في الوقت الذي تسعى فيه مختلف دول العالم إلى تحقيق برامجها في الصحة و التعليم و التكنولوجيا و تطوير البنى التحتية و تتناقش نخبها في أفضل السبل للإصلاح وتحقيق القوة و الرخاء و الرفاه للمواطن و تحصين الاقتصاد و المجتمعات. نجد في تونس أن ثقافة التفاهة و الميوعة والانحلال بصدد التمدد حتى أنها إكتسحت عالم السياسة و صارت مثار النقاشات في الاعلام و المجالس و المنتديات و اللقاءات.
لقد تم إختطاف الرأي العام التونسي بعيدا عن أهدافه الحقيقية والتحديات التي تجب أن يواجهها. شغلوه بفتاة تبيع الهوى في آخر الليل و وزير صرف ألفي دينار في نزل في نزل و نائبة لا تتقن لغة المستعمر، شغلوه برقصة الفوضويين في الغرب و بجمعيات الصدور العارية و المثلية.
و الغريب في الأمر أن في كل هذه المواضيع التافهة التي من المفترض أن لا يهتم بها حتى المراهقين، أن تجد انقساما حاد في المجتمع بين التونسيين بين مشجع و مُدين.
يقول ابن خلدون “إن المغلوب مولع بتقليد الغالب”، لكن الملاحظ أن بعض التونسيين لم يقلدوا الغرب إلا في الشذوذ و التفاهات و الفوضى، أما في مسائل العلم و العمل و احترام الآخر و احترام الوقت فإنهم يرفضون تقليدهم. الغريب أنهم يجدون في كل مرة مبررات لذلك التقليد الأعمى الذي ينم عن جهل و تفاهة و استسلام للعجز و الكسل و غياب تام للابداع و التجديد.
العالم المتحضر جعل من الفن متسعا للترفيه بعد عناء طول و جد العمل أما نحن فجعلناه هو لب الموضوع و تركنا العمل. و ياليته كان فنا، بل لا يقع مثقفونا إلى على المبتذل منه، في السينما لم يختاروا سوى المبتذل، من المسرح لم يختاروا سوى المبتذل، من النحت و الرسم لم يختاروا سوى المبتذل، من الشعر و الرواية و النثر لم يختاروا سوى المبتذل، من الرقص لم يختاروا سوى المبتذل وحتى من الإعلام لم يختاروا سوى المبتذل. فهل قدرنا مع هؤلاء “الفنانين” سوى الابتذال، إلا ما رحم ربي.
تونس لم تعد تونس أبو القاسم الشابي و الزيتونة و الثورة، تونس صارت يوما للتقبيل العلني، و بيع البقدونس و الهارلم شايك أو هكذا يصورها الاعلام في الشرق و الغرب. تونس أصبحت مثار السخرية و التندر و في كل يوم مصيبة جديدة و قطعة من سمعة وطننا يسقط وجزء من احترام الآخرين لها و لشعبها ينقص.
أتساءل إلى أين يأخذنا تيار الغباء الذي يقوده التافهون من الاعلاميين المتصابين وبعض مرتزقة السياسة. إلى متى يتم إختطاف مواضيع الرأي العام من قبل هواة “تشليك” المجتمع و تمييعه.
التافهون مجرد نسخ من آخرين يقلدون دون علم بالنوايا و الخلفيات، فقط مجرد أشباه، لا شخصية و لا هوية و لا أصل لهم، بيادق تتقاذفها أيادي المبرمجين، فقط مجرد توابع بدون عقل و لا علم ولا حكمة و لا تبصر، موجة تأخذهم و أخرى تعيدهم وهم دون أهداف و لا مراجع.
نحن في تونس و إن كان بيننا كثير من هؤلاء فإننا على يقين أنهم لن يقدموا شيئا للوطن، و أنه على الراشدين أصحاب العقول و أصحاب العلم أن يفتكوا الرأي العام من هؤلاء و توجيهه نحو القضايا المصيرة. و إذا كنا مقتنعين بأننا في أزمة فبالعلم و العمل فقط يمكن أن نخرج منها لا بالتفاهة والتهكم.
التونسيون لن يأكلوا الحرية و لن يشربوا القيم الكونية وسياراتنا لا تعمل بحقوق الإنسان و الأمراض لا تشفى بإستقلالية الصحافة البنية التحتية لا يبنيها الدستور و الإزدهار الإقتصادي لا يصنعه الفن المبتذل. علينا أن نعي ذلك جيدا ، وأن نفرق بين العالم المادي و بين مسائل الحقوق و الحريات و الفن. و بأن لا يطغى موضوع ما على على الآخر، فيصبح هو اهتمام الإعلام و الساسة الدولة و نترك الأهم. علينا أن نتعلم كيف نوجه الرأي العام نحو العمل و الجد و حب العلم و التطور و التجديد عوض أن يتم إلهاؤه طوال الوقت بالتفاهات التي لا تقدم و تؤخر.
Bien dit Karim,merci