ليتحمل كل مسؤول مسؤولياته، جملة تكاد لا تغيب عن توجيهات الرئيس قيس سعيد كلما أطل على الشعب الكريم، خلال لقاءاته بوزرائه أو زياراته الفجائية أو حتى اجتماعات مجلس الأمن القومي فائقة الأهمية.

ليتحمل كل مسؤول مسؤولياته، جملة تكاد لا تغيب عن توجيهات الرئيس قيس سعيد كلما أطل على الشعب الكريم، خلال لقاءاته بوزرائه أو زياراته الفجائية أو حتى اجتماعات مجلس الأمن القومي فائقة الأهمية.
ألا يوجد مستشار واحد في محيط الرئيس سعيد، ينبهه بلا خوف ولا تملق من تبعات خبط عشواء الاتصالي؟ سؤال يطرح ويتكرر كل ما أطل علينا الرئيس من مكتبه، محاطا بوزراء السمع والطاعة. آخر اطلالات التخوين والوعيد عانقت ببلاغتها روعة العلو الشاهق.
بعد أن صارت ميلوني وأعضادها من اليمين المتطرف الأوروبي أصدقاء تونس في نسختها القيسية، تواصل تونس انغلاقها في وجه القوى الديمقراطية وممثليها بالبرلمان الأوروبي، خاصة المجموعات التي تذكر تونس بالتزاماتها الديمقراطية وتتساءل “دون حياء” عن مصير المساجين السياسيين.
تسريب تلو الآخر، ينشغل الرأي العام بتفاصيله. وثائق رسمية وأبحاث عدلية تتداول بشكل واسع على شبكات التواصل، زمن سلطة استوت على العرش بوعود القطع مع العبث والانحدار السياسي، فإذا بها تزيد عبثا على العبث وتفتح بسياساتها المجال للتسريبات وتصفية الحسابات من داخل المنظومة.
رغم تتالي الاحالات القضائية التي شملت صحفيين ونشطاء من قطاعات متعددة بموجب المرسوم 54، تفتقت قريحة النظام بالإبلاغ عن شروعه في تتبع من يزعجه، بموجب قراءة فضفاضة كفيلة بسجن تونس بمن عليها، إلا من اعتصموا بحبل 25 جويلية.
قبل تحوله إلى جنوب أفريقيا، زار وزير الخارجية نبيل عمار الجزائر محملا برسالة من الرئيس سعيد إلى نظيره تبون. زيارة غابت عنها صور الاستقبال الرسمي والرئاسي الجزائري، ما فسر على أنه برود وتدهور في العلاقات بين الجارتين.
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تتصدر تونس عناوين المواقع الإخبارية العالمية، في علاقة بالتضييق على المهاجرين واخبار غرق مراكب الهجرة في البحر المتوسط. اتفاقات ومذكرات تفاهم تعقد شمالا وجنوبا، بدأت انعكاساتها تتحول الى كوابيس تلاحق “الحراقة” التونسيين في إيطاليا وأوروبا بصفة أشمل.
بالإنكار ومزيد الانكار، واجهت السلطات اتهامات الطرد القسري نحو الحدود لمهاجري جنوب الصحراء، بعد ان التزمت الصمت أمام حملات التحريض والكراهية. سيناريو الصمت المتواطئ نراه يعاد هذه المرة امام استهداف مجتمع ومنظمات الميم-عين في تونس.
استجابة لصراخ الجوقة، أقال قيس سعيد موظفته برئاسة الحكومة مساء الثلاثاء 1 أوت وعوضها بآخر. تغيير موظفين لا ينتظر منه تغيير في السياسات، بل مزيدا من السرعة في السمع والطاعة والتنفيذ للقرارات الحكيمة الصادرة عن منقذ البشرية، سيد أسياد العلو الشاهق.
لئن استبشرت شرائح واسعة من التونسيين بإزاحة كابوس النهضة وأخواتها من الحكم، يوم 25 جويلية 2021، فإن سنتان من الحكم الفردي لقيس سعيد كانت كفيلة بمضاعفة الخيبة وإغراق البلاد في غياهب الفكر المؤامراتي ومستنقع الشعبوية المقيتة.
بعد تأخير تجاوز الأسبوعين، تم إمضاء مذكرة التفاهم بين تونس وأوروبا في القصور المظلمة بعيدا عن أعين الصحافة. وعود أوروبية فضفاضة اجترت برامج تعاون قديمة، مقابل التزام تونسي بقبول “حراقتها” المنتشرين بالآلاف دون وثائق في دول “الشنغن”.
بعد الرسالة التي قدمناها إلى العالم بأسره حول العلو الشاهق، حان الوقت لتلقين أوروبا البيضاء درسا في التعامل الإنساني مع ملف الهجرة.
بين عبارات ”تغيير التركيبة الديموغرافية“، والحل الإنساني لقضية المهاجرين، والتساؤل حول سبب اختيارهم لمدينة صفاقس، اختلطت الأوراق مرة أخرى في قضية الهجرة نحو سواحل أوروبا. ارتباك واحتقان تزامنا مع تعطل امضاء مذكرة التفاهم بين تونس وأوروبا، التي تسعى إلى وقف تدفق المهاجرين إلى شمال المتوسط.
بلد متأزم تحاصره الديون، شعبه يهوى التصفيق للاستبداد، يقوده شعبوي نحو المجهول، صحافته الحكومية تنشر قيئا عنصريا، فما ضر لو جعلناه سجنا يحمي بياض أوروبا من الألوان الافريقية: لنقل بصوت مرتفع ما تفكر فيه أوروبا سرا.
إيطاليا ميلوني الصديقة الأولى لتونس قيس سعيد، تقارب سياسي فرضه واقع ”الحرقة“ المتواصل رغم تباين الأهداف، بين من يريد شرطة حدود بالوكالة ومن يلعب ورقة ”جحافل“ المهاجرين لتحسين شروط التفاوض المالي.
أمام سياسة المنع والصمت التي ركزها نظام 25 جويلية، ظهرت أبواق دعاية متشنجة، احترفت التطبيل للسلطة، مهاجمة كل صوت منتقد للرئيس و مسوقة لنظريات التآمر والتخوين، حتى شارفت تونس على التطبيع مع هذه الرداءة.
قضايا وأبحاث عدلية تلاحق الرأي الحر، زادت حدتها بتونس في الأيام الأخيرة. فطنة بوليسية في التضييق على الحريات وتجاوب آلي من النيابة العمومية، وترسانة من القوانين كفيلة بتحويل تونس إلى سجن مفتوح.
أسبوع بعد عملية جربة الإرهابية، مازالت نقاط الاستفهام تحوم حول الهجوم وخاصة حول التعاطي الرسمي معه. صمت فتح الباب لفوضى التأكيد والتكذيب قبل أن تقدم السلطات روايتها المقتضبة.