شرفت مثلي مثل عديد الزملاء الباحثين متعددي الاختصاصات بحق وامتياز الوصول الى أرشيف محكمة ناحية المكنين بعد الحصول وبحسب ما تقتضيه الاجراءات على ترخيص من جناب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالمنستير والتي تعتبر المحكمة المنكوبة احدى مراجع نظرها،هذا اضافة طبعا للأخوة المحامين وعدول الاشهاد والتنفيذ التي تعتبر الخزينة الهالكة وجهتهم الضرورية والاستراتيجية في استخراج البيانات المختلفة مثل نسخ الأحكام ونسخ العقود المختلفة للاستفادة منها في مجالات عملهم ونشاطهم.
لقد أتيحت لي فرصة التنبيه وفي أكثر من مناسبة لدى السادة الوكلاء،وكذلك حكام الناحية وعبر مجلة “الحياة الثقافية” الى نكبة الأرشيفات الجهوية والمحلية التي توجد أهمها لدى المحاكم الابتدائية ومحاكم النواحي اضافة الى عدد من المصالح الجهوية والادارات المحلية وحتى الشركات والمدارس والجمعيات والعائلات مطالبا بتجميع هذه الأرشيفات خاصة منها التي توقف تداولها والتعامل معها من قبل المهتمين المباشرين والتي تحولت بفعل التقادم الى مخزون أرشيفي تراثي استراتيجي تجميعها في فروع ومصالح جهوية ومحلية تابعة لمؤسسة”الأرشيف الوطني التونسي”حفاظا عليها من التلف والاهمال وصولا الى تعهدها وحمايتها من التبديد وخاصة من ألسنة اللهب مع بطبيعة الحال وضعها على ذمة الباحثين والمهتمين بتدوين الذاكرة وتوظيفها في شتى مجالات المعرفة دعما لللامركزية الادارية وخاصة الجامعية؟؟؟
لقد سعى الأرشيف الوطني التونسي وبرغم معارضة عديد الباحثين والدارسين المرتبطين بالمنظومات الجامعية والبحثية الداخلية لهذا التوجه غير المبرر،ومن منطلق سعينا وحقنا في الحفاظ على مكونات الذاكرة المحلية،المادية منها وغير المادية،سعى الى تجميع أرشيفات المحاكم الجهوية المحلية لدى مراكز تجميع اقليمية بهدف نقلها الى مخازن مركزية مما يحرم الجهات والنواحي من احدى دعائم كتابة وتأصيل ذاكرتها وهو ما يتعارض مع ما ينتهجه المعهد الوطني للتراث مثلا في تعهد وصيانة ودراسة المخزون الأثري بمختلف مكوناته ومظاهره في محيطه الأصلي باشراف مندوبياته الجهوية وملحقيه وأثرييه المعتمدين لديها؟؟؟
ويعتزم قسم التاريخ لكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة وبالتعاون مع مؤسسة الأرشيف الوطني التونسي مباشرة بعد العطلة تنظيم يوم دراسي يكون محوره”الأرشيفات الجهوية والمحلية والعائلية وموقعها من تأصيل تدوين الذاكرة”يكون محوره الأساسي مطالبة السلطات المركزية المسؤولة وأساسا منها الوزارة الأولى ووزارة الاصلاح الاداري بضرورة ايقا ف عملية ترحيل ونقل الأرشيفات الجهوية والمحلية الى العاصمة مع تركيز فروع ومقرات جهوية،ثم محلية لمؤسسة الأرشيف الوطني. لقد عانينا في مرحلة ما قبل 14جانفي2011 وحتى بعدها من تشتت الأرشيف الجهوي والمحلي على أكثر من دائرة ومن مصلحة ادارية ،ومن تعددية استخراج التراخيص والأذونات التي لم تكن تلاقى دائما حتى مع توفيرالبيانات الثبوتية للباحثين ردا ايجابيا من قبل سلطة القرار السياسي والاداري خاصة منها وزارة الداخلية والتنمية المحلية التي ترجع اليها بالنظر وثائق “خلايا تصفية الأحباس” التي يعامل طالب الاطلاع عليهاكما لوكان”جاسوسا” أو مخربا”،أو حتى “ارهابيا” يحرص على نهره وطرده بعيدا اعتقادا من الادارة الحاضرة-الغائبة في حصول شغورات بأن هذه النوعية المرتبطة بحل الأحباس سنة1957 هي من نوع الوثائق الاستخبارية لا التاريخية التوثيقية؟؟؟
تعاني الأرشيفات التونسية وخاصة منها الجهوية والمحلية الا في حالات محدودة تخص أرشيف المحاكم الابتدائية التي يحرص السادة وكلاء الجمهورية على تعهدها وترتيبها في حدود الممكن والمتاح،تعاني من حالة من الاهمال والغبن والتهميش الى درجة أن أرشيف بعض محاكم الناحية يكون ملحقا بزاوية أو ركن الايقاف بها مع انعدام التهوئة الجيدة ووسائل العمل والراحة اللازمة للباحثين دون الاشارة الى كميات الأتربة والغبار ورداءة الاضاءة،مع التعرض الى بعض مضايقات القائمين عليها الذين يعطون الأولوية في التعامل داخلها لعدول الاشهاد أصحاب الامتياز في التردد عليها والذين اضطروا في الكثير من الأحيان والحالات الى شراء المناضد والكراسي التي يجلسون عليها،وحتى كذلك شراء بعض الورق المقوى لتغليف ماكان مهددا بالاندثارمن الدفاترباعتبار أن ذلك المخزون هو مصدر رزقهم وسند بحثهم عن الحقوق والحقيقة التي تعود أحيانا الى أكثر من قرن؟؟؟
ان الحريق الذي أتى على خزينة محكمة ناحية المكنين لهو ناقوس خطر حقيقي موجه لسلطة القرار السياسي والاداري المطالبة بتعهد وبتوسيع مقرات المحاكم ولعل أولها هذه المحكمة التي كان يفترض فيها ومنذ مدة التحول الى محكمة ابتدائية لاكتضاظ وتراكم الأعباء بها ولقلة الامكانيات داخلها مع ضرورة السعي وفي أقرب الآجال بتظافر الجهود وباشراف الوزارة الأولى والأرشيف الوطني الى احداث مراكز اقليمية ومحلية للأرشيف،أو للحفاظ على الذاكرة قياسا على مندوبيات المعهد الوطني للتراث تأصيلا وحماية للذاكرة،وخاصة تسهيلا لعمل الباحثين حتى لا يضطروا لانفاق مدخراتهم المالية المحدودة وهم “غير الممنوحين”في سفرات التنقل الى العاصمة؟
وأود هنا الاشارة الى المجهود الذي اضطلع به المعهد الأعلى للحركة الوطنية في نسخ مخزون الأرشيف الفرنسي المرتبط بتاريخ الحركة الوطنية ووضعه على ذمة الباحثين بالمعهد،فكيف بنا نقبل ب”سلخ”و”تصحير” الجهات والنواحي من هذه الركيزة الأٍرشيفية التي تفترض اللامركزية الادارية والجامعية،وكذلك الاحتفال بيوم وطني للأرشيف وجود مقرات وفروع للأرشيف تكون سندا وسبيلا لتشغيل المتخرجين والعاطلين من طلبة المعهد العالي للتوثيق؟
وطالما أن عملية التجميع والتعهد في المقرات المركزية للأرشيف الوطني تتطلب امكانيات مادية وبشرية أكيدة فمن باب أولى وأحرى أن يستثمرهذا المجهود جهويا ،ثم محليا لاقرار مكونات الذاكرة وعدم ترحيلها الى العاصمة التي تشكو من “تخمة” حقيقية في المصالح والدوائر الادارية والخدماتية والبحثية مقارنة بدواخل البلادج التي يراد اعادة اعمارها وتأهيلها وتمكينها من ركائز التنمية ولعل أحدها وأهمها العناية بالأرشيف وتكريمه وتأهيله في محيطه الأصلي؟؟؟
iThere are no comments
Add yours