بعد النسق البطيء والمضطرب الذي عرفته نقاشات مشروع القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الاموال مما أثار استياء رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، تعمل لجنة التشريع العام ولجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بشكل مشترك للإسراع في إنهاء المصادقة على هذا القانون. غير أنّ محاولات الإسراع بإنهاء النقاشات قبل عطلة عيد الفطر كما أوصى بذلك بن جعفر اصطدمت بعديد العقبات لعل أهمها تشكيك عدد من النواب ومكونات المجتمع المدني في مسألة إصدار قانون لمكافحة الإرهاب مثالي لا يحمل في طياته اعتداء على الحقوق والحريات ولا يكون أداة جديدة بيد السلطات الحاكمة للحد من النشاطات الحقوقية والحزبية.
هذه التشكيكات حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال عدد 09 لسنة 2014 الذي تقدم به علي العريض أثناء توليه منصب رئيس حكومة، مردّها ورود فصول في مشروع هذا القانون مشابهة لبعض ما جاء في قانون الإرهاب لسنة 2003 الذي وضعه النظام السابق وقام استنادا عليه بمنع التعددية الحزبية وتكميم أفواه الناشطين الحقوقيين حتى أنه أصبح أداة لتقوية دكتاتوريته اعتمادا على مبدأ مقاومة الإرهاب.
تعاطي اللجان المخصصة لهذا المشروع اتّسم بغياب المنهجية حيث لم تخصص لهذا القانون جلسات استماع كافية من أجل تعميق المقارنة بين هذا المشروع وبين قانون 2003 مما تسبب في حدوث انقسامات داخل اللجنتين حتى أن عددا من النواب وأغلبهم عن حركة النهضة طالبوا بإلغاء هذا القانون. فبعد خمسة أسابيع من المداولات قامت خلالها اللجنتين بتنظيم 18 جلسة لازال الغموض يلف أغلب فصول هذا القانون حتى أنّ كل هذه الجهود لم تفض إلى تقديم مفهوم واضح لعبارة ”إرهاب”.
وقد تصدرت كتلة حركة النهضة قائمة النواب الرافضين لمشروع هذا القانون والمطالبين بإعادته إلى الحكومة لتعميق النظر فيه أو لإلغائه بصفة نهائية. وقد عبرت النائبة صالحة بن عائشة عن حركة النهضة، أثناء نقاشات اللجنتين، أن المواصلة في المصادقة على هذا القانون تعتبر ضربا لما جاء في باب الحقوق والحريات بالدستور من ضمان لكل أشكال الحرية الشخصية. كما اعتبرت بن عائشة أن هذا القانون سيكون، في حال تمت المصادقة عليه أداء جديدة للقمع والكبت والتضييق على النشاطات الحزبية والحقوقية.
قانون “ملغّم”
حضر رئيس الرّابطة التونسية لحقوق الإنسان عبد الستار بن موسى جلسة الإستماع التي نظمتها اللجنتين المخصصتين لمناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال وقد كشف خلال هذه الجلسة عديد النقاط التي تتعلق بغموض يلف بعض فصول مشروع هذا القانون والتي من شأنها أن تمس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية. وسنستعرض هنا عددا من هذا الإخلالات حسب الفصول التي أثارت جدلا وقوبلت برفض عدد من النواب.
تحديد المفاهيم
ذكّر رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان عبد الستار بن موسى أن مشروع هذا القانون رغم أنه استغرق وقتا طويلا لمناقشته سواء من الحكومة السابقة التي اقترحته أو من طرف أعضاء اللجان المذكورة، إلاّ أنه تم التغافل ضمنه على تقديم تعريف واضح لعبارة “الإرهاب”. وقد قدّم بن موسى مقترحا لتعريف هذا اللفظ وهو كالاتي ”الإرهاب هو الإعتداء على حقوق الانسان في إطار وفاق او تنظيم باعتماد وسائل عنيفة.” كما أشار بن موسى إلى أن مشروع هذا القانون لم يتضمن فصلا يلغي الفصل 52 من المجلة الجزائية الذي يقدم تعريفا للإرهاب وضعه النظام السابق مما يؤدي إلى تقديم مفهومين مختلفين ما من شأنه أن يربك القضاء.
الفصل 5 : ينص أحد بنود الفصل 5 من مشروع هذا القانون على أنّه “ﯾﻌد ﻣرﺗﻛﺑﺎ ﻟﻠﺟراﺋم اﻹرھﺎﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺑﮭذا اﻟﻘﺎﻧون وﯾﻌﺎﻗب ﺑﻧﻔس اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻣﻘررة ﻟﮭﺎ ﻛل ﻣن ﯾﻌزم ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎﺑﮭﺎ، إذا اﻗﺗرن ﻋزﻣﮫ ﺑﺄي ﻋﻣل ﺗﺣﺿﯾري ﻟﺗﻧﻔﯾذه.” وقد اتفق بن موسى مع عدد من النواب الحاضرين على غموض عبارة ”من يعزم على ارتكابها” معتبرا أنها يمكن أن تستعمل بصفة كيدية ضد خصوم سياسيين للقائمين على السلطة نظرا لأنّها لا ترتبط بأفعال بل بتوقع حدوث أفعال مما يمنح مساحة للمسؤول عن تطبيق هذا القانون لتقديم توقعات خاطئة أو ظالمة.
كما يتعارض هذا الفصل مع الفصل 29 من الدستور الذي ينص على أنه ”لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محاميا. وتحدد مدة الإيقاف والاحتفاظ بقانون.”
الفصل 13 : هذا الفصل يعد من أكثر فصول مشروع هذا القانون “غرابة” نظرا لأنّه يقدم تعريفا جديدا للجرائم الإرهابية وخاصة في البند الأول منه. ويؤدي هذا الفصل إلى إدراج جرائم عادية في جرائم إرهابية وينص على التالي:
ﯾﻌد ﻣرﺗﻛﺑﺎ ﻟﺟرﯾﻣﺔ إرھﺎﺑﯾﺔ ﻛل ﻣن ﯾﺗﻌﻣد ﺑﺄي وﺳﯾﻠﺔ ﻛﺎﻧت:
أوﻻ: ﻗﺗل ﺷﺧص أو ﻋدة أﺷﺧﺎص أو إﻟﺣﺎق أﺿرار ﺑدﻧﯾﺔ ﺟﺳﯾﻣﺔ ﺑﮭم،
ﺛﺎﻧﯾﺎ: اﻹﺿرار ﺑﻣﻘرات اﻟﺑﻌﺛﺎت اﻟدﯾﺑﻠوﻣﺎﺳﯾﺔ واﻟﻘﻧﺻﻠﯾﺔ أو اﻟﻣﻧظﻣﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ،
ﺛﺎﻟﺛﺎ: إﻟﺣﺎق أﺿرار ﺟﺳﯾﻣﺔ ﺑﺎﻟﺑﯾﺋﺔ ﺑﻣﺎ ﯾﻌرض ﺣﯾﺎة اﻟﻣﺗﺳﺎﻛﻧﯾن أو ﺻﺣﺗﮭم ﻟﻠﺧطر،
راﺑﻌﺎ: اﻹﺿرار ﺑﺎﻟﻣﻣﺗﻠﻛﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ أو اﻟﺧﺎﺻﺔ أو ﺑﺎﻟﻣوارد اﻟﺣﯾوﯾﺔ أو ﺑﺎﻟﺑﻧﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ أو ﺑوﺳﺎﺋل اﻟﻧﻘل أو اﻻﺗﺻﺎﻻت أو ﺑﺎﻟﻣﻧظوﻣﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﯾﺔ أو ﺑﺎﻟﻣراﻓق اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ، وﻛﺎن اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺟرم ﻗد وﻗﻊ ﺗﻧﻔﯾذا ﻟﻣﺷروع ﻓردي أو ﺟﻣﺎﻋﻲ وﯾﮭدف، ﺑﺣﻛم طﺑﯾﻌﺗﮫ أو ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮫ، إﻟﻰ ﺑث اﻟرﻋب ﺑﯾن اﻟﺳﻛﺎن أو ﺣﻣل دوﻟﺔ أو ﻣﻧظﻣﺔ دوﻟﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻌﻣل أو اﻻﻣﺗﻧﺎع ﻋن اﻟﻘﯾﺎم ﺑﮫ.ﯾﻌﺎﻗب ﺑﺎﻹﻋدام ﻛل ﻣن ﯾﻘﺗرف ﻓﻌﻼ ﻣن اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻘرة اﻷوﻟﻰ وﯾﻌﺎﻗب ﺑﺎﻟﺳﺟن ﻣدة ﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎ وﺑﺧطﯾﺔ ﻗدرھﺎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟف دﯾﻧﺎر ﻛل ﻣن ﯾﻘﺗرف ﻓﻌﻼ ﻣن اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻘرات 2 و 3. وﯾﻌﺎﻗب ﺑﺎﻟﺳﺟن ﻣن ﻋﺷرة أﻋوام إﻟﻰ ﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎ وﺑﺧطﯾﺔ ﻣن ﺧﻣﺳﯾن أﻟف دﯾﻧﺎر إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ أﻟف دﯾﻧﺎر ﻛل ﻣن ﯾﻘﺗرف ﻓﻌﻼ ﻣن اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻘرة 4.
ونلاحظ هنا أن البند الأخير ينصّ على الحكم بالإعدام على كل من يقترف فعلا من الأفعال المشار إليها في الفقرة الأولى وبالنظر إلى هذه الفقرة يمكن أن نستنتج أن الحكم بالإعدام يمكن أن يطال ”كل شخص ألحق أضرارا جسدية بشخص ما.” وهذا الأمر مثير للحيرة ويدعو للتساؤل حول جدية مشروع هذا القانون. هذا بالإضافة إلى تجديد عدد كبير من نواب الأحزاب التقدمية على رفضهم حكم الإعدام رفضا قاطعا رغم نجاح حركة النهضة في تمرير إمكانية النطق بهذا الحكم في الدستور ( الفصل 22 من باب الحقوق والحريات).
الفصل 33: هذا الفصل شدّد على عدم خضوع الإشعارات الخاصة بالعمليات الإرهابية للسر المهني إلاّ أن استثناء ”المحامين” من هذا التنصيص أثار جدلا حيث تساءل عدد من النواب عن كيفية التعامل مع المحامين المتورطين في الإرهاب والذين يوفر لهم هذا الفصل حماية. كما أن التنصيص على عدم كشف محامين لأسرار منوبيهم من المتهمين بالإرهاب يعتبر ثغرة يمكن أن تؤدي إلى حدوث عمليات إرهابية خصوصا أنّ المحامي لا يمكنه أن يقدّر وحده خطورة هذه المعلومات من عدمها. إلا أن النقاش حول هذا النقطة لم يفض إلى أي نتائج تذكر في انتظار اتخاذ قرار نهائي بخصوصها.
وفيما يلي نص الفصل المذكور :
ﯾﻌﺎﻗب ﺑﺎﻟﺳﺟن ﻣن ﻋﺎم إﻟﻰ ﺧﻣﺳﺔ أﻋوام وﺑﺧطﯾﺔ ﻣن ﺧﻣﺳﺔ آﻻف دﯾﻧﺎر إﻟﻰ ﻋﺷرة آﻻف دﯾﻧﺎر ﻛل ﻣن ﯾﻣﺗﻧﻊ، وﻟو ﻛﺎن ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻟﻠﺳر اﻟﻣﮭﻧﻲ، ﻋن إﺷﻌﺎر اﻟﺳﻠط ذات اﻟﻧظر ﻓورا ﺑﻣﺎ أﻣﻛن ﻟﮫ اﻹطﻼع ﻋﻠﯾﮫ ﻣن أﻓﻌﺎل وﻣﺎ ﺑﻠﻎ إﻟﯾﮫ ﻣن ﻣﻌﻠوﻣﺎت أو إرﺷﺎدات ﺣول ارﺗﻛﺎب إﺣدى اﻟﺟراﺋم اﻹرھﺎﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺑﮭذا اﻟﻘﺎﻧون أو اﺣﺗﻣﺎل ارﺗﻛﺎﺑﮭﺎ. وﯾﺳﺗﺛﻧﻰ ﻣن أﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘرة اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ اﻟواﻟدان واﻷﺑﻧﺎء واﻹﺧوة واﻷﺧوات واﻟﻘرﯾن. ﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﺛﻧﻰ أﯾﺿﺎ اﻟﻣﺣﺎﻣون ﺑﺧﺻوص اﻷﺳرار اﻟﺗﻲ ﯾطﻠﻌون ﻋﻠﯾﮭﺎ أﺛﻧﺎء ﻣﺑﺎﺷرﺗﮭم ﻟﻣﮭﺎﻣﮭم أو ﺑﻣﻧﺎﺳﺑﺗﮭﺎ، وﻻ ﯾﻧﺳﺣب اﻹﺳﺗﺛﻧﺎء اﻟﻣذﻛور ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﯾطﻠﻌون ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾؤدي إﺷﻌﺎر اﻟﺳﻠط ﺑﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﻔﺎدي ارﺗﻛﺎب ﺟراﺋم إرھﺎﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل.
كما أنّ هذا الفصل يتعارض أيضا مع ما جاء في الفصل 24 من الدستور والذي ينص على الآتي: ”تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية.”
الفصل 70 :
يمنح هذا الفصل الحق للمتهم ومحاميه في المطالبة بكشف الأشخاص الذين أشعروا السلطات بوجود خطر إرهابي أو قدموا شهادات في هذا الخصوص أو حتى الأعوان الذين باشروا عملية القبض على الإرهابيين. وإضافة إلى أن هذا الفصل يعرّض الأشخاص المذكورين للخطر فإنه يساهم في امتناع المواطنين من إشعار السلطات بالخطر الإرهابي نظرا لأنه يضعهم وجها لوجه أمام منظمات إرهابية يمكن أن تهدد سلامتهم وسلامة عائلاتهم.
وينص هذا الفصل على الاتي:
ﻟذي اﻟﺷﺑﮭﺔ أو ﻧﺎﺋﺑﮫ أن ﯾطﻠﺑﺎ ﻣن اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﮭدة ﺑﺎﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﻛﺷف ﻋن ھوﯾﺔ اﻷﺷﺧﺎص اﻟﻣﻌددﯾن ﺑﺎﻟﻔﻘرة اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻔﺻل اﻟﻣﺗﻘدم وذﻟك ﻓﻲ أﺟل أﻗﺻﺎه ﻋﺷرة أﯾﺎم ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻻطﻼع ﻋﻠﻰ ﻣﺿﻣون ﺗﺻرﯾﺣﺎﺗﮭم. وُﯾﻣﻛن ﻟﻠﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ذات اﻟﻧظر اﻹذن ﺑرﻓﻊ اﻟﺗدﺑﯾر اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮫ واﻟﻛﺷف ﻋن ھوﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧﻲ ﺑﺎﻷﻣر إذا ﺗﺑّﯾن ﻟﮭﺎ ﺟّدﯾﺔ اﻟطﻠب وﻟم ﯾﻛن ھﻧﺎك ﻣﺎ ﯾﺧﺷﻰ ﻣﻌﮫ ﺗﻌرﯾض ﺣﯾﺎﺗﮫ أو ﻣﻛﺎﺳﺑﮫ، أو ﺣﯾﺎة أو ﻣﻛﺎﺳب أﻓراد أﺳرﺗﮫ إﻟﻰ ﺧطر.
من جهة أخرى قدم عدد من النواب رأيا مغايرا يتمثل في عدم ضمان هذا الفصل لمبدأ المواجهة والمكافحة الضرورية (وجها لوجه) خلال التحقيقات القضائية والتي تعتبر حقا من حقوق المتهم.
هذه الفصول هي نبذة عمّا يحتويه قانون الإرهاب من إخلالات ونقائص وتهديدات مختلفة للحقوق والحريات. ولئن رأى نواب حركة النهضة في كل هذه النواقص تعلّة لضرب مشروع قانون الإرهاب ورفضه فقد رأى نواب من أحزاب مختلفة ومستقلون ضرورة منح اللجان المختصة وقتا أطول للإستماع إلى توصيات الخبراء تجنبا لكل تعارض يمكن أن يخلقه هذا المشروع من تنصيص على الحقوق والحريات في دستور تونس الجديد.
انظري الى الفصل 93 لكي تعرفي ان المواطن التونسي هو الذي في ورطة
*****************************
من فضائح الدستور
هذا من النسخة المختومة
*****************************
الفصل 93
رئيس الحكومة هو رئيس مجلس الوزراء
ينعقد مجلس الوزراء بدعوة من رئيس الحكومة الذي يضبط جدول اعماله
يرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوبا في مجالات الدفاع, والعلاقات الخارجية, والامن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وله ان يحضر ماعداها من مجالس وزراء. وعند حضوره يرأس المجلس
يتم التداول في كل مشاريع القوانين بمجلس الوزراء
بمعنى : من حق رئيس الحكومة ان يرأس مجلس الوزراء ومن حق رئيس الجمهورية ان يرأس مجلس الوزراء
********************
حول قانون الارهاب
@ANC
********************
قالك ستة اسابيع وهوما يفصلو و يخيطو في قانون الارهاب ويعملو في جلسات الاستماع, نائب يزيد في الدقيق ونائب يزيد في الماء (الدقيق والماء من مؤونة الشعب بالطبيعة)…السؤال هو هل يحتاجون الى قانون ارهاب ؟
ملاحظة أولى حول اسم القانون “مكافحة الإرهاب ومنع غسل الاموال”, فلا اعتقد انه من المنطقي الجمع بين مفهومين يختلفان في مستويات عديدة, اضافة الى ان الجزء الاول من الجملة قد يحتوي الثاني
هل يعتقدون اذن انهم سيهزمون الارهاب بمجرد قوانين ؟ في نهاية الامر ماهو الارهاب؟ قد يمكن تعريفه في المطلق بانه نشاط اجرامي , لم اقل بعد انها جريمة, ثم لاأدري ماذا يقصدون بالارهاب, كل الجرائم قد ينتج عنها بعض الفزع والانزعاج سواء كانت جرائم كنشل حافظة نقود أو تزوير شيك (صك بنكي) أو عملية غش, وهل يصح تعريف الجريمة اعتمادا على ماينتج عنها ؟, واذا اعتبرنا الارهاب كهدف أساسي من الجريمة فهو أمر مستبعد, فلا أحد عادة يكلف نقسه بالقيام بعمل استعراضي مجاني الا اذا كان مجنونا أو له غايات اخرى, لذلك ففي غالب الاحيان هو جزء من عملية اكبر لها اهداف أخرى ,وأرى أن عليهم نسيان كلمة ارهاب وحذفها من المعجم, فهي فقط جريمة منظمة مع بعض التفاصيل
مايسمى ارهاب عادة مايكون مركب من عمليات (انشطة) بسيطة او صغيرة, البعض يدخل تحت طائلة الجرائم التي نعرفها, سرقة, تهريب, قتل, تفجير, اختطاف, تبييض اموال, وتكون هذه العمليات في اطار مراحل واستعدادات لغايات واهداف اكبر, ونجد من جهة اخرى عمليات لايمكن في حد ذاتها ان تمثل جريمة, لان الجريمة تثبت عبر الفعل وليس عبرالنوايا حتى ان كانت النوايا الاجرامية موجودة, و يختلف التعامل مع المجرم ومع من ينوي ارتكاب الجريمة حسب التدرج من النوايا الى التنفيذ, نجد مثلا من هذه الانشطة, اجتماعات, تدريبات ( “يلعبو في السبور”), والتحريض على العنف في الاجتماعات, وبعض الانشطة المشبوهة في المساجد…الخ, وحسب التدرج من النوايا الى التنفيذ تظهر من خلال تلك الانشطة بعض البوادر التي تبعث على الريبة وتخلق احتمال وجود نوايا و تخطيط لارتكاب عمل اجرامي ما (فرق بين خطاب وخطاب تحريضي, فرق بين رياضة في المنزه ورياضة في الشعانبي), وهنا يمكن التدخل بتأطير النشاط او الحد من الانحرافات حسب ماتتيحه القوانين التنظيمة , ولن اواصل اكثر في التفاصيل… الاستباق وتقصي المعلومات والاحتياط والكشف على النوايا لتفادي حدوث الفعل الاجرامي (الجريمة) من مهمة الاجهزة الامنية بأنواعها التي تحرص على تنظيم هذه النشاطات وتتدخل حسب ماهو مسموح به
البوليس السياسي في اول الامر استعمل لكشف الوجه الخفي لبعض الاحزاب التي تعتمد ازدواجية الخطاب وهناك شكوك حول امكانية تهديدها للامن العام , ثم حاد عن مساره فيما بعد وارتكب تجاوزات عديدة والبوليس لايعني بالضرورة الامن, بل هوجهاز يحرص على تنفيذ القانون والمراقبة للتصدي للتجاوزات (شرطة بلدية, مراقبة الاسعار, الخ), وهناك قواعد ودرجات للمراقبة وبعض الدرجات يتطلب وجود حجج مقنعة أي شكوك مسبقة قائمة على أدلة موثقة تفيد ان شخص او جماعة “قد” يرتكبون جرما, او”قد” يكونون طرف في عصابة , يعني عبارة “قد” يجب ان تبنى على اساس عمل بحثي مسبق قبل طلب اذن قضائي والمراقبة ايضا لها ضوابط وقواعد وتستوجب احترام الحقوق والحريات, بطبيعة الحال عندما تكون الاجهزة متخلفة وبدائية, فسيؤدي ذلك الى خرق عديد القوانين باسم الامن العام وهو نتيجة لعدم توفر أليات متطورة للعمل في الوضع الحالي, أوعقلية متطورة , البعض يجهل ان الهايكا بدورها الايجابي جدا تعتبر جهاز بوليسي (على الاقل من وجهة نظري وبمعنى أخر) وقد تكون جهاز قضائي ايضا, المواطن يمكن ان يكون رقيبا بدوره في عديد الميادين, في درجات من الرقابة التي لاتحتاج الى بوليس ويجب تسهيل تقبل التشكيات الواردة من المواطنين, يمكن في بعض الحالات اعتباره تنسيق مع المواطن
بالنسبة للجرائم من مثل التهريب وتبييض الاموال وتجارة الاسلحة والمخدرات, والقتل والاختطاف, فهي جرائم تجدها في ميادين عديدة وفي سياقات اخرى, وهذه لها عقوبات حسب القوانين العادية وبدون اعتبار السياق التي جاءت فيه, وبالتالي يمكن الحديث عن قانون مكافحة تبييض الاموال وقانون مكافحة تجارة الاسلحة وقانون مكافحة تهريب المخدرات…, وأعتقد ان هذه القوانين موجودة مسبقا بشكل ما, مع التذكير ان القوانين وحدها لاتقاوم الجريمة ولاتمنع حدوثها
قد تجد نشاط ارهابي متكون من عملية اجرامية واحدة (جريمة بسيطة), كهجوم مسلح مفاجئ (مع انه عادة لاشيئ مفاجئ) على الحدود من الخارج, وهذا لايسمى ارهاب بل يعتبر ,حسب نوعية الهجوم وبقطع النظر عن النوايا, محاولة اجتياز حدود أو حتى محاولة احتلال اجنبي, وعلى مااظن فان الجيش وحرس الحدود هم الذين يتكفلون بالمهمة حسب مايخول لهم القانون, ويكون ادائهم مرتبطا بمدى القوة اوالتنظيم ولاعلاقة هنا بين نجاعة الأداء والتشريعات القانونية
بعض الانشطة التي يسمونها ارهابية, تأخذ أيضا شكل جريمة مركبة, (ربما تسمى جريمة منظمة أيضا) ويتم التصدي لها في عديد المستويات مثلا محاولات التفجير أو التحضير للتفجير (محاولة ارتكاب جريمة قتل جماعي, وزعزعة الامن, واستهداف مؤسسات الخ) تتصدى لها الشرطة بانواعها ومقاومة تهريب المتفجرات (تهريب اسلحة) تكون من مهمة الديوانة, والكشف عن الصنع المحلي للمتفجرات (صنع اسلحة) من مهمة الشرطة والمواطن كذلك, اذن كل طرف يقاوم جزء من الجريمة, والمطلوب هنا تدعيم ثقافة تقسيم الادوار والتنسيق لرفع مستوى الاداء, فهم الغايات والكشف عن العصابات والتنسيق يتجاوز القوانين التي يصدرها التأسيسي
كل جريمة لها قانون, وما على الاجهزة الامنية والحكومة والمواطن الا ان يفككو, كل من جانبه , ما يسمى الارهاب الى أجزاء بهدف اخضاعه للقوانين العادية في المحاكم المدنية , في اخر الامر سنجد أنفسنا أمام نفس الجرائم مع اختلاف في الاهداف, ولن نهتم بالاهداف ولا بالسياق عند المحاكمة, بل هي من مشمولات اجهزة الامن (بما في ذلك الجيش ايضا) التي تقوم بالفهم والكشف والتفكيك, ويتطلب ذلك ايضا سرعة وتنظيم للجهاز الامني وقدرة عالية على كشف الجرائم والمخططات الاجرامية وتقديم الادلة للعدالة
في مايخص القبض على المتهم ومرحلة العقاب والاحتفاظ, فستجد شخصا ارتكب احدى الجرائم, أو متهم بارتكابها, ويتم النظر في الجريمة خارج السياق التي جاءت فيه, لكن لايعني ذلك تجاهل الداوفع التي تشكل جزء من القضية المتعلقة بالجريمة , مثلا قد تمسك احيانا باحد العناصر في تنظيم ارهابي كبير, هرب اسلحة وتقاضى مالا, وهولايعرف شيئا سوى شخص كلفه بالمهمة , سيحاكم على انه هرب اسلحة (دون اعتبار انتمائه الى تنظيم ارهابي اوعصابة), ثم اذا توضح ان الدافع هو الفقر والعيش في منطقة حدودية تفتقر لكل المرافق الضرورية, فستكون الدولة ايضا في قفص الاتهام (من ضروريات الثورة) ,وهل يمكن استنطاق المتهم لتقديم المعلومات باستعمال كل الوسائل حتى الممنوعة منها ؟ عمليات الاستنطاق لاتؤدي بالضرورة الى معلومات صحيحة, حتى تحت الضرب والتعذيب, ويجب ان لاتكون تصريحات المتهم الا فرضية من ضمن الفرضيات, هناك طرق اخرى عديدة لايجاد معلومات اكثر مصداقية بدون الالتجاء لخرق القانون وحقوق الانسان باسم التحقيق والاستنطاق,
يمكن للقوانين والتشريعات ان تساهم في تسهيل تنفيذ الامن لمهامه العادية عبر تحسين معدات , تأهيل, انشاء موسسات للتنسيق ,طرق عمل واتصال حديثة, أمن جمهوري, تنظيم المظاهرات, رفع الميزانية, تطوير مراكز الهندسة الامنية والعسكرية الخ
قانون الارهاب ,وخلافا لما يحمله من سياسة التصدي العشوائي للجريمة , فهو بدوره ارهاب وهو يقاوم الارهاب بارهاب الناس (من بينهم الارهابي) ولايقدم حلول عملية تقاوم الجريمة , وبما ان الارهابي عادة لايخاف لانه يحمل عقلية مختلفة أوأنه يائس من كل شيئ و فلن ترهبه القوانين ولاالدولة والجرائم التي تم الحديث عنها في قانون 2003 كزعزعة الامن, ومنع الدولة من ,واجبار الدولة على, هي بدورها عبارات فضفاضة, وقانون الارهاب في تونس كان مشابها لما صاغته عديد الدول ولم يكن ابتكار تونسي, ماذا نفعل اذن بقانون الارهاب ؟, نرسله الى سلة المهملات, أو يمكن استعماله لمسح بقع الزيت أو الماء في المطبخ
في الاخير نتحدث عن امتصاص وشل الارهاب والوقاية منه بدل مقاومته بالطرق البدائية المعمول بها , وكما قلت سابقا لا يوجد اارهاب هناك جرائم ومخالفات بأنوعها ولاشيئ جديد, مهارة المجرم وحجم العصابة يتطلب قدرة بحث متطورة ومستوى عالي من اليقظة وهو مايستوجب تطوير للاجهزة الامنية وليس قوانين جديدة, مع التذكير بأن اهم مستوى لمقاومة الجريمة هو المستوى الوقائي, والوقاية اقل تكلفة لكل الاطراف بما في ذلك المجرم, واجراءات الوقاية هي اجتماعية ثقافية اقتصادية في معظمها, مقاومة الفقر, التعليم , عدم الاقصاء, عدم التمييز, التعايش السلمي , العدالة, خطاب ديني متطور, اعلام متطور, الخ … لن ادخل في التفاصيل
هذه وجهة نظري وليست ملزمة , قد تبدو بعض الافكار مشوشة لكن الفكرة العامة واضحة, الهدف هو تطوير شامل (على قاعدة) لكل أجهزة الامن سوى جيش او شرطة او ديوانة او مخابرات وهذا سيمكنهم من التعامل بمرونة ونجاعة مع كل انواع التهديدات مهما كانت مصادرها او طبيعتها ,وباعتماد نفس التفكير الذي يصاغ به قانون الارهاب الحالي لن يبتعدو كثيرا عن قانون 2003, بل هم يضيعون الوقت في اشياء تافهة , اذ لايوجد ارهاب او قانون مكافحة الارهاب , وانا اعرف جيدا ان أي طريق اخر بخلاف ماذكر أعلاه سيكون طريقا خاطئا, ومع ذلك لاأتشبث برأيي
قانون 2003
http://www.cmf.org.tn/pdf/textes_ref/reglementations/Version_FR/blanchis_argent_lutte_ter/loi_terrorisme_blanchiment.pdf
شكرا