حين سلطت الأضواء على تونس في الأسبوع الماضي ـ أثناء انعقاد القمة العالمية للمعلومات ـ فاجأتنا الحقائق، التي تكشفت عن أوضاع حقوق الإنسان هناك. كانت المفاجأة في الدرجة وليس في النوع، لأن سجل تونس في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، مشهود منذ عدة سنوات، والتقارير الدولية الصادرة في هذا الصدد، ترسم صورة مقلقة لتلك الانتهاكات، التي لا تكاد تذكر في وسائل الإعلام العربية، في حين أنها متداولة في الصحافة الغربية، والفرنسية منها بوجه أخص، ولا أعرف ما هي الحسابات، التي جعلت الاعلام العربي يسكت أو يحجب المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الحاصلة في ذلك البلد الشقيق، وإنما الذي أعرفه جيداً، أن الصمت العربي النسبي بدا تستراً غير مقصود، فضلاً عن أنه أسهم في اضعاف موقف منظمات المجتمع المدني التونسي، التي تناضل منذ سنوات بكل الوسائل السلمية المتاحة، دفاعاً عن قيم الحرية وحقوق الانسان، الأمر الذي دفعها إلى التماس العون والتأييد من المنظمات والهيئات الدولية والغربية.
لقد كانت المفارقة المثيرة التي لفتت الانتباه إلى الحالة التونسية، أنه في حين تعاني الحريات من أزمتها الخانقة هناك، فإن السلطة أقدمت على استضافة قمة مجتمع المعلومات، التي تعد الحرية شرطاً أساسياً لقيامه، كما قال بحق كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة، وكان ذلك التناقض بين أوضاع البلد وطبيعة المؤتمر، موضع دهشة من الوفود التي قدمت من مختلف أنحاء العالم.
وكان التعليق الذي نشرته «الشرق الأوسط» للاستاذ عبد الرحمن الراشد (في 20/11) تحت عنوان: لماذا استضافته ـ ولماذا اختاروها؟، تعبيراً عن الدهشة المقترنة بالاستنكار، لبعد الشقة، وعمق المسافة بين العنوان والواقع.
منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها الوفود إلى تونس، أدرك الجميع أن الاتصال بالعالم الخارجي مراقب، وأن الرسائل التي ترسل عبر البريد الالكتروني تمر بمصفاة الأمن، وأن الصحافيين الذين قدموا لتغطية المؤتمر، بعضهم منع من الدخول إلى البلاد، (مثل الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود») ، وبعضهم تعرض للاعتداء والطعن من جانب مجهولين، (كما حدث مع محرر صحيفة لبراسيون الفرنسية)، كما قامت عناصر تابعة لأجهزة الأمن، بمهاجمة فريق تلفزيوني بلجيكي، كان يعد تقريراً عن الأوضاع العامة في البلاد، وفي ذلك الهجوم، صودرت أشرطة الفيديو الخاصة بالفريق. وفي التقرير الذي نشرته «الشرق الأوسط» (في 18/11) أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، نقلا إلى السلطات التونسية شعورهما بالقلق لمضايقة الصحافيين وناشطي حقوق الانسان خلال المؤتمر، خاصة بعدما تعرض بعض الصحافيين الأوروبيين للتخويف والاستجواب، أو منعوا من حضور الاجتماعات العلنية من المؤتمر، فضلاً عن تعرض آخرين للاعتداء الجسدي، الذي سجلت الاشارة إليه. وأشارت الصحيفة في تقريرها، إلى أن مبعوثي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تلقوا «تقارير تبعث على القلق، عن مدى التدهور الذي بلغته انتهاكات حقوق الانسان في تونس».
مجمل هذه الشواهد والقرائن، جاء كاشفاً عن مدى الاحتقان ، ذلك أن أي مراقب حين يلاحظ أن الأجهزة الأمنية، ضاقت صدراً بسرعة بالصحافيين الأوروبيين، ولم تتردد في ضرب وطعن بعضهم، وفي تخويف البعض الآخر، فإن السؤال الذي يتبادر إلى ذهنه على الفور هو: كيف تتعامل السلطة مع الصحافيين المحليين، مستقلين كانوا أم معارضين؟
لم يكن مستغرباً والأمر كذلك، أن يلاحق الصحافيون التونسيون، وأن يمنعوا من عقد مؤتمرهم الذي كان مقرراً عقده في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وكانت حجة المنع أن السلطة رفضت الاعتراف بتلك النقابة المستقلة، رغم أن قانون الشغل المنظم للنظام النقابي، لا يشترط موافقة وزارة الداخلية على تأسيس النقابات. وما حدث مع نقابة الصحافيين التونسيين تكرر مع رابطة حقوق الإنسان، التي منعت من عقد مؤتمرها السنوي السادس في الشهر ذاته، وذلك اثر مشكلة افتعلها أنصار الحزب الحاكم، الذين دفعوا إلى تقديم بلاغ إلى السلطات لسحب صلاحيات الهيئة القائمة على الرابطة في الوقت الحاضر، والا ستبدل بها لجنة أخرى موالية. حدث ذلك أيضاً مع جمعية القضاة التونسيين، الذين وقفوا أكثر من مرة ضد انتهاكات حقوق الإنسان والعدوان على القانون، فما كان من السلطات إلا أن استولت على جمعيتهم، وغيرت أقفال أبوابها، ونصّبت من جانبها لجنة أخرى لإدارتها، وهو ما دفع مكتب الجمعية إلى اصدار بيان، أوضح فيه أنه قد تم «افراغ هياكل الجمعية»، حيث قامت وزارة العدل اجبارياً، بنقل جل أعضاء المكتب من النساء القاضيات، إلى محاكم بعيدة جداً عن العاصمة، وقطع الهاتف والفاكس عن المقر، و«تكثيف الرقابة الأمنية، وتمزيق البيانات المعلقة بواجهته» ـ واعتبر المكتب ما حدث «انتقاصاً من كرامة القضاة، واعتداء غير مسبوق على حق القضاة في حماية استقلالهم والدفاع عن معالمهم».
لقد التقيت مؤخراً بعض المثقفين التونسيين، الذين رووا تفاصيل مدهشة حول الضغوط التي يتعرض لها القضاه لإكراههم على «ممارسة القمع بالقانون»، على حد تعبير أحدهم. ليس فقد عن طريق اصدار أحكام بالسجن لمدد طويلة بناء على تهم ملفقة لم تثبت إلا في تقارير أجهزة الأمن، وأغلبها كيدية، وانما أيضاً بواسطة محاكمة الناشطين أكثر من مرة بنفس التهمة. بمعنى أن يحاكم الشخص بتهمة ما، فيصدر بحقه حكم بالسجن سبع أو تسع سنوات مثلاً، وبعد أن يقضي مدة العقوبة، يقدم مرة ثانية للمحكمة بذات التهمة، التي ينظرها القضاء، ويصدر بحق المتهم حكم آخر بالسجن لسبع أو تسع سنوات.. وهكذا!
أمثال تلك الممارسات دفعت مجموعة من القادة السياسيين والنقابيين (ثلاثة من زعماء الأحزاب وخمسة من القيادات النقابية) إلى الإضراب عن الطعام، قبل أكثر من شهرين، واعتصموا لهذا الغرض في مكتب المحامي عياش إلهامي. واختار أولئك الناشطون، الذين ينتمون إلى مختلف الاتجاهات السياسية، موعد الاضراب عن الطعام، متزامناً مع أجواء عقد قمة المعلوماتية، ليلفتوا أنظار الوفود القادمة من أنحاء العالم إلى الواقع الحالي في تونس، مخترقين بذلك أستار الحصار والكتمان، التي فرضت من حول الممارسات والانتهاكات الجارية. وكانت السلطات قد منعت وسائل الاعلام المختلفة من الاتصال بالقادة المضربين عن الطعام، ولكنها تراجعت عن المنع، واضطرت إلى رفع الحصار، حينما حاول بعض الدبلوماسيين الأجانب زيارتهم، وفي المقدمة منهم ممثلو السفارتين الأميركية والبريطانية.
كان رفع الحصار فرصة للمضربين عن الطعام، لكي ينقلوا مطالبهم إلى الرأي العام داخل تونس وخارجها، وقد تمثلت في ثلاثة أمور أساسية هي: اطلاق سراح المسجونين السياسيين الذين تجاوز عددهم أكثر من 400 شخص ـ اطلاق حرية الصحافة والتعبير ـ رفع القيود الصارمة الموضوعة حالياً لتقييد حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات العامة.
ولأن التظاهرات ممنوعة، فقد قرر الناشطون، اقامة موقع على شبكة الانترنت باسم «يزي فك»، (بضم الفاء)، وهو مصطلح في الدارجة التونسية، يعبر عن ضيق الصدر، ويكاد يرادف عنوانه «كفاية»، الذي اختارته احدى منظمات المجتمع المدني في مصر، لمعارضة احتكار الحزب الوطني الحاكم وقيادته للسلطة في البلاد، لأكثر من ثلاثة عقود. وفي خلال ذلك الموقع نظم الناشطون التونسيون تظاهرة افتراضية، ضد استمرار الانتهاكات والمطالبة بإطلاق الحريات العامة، والانخراط في تلك التظاهرة يتم عن طريق ارسال صورة مشفوعة باسم الراغب في الانضمام إلى الحملة. وحتى الآن انضم إلى التظاهرة 155 شخصاً، لم يعرف حتى الآن الاجراء الذي اتخذته السلطة ازاءهم، من جراء اقدامهم على تلك الخطوة غير المألوفة في الحياة التونسية.
ثمة حراك داخلي في تونس لا تخطئه عين المراقب، يتواكب مع الحراك المماثل الذي تشهده أقطار عربية أخرى، مصر في مقدمتها، وكله يصب في وعاء السعي لرفع سقف الحريات وفك القيود التي تكبل شوق المجتمعات العربية إلى الحرية والعدل. غير أن ما يلفت النظر في هذا المشهد، أن التضامن بين منظمات المجتمع المدني في تونس، وبين المنظمات الحقوقية والمدافعة عن الحريات في أوروبا، أقوى منه فيما بين المنظمات التونسية ونظائرها في العالم العربي. آية ذلك أن 13 منظمة معنية بحقوق الانسان في الغرب، أعربت عن تأييدها لموقف الناشطين التونسيين، ووجهت إلى الرئيس بن علي مناشدة دعته فيها إلى وضع حد لملاحقة الصحافيين والناشطين، في حين لم يسمع صوت المنظمات العربية، باستثناء بيانات مقتضبة أصدرتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، تجاهلها الاعلام العربي، في حين نشرت بعض الصحف على استياء أخباراً عنها، من باب رفع العتب في الأغلب.
أدري أن بيتنا من زجاج في الشق المتعلق بانتهاكات حقوق الانسان، وليس خافياً على أحد أن تونس لا تنفرد بتلك الانتهاكات، ولكنها تمثل حالة قصوى، تصادف أن سلط عليها الضوء متأخراً، وكانت قمة المعلومات هي الكاشفة.
المصدر : موقع صحيفة الشرق الأوسط، الاربعـاء 22 شـوال 1426 هـ 23 نوفمبر 2005 العدد 9857
ليس الإنسان التونسي هو الوحيد الذي يضطهده النظام،بل يضطهد كل عربي يحتاج الى تأشيرة دخول أو مرور من جنة(بن علي) وحالتي ليست إستثناء بل هي القاعدة وإليكم قصتي أنا مواطن فلسطيني،مقيم في بلد عربي رفض منح إبني تأشيرة دخول لزيارة والديه ومسقط رأسه كونه مولود فيه والمقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية،فإتفقنا على التلاقي في تونس كونها الأقرب لنا،تقدمت بطلب تأشيرة للسفارة التونسية منذ أسابيع وعند المراجعة طلبوا أوراقا إضافية غير منطقية(مجموع المستندات التي أرفقت بطلبات التأشيرات لي وأسرتي المكونة من الزوجة وإبنتين 41 ورقة)ولكثرة مطالب المسؤلين في السفارة فهمت أنهم لا يريدون منحي التأشيرات المطلوبة لأسباب لا أعرفها حتى الآن!!فقلت للموظف المسؤل:شكراً لا أريد السفر الى تونس،وإتصلت بإبني فعلاً وأبلغته الأمر فحول وجهته من تونس الى إيطاليا حيث وجد فيها رحمة وتقديراً أكثر مما وجده في تونس
الحقيقة أنني اقف عاجزاً عن فهم ما جرى وأتسائل:هل أصبح الغربي الذي لا يتحدث لغة الضاد أكثر حرصاً على تونس مني أنا الفلسطيني؟هل كنت سأحتاج كل هذا الإمعان في إرهاقنا من قبل المسؤلين في تونس وفي سفارات تونس في الخارج لو كنت أحمل جواز سفر أوروبي؟هل كانوا سيمنحونني تأشيرة الدخول الى الجنة لو جإتهم بصليب يتدلى من رقبتي أو بنجمة داوود معلقة على صدري؟ الى متى سيبقى إحتقار المسؤل العربي لأبناء أمته؟الى متى ستبقى الأفضلية لمن لا يتحدث لغة الضاد؟
صحيح أننا لم نر إبننا منذ أكثر من عشر سنوات،وصحيح أننا لم نر أحفادنا على الإطلاق بفضل هذه الأنظمة ومنها النظام التونسي الذي يطبق روتيناً عثمانياً،لا تجد فيه إلا فرامانات،ولكن الأصح أنه يدفع بنا الى كراهية كل هذه الأنظمة القمعية وندعو الله أن يزيلها بكوابيسها !! إذاً لا بد وأن هناك ضحايا قمع وأضطهاد آخرين
قال ابن خلدون في حق شعب شمال إفريقيا : شعب نائم, و إذا استيقظ من نومه أستدرك ما فاته خلال نومه