للعرفان بقسميه العملي والنظري علاقات متينة بالإسلام، فالإسلام ـ كأي دين آخر، وأكثر من أي دين آخر ـ قد بين علاقات الإنسان بربه وبالعالم وبنفسه، وفسر الوجود ككل. وهنا سؤال يطرح نفسه، هو: ما النسبة بين ما بينه الإسلام وما عرضه العرفان؟.
[من المؤكد أن العرفاء المسلمين لا يدعون أن لهم كلاماً وراء كلام الإسلام، ويتبرأون من مثل هذه النسبة بشدة، بل يدعون أنهم اكتشفوا الحقائق الإسلامية أحسن من غيرهم وانهم هم المسلمون الحقيقيون، ويستند العرفاء سواء في القسم العملي أو النظري إلى الكتاب والسنة وسيرة النبي والأئمة وأكابر الصحابة.]
ولغيرهم آراء بشأنهم نذكرها على التوالي:
أ- نظرية جماعة من المحدثين والفقهاء الإسلاميين: هؤلاء يعتقدون بأن العرفاء ليسوا متقيّدين بالإسلام، وان استنادهم إلى الكتاب والسنة ليس إلاّ خداعاً للعوام وجلباً لقلوب المسلمين، وان لا علاقة للعرفان أساساً بالإسلام.
ب- نظرية جماعة من مثقفي العصر الحاضر: هؤلاء الذين لا علاقة لهم بالإسلام ويتقبلون كل ما يستشمّ منه رائحة “الاباحية” وما يمكن أن يوصف بانه مقاومة أمام المقررات الإسلامية، هؤلاء أيضاً كالسابقين يعتقدون بان العرفاء لا ايمان لهم بالإسلام، بل ان العرفاء والتصوف انما هما وجهان لنهضة الأمم غير العربية أمام الإسلام والعرب تحت ستار من المعنوية والروحانية.
وهؤلاء يتحدون مع الفرقة الأولى في أن العرفاء يخالف الإسلام ويضاده، وانما يختلفون في أن الفرقة الأولى تقدس الإسلام، وهم يحتقرون العرفاء بالاستناد إلى الاحساسات والعواطف الإسلامية العامة، ويحاولون اخراج العرفان بهذه الطريقة عن المعارف الإسلامية، بينما الفرقة الثانية تسعى لتجد من شخصية العرفاء ـ الذين يتمتع بعضهم بشخصية عالمية ـ وسيلة للدعاية ضد العرب والإسلام، هؤلاء يقولون ان استناد العرفاء إلى الكتاب والسنة انما كان عن تقية من العوام وحفظاً لنفوسهم.
ج- نظرية المحايدين: بامكاننا أن نجد في العرفان والتصوف، ولا سيما في العرفان العملي وبالأخص فيما يجد جانباً عملياً للفرقة، تحريفات ومبتدعات كثيرة لا توافق كتاب الله ولا السنة المعتبرة، إلا أن العرفاء كسائر طبقات أصحاب الثقافة الإسلامية في غاية الاخلاص للإسلام، ولم يريدوا أن ينطقوا بشيء يضاد الإسلام، من الممكن أن يكون لهم أخطاء كسائر طبقات أصحاب الثقافة كالمتكلمين والفلاسفة والمفسرين والفقهاء، إلاّ انهم لم يضمروا السوء للإسلام.
ان افتراض مخالفة العرفاء للإسلام انما جاء من قبل مغرضين، اما مضادين للعرفان أو للإسلام، وإلا فلو قرأ إنسان كتب العرفاء بلا غرض وبلا انحياز لم يشك في انهم كانوا مخلصين تماماً للإسلام، وان كان من الممكن أن يجد عندهم أخطاء كثيرة، ولكن بشرط أن يعرف منطقهم واعرافهم الخاصة ومصطلحاتهم.
ونحن نرجح النظرية الثالثة ونعتقد بأن العرفاء لم يضمروا السوء للإسلام، وفي الوقت نفسه نرى من اللازم أن يبحث متخصصون في المعارف الإسلامية والعرفان في مدى توافق المسائل العرفانية مع الإسلام، بلا أي انحياز أو ممالأة.
والمسألة التي يلزم أن نعرض لها هنا هي: هل أن العرفان الإسلامي من قبيل الفقه والاصول والتفسير والحديث أي هو من العلوم التي اتخذ المسلمون موادّها الاصلية من الإسلام واكتشفوا لها القواعد والاصول والضوابط؟ أو هو من قبيل الطب والرياضيات التي دخلت إلى عالم الإسلام من خارجه وتطورت وتكاملت على يد المسلمين؟ أو ان هناك قسماً آخر؟.
يختار العرفاء أنفسهم الشطر الأول ولا يقبلون أي احتمال آخر، وقد أصرّ بعض المستشرقين، ويصرون على أن العرفان وأفكاره الدقيقة واللطيفة، انما دخلت عالم الإسلام من خارجه، فقد يرون أن لها عروقاً مسيحية وانها من نتيجة ارتباط المسلمين بالرهبان المسيحين، وقد يرون أنها ردود فعل من الايرانيين ضد العرب والإسلام! وقد يرون أنها من نتائج الفلسفة الافلاطونية الحديثة التي جاءت نتيجة تأليف أفكار ارسطو وافلاطون وفيثاغورس والجينوسيين في الاسكندرية وآراء وعقائد اليهود والمسيحيين وقد يرون انها من أفكار البوذيين، كما أن مخالفي العرفاء من المسلمين، كانوا ولا زالوا يحاولون أن يجدوا للعرفان والتصوف جذوراً غير إسلامية.
والنظرية الثالثة: أن العرفان بقسميه العملي والنظري أخذ مواده الأولى من الإسلام وبين له قواعد وضوابط واصولاً، ولم يتخلص من تأثير الافكار الكلامية والفلسفية ولا سيما الاشراقية، أما ما مدى موفقية العرفاء في بيان القواعد والضوابط الصحيحة المستخرجة من المواد الإسلامية الاولى، وهل انهم كانوا موفقين في ذلك كالفقهاء أولاً؟ وما مدى التزامهم بعدم الانحراف عن الاصول الإسلامية الواقعية؟ وما مدى تاثير المجريات الخارجية على العرفان الإسلامي؟ وهل أن العرفان الإسلامي صهرها في بوتقته وصبغها بصبغته وافاد منها أو ان امواج تلك المجريات دفعت العرفان الإسلامي في مسيرتها؟ هذه أمور يجب ان يبحث بدقة في مظانّها، والمؤكد أن العرفان الإسلامي أخذ اصوله من الإسلام فحسب.
أصحاب النظرية الأولى ـ وعدة من أصحاب النظرية الثانية ـ يدعون أن الإسلام دين فطري ودون تكلف وخال من كل رمز أو أمور غامضة غير مفهومة أو صعبة الفهم، فأساس عقائد الإسلام عبارة عن التوحيد، والتوحيد في الإسلام يعني، كما أن للبيت بانياً متميزاً عن البيت، كذلك العالم له بان خالق متميز عنه، واساس علاقة الإنسان بمتاع الحياة الدنيا في نظر الإسلام هو الزهد، يعني الإعراض عن متاع الحياة الدنيا الفانية للوصول إلى نعيم الحياة الخالدة، وإذا تجاوزنا هذه الأُسس وصلنا إلى سلسلة من المقررات الفطرية الفقهية، هؤلاء يرون أن ما جاء به العرفاء باسم التوحيد ليس إلاّ شيئاً وراء التوحيد الإسلامي، إذ التوحيد العرفاني عبارة عن وحدة الوجود وان لا شيء في الوجود سوى الله وشؤونه واسمائه وصفاته وتجلياته. والسلوك العرفاني أيضاً شيء وراء الزهد الإسلامي، إذ نجد في السلوك العرفاني سلسلة من المعاني والمفاهيم لا نجدها في الزهد الإسلامي، من قبيل العشق وحب الله، والفناء في الله وتجلي الله على قلب العارف. والطريقة العرفانية أمر وراء الشريعة الإسلامية، إذ فيها آداب لا نجد أثراً لها في الفقه والشريعة الإسلامية.
هؤلاء يرون أن خيار الصحابة الذين ينتسب إليهم الصوفية والعرفاء ويعدونهم أئمتهم، لم يكونوا إلاّ زهاداً عابدين، ولم يكن لهم أي اطلاع على السلوك العرفاني، أجل كانوا معرضين عن متاع الحياة الدنيا مقبلين على الآخرة، ولم يكن لهم أي أصل في ذلك سوى الخوف والرجاء، الخوف من عذاب جهنم ورجاء ثواب الجنة، فقط.
والحقيقة: أنه لا يمكن تأييد نظرية هذه الفرقة، فان المادة الإسلامية الأولى أغنى مما تفترضة هذه الفرقة عمداً أو جهلاً، فلا التوحيد الإسلامي بهذه البساطة والسذاجة والفراغ؟ الذي افترضه هؤلاء، ولا المعنوية الإسلامية الإنسانية مقصورة على الزهد الجامد، ولا صحابة الرسول الكرام كانوا كما وصفه هؤلاء، ولا الأداب الإسلامية محدودة بأعمال الأعضاء والجوارح الظاهرة وحدها.
وهنا نأتي بمطالب تثبت أن تعاليم الإسلام الأصيلة، كان بإمكانها أن تكون ملهمة لسلسلة من المعارف العميقة في العرفان والعملي، أما كم أفاد العرفاء المسلمون من هذه التعليمات، وكم انحرفوا عنها فهو بحث آخر.
إن القرآن الكريم لا يقيس الخالق والخلقة بالباني والبناء، ان القرآن يؤكد أن الله هو خالق العالم ويصفه بأنه في كل شيء، ومع كل شيء: (اينما تولوا فثم وجه الله) و(نحن أقرب إليه منكم) (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).
وبديهي أن أمثال هذه الآيات دعت الأفكار إلى توحيد أسمى وأعلى من توحيد العوام، وقد جاء في حديث الكافي: “أن الله علم أنه يأتي في آخر الزمان متعمقون فانزل الآيات الأولى من سورة الحديد وقل هو الله أحد”.
ويكفي في السير والسلوك طيّ المراحل للتقرب إلى الله حتى آخر منزل أن نلقي نظرة على بعض الآيات في “لقاء الله” و”رضوان الله” والوحي والالهام ومكالمة الملائكة، ولا سيما مع غير الأنبياء كمريم عليها السلام، وآيات معراج الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن الحديث عن “النفس الأمارة” و”النفس اللوامة” و”النفس المطمئنة” وعن “العلم الافاضي” و”العلم اللدني” وعن الهداية نتيجة “المجاهدة” و”الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” وعن “تزكية النفس” بعنوان أنها طريق الفلاح الوحيد: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) وعن “الحب الإلهي” وانه فوق كل حب.
وعن تسبيح وتحميد جميع ذرات العالم. بعبارة يفهم منها: انكم أيها الناس ان أكملتم “تفقّهكم” أدركتم ذلك التسبيح والتحميد، وفي القرآن جاء الكلام في طينة الإنسان عن “النفخة الالهية”.
وتكفي هذه المفاهيم والآيات وغيرها، لأن تكون ملهمة لمعنوية عظيمة وواسعة بشأن الله والعالم والإنسان، ولا سيما بشأن علاقة الإنسان بربه.
وليس الكلام في كيفية استفادة المسلمين من هذه المواد بصورة صحيحة أو غير صحيحة، بل الكلام في النظريات المغرضة لجماعة من الغربيين والمغتربين، الذين يحاولون تفريغ الإسلام من معنويته. الكلام عن رأسمال عظيم في صميم الإسلام كان بإمكانه أن يكون ملهماً عظيماً في عالم الإسلام، على فرض ان يكون العرفاء اخفقوا في الافادة الصحيحة من هذا الرأسمال العظيم، فقد أفاد منه آخرون غير معروفين بعنوان العرفاء.
أضف إلى ذلك أن الروايات والخطب والأدعية والاحتجاجات الإسلامية وتراجم أكابر المتربين بتربية الإسلام، تثبت لنا أن الذي كان في صدر الإسلام لم يكن زهداً جامداً وعبادة على أمل الأجر والثواب، أن في الروايات والخطب والأدعية والاحتجاجات معاني عظيمة، وان تراجم شخصيات الصدر الأول تحكي عن سلسلة من الثورات الروحية والبصائر القلبية، وعن عشق واحتراق معنوي عظيم.
ان حياة وحالات وكلمات ومناجاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، مليئه من الثورات المعنوية الالهية والاشارات العرفانية، وقد استشهد العرفاء كثيراً بأدعية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
وكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ملهمة للمعرفة المعنوية، وهو الذي إليه ينهي أكثرية أهل العرفان والتصوف سلسلة مشيختهم.
وان الأدعية الإسلامية، ولا سيما الأدعية الشيعية كنز من المعارف، كدعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي والمناجاة الشعبانية وأدعية الصحيفة السجادية.
فهل لنا مع جميع هذه المنابع أن نفتش عن أي منبع من خارج عالم الإسلام؟.
نرى نظير هذا في حركة أبي ذر الغفاري الاجتماعية المعترضة على الخلافة المغتصبة، والمنتقدة إياها على تجبرها وتنمرها، ان أبا ذر كان يعترض على الحكام في ظلمهم وجورهم وتعديهم وتجاوزهم وحيفهم لأموال المسلمين، واهمالهم لرعاية العدل والمساواة الإسلامية، وقد تحمل لذلك التبعيد والاتعاب المضنية المرهفة، حتى ارتحل من الدنيا في منفاه غريباً.
وجاء اليوم بعض المستشرقين يطرحون تساؤلاً يقول: يا ترى من كان يحرك أبا ذر لهذه الحركات؟ وهم يفتشون عن عامل من خارج عالم الإسلام حرك أبا ذر هكذا! ويرد عليهم جورج جرداق المسيحي في كتابه “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” يقول: “لقد فطن هؤلاء المؤلفون لعبد الله بن سبأ والمزدكية، ولم يفطنوا لأبي ذر والإسلام. وهالهم “تأليب ابن السوداء الناس على الأئمة” فراحوا يجدون فيه سبب النقمة على عثمان، ولم يهلهم ما انكره المسلمون على عثمان، وما ينكره كل شعب على كل حاكم في كل عصر: من ايثار الفئة القليلة على الجماعة الكثيرة، ومن استئساد هذه الفئة برأي الحاكم وبعونه! لهذا راحوا يسألون الساقية الناضبة البعيدة عن مصدر الغيث ولم يسألوا البحر المحيط القريب”.
ونرى مثل ذلك في موضوع العرفان، فالمستشرقون هنا أيضاً يفتشون عن منبع غير الإسلام ليكون هو الملهم للمعنويات العرفانية، بينما هم يتجاهلون هذا البحر العظيم! فهل يمكننا أن ننكر كل هذه المنابع من القرآن والحديث والخطب والاحتجاجات والأدعية والسيرة من أجل أن نصدق فرضية بعض المستشرقين، واذنابهم من الشرقيين؟!.
ومن حسن الحظ أن بعض المتأخرين من المستشرقين مثل نيكلسون الانجليزي وما سينيون الفرنسي ممن يعترف لهم الجميع بمعرفتهم الواسعة في العرفان الإسلامي، اعترفوا بأن المنبع الأصلي للعرفان الإسلامي هو القرآن والسنة، يقول نيكلسون بهذا الصدد.
“نرى القرآن يقول: (الله نور السموات والأرض) (هو الأولى والآخر والظاهر والباطن) (لا إله إلاّ هو..) (كل من عليها فان) (ونفخت فيه من روحي) (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (اينما تولوا فثم وجه الله) (ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور) ولا شك في وجود جذور للتصوف والعرفان في هذه الآيات، ولم يكن القرآن للصوفيين الأوائل كلمات لله فحسب بل سبب التقرب إليه أيضاً، وكان الصوفيون يسعون في الحصول على الحالة الصوفية التي لرسول الله صلى الله عليه وآله في أنفسهم عن طريق العبادة والتعمق في اقسام من القرآن، ولا سيما الآيات الرمزية في “معراج رسول الله”.
ويقول أيضاً:
“الوحدة الصوفية نرى اصولها مذكورة في القرآن أكثر من أي مصدر آخر وكذلك الرسول يقول كما في الحديث القدسي: “لا يزال العبد يتقرب اليّ بالنوافل حتى إذا أحببته، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها”.
وقد كررنا القول بأن الكلام ليس في صحة ما استلهمه العرفاء والمتصوفة وعدمها، بل الكلام في أن منشأ هذه الاستلهامات هل هي منابع إسلامية أو من خارج الإسلام؟
القرن الأول:
من المسلم به أنه لم يكن في صدر، ولا في القرن الأول جماعة يعرفون بالعرفان أو التصوف بين المسلمين، وانما نجد اسم “الصوفي” في القرن الثاني الهجري، قيل: أن أول من دعى بهذا اللقب ابو هاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني، وهو أول من بنى “الخانقاه” في رملة فلسطين لعبادة جماعة من العباد والزهاد المسلمين وأبو هاشم من شيوخ سفيان الثوري المتوفى في سنة 161هـ ولا يعلم تاريخ وفاة أبي هاشم بالضبط.
ولا علم لنا متى اطلق هؤلاء على أنفسهم لقب العرفاء أيضاً، والقدر المسلم به ـ كما يفهم من كلمات السري السقطي المتوفى في 243هـ ـ أن مصطلح العرفان كان شائعاً في القرن الثالث الهجري، وفي كتاب “اللمع” لابن نصر سراج الطوسي، الذي يعد من الكتب المهمة في العرفان والتصوف نقل عبارة عن سفيان الثوري تفيد ان هذا المصطلح ظهر في حدود منتصف القرن الثاني الهجري (اللمع ص427).
وعلى أي حال، فلم يكن هناك جماعة في القرن الأول الهجري يعرفون بلقب الصوفية، وانما ظهر هذا اللقب في القرن الثاني والظاهر أن ظهور هؤلاء على شكل جماعة خاصة كان كذلك في هذا العهد، لا القرن الثالث كما يقول بعض المؤلفين.
ولكن عدم وجود جماعة خاصة في القرن الأول الهجري يعرفون باسم العرفاء أو الصوفية أو أي اسم آخر، لا يدل على أن خيار الصحابة كانوا أناساً زاهدين عابدين مؤمنين ايماناً فطرياً بسيطاً فاقدين للحياة المعنوية (كما يدعي ذلك الغربيون والمغتربون) ولعل بعض خيار الصحابة لم يكن لهم سوى الزهد والعبادة، إلاّ أن جماعة منهم كانوا يتمتعون بحياة معنوية قوية، وأولئك أيضاً لم يكونوا في درجة واحدة حتى ان سلمان وأبا ذر لم يكونا في درجة واحدة من الايمان، فقد كان لسلمان صدر مشروح بالايمان لم يكن ليطيقه أبو ذر، ولذلك جاء في أحاديث متعددة ما معناه: “لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله” (سفينة البحار).
والآن نعرض لطبقات العرفاء والصوفية من القرن الثاني حتى العاشر الهجري.
القرن الثاني:
ألف ـ الحسن البصري، يبدأ تاريخ العرفان المصطلح ـ كالكلام ـ من الحسن البصري المتوفى في 110هـ ولد الحسن البصري سنة 22هـ وعاش ثمانية وثمانين عاماً وصرف تسعة أعشار عمره في القرن الأول من الهجرة، لم يعرف الحسن البصري بالصوفي، وانما يعد من الصوفية لانه:
أولاً: ألّف كتاباً باسم “رعاية حقوق الله” يمكن أن يعد أول كتاب في التصوف، وتوجد نسخة وحيدة منه في مكتبة اكسفورد، ويدعي نيكلسون:
“ان أول مسلم كتب طريقة الحياة الصوفية الحقيقة هو الحسن البصري، الطريقة نفسها التي يشرحها المتأخرون للوصول إلى المقامات العالية: الأول التوبة، مثل سلسلة من الأعمال الأخرى.. يجب العمل بها للارتقاء إلى مقام اسمى بكيفية خاصة”.
وثانياً: العرفاء أنفسهم ينهون بعض مشيخة طرائقهم إلى الحسن البصري ومنه إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، مثل سلسله مشايخ أبي سعيد ابي الخير وينهي ابن النديم في الفهرست في الفن الخامس من المقالة الخامسة، سلسلة أبي محمد جعفر الخلدي إلى الحسن البصري، ويقول: أدرك البصري سبعين رجلاً من أصحاب بدر.
ثالثاً: وتفيد بعض الحكايات المنقولة، ان الحسن البصري كان من جماعة أو فرقة عرفت فيما بعد باسم المتصوفة وكان الحسن البصري من الموالي المولدين الإيرانيين.
ب ـ مالك بن دينار، كان من أهل البصرة ممن أفرط في الزهد وترك اللذات، وقد نقلت عنه حكايات وقصص، توفي في سنة 131هـ.
ج ـ ابراهيم الأدهم، كان من أهل بلخ، له قصة معروفة، مثل قصة بوذا، قيل أنه كان ملكاً على بلخ وحدثت أمور تاب على أثرها ودخل في أهل التصوف، يعتم به العرفاء كثيراً ووردت عنه قصة جميلة في ديوان المولوي المثنوي، توفي في 161هـ.
د ـ رابعة العدوية، كانت من أهل البصرة أو مصر، وهي من أعاجيب العالم، وسميت رابعة لكونها رابعة بنات اسرتها، وهي غير رابعة الشامية التي هي أيضاً من العرفاء ومعاصرة للجامي في القرن التاسع الهجري.
لرابعة العدوية كلمات سامية وأبيات عرفانية وحالات عجيبة. ولها قصة جملية في عيادة الحسن البصري، ومالك بن دينار ورجل آخر لها في مرضها، توفيت في عام 135 أو 136 وقيل توفيت في 180 أو 185هـ.
هـ ـ أبو هاشم الصوفي الكوفي، كان من أهل الشام، ولد وعاش بها، ولا يعلم تاريخ وفاته، وانما يعلم أنه كان شيخ سفيان الثوري المتوفى في 161هـ. وكان سفيان يقول: لو لم يكن أبو هاشم لم أكن أعرف رموز الرياء!.
وـ شقيق البلخي، كان من تلامذة ابراهيم الأدهم، وقد نقل علي بن عيسى الأربلي في كتابه “كشف الغمة” والشبلنجي في “نور الأبصار”: أنه لاقى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ونقل عنه بعض الكرامات، توفى في سنة 153أو 174أو 184هـ’.
زـ معروف الكرخي، كان من كرخ بغداد، واسم أبيه “فيروز” ومن هنا يظن أنه من أصل إيراني، كان من مشاهير العرفاء، قيل أن ابويه كانا مسيحيين وأسلم هو على يد الامام الرضا عليه السلام، واستفاد منه معلومات قيمة، وينتهي كثير من مشايخ طرق العرفاء ـ كما يدعون ـ إلى معروف الكرخي ومنه إلى الامام الرضا عليه السلام ومنه إلى الأئمة السابقين حتى رسول الله صلى الله وآله وسلم، ولهذا تسمى هذه المشايخ (بسلسلة الذهب) أو (الذهبيين) توفي في 200أو 206هـ.
ط ـ فضيل بن عياض، كان (من أهل مرو) إيرانياً من أصل عربي، قيل كان في بداية أمره سارقاً وقاطع طريق، وتسلق ليلة دار رجل قائم الليل يتلو القرآن فسمع آية تاب على أثرها، إليه ينسب كتاب (مصباح الشريعة) وقيل تلقى دروسه من الإمام الصادق عليه السلام، مات فضيل في سنة 187هـ.
القرن الثالث:
الف ـ با يزيد البسطامي (طيفور بن عيسى) من أكابر العرفاء من أهل بلدة بسطام، هو أول من تكلم عن الفناء في الله والبقاء بالله (!) كان يقول: خرجت من كوني با يزيد كما يزيد كما تخرج الحية من جلدتها! وله شطحات أوجبت تكفيره(؟) ويسميه العرفاء من أصحاب “السكر” (!) أي كان يتكلم بما يقول وهو كالسكران (!) مات عام 261هـ قيل انه كان يسقي الماء في دار الامام الصادق عليه السلام، وهذا لا يتفق مع التاريخ الثابت، إذ لم يدرك با يزيد عصر الإمام الصادق عليه السلام.
ب ـ بشر الحافي، كان من أهل بغداد، وآباؤه من أهل (مرو). كان من مشاهير العرفاء. كان في بداية أمره من أهل الفسق والفجور ثم تاب. وقد نقل العلامة الحلي في كتابه (منهاج الكرامة) قصة تدل على توبته على يد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وكان حافياً فعرف بالحافي، توفي في عام 226 أو 227هـ.
ج ـ سري السقطي، كان من أهل بغداد، ولا يعرف أصله، وكان من أحباء بشر وأصدقائه، ومن أهل الايثار والشفقة على الناس، ونقل ابن خلكان في (وفيات الأعيان) عنه أن كان يقول: لا زلت استغفر الله سنة من قولي: الحمد لله. قالوا: كيف ذلك؟ قال: احترق السوق ليلة فخرجت لارى هل وصلت النار إلى حانوتي فقيل لي: لا، قلت: الحمد لله، ثم انتبهت إلى أنه حتى لو لم تبلغ النار إلى حانوتي أفلا يجب عليّ أن اهتم بشؤون المسلمين؟!.
كان السري من تلامذة معروف الكرخي، وكان شيخ الجنيد وخاله، وله كلمات كثيرة في التوحيد والحب الإلهي وغيرهما، وهو الذي يقول: العارف كالشمس يشرق على جميع العالم، وكالأرض تحمل البر والفاجر، وكالماء منه كل شيء حي، وكالنار يضيء لجميع الناس، توفي في 245أو 250هـ.
د ـ الحارث المحاسبي، بصريّ الأصل، من أحباء وأصدقاء وأصحاب الجنيد ولذلك لقب بالمحاسبي كناية عن اهتمامه بالمحاسبة والمراقبة، كان معاصراً لأحمد بن حنبل ولعداوة أحمد بن حنبل مع أهل الكلام، طرد الحارث لدخوله في الكلام، وهذا مما سبب اعراض الناس عنه، مات عام 243هـ.
هـ ـ الجنيد البغدادي، كان أصله من نهاوند، ويدعوه العرفاء والصوفية بلقب “سيد الطائفة” كما يلقب الشيعة الشيخ الطوسي “شيخ الطائفة” يعد عارفاً معتدلاً حيث لم يسمع منه ما كان يسمع من غيره من الشطحات، ولم يلبس ملابس الصوفية، وكان يتزيّا بزي العلماء والفقهاء، قيل له: البس “الخرقة”: (ملابس الصوفية) لرضا الأصحاب، قال: لو كنت اعلم ان اللباس يصنع شيئاً لصنعت لنفسي ملابس من حديد! ولكن الحقيقة تقول: ليس الاعتبار بالخرقة انما الاعتبار بالحرقة”: ( حرقة القلب) كان الجنيد ابن أخت وتلميذ السري السقطي، وكذلك الحارث المحاسبي قيل مات 297 وعمره تسعون عاماً.
وـ ذو النون المصري، كان من أهل مصر، وكان في الفقه تلميذ بن انس الفقيه المعروف، لقبه الجامي: برئيس الصوفية، وهو أول من استعمل الرموز مصطلحات للمسائل العرفانية، كي لا يفهمها إلاّ من كان من أهلها ووارداً ولا يفهم شيئاً منها من لم يردها من بابها، وتدرج هذا العمل بعده واستعملت المعاني العرفانية في ثوب الغرام والغزل. ويرى بعضهم أن تعاليم الفلسفة الافلاطونية الحديثة دخلت العرفان على يد ذي النون المصري (330) توفي فيما بين سني 240-250هـ.
زـ سهل بن عبد الله التستري، كان من أكابر العرفاء والصوفية، اصله من شوشتر، وإليه تنسب فرقة من العرفاء الذين يرون الأصل “جهاد النفس” فتدعى باسم “السَهْلية”. لاقى ذا النون المصري في مكة مكرمة، وتوفي في 283 أو 263هـ.
ح ـ حسين بن منصور الحلاج، كان من أهل (البيضاء) من توابع شيراز ترعرع في العراق. هو أكثر العرفاء ضجيجاً وصخباً، إذ كانت له شطحات كثيرة، حتى أتهم بالكفر والارتداد وادعاء الربوبية فكفره الفقهاء، وصلب على عهد المقتدر بالله العباسي، واتهمه العرفاء أنفسهم ـ بإفشاء الأسرار.
ويعده بعضهم من المشعوذين، ويبريه العرفاء ويقولون: ان كلماته وكلمات با يزيد التي يستشم منها رائحة الالحاد صدرت عنهم في حالة سكر وغيبوبة صوفية عرفانية(!) ويعده العرفاء في الشهداء. صلب عام 306أو 309هـ.
القرن الرابع:
الف ـ أبو بكر الشلبي، كان من مريدي وتلامذة الجنيد البغدادي، وقد أدرك الحلاج، ونقلت عنه في كتاب (روضات الجنات) وسائر كتب التراجم، اشعار وكلمات عرفانية كثيرة، وقال الخواجة عبد الله الأنصاري: أول من تكلم بالرموز والكناية والاشارة ذو النون المصري، ولما جاء الجنيد رتب هذا العلم وبسطه والّف كتباً فيه، ولما جاء دوةر الشبلي صعد بهذا العلم إلى أعلى المنابر (!) مات الشبلي بين سني 334ـ344 وعمره; 87عاماً.
ب ـ أبو علي الرودباري، كان ينتسب إلى انوشيروان من عنصر ساساني، وهو من ميريدي الجنيد وتعلم الأدب من ثعلب والفقه من ابي العباس بن شريح، ولذلك عدّ جامعاً للشريعة والطريقة والحقيقة. مات سنة 322هـ.
ج ـ أبو نصر السراج الطوسي، صاحب الكتاب المعروف “اللمع” وهو من المتون الاصيلة والقديمة والمعتبرة العرفانية والصوفية، مات في طوس سنة 378هـ، كثير من مشايخ الطريقة من تلامذته بواسطة أو بدونها.
د ـ أبو الفضل السرخسي، كان من أهل خراسان وهو تلميذ ومريد أبي نصر السراج واستاذ أبي سعيد أبي الخير العارف المعروف الشهير، مات عام 400هـ.
هـ ـ أبو علي الرودباري، هو ابن أخت أبي علي الرودباري، وهو من عرفاء الشام، مات عام 369هـ.
وـ أبو طالب المكي، أكثر شهرته بكتابه الذي ألّفه في العرفان والتصوف باسم “قوت القلوب” وهو مطبوع موجود، ويعد من المتون الأصيلة والقديمة العرفانية والصوفية، أصله من بلاد الجبل من إيران، عرف بالمكي لمجاورته سنين مكة المكرمة، مات عام 385أو 386هـ.
القرن الخامس:
ألف ـ الشيخ أبو الحسن الخرقاني، أحد مشاهير العرفاء، وتنسب إليه قصص عجيبة، منها ادعاؤه أنه ذهب إلى قبر با يزيد البسطامي واتصل بروحه وحل بعضه مشاكله.
ب ـ أبو سعيد أبو الخير النيسابوري، من أشهر العرفاء وأكثرهم عرفانية، له رباعيات جميلة، سُئل: ما هو التصوف؟ قال: “ان تدع ما في فكرك، وان تعطي ما في يدك، وان تندفع بما يأتي عليك” التقى بأبن سينا، حضر ابن سينا يوماً مجلس وعظه، وكان أبو سعيد يتكلم في ضرورة العمل وآثار الطاعة والمعصية.
ج ـ أبو علي الدقاق النيسابوري، جامع الشريعة والطريقة، والواعظ والمفسر المعروف، لقب بالشيخ النائح لكثرة نوحه وبكائه في مناجاته، ومات عام 405أو 412هـ.
د ـ أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري الغزنوي، صاحب كتاب (كشف المحجوب) من الكتب المعروفة في هذه الفرقة مات عام 470هـ.
هـ ـ الخواجه عبد الله الأنصاري، من نسل أبي أيوب الأنصاري الصحابي المعروف، هو من أشهر واعبد العرفاء، له كلمات قصار ومناجات ورباعيات جميلة مهيجة، شهرته في الأكثر بها، من كلماته: “حقير في الصغر، وسكران في الشباب، وضعيف في الشيخوخة، فمتى تعبد الله” ومن كلماته: “جزاء السيئة بالسيئة عمل الكلاب، وجزاء الاحسان بالاحسان عمل الحمير، وجزاء السيئة بالحسنة هو الذي ينبغي أن يكون من عمل الخواجة الأنصاري”.
ولد في هرات وتوفي ودفن بها سنة 481هـ ولذلك عرف بشيخ هرات، له كتب كثيرة، اشهرها وأكمل كتب العرفان الذي كان يدرس في هذا الفن هو كتاب “منازل السائرين” وكتبت عليه شروح كثيرة أيضاً.
وـ الامام أبو حامد محمد الغزالي الطوسي، من اشهر علماء المنقول ورئيس المدرسة النظامية ببغداد، وكان يشغل اسمى منصب ديني على عهده بها، ولكنه أحس ان العلوم والمناصب لم تشبع روحه، فاختفى واشتغل بتهذيب نفسه وتصفيتها عشر سنين في بيت المقدس بعيداً عن عيون الناس، واتجه نحو العرفان، والتصوف، ثم لم يقبل أي منصب حتى آخر عمره، ألّف كتابه الكبير “احياء علوم الدين” بعد رياضاته،ومات في طوس وطنه الأصلي عام 505هـ.
القرن السادس:
ألف ـ عين القضاة الهمداني، أشهر العرفاء، مريد أحمد الغزالي وهو أخو محمد الغزالي، ألّف كتباً كثيرة، وله أشعار رائعة لا تخلو من الشطحات، ولذلك كفره الفقهاء، فقتل واحرق جسده وذر رماده في الهواء، قتل في حدود 525 ـ533هـ.
ب ـ سنائي الغزنوي، الشاعر المعروف، له شعر عرفاني عميق، أتى ببعض افكاره المولوي المثنوي وشرحها، مات في النصف الأول من القرن السادس.
ج ـ أحمد الجامي، المعروف به (ژنده بيل) من مشاهير العرفاء والمتصوفة، قبره في مدينة (تربت جام) قرب حدود إيران وافغانستان، له شعر في الخوف والرجاء يقول ما معناه: “لا تغتر فكم من مراكب الرجال قد انقطع عن الطريق،ولا تيأس، فان الأذكياء قد وصلوا المنزل بحداء”.
وقال في رعاية الاعتدال في الانفاق والامساك.
“لا تكن بالفأس فلا تقطع لنفسك دائماً… ولا تكن كالمبرد بلا منفعة لنفسك، وتعلم من المناشير، فجر شيئاً لنفسك واعط منه شيئاً”.
د ـ عبد القادر الجيلاني،ولد في شمال إيران ونما وترعرع في بغداد ودفن بها، واعتقد بعضهم أنه من أهل “جيل” لاجيلان معرب “گيلان” كان من الشخصيات الصاخبة في عالم الإسلام. إليه تنسب سلسلة (القادرية) من سلاسل الصوفية، قبره ببغداد معروف مشهور، وقد نقل عنه كلام ودعاوي كبيرة مفرطة، اصله من السادة الحسنيين، مات عام 560أو 561هـ.
هـ ـ الشيخ روزبهان البقلي الشيرازي المعروف بالشيخ الشطاح، لكثرة شطحاته، طبع بعض كتبه ونشر من قبل المستشرقين، مات عام 606هـ.
القرن السابع:
ربى هذا القرن عرفاء عظماء، نذكرهم حسب توالي تواريخ وفاتهم.
ألف ـ الشيخ نجم الدين كبرا الخوارزمي، من مشاهير وأكابر العرفاء، وإليه ينتهي كثير من مشايخ الطرق الصوفية، تلميذ ومريد صهر الشيخ روزبهان البقلي الشيرازي، له تلامذة كثيرون متربون على يده، منهم بهاء الدين الولد، والد المولى المولوي الرومي، عاش في خوارزم على عهد المغول، ولما أراد المغول أن يهجموا على خوارزم ارسلوا إليه: بامكانكم أن تخرجوا من البلد وتنجوا بأنفسكم، فأجاب نجم الدين كنت في الرخاء فيهم واليوم لا أفارقهم في العسر والشدة، ولبس لامته للحرب وجاهد مع الناس حتى قتل شهيداً، سنة 616هـ.
ب ـ الشيخ فريد الدين العطار النيسابوري، كان من أكابر الدرجة الأولى من العرفاء، له كتب ودواوين شعر، ويعتبر كتابه (تذكرة الأولياء) في ترجمة العرفاء والصوفية ويبدأ بذكر خبر عن الامام الصادق عليه السلام، ويختم بخبر آخر عن الامام الباقر عليه السلام، يعتبر هذا الكتاب من المصادر المعتبرة، ويوليه المستشرقون أهمية وافرة، وكذلك كتابه الآخر (منطق الطير) كتاب مهم في العرفان.
كان العطار معاصراً لفتنة المغول، ومات فيها، بل قيل أنه قتل فيها في عام 626أو 228هـ.
ج ـ الشيخ شهاب الدين السهروردي الزنجاني، صاحب الكتاب المعروف “عوارف المعارف” من المتون الجيدة في العرفان والتصوف ينتهي نسبه إلى أبي بكر، كان يزور مكة والمدينة كل سنة، له مع عبد القادر الجيلاني لقاء وصحبة، ومن مريديه الشيخ سعدي الشيرازي، وكمال الدين اسماعيل الاصفهاني الشاعر المعروف، ويقول سعدي بشأنه:
“قال لي مرشدي الشيخ العالم (شهاب) حكمتين احداهما: أن لا أحسن الظن بنفسي، والاخرى: أن لا أسيء الظن بالناس”.
وهذا السهروردي غير السهروردي الفيلسوف المعروف بشيخ الاشراق، المقتول بحلب سنة 581 ـ590 مات السهروردي العارف حدود عام 632هـ.
د ـ ابن الفارض المصري، كان من العرفاء من الطراز الأول، وله شعر عرفاني عربي في نهاية الظرافة، وقد طبع ديوانه مراراً وشرح شعره كثير من العرفاء، منهم عبد الرحمن الجامي العارف المعروف في القرن التاسع، ويقاس شعره العرفاني في العربية بشعر الحافظ الشيرازي في الفارسية. قال له محي الدين العربي: اشرح أشعارك، قال: كتابك (الفتوحات المكية) شرح لاشعاري. كانت له حالات غير اعتيادية، فكان غالباً في حالة (الجذبة والخلسة) وقد نظم أكثر شعره في تلك الأحوال، مات ابن الفارض سنة 632هـ.
هـ ـ محيي الدين العربي الحاتمي الطائي الاندلسي من أولاد حاتم الطائي، ولد في الاندلس، والظاهر أنه صرف أكثر عمره في مكة وسورية، وهو تلميذ الشيخ أبي مدين المغربي الأندلسي من عرفاء القرن السادس تنتهي طريقته بواسطة واحدة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني السابق الذكر.
كان محيي الدين ـ واحياناً يقال: ابن العربي ـ أكبر عرفاء الإسلام، لم يبلغ مبلغه أحد قبله ولا بعده، حتى انه لقب بالشيخ الأكبر.
تكامل العرفان الإسلامي من بدء ظهوره قرناً بعد قرن، ظهر في كل قرن عرفاء كبار طوروا العرفان واضافوا إليه، وكان هذا التطور تدريجياً، وعلى يد محيي الدين العربي في القرن السابع بلغ نهايته كماله، فانه ادخل العرفان مرحلة جديدة لا سابقة لها، أما القسم الثاني من العرفان أي العرفان العلمي والنظري الفلسفي فقد تأسس على يد ابن العربي وأكثر العرفاء بعده عيال عليه، وهو بكل هذا اعجوبة من أعاجيب الحياة، ولذلك اختلف الناس بشأنه، فبعض يراه ولياً كاملاً أو قطب الاقطاب، وينزله آخرون حتى حد الكفر ويدعونه ماحي الدين أو مميت الدين، أما صدر المتألهين الفيلسوف الكبير والنابغة العظيم فهو يجله نهاية الاجلال، ويراه أعظم حتى من الفارابي وابن سينا! له أكثر من مائتي كتاب، طبع أكثر الموجود منها (ثلاثون كتاباً تقريباً) أهمها (الفتوحات المكية) وهو كتاب كبير يعد في الحقيقة دائرة معارف للعرفان، وبعده فصوص الحكم، وهو أدق واعمق متن عرفاني شرحوه كثيراً، وقليل من يفهمونه في كل عصر، قد لا يتجاوزون ثلاثة أو اربعة! مات بدمشق ودفن فيها وقبره معروف، عام 638هـ.
وـ صدر الدين محمد القونوي، نسبة إلى (قونيه في تركية) تلميذ ومريد وربيب محيي الدين العربي، كان معاصراً للخواجة نصير الدين الطوسي والمولوي الرومي، وتبودلت بينه وبين الخواجه نصير الدين مراسلات، وكان محترماً لدى الخواجه، وفي قونية كان الصفاء يسود الصداقة بينه وبين المولوي، كان القونوي امام جماعة وكان المولوي يحضر جماعته. والظاهر أن المولوي كان تلميذه ـ كما نقل ـ وتعلم عرفان ابن العربي منه، كما توجد معان منه في ديوانه، قيل: دخل يوماً إلى محفل القونوي فتحرك من مسنده وقدمه إلى المولوي ليجلس عليه، فلم يجلس المولوي، وقال: ماذا اجيب ربي أن جلست مجلسك؟! فطرح القونوي مسنده بعيداً، وقال: ما لا تجلس عليه لا أجلس عليه!.
القونوي احسن شارح لافكار محيي الدين، ولعله لو لم يكن لم تكن افكار ابن العربي تدرك وتنتشر، وكانت كتبه من الكتب الدراسية في الحوزات الفلسفية والعرفان الإسلامي في القرون الستة الأخيرة، وهي مفتاح الغيب، النصوص في شرح الفصوص، الفكوك، توفي سنة وفاة قرينه ومعاصره المولوي الرومي، والخواجة نصير الدين الطوسي 672أو بعدهما بسنة واحدة 673هـ.
زـ مولانا جلال الدين محمد البلخي الرومي المعروف بالمولوي، صاحب الكتاب العالمي: (المثنوي) كان من كبار عرفاء الإسلام ومن نوابغ العالم، يصل نسبه إلى أبي بكر الخليفة الأول، وديوان شعره المثنوي بحر من الحكمة والمعرفة والنقاط الدقيقة من المعرفة الروحية والاجتماعية والعرفانية، وهو من شعراء الطراز الأول من الإيرانيين، وان كان أصله من بلدة بلخ، فقد خرج في صباه مع والده لزيارة بيت الله الحرام، وبعد رجوعه لاقى الشيخ العطار في نيسابور، ثم ذهب مع والده إلى قونيه واقام بها كان المولوي عالماً محترماً مشتغلاً بالتدريس، ثم لاقى العارف المعروف شمس الدين التبريزي، فانجذب إليه شديداً وترك كل شيء وسمى ديوانه باسمه، وذكره في المثنوي بحرارة واشتياق، مات المولوي عام 672هـ.
ح ـ فخر الدين العراقي الهمداني، الشاعر المعروف، تلميذ صدر الدين القونوي ومريد شهاب الدين السهروردي المذكور آنفاً، مات عام 688هـ.
القرن الثامن:
ألف ـ علاء الدولة السمناني، كان من أهل الديوان الحكومي الرسمي، ثم ترك شغله ذلك ودخل في سلك العرفاء، وانفق كل ثروته في سبيل الله، وألّف كتباً كثيرة وله نظريات خاصة في العرفان النظري تطرح في الكتب العرفانية المهمة، مات عام 736هـ كان الخواجه الكرماني الشاعر المعروف من مريديه، وقد قال في وصفه:
“من مشى في طريق علي (عليه السلام) وصل إلى عين الحياة، مثل الخضر عليه السلام، وانطلق من وساوس الشيطان، كالعلامة السمناني”.
ب ـ عبد الرزاق الكاشاني، من محققي عرفاء هذا القرن، شرح (فصوص الحكم) لمحيي الدين و (منازل السايرين) للخواجه عبد الله، وكلاهما مطبوعان وإليهما يرجع أهل التحقيق وقد نقل صاحب (روضات الجنات) في ترجمة الشيخ عبد الرزاق اللاهيجي ان الشهيد الثاني أثنى ثناء بليغاً على عبد الرزاق الكاشاني، وقد كان بينه وبين علاء الدولة السمناني مباحثات ومشاجرات في المسائل النظرية المطروحة من قبل محيي الدين، مات عام 735هـ.
ج ـ الخواجه حافظ الشيرازي، على الرغم من شهرته العالمية، ليست ترجمته واضحة، والمؤكد به هو أنه رجل عالم عارف حافظ ومفسر للقرآن الكريم، أشار إلى هذا المعنى في شعره فقال:
“لم أر أحلى من شعرك يا حافظ… وذلك بسبب القرآن الذي تحفظه في قلبك”.
“إذا بلغ عشقك صراخ حافظ، فستقرأ القرآن عن ظهر القلب باربع عشرة رواية” “لم يجمع أحد من حفاظ العالم مثلي لطائف الحكم مع نقاط قرآنية”!.
ومع ذكره المرشد وشيخ الطريقة في اشعاره لم نعرف من هو مرشده ومربيه، اشعاره في قمة العرفان وقليل من يدركها، واعترف جميع العرفاء بعده بأنه قد طوى المقامات العرفانية العالية، مات الحافظ سنة 791هـ.
د ـ الشيخ محمود الشبستري صاحب المنظومة العرفانية الراقية باسم (گلشن راز حديقة الأسرار) تعد هذه المنظومة أحد الكتب العرفانية الراقية، مما خلد اسم ناظمها، وقد كتب عليها شروح كثيرة، لعل أحسنها شرح الشيخ محمد اللاهيجي، مطبوع موجود، مات سنة 720هـ.
هـ ـ السيد حيدر الآملي، أحد المحققين العرفاء، له كتاب باسم (جامع الأسرار) من الكتب العرفانية النظرية الدقيقة، طبعة أخيراً جيدة، وله كتاب آخر باسم (نصّ النصوص في شرح الفصوص) كان معاصراً لفخر المحققين الحلي الفقيه المعروف، لم تعرف سنة وفاته.
وـ عبد الكريم الجيلي صاحب الكتاب المعروف “الإنسان الكامل”. أول من طرح مفهوم الإنسان الكامل بصورة نظرية، هو محيي الدين العربي، ولقيت هذه المسألة اهتماماً خاصاً العرفان الإسلامي، بحث هذا الموضوع تلميذه ومريده صدر الدين القونوي في كتابه “مفتاح الغيب” في فصل مشبع وألّف اثنان من العرفاء كتابين حول هذا الموضوع، أحدهما عزيز الدين النسفي، من عرفاء النصف الثاني من القرن السابع، والآخر عبد الكريم الجيلي مترجمنا، وكلاهما بعنوان “الإنسان الكامل” مات الجيلي سنة 805 وعمره 38 عاماً، ولم نعرف هل هو من جيلان (كيلان) أو من جيل من قرى بغداد؟.
القرن التاسع:
ألف ـ الشاه نعمة الله الولي، ينتهي نسبه إلى علي عليه السلام، وهو من مشاهير العرفاء والصوفية، وسلسلته “نعمة اللّهية” من أشهر الطرق الصوفية في العصر الحاضر، قبره ببلدة كرمان تزوره الصوفية (والسياح الأجانب)! قيل عمّر 95عاماً ومات سنة 820أو 827أو 834،كان أكثر عمره في القرن الثامن له لقاء مع الحافظ الشيرازي، وله في العرفان شعر كثير.
ب ـ صائن الدين علي تركه الاصفهاني، من محققي العرفاء، له طول باع في العرفان النظري على مباني محيي الدين، كتابه (تمهيد القواعد) مطبوع وهو دليل على تبحره في العرفان، وإليه يرجع المحققون والباحثون.
ج ـ محمد بن حمزة الفناري الرومي من علماء البلاد العثمانية، كان رجلاً جامعاً وله كتب كثيرة، شهرته بكتابه “مصباح الأُنس” وهو شرح لكتاب “مفتاح الغيب” لصدر الدين القونوي، وليس شرح كتب محيي الدين العربي أو تلميذه صدر الدين القونوي من عمل كل واحد، وقد عمل هذا مترجمنا الفناري وأيده محققوا العرفان الذين أتوا بعده.
د ـ شمس الدين محمد اللاهيجي نور بخش، شارح كتاب (گلشن راز) للشبستري، كان معاصراً لصدر الدين دشتكي والعلامة الدواني، وكان يقيم في شيراز، كتب القاضي نور الله في (مجالس المؤمنين) أن صدر الدين دشتكي والعلامة الدواني ـ وهما من الحكماء القديرين في عصرهما ـ كانا يجلانه غاية الاجلال، كان من مريدي السيد محمد نور بخش، وهو تلميذ ابن فهد الحي يذكر اللاهيجي في شرحه لكتاب(گلشن راز) ص698 سلسلة فقرة (حسب المصطلح الصوفي) الذي ينتهي إلى معروف الكرخي، ومنه إلى الإمام الرضا عليه السلام والأئمة السابقين حتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتسمى هذه السلسلة “سلسلة الذهب”.
أكثر شهرته بشرح كتاب (گلشن راز) الذي يعد من المتون العرفانية القيمة، بدأ بتأليف كتابه هذا في سنة 877هـ كما ذكره في مقدمته، ولا يعرف تاريخ وفاته، والظاهر أنه كان قبل عام 900هـ.
هـ ـ نور الدين عبد الرحمن الجامي، من أصل عربي، ينتهي نسبه إلى نسبه إلى الحسن الشيباني الفقيه الشهير في القرن الثاني الهجري، كان شاعراً قديراً، يعد آخر شاعر عرفاني كبير بالفارسية، كان يلقب نفسه في بداية أمره بلقب (دشتي) ولما دخل في مريدي أحمد الجامي (ژنده بيل) غيّر لقبه إلى لقب شيخه (الجامي) بالإضافة إلى ان مولده ولاية “جام” من توابع مشهد الإمام الرضا عليه السلام.
له مؤلفات كثيرة في فروع مختلفة من النحو والصرف والفقه والاصول والمنطق والفلسفة والعرفان، منها (شرح فصوص الحكم) لمحيي الدين، و(شرح اللمعات) لفخر الدين العراقي و(شرح تائية ابن الفياض) كان الجامي من مريدي طريقة بهاء الدين نقش بند مؤسس الطريقة النقشبندية، ومع ذلك فان شخصيته الثقافية والتاريخية أكثر من بهاء الدين نقش بند بمراتب عديدة، كما أن محمداً اللاهيجي من مريدي طريقة السيد محمد نور بخش، ومع ذلك فان شخصيته الثقافية والتاريخية أكبر من السيد محمد، وحيث كان نظرنا في هذه الشجرة التاريخية إلى الجانب الثقافي للعرفان لا الجانب الطريقي للفرقة، فقد خصصنا محمداً اللاهيجي وعبد الرحمن الجامي بالذكر دون مريديهما، مات الجامي عام 898هـ عن عمر ناهز 81 عاماً.
كان هذا تاريخاً مختصراً للعرفان من بدايته حتى نهاية القرن التاسع، ونرى أن العرفان بعد هذا تغيّر وضعه عن سابقه فالشخصيات العلمية والثقافية العرفانية كلهم كانوا إلى هذا التاريخ من المشايخ الرسمية للتصوف، وكان اقطاب الصوفية هم الشخصيات الثقافية العرفانية الكبيرة، والآثار العرفانية الكبرى هي منهم، ومنذ هذا التاريخ تغير الوضع عن سابقه بثلاث جهات:
أولاً: منذ هذا التاريخ، لم يكن لاقطاب الصوفية تلك الميزات العلمية والثقافية التي كان لاوائلهم، ورب قائل يقول: أن التصوف منذ التاريخ غرق في ظواهر وآداب ابتدعتها الصوفية في كثير من الأحيان.
ثانياً: تخصص جماعة في العرفان النظري لمحيي الدين، دون أن يدخلوا في أي سلسلة من مشيخات وطرق التصوف، بحيث لا يوجد بين المتصوفة الرسميين نظير لاولئك العرفاء غير المتصوفين، فمثلاً كان صدر الدين ـ صدر المتألهين الشيرازي المتوفى في سنة 1050 وتلميذه الفيض الكاشاني المتوفى في سنة 1091 وتلميذ تلميذه القاضي سعيد القمي المتوفى في سنة 1103 أكثر من أقطاب عصرهم وعياً للعرفان النظري لمحيي الدين من دون أن يكونوا من أي سلسلة من سلاسل التصوف، ولا زالت هذه الظاهرة مستمرة حتى عصرنا هذا، فالمرحوم آقا محمد رضا الحكيم القشمه أي والمرحوم آقا ميرزا هاشم الرشتي من العلماء والحكماء في القرن الأخير كانا متخصصين في العرفان النظري من دون أن يكونا هما من سلاسل المتصوفة.
بل لما أُسس العرفان النظري منذ عهد محيي الدين وصدر الدين القونوي ودخل العرفان في صورة فلسفية خرج العرفان عن صورته الصوفية. حتى أنا نحتمل أن يكون محمد بن حمزة الفناري المذكور آنفاً من هؤلاء العرفاء الفلاسفة غير الصوفية، إلا أن هذا الوضع أصبح منذ القرن العاشر مشخصاً واضحاً، فظهرت جماعة متخصصة في العرفان النظري، أما لم يكونوا من أهل العرفان العملي والسير والسلوك، أو كانوا بعيدين عن سلاسل الصوفية الرسميين حتى وان كانوا أهل سير وسلوك، وفي الأكثر كانوا كذلك قليلاً أو كثيراً.
ثالثاً: ونصادف منذ القرن العاشر في عالم الشيعة، جماعات كانوا أهل السير والسلوك والعرفان العملي، وقد طووا المقامات العرفانية بأحسن وجه من دون أن يكونوا أحدى سلاسل العرفان والتصوف الرسمي، بل لم يكونوا يعيرون لهم أية أهمية، بل كانوا يخطئونهم أما في كل أعمالهم أو أكثرها أو بعضها.
ومن خصائص هؤلاء العرفاء، أنهم كانوا فقهاء أيضاً، فكانوا يوفقون توفيقاً ويطبقون تطبيقاً كاملين بين الآداب الفقهية وآداب السلوك العرفاني.
وتبين من هذه الشجرة التاريخية أن الجانب الثقافي من العرفان، ظهر في جميع انحاء العالم الإسلامي من الاندلس إلى مصر وسورية والروم حتى خوارزم، ولا شك أن اسهام الإيرانيين في هذه الثقافة، كان أكثر من حديث الكمية، اما كبار العرفاء وأصحاب الدرجة الأولى فقد ظهروا بين الإيرانيين وغيرهم…
…………………………………
المصدر :الاسلام وايران
iThere are no comments
Add yours