بقلم شمس عروة،
قد يبدو عنوان المقال متناقضا إلا أنه يعكس الفوضى الفكرية والتناقضات الجسيمة التي يتخبط فيها جزء كبير من نخبنا السياسية و الثقافية و الدينية. سأحاول من خلال هذا المقال تحليل هاتين الظاهرتين اللتين اكتسحتا مجتمعنا منذ سنين و اتضحتا أكثر بفضل ما اتحته الثورة من حرية تعبير و هما العلمانية الدينية والسلفية العلمانية.
العلمانية الدينية
يعيش العالم العربي منذ بداية العشرية الفارطة صحوة إسلامية نذكر من أبرز تجلياتها ارتفاع عدد مرتادي المساجد ، الإقبال المتزايد على اللباس الشرعي ، تزايد الطلب على الإعلام الإسلامي ، الاقتصاد الإسلامي …في المقابل لم تسجل نسب الفساد و الرشوة و المحسوبية و الغش انخفاضا جليا ، كما بقي المجتمع يعني من أمراضه القديمة والمزمنة كغياب الثقة بين الناس ، وإضاعة الأوقات ، و قلة المردودية وغياب الإخلاص في العمل…وهو ما يدفعنا للتساؤل عن أسباب غياب تأثير التدين في هذه الظواهر الاجتماعية.
إن السبب حسب رأيي هو التدين العلماني الذي يفصل الدين عن الأخلاق و المعاملات و هو بالتالي يفصل الدين عن المجتمع و عن الاقتصاد و عن السياسة و عن كل شيء.
فالتدين عند أغلب من يسمون اليوم بالملتزمين ينحصر في الجوانب الشكلية و التعبدية ، و يهمل جانب المعاملات و الأخلاق ، فترى مثلا سائق سيارة الاجرة لا يشغل العداد ولكنه يجتهد في تجنب الإذاعات التي تبث الموسيقى ، ونجد الطالب يجتهد في حفظ القرأن غير اجتهاده في دراسته العلمية ، و المرأة تجتهد في أن يكون لباسها شرعيا غير اجتهادها في تجنب الغيبة و النميمة ، ونجد الموظف يحرص على أداء صلواته في أوقاتها لكنه لا يجتهد في إتقان عمله و خدمة المواطن ، و التاجر لا يلقي بالا للعهود والمواثيق التي تلزمه تجاه شركائه وحرفائه و تجاه الدولة قدر التزامه بأداء شعائره الدينية.
هذه هي العلمانية الدينية التي يعاني منها مجتمعنا اليوم ، المفارقة هي أن أغلب أصحاب هذا التوجه يرفضون ويحاربون بشدة ما يسمى بالعلمانية الحداثية التي لا تخلو بدورها من تناقضات لتكون شبيهة بالسلفية الدينية في طريقة تفكيرها وتعاملها مع المجتمع ومع التاريخ.
السلفية العلمانية
يتسم خطاب عدد من ممن يسمون بالحداثيين العلمانيين بعدة نقاط التقاء مع الخطاب السلفي.
أولى هاته النقاط الوصاية على المجتمع إذ يعتبر هؤلاء العلمانيون عامة الشعب جهلة ولا يعرفون مصلحتهم ، لهذا فهم يدعون إلى تدخل الدولة لقمع الحريات حماية لمكاسب حداثية يجهل الناس قيمتها حسب تقديرهم ، وهو ما ظهر خاصة في قضية الدعاة الأجانب إذ يدعو الكثير من العلمانيين إلى منعهم من دخول البلاد حماية لعقول التونسيين مما يسمونه بالغزو الوهابي . فهم رغم دعوتهم إلى حرية دون قيود كلما تعلق الأمر بحريات يعتبرها الكثيرون مسيئة للمقدسات و للأخلاق العامة ، تجدهم سرعان ما يضعون لهذه الحرية قيودا إذا كان الأمر يخص الممارسة الدينية.
ثاني هاته النقاط هي نبذ الديمقراطية إذا أدت إلى إفراز تشريعات مخالفة لتصورهم للمجتمع ، ففي الوقت الذي ينبذ بعض السلفيين الديمقراطية لأنها قد تؤدي إلى سن قوانين مخالفة للشريعة الإسلامية ، فإن بعض العلمانيين يرفضون الديمقراطية إذا أدت إلى تشريع بعض القوانين ذات المرجعية الدينية.
من ناحية أخرى تقوم السلفية الدينية أساسا على تقديس مجموعة من الشخصيات التاريخية التي عاشت خاصة في الجيل الإسلامي الأول من الصحابة و التابعين ، يشترك معها كثير من العلمانيين في تقديس رموز تاريخية وطنية ورفض أي نقد ومراجعة لتجاربها و افكارها ، كالحبيب بورقيبة و الطاهر الحداد وغيرهم ,فعوض التعامل الإيجابي مع التراثالإصلاحي التونسي بنقده و تطويره ، يكتفي هؤلاء بترديد الشعارات الجوفاء ، حتى أنك تكاد تعتقد عندما تتابع بعض الخطابات أن إحياء الفكر البورقيبي يقتصر على الترحم عليه و لبس نظارته و اعتماده كشعار رمزي في الحملة الانتخابية.
كما يعتمد جزء من العلمانيين سلاح التكفير ضد كل مثقف أو سياسي لا يعتمد طرحهم ، التكفير هنا ليس بالمعنى الديني ولكنه يكون بالاتهام بالرجعية والتخلف و الظلامية و العمالة ، من دون مناقشة الأفكار مناقشة عقلانية.
أخيرا ، يشترك بعض العلمانيين مع السلفيين في عدم مراعاة التطورات السوسيولوجية والتاريخية والخصوصيات الحضارية لتونس ، ومحاولة إسقاط تجارب تاريخية جاهزة على واقع تونسي مختلف ومتغير.
إن أوجه الشبه و التداخل التي ذكرنا بعضها تؤكد أن الصراع الثنائي الذي يعيشه مجتمعنا اليوم هو صراع قشور بين فئتين مختلفتين في الظاهر خاصة في الخطاب واللباس والسلوك الاجتماعي ، ولكن متفقتين في نمط تفكير ضيق ترعرع طيلة أكثر من عشرين سنة وساهمت في اذكائه الأيديولوجيات المقيتة والصراع السياسي اللاأخلاقي ، هو نمط تفكير يخون في نفس الوقت جوهر الإسلام والعلمانية الذين من بين أهم مقاصدهما التعايش المشترك و وحدة المجتمع.
في الختام لا بد من التأكيد أنه ليس الهدف من هذا المقال نقد السلفية أو العلمانية وإنما التنديد بما يحمله كثير من أصحاب هذه الأيديولوجيات من تناقض يعبر عنه قول الشـاعر مظفرالنواب : قتلتنا الردة. قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده
analyse simpliste: surtout si on tient compte du gigantesque soutien financier et moral des (pétrodollars) aux prédicateurs…il s’agit là d’une invasion programmée et financée contre laquelle les moyens de lutte des dits laïques paraissent dérisoires, c’est une lutte pour la survie d’un embryon démocratique!!!!
أحيي الأخ الكاتب على هذا التقرير و فيه أقول
هذا تحليل شاف لحالة التخبط التي يعيشها المسلمون بصفة عامة و في تونس بصفة خاصة الا من رحم ربي أما العلمانيون فانهم أخرجوا أنفسهم من دائرة الاسلام و يبذلون جهودا جبارة للحيلولة دون الانتساب الى الاسلام و هو منهم بريئ و مما يزيد الطين بلة انضمام قوى الاعلام و التفافه حولهم و محاولة ضرب المسلمين بعضهم ببعض حتى تتحقق أجندتهم التي لن تحفى على عامة الأمة فضلا عن علمائها
المشكلة الأساسية هي الجهل أو بالأحرى التجهيل الذي مارسه نظام بورقيبة وواصله نظام بن علي. نمط التفكير الضيق لدى كثير من التونسيين ترعرع في الواقع منذ استقلال البلاد بمعنى منذ ما يقارب الستين عاما عندما قرر بورقيبة تأليه نفسه وتصفية خصومه أو من قد يصبحوا منافسين له. واستعمل في أحيان كثيرة طرقا وصلت الى زهق الأرواح. كما حارب التعليم الذي ينمي التفكير ليبقى هو المفكر الوحيد في البلاد. وتجسد ذلك في قمعه للجامعات وفي الممارسات المشينة التي تعرض لها العديد من أساتذة وطلاب هذه الجامعات. بل ان بورقيبة أقدم على تحريف بعض المواد الدراسية وفي طليعتها مادة التاريخ لاقناع الناس بأن تونس كانت من قبلة عدما أو حفنة من تراب كما كان يحلو له أن يقول وأنه هو الذي جعل منها بلادا وجعل منا شعبا. في السبعينيات من القرن الماضي نشر اثنان من الخبراء في الشؤون الطبية هما الدكتور بيار أكوس مؤلف موسوعة طبية والدكتور بيار رنتشنيك المتخصص في أمراض الأعصاب كتابا عن حكام العالم المرضى ومن بينهم بورقيبة. ووصفوا قائمة من الأعراض الخطيرة التي كان مصابا بها وخاصة من الناحية النفسية والتي جعلته مغرورا بنفسه وشرسا. فلا عجب اذن أن تتدهور بعض الركائز الهامة للدولة ومنها قطاع التعليم اذا كان المسؤول الأول مختلا عقليا. لكن بورقيبة كان يتمتع بصفة أخرى يقول الطبيبان انها ليست نادرة لدى المصابين بأمراض نفسية أو عقلية وهي أنهم يسحرون من يستمع اليهم، وتلك صفة كان يفتقدها المجرم بن علي الذي اعتمد أساسا على التخويف. يضاف الى هذا كله أن العديد من المنشورات والكتب كانت ممنوعة في أيام بورقيبة وبن علي، مما حرم كثيرين من الاطلاع على حقائق خطيرة ومن المقارنة بين الدعاية الرسمية وكيف يفكر آخرون. والجاهل لا يدرك جهله ولا يفتقد مصادر لا يعرف وجودها. نتيجة للسياسة التعليمية القمعية وللرقابة على المنشورات تأتي اليوم الجامعات التونسية في مؤخرة الجامعات العربية والافريقية والعالمية. وهذا ما يجهله الكثيرون بسبب غسل الأدمغة الفارغة التي يتغطرس أصحابها مقتنعين بالدعاية الرسمية التي صوّرت لهم أنهم عباقرة. فكم واحد يعرف أن الجامعات التونسية لا ترقى الى مستوى جامعة الصومال أو جامعة موريتانيا الوحيدة أو جامعة مالي التعيسة؟ وفي ترتيب أول مئة جامعة افريقية لا تجد ذكرا لأية جامعة تونسية. لكن هذا لا يمنع أشباه المتعلمين من الذين يدّعون العلمانية خاصة من محاولة تنصيب أنفسهم أوصياء على غيرهم ليحددوا من يجوز له دخول تونس لالقاء محاضرات. على سبيل المثال يتهمون دعاة الخليج والشرق الأوسط بنشر الكراهية والعنف. لكن أذكر بمناسبة زيارة وجدي غنيم لتونس أنهم اختلقوا ونسبوا له كلاما لم يصدر عنه، وعندما كان في جامع المهدية حاول أحدهم طعنه بسكين لكن أحد حراسه التونسيين حماه بجسمه وأصيب بدلا منه. كما نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي بدون حياء دعوات لخصيه علنا. وعندما زار اسماعيل هنية تونس اختلقوا له فضيحة معاداة السامية للتغطية على تواجد زعيم فلسطيني يحترمه التونسيون. ومن طرائف اخواننا العلمانيين الذين يشتكون من عنف السلفيين دعوة نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي لقطع لسان النائب في المجلس التأسيسي الصادق شورو. ووسائل الاعلام تعرف كيف تغطي على أخبار الهجمات التي تتعرض لها مقرات حزب النهضة واضرام النار فيها. ان كنت في هذا الاستعراض السريع لا أتحدث عن السلفيين فذلك لسبب بسيط وهو كثرة التكالب على مهاجمتهم ونهش لحمهم. فلا أظن أن هناك حاجة لأضم صوتي للذين ينعقون كالغربان. الحقيقة أن أول المستفيدين من حرية الاعلام هم المتخصصون في التضليل الذين يصرخون بأن حرية التعبير في خطر أو غير موجودة. وفي بعض المرات أتساءل من يقف وراء حملات التضليل والتهجمات الشخصية للنيل من الغير عندما يفشلون في تقديم براهين وأدلة مقنعة لدعم ادعاءاتهم الملفقة خاصة عندما يحاولون تخريب علاقات تونس مع الدول العربية والاسلامية ويركزون على دول الخليج وتركيا. يدّعون مثلا أن تونس معرضة لانتشار الوهابية، ولا أظن أنهم يعرفون ماذا يقصدون. وعندما يخلطون بين السعودية وقطر على سبيل المثال من الواضح أنهم غير مطلعين على وسائل اعلام هاتين الدولتين للمقارنة بينهما. أكتفي بذكر موقعي الجزيرة والعربية. فالعربية تنتقي باستمرار وتبحث عن الأخبار السلبية المسيئة لتونس ومصر لتشويه سمعتيهما كدولتين أصوليتين بينما لا أظن أنه توجد في العالم دولة بمستوى السعودية في الأصولية والتخلف الديني، ناهيك عن الأخلاقي. حقد السعوديىن على تونس مفهوم ويعود للصداقة الحميمة التي كانت تربط بين الاستبداد السعودي واستبداد بن علي الذي احتضنوه في بلادهم. كما أن السعوديين ساخطون على الحكومة التونسية لأنها تجرأت على مطالبتهم بتسليم هذا اللص. في السعودية يقطعون يد الفقير عندما يسرق رغيف خبز ويبجّلون الحرامي الذي يسرق مليارات الدولارات من خزينة الدولة. وهذا موقف لم ألاحظه على موقع الجزيرة. فالخلط بين الموقعين ان دل على شيء فانه يدل على ثرثرة الجاهلين وترديدهم كالببغاء لشعارات غبية. ولكن مهما كان نفاق حكام السعودية وسفاهة اعلامهم فلا أرى فائدة في معاداتهم. خاصة وأن النظام السعودي يرتجف خوفا هذه الأيام من المصير الذي ينتظره لأن البلاد في حالة غليان شديد رغم كثرة الأمطار والفيضانات. رجل الأعمال من العائلة المالكة الأمير الوليد بن طلال وصف مؤخرا في مقابلة الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا بأنها دمار، مدعيا أنه يستمد استنتاجاته من كثرة قراءاته ومنها قراءة تقرير من ألفي صفحة. كنت أظن أنه كان يقضي أوقاته يعد ماله وما كسب ولم أكن أعلم أنه من هواة المطالعة.
@ fathi t’es loin d’être objectif!,Tu parle d’une Tunisie détruite par Bourguiba, je ne suis pas ici pour le défendre mais ton analyse n’est pas pertinent!
الكل يستعمل نظرية الاستحمار ضد عامة الشعب و هذا الاستحمار يكون دينيا مثلما هو سياسي