بقلم الطاهر العبيدي
تونس-28-09-2005- أعلن الصحفي التونسي عبد الله الزواري أنه فك إضراب الجوع يوم 24 سبتمبر, عند معرفته بإضرابات الجوع الجماعية في السجون التونسية، مضيفا للزميل الصحفي التونسي الطاهر العبيدي عضو المنظمة العربية لحرية الصحافة المقيم في باريس “لقد رأيت أنه من المفيد من الناحية الإعلامية والأخلاقية، أن أفسح المجال للمساجين الذين يعانون كل أنواع التدمير”.
وقد فك الزواري إضراب الجوع، بعد مدة دامت22 يوما،على اثر اندلاع الإضرابات الجماعية، في كل من سجن برج الرومي وسجن المهدية للعشرات من سجناء الرأي، من بينهم الأستاذ حمادي الجبالي المدير السابق لجريدة الفجر، التي تمّت مصادرتها نهائيا، مفضّلا بذلك عدم التشويش على الإضرابات الجماعية، التي تعبّر عن مأساة ومحنة سجناء الرأي بتونس.
وكان الزواري قد قام بهذا الإضراب احتجاجا على نفيه عن عائلته، وعدم السماح له بمغادرة مدينة “الخريبة “بالجنوب التونسي، التي تبعد عن عائلته مسافة 500 كلم، وهو يخضع حيث يقطن عند أصهاره في منفاه المفروض, للمراقبة الإدارية المستمّرة، والمتابعة البوليسية، ممنوعا من الشغل ومن استخدام الإنترنت في بيته وممنوع عليه ارتياد محلات الانترنيت.
وللتذكير فإن عبد الله الزواري هو نائب رئيس تحرير جريدة “الفجر” التونسية، التي تمّت مصادرتها نهائيا من طرف السلطة سنة 1991، سجن 11 سنة وبعد أن أنهى عقوبته أعيد مرة ثانية للسجن ليقضي 11 شهرا وبعد إطلاق سراحه، تمّ نفيه داخل وطنه، وإبعاده عن عائلته، اتصلت به المنظمة العربية لحرية الصحافة، فكان هذا الحوار المتعدّد الجوانب.
وفيما يلي نص الحوار الذي خص به الزواري المنظة العربية لحرية الصحافة:
أستاذ عبد الله الزواري كيف هو وضعك الصحّي، بعد 22 يوما من إضراب الجوع، من أجل الإقامة مع أفراد عائلتك، المستقرين في تونس العاصمة، عوضا عن نفيك في الجنوب التونسي، في مدينة الخريبة التي تبعد عن عائلتك حوالي 500 كلم؟
لا شك أن كل إضراب جوع له مخلفات صحية وجسدية، ومضاعفات آنية ومستقبلية، غير أن كل شيء يهون في سبيل الحرية، في سبيل التصدّي للمظالم، ومواجهة التسلط، ولا أخفيك أني طيلة 11 سنة في السجن، قمت بإضرابات جوع متعدّدة، أطولها كان 52 يوما سنة 1995، بداية من 1 أيلول إلى غاية 21 تشرين 1995، لنفس الأسباب العزلة الانفرادية، دون أن يسمع بهذا الحدث سوى إدارة السجن، وبعد عشر سنوات من هذا التاريخ، لا شيء تغيّر أخرج من السجن إلى المنفى، وقد قطعت إضرابي هذا يوم 24 أيلول 2005، عند معرفتي بإضرابات الجوع الجماعية في السجون التونسية، إذ رأيت أنه من المفيد من الناحية الإعلامية والأخلاقية، أن أفسح المجال للمساجين الذين يعانون كل أنواع التدمير.
عبد الله الزواري نائب رئيس تحرير جريدة الفجر، التي تمّ منعها نهائيا من الصدور، أمضيت 11 سنة في السجن، أطلق سراحك وعدت بعد مدة قصيرة، لتقضي عقوبة 11 شهرا سجنا، رغم التحرك الإعلامي والحقوقي الذي تمّ لفائدتك، فهل لنا أن نعرف بعض التفاصيل حول هذه القضية؟
حوكمت بـ 11 شهرا منها 9 أشهر من أجل مخالفة المراقبة الإدارية، بمعنى أني ابتعدت عن محل إقامتي 30 كلم بقرية مجاورة، وأربع أشهر ادعي عليّ فيها باطلا، أني مارست القذف العلني لصاحبة محل انترنيت.
قبل هذا كنت قد دخلت في إضراب جوع حول نفس الأسباب، وقد وقعت لك مساندة إعلامية وحقوقية كبيرة، فماذا تحقق على إثرها؟
نعم رغم الجهود الكبيرة المشكورة، من طرف العديد من المنظمات والجمعيات والفعاليات، إلا أنه لا شيء تحقق على الأرض، فلا زلت منفيا داخل بلدي، ممنوعا من الشغل ومن أبسط الحقوق المدنية الطبيعية، وفي عزلة كبيرة أمرّ منها أني محروما من عائلتي.
ما هي انعكاسات هذه المحنة على عائلتك؟
عائلتي عانت وتعاني الكثير بسببي، وحتى لمّا خرجت من السجن لتحقيق بعض الاستقرار العائلي، نجد أنفسنا مشتتين، الأبناء والزوجة ووالدتي الطاعنة في السن في تونس العاصمة، وأنا عند أصهاري بيننا مسافة 500 كلم، نتخاطب بعض الأحيان لبضع دقائق عبر الهاتف، إن سمحت لنا الظروف المادية، تصوّر ابنتي التي تدرس الآن في الجامعة، طيلة كل حياتي لم تبق معي سوى سنتين، وكل السنين الأخرى أبوها إما في السجن وإما منفيا في وطنه.
من خلال بعض مشاهداتك الميدانية كصحفي كيف تنظر للحياة الإعلامية في تونس؟
الحياة الإعلامية قبل قرن من الزمان، وتحديدا سنة 1905 كانت أفضل بكثير من الوقت الحاضر، فلا وجود لغير الصوت الواحد، والرأي الواحد والخطاب الواحد، إنه وضع باهت وكالح لكل وسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، التي لا تردّد غير الخطاب الرسمي
ما هي مطالبك التي من أجلها تغامر كل مرّة بوضع حياتك في خطر؟
ليس لي مطلب غير عادي، إن الأصل في الشيء أن لا يطرح مطلقا مثل هذا المطلب، وهو أن أكون مع عائلتي في نفس الإقامة، واعتقد كما يجزم الكل، أن هذا حق طبيعي، حسب كل القوانين الوضعية، وكل الشرائع السماوية، فحتى الاستعمار لما كان غازيا ببلدنا، حين يقوم بنفي أحد المغضوب عليهم، الدولة تتكفل بنفقاته مع عائلته، وتتحمل مصاريفه، أما وضعيتي فإني ممنوعا من التنقل، من الشغل ومن كافة حقوقي المدنية والدستورية.
ماذا تنتظر من الفعاليات الإعلامية والحقوقية، وهل ترى أنها احتضنت قضيتك بالقدر الكافي؟
في رأيي احتضان القضية هو تحقيق المطلب العادي، وبدوري أثمّن كل جهود الإعلاميين والحقوقيين، الذين وقفوا معي في محنتي، والذين لم يدّخروا جهدا من أجل رفع هذه المظلمة، وقد كاتبوا في هذا الشأن السيد كوفي أنان، وتناولوا قضيتي على أعلى مستوى، ووقع التحسيس بها، غير أني لحد الآن لا زلت منفيا داخل بلدي.
تونس مرشحة لاحتضان القمة العالمية لمجتمع المعلومات، من خلالك كصحفي كيف تنظر إلى هذه المحطة؟
الأكيد يا سيدي أنه عندما يحل ركب هذه المنظمات إلى تونس، فسرعان ما يقع نوعا من المكياج المغشوش، بمعنى أن الرقابة ستختفي طيلة هذه المدة، وستفتح نوافذ بعض المواقع الممنوعة، حتى يشعر الزوّار أن الوضع الصحي الإعلامي بخير، ومتى أقلعت طائراتهم ستعود الأمور إلى نصابها، وبالتالي فإني لا أتوقع تغييرا يذكر بعد قمة مجتمع المعلومات، لأن الواقع غير الكلام، وليس من شاهد ويرى، كمن سمع ويروى له.
أي نداء تودّ توجيهه إلى المنظمة العربية لحرية الصحافة؟
أحيي زملاءنا في المنظمة العربية لحرية الصحافة، الذين يقفون على ثغور التصدي لكل المظالم، التي يتعرّض لها زملائهم في الوطن العربي وفي العالم، المتابعين بدقّة لمتاعب الصحفيين الأحرار، وأقول أنه من البديهي، أن تكون المنظمة العربية لحرية الصحافة درعا يحمي الصحفيين من المظالم، حتى لا يؤكل الواحد منا يوم يؤكل الثور الأبيض، وانتظر منهم المساندة والدعم، وأشد على أيديهم، وأقول لهم شكرا لجهودكم وفعلكم التاريخي.
الطاهر العبيدي
iThere are no comments
Add yours