في إلغاء قانون العزل الذي يمنع من تحمّلوا مسؤوليات سياسية وحكومية في العهد السّابق ( الباجي قايد السبسي نموذجا) يرجّح التّصريحات الإعلامية المترددة لبعض قياديي هذا الحزب بخصوص إمكانية تقديم الباجي قايد السبسي مرشّحا لمنصب رئيس الجمهورية. هذا التردد والغموض بخصوص مرشّح حزب النّداء مردّه أيضا ما تناقلته بعض الصّحف حول وجود صراع داخل الحزب بين كلّ من محسن مرزوق والطيب البكوش حول هذا المنصب الهام. البكّوش امتنع في لهجة حادّة عن تقديم أي تصريح لنواة في هذا الخصوص مؤكّدا أنّ الظرف الإقتصادي في البلاد لا يسمح بالخوض في مثل هذه المسائل متّهما وسائل الإعلام بالكذب والتّظليل والمبالغة. هذه النّبرة الحادّة تحيلنا رّبما إلى صحّة الإفتراضات بوجود صراع حول مرشّح حزب النداء للإنتخابات الرّئاسيّة.

بين علي العريّض والجبالي

أكّد رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي في لقاء إعلامي على قناة الجزيرة خلال شهر فيفري الفارط عدم نيّته التّرشح للإنتخابات الرّئاسيّة معلّلا هذا القرار بتقدّمه في السّنّ وبرغبته في ترك المجال للشّباب دون أن يذكر أية أسماء مرشّحة لهذا المنصب من طرف حزبه. وقد راجت أخبار عن إمكانيّة قيام حركة النهضة بترشيح حمّادي الجبالي على اعتبار أنّ تخلّيه عن الامانة العامة لحزب حركة النهضة يعتبر خطوة أولى نحو الترشح للرّئاسة. هذا كما راجت أخبار عن أنّ استقالة الجبالي تعود ربّما لتزكية راشد الغنوشي لرئيس الحكومة السابق علي العرّيض لهذا المنصب وحدوث انقسام داخل الحزب بين أنصار العريّض وأنصار الجبالي مما دفع بأعضاء حركة النهضة الذين عرفوا بانضباطهم الحزبي بكتمان أي معلومات تخصّ قرارات الحزب في هذا الخصوص. وفي اتّصال لنواة مع زياد الدولاتلي حول مدى صحّة كل هذا الأخبار أكّد هذا الأخير أنّ كلّ ما تمّ إعلانه في وسائل الإعلام عار من الصّحة مؤكّدا أنّ جلسة لمجلس الشورى ستعقد بعد خمسة عشر يوما من هذا التاريخ لتدارس هذا الموضوع الذي لم يدر حوله أي نقاش بين أعضاء المجلس إلى يومنا هذا.

حمّة الهمامي يعزف منفردا

مرشّح الجبهة الشّعبية للانتخابات الرّئاسيّة هو ” حمّة الهمامي” وفق ما أعلنه في أواخر شهر فيفري الفارط القيادي في الجبهة الشّعبية أحمد الصّديق. وكان الصديق قد أعلن عن دعوة حزبه لعقد مؤتمر وطني استعجالي للجبهة الشّعبيّة من أجل الإنطلاق في التحضير للانتخابات القادمة. وقد صرّح الصديق أن الجبهة لن تتحالف مع أحزاب موجودة في تحالفات أخرى بل ستقتصر على ضمّ الأحزاب ذات المرجعية الفكرية والسياسية القريبة منها إليها. وحمّة الهمامي الذي قلّص هذه الفترة من حضوره الإعلامي حتى أنّه رفض الردّ على الإتصالات المتكررة لموقع نواة، يجهّز ربّما لمفاجأة فيما يتعلّق بتحالفه مع عدد من الأحزاب الكبرى. فانتشار صور وفيديوات له على مواقع التواصل الإجتماعي صحبة الباجي قايد السبسي رئيس حزب نداء تونس تكشف ربّما عن الإعداد لتحالف ” ما بعد الإنتخابات” يتمظهر ربّما في تشريك أعضاء من الجيهة الشعبية في الحكومة التي ستفرزها الإنتخابات.

المرزوقي رئيسا من جديد ؟

قال هيثم بن بلقاسم رئيس كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة أنّ حزبه لم يناقش بعد مسألة مرشّحه للإنتخابات الرّئاسيّة لكنّه عاد ليؤكّد أنّ الإسم الأبرز والذي يملك حظوظا أوفر للمنافسة في هذه الإنتخابات هو الرّئيس الحالي للجمهوريّة المنصف المرزوقي. واتّهم المرزوقي الذي عيّن كرئيس للجهمورية على إثر تحالف حزبه مع الحزب الحاصل على الأغلبية في المجلس التأسيسي أي حركة النهضة، باستغلال منصبه لبدأ حملة انتخابيّة مبكّرة عبر إصدار بطاقات العفو التشريعي العام بدون موجب والظهور بمظهر الرّئيس المتواضع من خلال اختلاطه بالفئات الفقيرة والمهمشة في الأعياد الوطنية مثلما حدث في عيد المرأة حين تحوّل إلى إحدى القرى الفلاحيّة ليستمع إلى العاملات في الحقول ويعلن عن مساندته لهنّ. إلاّ أنّ المرزوقي يواجه في هذه الفترة غضبا شعبيا على خلفيّة الاحكام الصادرة في حق المتّهمين بالمشاركة في قتل شهداء ثورة 14 جانفي والتي اعتبرها البعض غير عادلة ، حتى أن بعض الناشطين على الفايسبوك اتّهموا المرزوقي بالتخاذل في أخذ قرارات ثورية في هذه القضايا خصوصا وأنه القائد الأعلى للقوات المسلّحة وأنّ الاحكام صدرت بمحاكم عسكريّة. الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلبا على حظوظه في الإنتخابات الرّئاسيّة القادمة.

مصطفى بن جعفر “أب الدّستور”

أكّد الناطق الرّسمي باسم حزب التّكتّل محمّد بنّور أنّه من البديهي أن يقوم حزبه بتقديم مصطفى بن جعفر كمرشّح للانتخابات الرّئاسيّة. وقال بنّور أنّ حزبه رغم ذلك لم يحسم بصفة نهائية في قراراته بخصوص مرشحيه للانتخابات القامة موضّحا أنّ انشغال بن جعفر باستكمال المجلس التّأسيسي لمهامه وأهمها القانون الإنتخابي حال دون البت بصفة نهائية في هذا الامر. كما وضّح أنّ النقاش الان لم يصل إلى مرحلة تحديد المرشحين بل هو في مرحلة تنظيم التحالفات القادمة مؤكّدا أنّ النقاشات تتمّ الان مع عدد من الأحزاب الوسطيّة ومن بينها : حزب التحالف الديمقراطي، حزب التيار الديمقراطي، حزب افاق، الحزب الجمهوري، حركة الوحدة الشعبية وغيرها من الأحزاب التي يمكن أن تخلق بتحالفها جبهة وسطيّة قادرة على كسر الإستقطاب الثنائي الذي يقوده حزبي النهضة والنداء. وكان بن جعفر قد اتّهم أيضا باستغلال منصبه كرئيس للمجلس التّأسيسي من أجل التسويق لنفسه كمنقذ للبلاد ومساهم في التسريع في كتابة الدستور وقد أصدرت جبهة الإنقاذ في وقت سابق بيانا حذّرت فيه بن جعفر من المبالغة في الظهور بمظهر المنقذ الوحيد للبلاد من الأزمات التي مرّت بها أشغال صياغة الدّستور.

نجيب الشابي يفقد البوصلة

نجيب الشابي، الإسم الأبرز في قائمة المرشّحين للإنتخابات الرّئاسية لا بكونه الأكثر شعبية، بل بصفته الأكثر اغتناما لفرص التحالف مع أي حزب يضمن له منصب رئيس الجمهورية الذي يطمح للحصول عليه منذ الإنتخابات الفارطة. فبعد الهزيمة التي مني بها سابقا بدا نجيب الشابي تائها في بحثه عن تحالف مع حزب من الأحزاب الكبرى فبعد أن أعلن مساندته للأتحاد من أجل تونس الذي يضمّ نداء تونس وعددا من الأحزاب الأخرى أخذ الشابي خطوة إلى الوراء خصوصا إثر اصطدامه بحرب داخلية بين عدد من قيادي النداء حول منصب رئاسة الجمهورية حسب ما أوردته إحدى الصحف اليومية سابقا. ولوحظ مؤخّرا تقرّب نجيب الشابي غير المسبوق من حركة النهضة، حتى أنّ أعضاء الحزب الجمهوري ساندوا أعضاء النهضة بالتأسيسي في الإمضاء على لائحة لوم ضدّ وزيرة السياحة أمال كربول الأمر الذي رأى فيه بعض المنجي الرحوي عن الجيهة الشعبية محاولة فاشلة من الحزب الجمهوري لكسب ودّ حركة النهضة لغايات ربّما تكون اخر الفرص لنجيب الشابي لتحقيق حلمه في رئاسة الجمهورية أو ربّما في تقلّد منصب هام في الحكومة القادمة. هذا في حين أكد محللون سياسيون أنّ الحزب الجمهوري فقد بريقه خصوصا إثر استقالة أهم أعضائه منه كمحمود البارودي، محمد الحامدي، مهدي بن غربية، نجلاء بوريال وغيرهم.

الهاشمي الحامدي يعد بمفاجأة جديدة

بعد تغيير اسم حزبه من ” العريضة الشعبية” إلى ” تيار المحبّة” يعتبر الهاشمي الحامدي الرّقم الصّعب في الإنتخابات السابقة والقادمة أيضا. فإثر المفاجأة التي أحدثها خلال انتخابات المجلس التأسيسي بحصوله على المرتبة الثانية بعد حركة النهضة، وفشله في الحفاظ على وحدة كتلته بالتأسيسي التي تلاشت ولم يتبقّ منها سوى 9 أعضاء. وعد الهاشمي الحامدي في اخر تصريح له بمفاجأة جديدة خلال إعلانه مؤخرا نيّته الترشح للانتخابات الرّئاسية. وقال القيادي بتيار المحبّة اسكندر بوعلاق في تصريح لنواة أنّ القانون الإنتخابي ألغى كل الموانع التي تعيق ترشّح الحامدي للانتخابات الرئاسية حيث نصص على إمكانية ترشح من لهم جنسيتين لهذا المنصب شرط التعهد بالتخلي عن الجنسية الثانية. كما صّرح بو علاّق أنّ ما جاء في كراس شروط الهايكا من حرمان أصحاب المؤسسات الإعلامية من الترشح للانتخابات القادمة لا يلزم رئيس حزبه طالما لم يتمّ التنصيص عليه بالقانون الإنتخابي. وأضاف بوعلاّق أنّ الهاشمي الحامدي هو الوحيد القادر على الفوز بمنصب رئيس الجمهورية خصوصا أنّ حركة النهضة – حسب تصريحه- لن تقدّم مرشحا لهذا المنصب. كما أكّد أنّ شعبية الهاشمي الحامدي ستحدث صدمة جديدة لكّل من شكّك في أحقيته في منصب رئيس الجمهوريّة معتبرا أنّ فوز الحامدي أمر شبه محسوم.

عادل العلمي: الرئاسة أول خطوة نحو الخلافة

رغم أنّ البعض رأوا في إعلانه التّرشح للانتخابات الرّئيسية مجرّد طرفة للتندّر والسخريّة، إلا أنّ رئيس حزب تونس الزيتونة عادل العلمي واثق جدا من قدرته على المنافسة. ففي تصريح لنواة قال العلمي ” لقد لبيّت بترشحي للانتخابات الرّئاسيّة طلب الجماهير وتحملت مسؤليتي الوطنية والدينية في هذا الأمر. أهم مشاريعي الإنتخابية ستكون محاربة الفساد بكافة أنواعه ومن ثم خوض معركة البناء وتدعيم الإلتزام بتعاليم ديننا في كل المجالات. فئة كبيرة من الشعب التونسي طلبت مني التّرشّح للإنتخابات الرئاسية لأنها وجدت في شخصي الجرأة والصدق والثبات على مبادئ الدين الإسلامي.” وحول موجة السّخرية التي طالت إعلانه الترشح أجاب العلمي بأن السخرية تزيده شعبية وهي تدل على إفلاس من يدّعون أنهم “نخبة” دينيا واجتماعيا. وحول ترشّحه للرّئاسة بدل السعي لإرساء الخلافة كما دعاه بعض أنصاره قال العلمي أنّ ” رئاسة الجمهورية هي مرحلة لتحقيق حلم الخلافة، فبعد النجاح في رئاسة قطر معين يكون هذا القطر بمثابة نقطة ارتكاز يتمّ من خلاله تغيير القوانين الوضعيّة ” المسخ” واستبدالها بالقوانين الرّبانية التي سيقبل عليها الناس بتلقائية وطواعية.”

سباق الرؤساء الإفتراضيين إذا على أشدّه، رغم أنّه يدور الان في الخفاء. واختلاف توجهات المترشحين واختياراتهم ومشاريعهم هو دليل على النجاح النسبي للتجربة الديمقراطيّة في تونس. ورغم أهمية هذا الإختلاف وطرافته إلاّ أنّه لا يلبّي طموح الشعب التونسي في اختيار مرشّح على أساس خطط اقتصاديّة وسياسيّة جادّة، بل يحيل مباشرة إلى معركة الإيديولوجيات التي شوّهت إلى حدّ ما الإنتخابات السّابقة. ويبقى المال السّياسي، التّهديد الأكبر لنزاهة الإستحقاقات القادمة، ممّا يستوجب وقفة حازمة من الجهات المسؤولة حتّى لا تخضع الإنتخابات الرّئاسيّة شأنها شأن الإنتخابات التّشريعية لسلطة المال الفاسد.