أنهى مجلس النوّاب المصادقة على قانون المالية لسنة 2017 يوم 10 ديسمبر 2016، مسدلا الستار على الفصل الأخير من ميزانيّة كانت سببا في أخطر أزمة بين حكومة يوسف الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل الذّي لوّح قبل 48 ساعة من التصويت على ميزانية الدولة بإعلان الإضراب العام في البلاد. هذه الجولة الأخيرة في سنة 2016 لم تكن سوى حلقة من سلسلة من المواجهات داخل مجلس النوّاب تداخلت فيها الأطراف المحليّة والخارجيّة حول الملفّ الاقتصاديّ والخيارات الحكومية وارتباطاتها المالية الدوليّة وتحديدا برنامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي الذّي سطّرته هيئات النقد الدولية والتي كانت نواة أوّل من سلّط الضوء عليه قبل ثلاث سنوات.
مع بداية السنة الجديدة، أنجزت حكومتا الحبيب الصيد ويوسف الشاهد الجزء الأكبر ممّا يعرف باتفاق ”تسهيل الصندوق الممدد“ القاضي ياسناد قرض بقيمة 2.8 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة. هذا الاتفاق الذّي نشرته نواة في 30 مارس 2013، أماط اللثام عن رسالة نوايا موجهة لـرئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد من قبل محافظ البنك المركزي، الشاذلي العياري ووزير المالية حينها إلياس فخفاخ أكّدا فيه التزامهما ببرنامج الإصلاحات الهيكلية التّي تشمل رسملة البنوك العمومية، تدعيم استقلالية البنك المركزي، الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، مراجعة منظومة الدعم، التحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرّف العموميّة، المصادقة على مشروع مجلّة الاستثمار الجديدة، إصلاح القطاع البنكي والمؤسسات المالية والمصادقة على مشروع الإصلاح الجبائي.
خلال سنة 2015، اقتصرت سلسلة الإجراءات الحكومية المتعلّقة بتنفيذ شروط صندوق النقد الدوليّ على إقرار رسملة البنوك العمومية في 06 أوت 2015، والمصادقة على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ في 13 نوفمبر 2015. لتكون سنة 2016، الانطلاقة الحقيقيّة لفرض حزمة ”الإصلاحات“. حيث تمّ تفعيل أكثر من 6 إجراأت مدرجة في رسالة النوايا المنشورة سنة 2013. حكومتا الحبيب الصيد ويوسف الشاهد، اعتمدتا آليتين لإقرار هذه الإجراأت، في مسار موحّد عبر مجلس نوّاب الشعب. جزء من تلك الإجراآت، قُدِّم في شكل مشاريع قوانين، وضُمِّن البعض الآخر في قانوني المالية لسنتي 2016 و2017

الرسم البياني المصاحب، يشرح سلسلة هذه الإجراءات ومساراتها، حيث صادق مجلس النوّاب تباعا على القانون عدد 2015/64 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي في 11 أفريل 2016، وفي 12 ماي 2016 تمّت المصادقة على مشروع قانون عدد 2016/09 متعلق بالبنوك والمؤسسات المالية إضافة إلى قانون الاستثمار في 17 سبتمبر 2016. أمّا مشروع قانون دفع النمو الاقتصادي فقد ظلّ حبيس لجنة المالية بعد أن أثارت الصيغة المعدّلة بدعم من منظّمة الأعراف، حفيظة عدد من أعضاء اللجنة. بقيّة الإجراءات تمّ تضمينها في قانوني المالية لسنتي 2016 و2017. إذ أُقرّ تخفيض الدعم العموميّ للمحروقات إلى حدود 579 مليون دينار مقارنة بـ 1286 مليون دينار. أما ”اصلاح“ قطاع الوظيفة العمومية، فقد تبنّت الحكومة ورقة خبراء صندوق النقد الدوليّ بعنوان ”استراتيجيّة هيكلة الوظيفة العموميّة“ لتحوّلها إلى خطّة حكوميّة متكاملة للضغط على نفقات التصرّف وكتلة الأجور بالأساس ضمن أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2017. خطوة أثارت أزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة استمرت قرابة شهر ونصف ووصلت إلى إعلان الإضراب العام في 08 ديسمبر 2016 ليلغى الإضراب ساعات قبل الموعد بعد الوصول إلى اتفاق ثنائيّ.
بين مطرقة صندوق النقد الدولي وسندان المنظّمات الوطنية والشارع المتوجّس من إستمرار حالة التدهور الاقتصادي، تستعدّ حكومة يوسف الشاهد لمرحلة جديدة لن تكون أقلّ وطأة من سابقتها خصوصا مع إصرار المسؤولين الحكوميّين على التسليم بشروط هيئة النقد الدوليّة وارتهانهم لخيار التسكين والهروب إلى الأمام عبر الغرق أكثر فأكثر في القروض والتداين، التي يفرض استكمال مشروع الإصلاح الجبائي المتخم بالألغام والمنذر بصراعات جديدة تتداخل فيها الحسابات السياسية مع المصالح الفئوية والقطاعية.

البرلمان يناقش قانون الاستثمار الجديد: تونس ورشة في خدمة الخوّاص
يعقد مجلس النوّاب يومي الجمعة والسبت، 16 و17 سبتمبر جلسة عامة للنظر أخيرا في مشروع القانون عدد 2015/68 أو ما يعرف بمشروع قانون الاستثمار الجديد. هذه المجلّة التشريعيّة المنظّمة لقطاع الاستثمار كانت واحدة من أهم المشاريع الملحّة بعد 14 جانفي 2011، وقد خضعت منذ اعداد نسختها الأولى في سنة 2012 إلى تعديلات كثيرة نظرا لتداخل الأطراف المعنية بها في الداخل والخارج. النسخة الأخيرة المعدّلة بدورها عن آخر ورقة تم اعدادها في نوفمبر 2015، ستكون محور نقاش النواب في الساعات المقبلة في جلسة قد تحمل الكثير من الخلافات لاستمرار هنّات مشروع قانون صيغ على قاعدة ترضية أصحاب النفوذ والتزاما بأجندات دولية قد لا تخدم الحاجات الحقيقية والعاجلة لواقع الاستثمار في البلاد.

قانون النظام الأساسي للبنك المركزي: استقلاليّة على حساب السيادة
تمّت المصادقة ليلة أمس الثلاثاء 11 أفريل 2016 على مشروع القانون عدد 2015/64 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، بحضور 105 نائبا لاغير.هذا القانون الذّي تمّ تحويله منذ 06 أفريل الجاري إلى الجلسة العامة مرفقا بتقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية، أثار عدد من فصوله الكثير من الخلافات، خصوصا فيما يتعلّق باستقلاليّة البنك ووسائل الرقابة والمسائلة. ولكنّ الفصل الأخير قبل اسدال الستار على هذه الخطوة الجديدة لتجريد الدولة من أدواتها المالية لم يخلو كالعادة من جرعة جديدة من "الانفتاح" على حساب السيادة ليتمّ اسقاط مقترح التنصيص على ضرورة ان تكون جنسية محافظ البنك المركزي ونائب المحافظ " تونسية بالولادة".

قرض صندوق النقد الدولي : المال مقابل الطاعة العمياء
بعد أربعة أيّام من المصادقة على مشروع قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، أصدر صندوق النقد الدولي في 15 أفريل الجاري بيانا يعلن فيه توصّله إلى اتفاق مع تونس حول إبرام اتفاق مدته أربعة أعوام بقيمة 2.8 مليار دولار. وعلى نقيض مزاعم هيئة النقد الدوليّة حول قدرة الاصلاحات على دفع عجلة النمو، تعتبر الشروط المفروضة على الدولة التونسيّة نوعا من الألغام التي ستزيد من تفجير الوضع الاجتماعي وإقالة الدولة من دورها الاقتصادي وحماية الفئات الأكثر هشاشة إضافة إلى تسخير الموارد الاقتصاديّة لفائدة القطاع الخاص.

ملّف الوظيفة العمومية: خطّة جاهزة من صندوق النقد الدولي
ملّف الوظيفة العمومية عاد ليحتل صدارة المشهد الإعلامي منذ إعلان رئيس الحكومة الجديد خلال الجلسة العامة لتنصيبه عن نيته إيقاف الانتدابات في المؤسسات العمومية ومراجعة وضعية آلاف من موظّفي القطاع العام. وثيقة جديدة من صندوق النقد الدولي، هي التي رسمت ملامح ميزانية 2017، وحدّدت الإجراءات "الضرورية" لتقليص ضغط الوظيفة العمومية.

حكومة يوسف الشاهد: بين ضغط صندوق النقد الدولي واحتدام المواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل
في انتظار جلسة المصادقة على قانون المالية لسنة 2017، أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل على صفحته الرسمية مساء يوم الاثنين 14 نوفمبر 2016، توضيحا بخصوص موقفه من مسألة تجميد الزيادات في الأجور، مبيّنا أنّه لن يقبل التنازل عن الزيادات، وأنّه نقل موقفه بوضوح إلى وفد صندوق النقد الدوليّ الذّي أنهى مهمّته في تونس في العاشر من نوفمبر الجاري. وقدد شدّد الاتحاد أنّه لن يقبل وساطة هذه الهيئة المالية الدوليّة في خلافه مع حكومة يوسف الشاهد، والتّي وصفها حرفيّا "بمهزلة الوساطة" مشيرا إلى انّه لن يشارك في أيّ وفد يتوجّه إلى صندوق النقد الدولي.

مشروع المالية 2017: الفئات الأضعف تدفع ثمن سياسة التقشّف
لم يخلو مشروع قانون المالية لسنة 2017 من إجراءات أثارت حفيظة الأطراف النقابية والاجتماعية، نظرا لتعارضها مع الاتفاقات السابقة، أو لعدم تلبيتها للعاجل الاقتصاديّ في مختلف القطاعات، أو للتدابير الفضفاضة التي تتناقض مع الحملة الإعلامية الرسمية ضدّ الفساد. لكنّ النقطة الأبرز في المشروع الحالي لميزانية سنة 2017 هي تحميل الطبقة الأضعف والمتضرّر الأكبر من الأزمة الاقتصادية المتواصلة منذ أكثر من خمس سنوات دون غيرهم أعباء "التضحيات" التي طالب بها رئيس الحكومة منذ ظهوره الأوّل.