توفيق العياشي/تونس*
اندلع في ساعة متأخرة من ليلة البارحة حريق هائل في مكتب المحامي والنشط الحقوقي والسياسي “العياشي الهمامي” الواقع في نهج المختار عطية وسط العاصمة التونسية وقد أتت ألسنة اللهب على أكثر من سبعين بالمائة من محتويات المكتب والتهمت عديد الوثائق والتجهيزات الالكترونية وأثاث المحل..
وقد فوجيء” الأستاذ الهمامي” وهو يهم بدخول مكتبه صباح اليوم ببقايا النيران تشتعل في ما تبقى من تجهيزات المكتب المنكوب ووثائقه ،ومن المرجح أن يكون الحريق قد شب في ساعات الفجر الأولى ..
اتهامات لوزارة الداخلية وأجهزة البوليس السياسي بافتعال الحريق.
هذا وقد عقد الأستاذ” العياشي الهمامي” ندوة صحفية في مسرح الحريق وجه فيها اتهامات صريحة ومباشرة إلى وزارة الداخلية وأجهزة البوليس السياسي ، متهما إياها بالوقوف وراء جريمة إحراق مكتبه كرد فعل انتقامي على نشاطه المعارض للنظام القائم.
ويذكر أن الأستاذ ” الهمامي”هو من أبرز وجوه المعارضة في تونس حيث كان من أول المبادرين بفكرة إضراب 18 أكتوبر2005الذي خاضته عدة شخصيات سياسية وحقوقية معارضة تزامنا مع انعقاد الجزء الثاني من قمة مجتمع المعلومات في تونس،ولا يزال الأستاذ “العياشي الهمامي” عضوا فاعلا في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي يكن لها النظام القائم عداوة كبيرة ويعمل على شل نشاطاتهاومنع تحركاتها.
هذا وكان الأستاذ “الهمامي” من أهم الفاعلين والنشطين في المبادرة الديمقراطية وهي تكتل سياسي تشكل سنة 2004 ، وشارك في الانتخابات الرئاسية التي تقدم لها السيد محمد علي الحلواني كمرشح عن المبادرة ..
أما في الميدان الحقوقي فقد خاض الأستاذ “الهمامي” نضالات كبيرة من أجل الذود عن استقلالية القطاع، والدفاع عن كرامة المحامي حيث ساهم في تأطير عدة اعتصامات احتجاجية، أهمها الاعتصام الذي دام أكثر من خمسين يوما احتجاجا على سجن الأستاذ” محمد عبو”، تلاه اعتصاما أخر في إطار النزاع بين المحامين والسلطة حول إدارة المعهد الأعلى للمحامين …
مؤشرات تدل على تورط المتهمين في جريمة الإحراق
وقد عرض الأستاذ” العياشي الهمامي” خلال الندوة الصحفية بمكتبه المحترق عديد المؤشرات التي تدل على أن الحريق” سياسي ومفتعل” ، ومن أهم هذه المؤشرات اقتصار الحريق في جزئه الكبير على الغرفة التي يتخذ منها الأستاذ مكتبا ويودع فيها وثائقه وملفات حرفائه، والتي احرقت بالكامل وغطى السواد جدرانها، أما الغرفة الأخرى التي تحتضن مكتب السكرتيرة فلم ينجح الجناة في حرقها بعد أن اتلفوا جهازالحاسوب بالتهشيم ،ثم جمعوا عديد الوثائق في كومة واحدة بغية أن تطالها النيران ، لكن ألسنة اللهب لم تمتد الى المكتب المذكور، وهو مايدل أن الشرارة التي أشعلها الجناة انطلقت من مكتب الأستاذ الهمامي .
كما تعمد الجناة إلى فك الغطاء المعدني عن الوحدة المركزية للحاسوب الموجود في مكتب المحامي، قبل أن يشعلوا الحريق قصد الاطمئنان إلى أن النيران سوف تطال ذاكرة الحاسوب وتتلف المعطيات الموجودة بداخله تماما ، وهو ما يعزز فرضية استهداف الحريق للوثائق غير المهنية والمتعلقة بالنشاط الحقوقي والسياسي المخزنة في ذاكرة الحاسوب..إلى جانب تعمد مشعلي الحريق تكويم وثائق سياسية وتقارير حقوقية انتزعوها من رفوف المكتبة ليضعوها في مكان إضرام النيران..
فرق البوليس السياسي تمنع الحوار التونسي من حضور الندوة الصحفية.
خلافا لبعض وسائل الأعلام الأخرى ، تم استثناء قناة الحوار التونسي من حق التوجه إلى مسرح الحريق ..حيث قامت مجموعة من البوليس السياسي تعود بالنظر إلى منطقة الأمن بباب بحر والتي استظهر أحد عناصرها ببطاقته الأمنية باعتراض سبيل صحفيي القناة في مناسبتين وقاموا بدفعهم وتعنيفهم وتوجيه سيلا من الشتائم والسباب السوقي المنحط الذي ينم عن القذارة وطغيان الحس ألانحرافي والإجرامي لدى تلك المجموعات، وقد حدث كل ذالك في الطريق العام أسفل مكتب الأستاذ “العياشي الهمامي” وأمام أعين المواطنين والكاتب العام لنقابة الصحفيين السيد” محمود الذوادي”..
وقد قام رئيس منطقة الأمن بباب بحر بإعلام فريق القناة أنه ممنوع من الدخول ولم يفسر الأسباب، ثم أشار عليهم بتقديم شكاية في الغرض بعد أن قال بأن فرقة البوليس السياسي تمتلك الشارع ..
أما السؤال الذي يطرح فضلا عن سؤال لماذا تلتجئ السلطات الأمنية إلى عناصر منحرفة وفاقدة لكل حس إنساني ، إذا كان غايتها” حفظ الأمن وتطبيق القانون واحترام حقوق المواطن”..؟
السؤال الرئيسي بما ذا نفسر الحضور الكبير والاستنفاد العالي لفرق البوليس السياسي حول مقر الحريق ن ومنعهم للقناة المذكورة بتغطية الحدث إذا كان الحادث مجرد حريق عادي ..؟
أليس الأجدر بتلك الأعداد المهولة من العناصر المدججة بسواعد وعضلات تقتات من ضرائب المواطن، وبألسن قذرة تقطر بكل ما تفرزه العقد النفسية والانحطاط الأخلاقي أن يتوجهوا إلى” ساحة برشلونة” مثلا ليلاحقوا المنحرفين واللصوص الذين يروعون المواطنين كل يوم ويسلبونهم نقودهم وممتلكاتهم، لا أن يرابطوا تحت مقر مكتب لم يترك فيه الحريق ما يستحق المراقبة ويمنعوا الصحافة الحرة من تغطية الأحداث..؟؟
* صحفي من دولة “القانون والمؤسسات”..
شكرا لك