حركة 18 أكتوبر، دفعت المعارضة التونسية بالمهجر إلى تنويع أدائها كيفا وكمّا، وخلقت حراكا جديدا دفعها إلى تطوير الأداء، وابتكار أشكال جديدة في التعبير والمساندة التضامنية مع المضربين، حيث قامت بتظاهرة يوم السبت 12 نوفمبر 2005، بإحدى القاعات الباريسية الكبيرة بالدائرة الرابعة عشر، تحت عنوان خمس ساعات من أجل الحرية في تونس، تراوحت بين السياسي والحقوقي والثقافي، شدّت جمهورا يقدّر بحوالي 400 شخصا، مما جعل القاعة تختنق ويضطر العديد إلى الوقوف في البهو المقابل للقاعة، وكان البرنامج مكثفا ومتنوعا شدّ الانتباه، فقد افتتحت التظاهرة على الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، بقراءة مداخلة لجنة المساندة، التي رتبت هذا اللقاء، قرأها الصحفي والكاتب عبد اللطيف بن سالم تناولت تحليلا تاريخيا وسياسيا عميقا وقراءة للماضي والحاضر واستشرافا للمستقبل السياسي بالبلاد، تلتها مداخلة الأستاذ عبد الرؤوف العيادي، أحد المضربين الثمانية، الذي قطع الإضراب تحت نصائح الأطباء، نتيجة لتدهور صحته، تطرّق فيها إلى أسباب الإضراب، والحالة الصحية للمضربين، وتوافق الثمانية على المطالب الجماعية، مشرّحا الوضع السياسي التي تعيشه البلاد، وعاد إلى توصيف إضراب المحامين، معتبرا أنه بداية شرارة الانطلاق لتحرك جماعي، مضيفا أن كل القطاعات تعاني من الاضطهاد السياسي، كما حيا القضاة الذين وقفوا إلى جانبهم، معرّجا على وضعيتهم وما تعرضت له جمعيتهم من تعسف، وقوبلت مداخلته بالتصفيق الحار من طرف الجمهور، حيث كانت تجمع بين السياسي والحقوقي، حيث خاطب فيها العقل والوجدان، تلتها مداخلة الأستاذ نجيب الشابي عبر الهاتف مباشرة من مقر الإضراب في تونس، وتم نقلها في القاعة عبر مكبّرات الصوت، ابتدأها بشكر كل المساندين في الداخل والخارج، وعرّج على الوضع السياسي والمطالب المرفوعة، مضيفا أن ما يميّز هذا الإضراب، هو مشاركة كل الفرقاء السياسيين، وأن المعركة واحدة، وتونس لكل التونسيين دون استثناء، وعاد للقول أننا نسجل ببالغ التأثر زيارات الوفود النقابية والجامعية والطلبة وكل الشرفاء في الداخل والخارج، الذين شدّوا أزرنا، وقوطع بالتصفيق تحية له ولزملائه المضربين، وتداول على المنصة ممثلي الأحزاب الفرنسية، منها حزب الخضر، الحزب الشيوعي الفرنسي، الحزب الاشتراكي، ليؤكدوا جميعهم على التضامن المطلق والمساندة الحقيقية، وأجمعوا على العمل من أجل تجسيد هذا التضامن فعليا وميدانيا، وذلك بإرسال وفود إلى المضربين وطرح الموضوع في البرلمان الفرنسي والبرلمان الأوروبي، إذ لا يجب حسب قولهم استمرار الأوضاع بهذا الشكل، ثم تدخل الحقوقي المعروف القس ( مون سنيور قايو) ليحيي المضربين معلنا عن تضامنه، معهم مكبرا فيهم الروح الجماعية، والشجاعة والصمود والتضحية بأجسادهم في سبيل الشعب، إذ اعتبرهم رموزا للحرية، وتطرق الطبيب خليل الزاوي إلى توصيف الحالة الصحية للمضربين، من خلال المتابعة والمعاينة، ولخصها بأنها بين اللون البرتقالي واللون الأحمر، وأن الوضعية الصحية للمضربين حرجة وتتجه نحو التدهور…
وأضافت السيدة (هيلان فرنكو) باسم نقابة القضاة، لتذكر بأن تونس تحتاج لأكسجين الحرية، وأن المضربين هم أصحاب حق، وأصحاب ضمائر، حية، إذ لا يمكن تجاهل مطالبهم التي تمثل مطالب الجميع، ذلك لأن أغلب المضربين هم رجال قانون، ويعرفون معنى احترام القانون…
وتحدثت والدة أحد شباب مجموعة جرجيس، لتروي قصتها ومأساة اعتقال ابنها، من أجل السباحة في مواقع الانترنيت، في كلمات مؤثرة جعل الحضور يتعاطف معها، وتطرق السيد فتحي عبد الباقي عن عائلات المساجين السياسيين بتونس، إلى محنة المساجين وتعب عائلاتهم، واشتشهد ببعض الأمثلة، منها وضعية السجين السياسي الطاعن في السن حمادي بن عبد الملك، الذي طلب من عائلته في إحدى الزيارات الأخيرة، أن تجلب له كفنا، وتخللت التظاهرة فقرة ثقافية، قرأ فيها الشاعر كمال الغالي بعض القصائد المحمومة، من كتابه شك جميل، أضاف عليها نوعا من الإلقاء المسرحي، فكانت قصائد متمردة ، لاقت استحسانا من طرف الجمهور، تبعها عزف للموسيقي عادل بوعلاق، الذي جاء خصيصا من تونس، للمساهمة في هذه التظاهرة، ليعزف مقاطع تحكي اشتياق شعب للحرية، تخللتها بعض القصائد الرمزية المشحونة بالتعبير عن الأرض والحرية والوطن، وتتواصل هذه التظاهرة لتعيد للجمهور سنين الأغنية الملتزمة، واللحن الثوري، عبر الأناشيد المنتفضة والجمل الموسيقية الثائرة من إمضاء محمد بحر، الذي حرّك القاعة، تلا بعدها الشاعر جوهر الفقيه بعض القصائد المعبأئة برائحة عرق ثياب الكادحين، واستمرت التظاهرة إلى حوالي الثامنة والنصف مساء، تخللتها فترة حوارية من تنشيط عبد الوهاب الهاني وأنور الكنززاري، مع الإشارة أن السيد طارق بن هبة كان أحد المنشطين البارزين لهذه التحرك، ساعده الدكتور احمد العمري، وقد كانت هذه التظاهرة أحد التحركات البارزة آلتي أشرفت عليها لجنة مساندة المضربين إعدادا وإشرافا وإنجازا .
المصدر : جريدة الموقف التونسية العدد 335 بتاريخ / 18 – 11 – 2005
iThere are no comments
Add yours