لقاء خاص مع وكيل الجمهورية بالقصرين السيد لطفي بن جدّو

Ben Jeddou

لا شكّ أنّه لدينا حاجة حيويّة في تونس اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى إحياء الذاكرة الجماعية و معرفة حقيقة ما حصل خلال الحقبات الماضية خصوصا منذ يوم 17 ديسمبر 2010، ليس من باب الفضول أو الترف الإستقصائي بل لأنّ جذور الخلل الحاصل اليوم تعود إلى تلك الفترة.

إستقراء التسلسل الزمني لأحداث الثورة لمعرفة حقيقة ما حصل بالتفصيل من شأنه أن يفكّك قنابل موقوتة توشك أن تنفجر في البلاد، كما أنّنا نحتاج بعد الُمكاشفة و المُحاسبة إلى بناء الثقة في مؤسسات الدولة التي طُبعت طيلة الفترة الماضية بصورة قاتمة و كاريكاتورية.

إنطلاقا من هذه الرؤية تحوّلنا يوم الأحد الماضي لمدينة القصرين لنلتقي برجل يصفه المُتابعون لقضايا شهداء الثورة بأحد أهمّ حاملي الحقائق و فاكّي شيفرة الأحداث في مدينتي تالة و القصرين، إضافة إلى ذلك ُيكنّ له أهالي القصرين إحتراما فريدا و محبّة خاصّة و يُجمعون على نزاهته و كفائته، هو قاضي التحقيق السابق و وكيل الجمهوريّة الحالي لدى المحكمة الإبتدائية بالقصرين السيد لطفي بن جدّو.

في الطريق إلى المحكمة الإبتدائية بالقصرين إستوقفتنا كتابات على جدران المدينة تدفع للتأمّل في واقع المدينة المثخن بالجراح.

على مقربة من المحكمة الإبتدائية بالقصرين كُتب على أحد الجُدران شعار لا يحتاج إلى تعليق: “محاكمة قتلة الشهداء باطلة باطلة 100%”

Kasserine3

كان السيد لطفي بن جدّو وكيل الجمهورية في مكتبه بالمحكمة رغم عُطلة الأحد، حيث كان معتكفا ليطّلع على الملفّات المعروضة عليه.

نظرا لكون الشعبيّة التي يتمتّع بها تُجسّد ما يُمكن وصفه بهيبة الدولة الفعليّة حاولنا التعرّف أوّلا على ملامح شخصيّة الرجل، فأكّد لنا أنّ النزاهة و الكفاءة إضافة إلى الجرأة أو الشجاعة الأدبيّة هي وحدها الخصال الكفيلة بأن تفتح قلوب النّاس لأيّ مسؤول في الدولة.

إستعرضنا خلال اللّقاء أهمّ أطوار المجازر في مدينتي تالة و القصرين أيّام الثورة حيث أحاطنا السيد لطفي بن جدّو علما أنّ التحقيق الذي أشرف عليه بدأ متأخّرا يوم 25 فيفري 2011 بسبب عراقيل حالت دون إنطلاق الأبحاث في وقتها، أبحاث كان من المفترض أن تنطلق في الأيّام التالية ل 14 جانفي 2011 كي لا تُطمس معالم الجريمة.

تمثّلت العراقيل خصوصا في نقاش حادّ حول من سيتعهّد بالبحث في المجازر و ضبابيّة صلاحيّات الدور المُسند للجنة تقصّي الحقائق، إضافة إلى أنّ لطفي الدوّاس أحد أصهار بن علي كان لا يزال وكيل الدولة العام المدير العام للمصالح العدليّة أي ثاني مسؤول ماسك بمفاصل الوزارة بعد وزير العدل.

إثر ذلك و تحت ضغط قضاة و محامين و نقابيين و بعد شكايتين من طرف محامين و أعضاء من لجنة حماية الثورة (التي كانت من أولى اللّجان المكوّنة في الجمهورية و لم تنضوي تحت رابطة حماية الثورة) فُتح التحقيق في القصرين.

في ذلك الحين وجد السيّد بن جدّو نفسه بين خيارين، إمّا إسناد إنابة قضائية مثل بقيّة قضاة التحقيق لفرقة القضايا الإجرامية بتونس الخاضعة إداريّا للمدير العام للأمن الوطني و المدير العام للأمن العمومي، و بذلك إسناد إنابة غير ناجعة، أو المُضيّ قُدما بنفسه في التحقيق دون إمكانيّة التعويل على الشرطة العدلية و دون الإستناد إلى بحث إبتدائي إستقصائي.

“يُقيّدونه بأصفاد من حديد و يقولون له هلمّ إلى السباق فأنت حرّ”

بهذه العبارة وصف وكيل الجمهورية فترة تحقيقه في قضية شهداء و جرحى الثورة بتالة و القصرين.

في حين كانت تالة و القصرين منطقة محرّمة على قوات الأمن مضى السيد لطفي بن جدّو في التحقيق رغم مختلف الصعوبات و وضع معايير دقيقة لتحديد الجرحى، حيث إشترط شهادة أوليّة من طبيب صحّة عمومية تاريخها قبل 14 جانفي 2011 مع بيّنة مستفيضة حول الإصابة أثناء الإحتجاجات و المظاهرات، كما إنتدب لجنة مكوّنة من 3 أطبّاء متخصّصين في تحديد الأضرار البدنية و جمع تقارير الطبّ الشرعي بالنسبة ل 6 شهداء في مدينة تالة و 14 شهيدا من مدينة القصرين.

تنقّل السيد بن جدّو كذلك إلى مدينة تالة رفقة كاتب و سائق، حيث تولّى الجرحى مهمّة الحجابة، و وثّق شهادات أطبّاء وقع تهديدهم و منعهم من إغاثة الجرحى و الشهداء من طرف قوات الأمن و شهادات سائقي سيارات إسعاف أطلقت عليهم وحدات التدخّل النّار وعنّفتهم لمنعهم من نقل المُصابين، كما وثّق عمليّات خلع المحلّات و المنازل التي قامت بها وحدات التدخّل.
أبلغنا السيد بن جدّو عن توثيقه شهادة ضابط من الشرطة العدليّة يصف ملابسات مقتل شابّ كان يبعد 300 متر عن قوّات الأمن و لم يكن يُمثّل خطرا فضلا عن الشهادات حول إستهداف مواكب تشييع جثامين الشهداء في تالة و القصرين.

من أكثر الصور التي بقيت في ذاكرة السيد بن جدّو شهادات حول إصابة الشهيد “بولعابي” في تالة بأربعة رصاصات في صدره و لجوءه إلى إمرأة من الأهالي المتواجدين على عين المكان فلاحقه أعوان وحدات التدخّل و داسوا على موضع الرصاصات بأقدامهم.

يوم 9 جانفي 2011 و خلال جنازة الشهيد محمد أمين المباركي إستهدفت قوات الأمن النساء بسبب زغاريدهنّ عند مرور الموكب و لمّا إلتجأ جزء منهنّ إلى الحمّام رمت وحدات التدخّل الغاز المُسيّل للدموع داخله ممّا أدّى إلى إختناق الرضيعة يقين قرميزي و إستشهادها.

تطرّق السيد بن جدّو إلى أدلّة تواجد القنّاصة بالقصرين و أنّهم ليسوا من الحرس الرئاسي حسب ما توصّل إليه خلال التحقيق، كما ذكر شهادة ضابط من الحماية المدنية حول تخطيط العميد في وحدات التدخّل لمجازر تالة، مشاركة عوني أمن من القصرين في رشق وحدات التدخل بالحجارة و إنضمامهما للحراك الشعبي و هجوم أعوان أمن أصيلي تالة على العميد يوسف عبد العزيز إثر تخطيط الأخير للقيام بعمليات القتل.

رغم كون حكّام التحقيق غير مؤهّلين للإجراء بحث إبتدائي إستقرائي و يقتصر دورهم على التكييف القانوني و تفادي النقائص، فقد جمع السيد بن جدّو قرائن مهمّة في تحقيقه و تقدّم أشواطا رغم العراقيل و الصعوبات فعند إستنطاق الجنرال يوسف عبد العزيز مثلا حضر الأخير بمسدّسه و لم يُجب على الأسئلة المطروحة عليه.

أكثر من 30 شهادة ضدّ الضابط وسام الورتتاني، أكثر من 200 شهادة حول قنّاصة القصرين في بحث من 1500 صفحة.

أصدر السيد لطفي بن جدّو 15 بطاقة جلب بقيت حينها حبرا على الورق، إختفت الرصاصات التي أصابت الشهداء، و بقيت مكاتبة بتاريخ 15 مارس 2011 للمدير العام للتنسيق الجهوي بوزارة الداخلية دون إجابة، حيث طالب السيد بن جدو بقائمة في أفواج وحدات التدخّل التي أُرسلت للقصرين.

أكّد لنا السيد بن جدّو أنّ عمليّات القتل بالرصاص الحيّ تحت إمرة قيادات مختلفة و في 3 أماكن متباعدة بدأت في وقت واحد و هي حيّ الزهور و حيّ النّور و مدينة تالة يوم 8 جانفي مع حوالي التاسعة ليلا ممّا يؤكّد صدور تعليمات بإستعمال الرصاص الحيّ كما أشار إلى أنّ قوات الأمن كانت عقيدتها التعليمات و أنّ كلّ ضابط مسؤول أيضا عن منظوريه و عن أفعاله.

تساؤل السيّد بن جدّو عن أسباب التسرّع في التحقيق العسكري مع إقصاء القائمين بالحقّ الشخصي و أشار إلى المفارقة حين تتطلّب غالبا قضيّة قتل واحدة سنة أو سنتين من التحقيق في حين أُجري التحقيق العسكري في زمن قياسي دون الوصول إلى نتائج واضحة.

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

12Comments

Add yours
  1. 3
    Slim

    Mr le Procureur, vous devriez avoir hônte , vous commencez votre discours par par un mensonge, je suis du domaine et je sais ce que je dis.
    Mr Daouas était une excellente personne, Honnête, Intégre , il était trés humain et aimait son travail . Il défendait tous les magistrats et c’est pour ça qu’il a eu des problèmes.
    Je m’explique, tout a commencé le 10 janvier 2010, lors de la nomination de Mr daouas en tant que procureur général directeur des services judiciares aprés avoir été chef de cabinet de Mr Bechir Tekkari et la nomination de Mr Bouaouni à la tête du minsitère de la justice en remplacement de Mr Bechir Tekkari suite au mécontentement de Ben Ali du résultat du jugement contre Imed et Moez Trabelsi qui ce dernier a ecopé 2 mois de prison.
    Leila Trabelsi voulait d’un homme qui lui soit fidéle, qui d’autre que son professeur et l’ex ministre de l’enseignement supérieur qui lui a donné son Doctorat.
    Le Ministre de Leila Trabelsi et Mr daoaus ne s’entendaient pas et la guerre ouverte est décalarée par conséquent les magistrats se sont aussi divisé entre ceux de Bouaoubi et ceux de Daouas jusqu’à ce que la révolution fasse tomber les deux, Bouaouni le 13 Janvier et daous le 15 janvier.
    Je suppose Mr le Procureur que vous étiez du clan de Bouaaouni et que vous détetiez Mr Daouas sans le connaitre bien sûr pour dire qu’il était là pour ralentir les jugements, n’est ce pas.

    c’est honteux de voir des procureurs qui mentent.

  2. 9
    Did Chokri Belaid die for nothing? | mohamed el dahshan. economist, writer, speaker, compulsive traveller.

    […] So now what? A new cabinet, representing the very same Ennahda-Ettakatol-CPR ruling coalition, was unveiled just this Friday. Nineteen of the 28 former ministers remain in office. A couple of independents have joined the cabinet, the most notable among them being Lotfi Ben Jedou, renowned state prosecutor in the governorate of Kasserine, whose work in leading the investigations in crimes related to the 2011 Revolution earned him national plaudits (interview in Arabic here). […]

  3. 10
    Staff Analysis: Did Chokri Belaid die for nothing? | Heliopolis Institute

    […] So now what? A new cabinet, representing the very same Ennahda-Ettakatol-CPR ruling coalition, was unveiled just this Friday. Nineteen of the 28 former ministers remain in office. A couple of independents have joined the cabinet, the most notable among them being Lotfi Ben Jedou, renowned state prosecutor in the governorate of Kasserine, whose work in leading the investigations in crimes related to the 2011 Revolution earned him national plaudits (interview in Arabic here). […]

  4. 11
    CHOURABI

    Lotfi Ben Jeddou connait très bien El Daouas, il sait pertinemment qu’aucun lien, d’une quelconque nature, ne le lie à Ben Ali, sinon comment expliquer que quelqu’un comme Bououni, nommé ministre de la justice, en dépit de ses tares congénitales, aggravées par son allégeance aveugle à Leila Trabelsi et sa clique, lui avait été préféré après le départ de Tekari.
    M. Ben Jeddou connait aussi très bien la procédure et il sait pertinemment qu’en matière de flagrance, la police judicaire procède à tous les actes d’instruction dont la commission de médecin légiste et qu’une fois l’instruction ouverte , il appartient au juge d’instruction, et à lui seul, de prendre la direction de l’instruction et de décider des actes nécessaires à la manifestation de la vérité.
    M. Ben Jeddou connait, de même, les circonstances dramatiques dans les quels travaillaient les magistrats lors des événements du 14/01/2011 et la désorganisation totale des tribunaux qui brulaient tout autant que les établissements carcéraux.
    Ce que ne connait cependant pas M. Ben Jeddou, c’est que les faits ont la tête dure et que la vérité finira toujours par éclater
    A bon entendeur Salut!

  5. 12
    Ben

    Ben Jeddou est, de notoriété publique, un Nahdaoui, il n’ y a pas à en avoir honte.
    Le courage, autant que les prouesses, dont il se vantait, aprés le 14/01/2011, ont vite cédé la place à un laxisme funèbre, à l’origine de l’assassinat de Brahmi et de nos valeureux soldat à Sidi Ali Ben Oun.
    Il devra bien rendre compte, un de ces jours.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *