بقلم ليلى الثابتي*،
هل يمكن الحديث عن مواطنة صورية ينعم فيها أناس برغد العيش، بينما لا يقدر آخرون على تحصيل قوت يومهم؟ هل يجوز أن تطارد مصالح الجباية المستثمرين المنضوين تحت النظام الحقيقي، وتتجاهل عن قصد من ظفروا بـ«حقّ» الانضواء تحت النظام الجزافي؟
قطعا لا يمكن الحديث عن مواطنة في حالات مماثلة، إذ كيف يحصل ذلك وقد تحوّلت علاقة السلطة بمواطنيها و بمستثمريها على وجه الخصوص إلى مجرّد معادلة فيزيائية تبحث الإفلات من المناطق المجاورة لشمال الصفر بكلّ الطرق. معادلة مالية تحكمها الجباية والاقتراض. فالمتمعّن في ميزانية 2014 سيلحظ سريعا هذا الخلل المفزع الحاصل بين حجمي الموارد والنفقات. موارد تكاد تنحصر في الجباية وفي القروض الخارجية، وإذا ما أعتبرنا أنّ هذه الأخيرة، أي القروض، ليست سوى جملة من الأقساط تشمل أصول الدين وفوائضه، ويتمّ توزيعها على الشعب وعلى المؤسسات في شكل ضرائب غير مباشرة، فإنّ الحصيلة تعني أنّ ايرادات الدولة تتلخّص في جباية معجّلة وأخرى مؤجّلة. 60 % من الميزانية تقريبا متأتّية من الضرائب غير المباشرة، و40 % من الضرائب المباشرة.
بهكذا طريقة، سيكون على المواطن العمل ليلا نهارا لسداد ما تخلّد بذمته من مستحقّات للقباضة المالية. وعلى المستثمر أن يتنازل عن أرباحه وأن يحوّلها إلى خزائن الدولة تحت مسميات شتّى. له أن يختار منها ما طاب، فقد كانت مصطلحات الجباية في السابق مرتكزة بالأساس على مصطلح «الضريبة» (l’impôt)، أمّا اليوم ومع ميزانية 2014، كان لابد وأن تقوم السلطات بتنويع الضرائب المباشرة والزيادة في نسبها، وليس أدلّ على ذلك من دخول مصطلح «الأتاوة» (Redevance) إلى قانون المالية لهذه السنة. لقد تفنّن هؤلاء السّادة في التنويع والزيادة والترفيع إلى درجة أبانت بالكاشف على أنّ حلّ الأزمة المالية في تونس سيكون عبر أبشع وسيلة تبنّتها الحكومات على مرّ السنين ألا وهي الجباية.
واهم من يعتقد أنّ القبضة الحديدية في تونس تقتصر على القمع المادي والمعنوي، فالتاريخ القديم والحديث أثبتا أنّ الجباية كانت على الدوام وسيلة القمع الأشد تنكيلا بالمواطنين، والأكثر إبادة للاستثمار. لذلك كانت سبب الحراك الاجتماعي وسببا في ظهور العمل النقابي، فالأصولية غالبا ما تؤدّي إلى الانفجار، وهذا ما حدث سنة 1864 حين ثار “العربان” بقيادة علي بن غذاهم، و«النازلة التونسية» في العام 1885. وهذا ما حدث أيضا قبيل الرابع عشر من جانفي 2011 وما سيحدث ويحدث في العام 2014. هو منطق الماكينة الجبائية حين يروم حصاد الأعناق المشرئبّة نحو البناء، فيقطفها تباعا ويمتصّ رحيق كلّ مؤسّسة صغيرة كانت أم متوسّطة أم عملاقة. هي ماكينة تمضي عكس التيار وعكس الأحجام وعكس الطبيعة وتقتات من الجثث حتى غدت مصبّا لدماء الناس ومكبّا لمجهودات المستثمرين وأصحاب الفكر والمشاريع.
إنّ في الزيادة في الضرائب ضرب للمقدرة الشرائية للمواطن البسيط الذي، وبعملية طرح بسيطة، يجد نفسه عاجزا عن سداد حاجياته الأساسية، فكيف سيدّخر لتعمل البنوك وتحصل على فوائض تقتات منها؟ وكيف سيحصل جاره على قرض فيصنع لنفسه به مؤسّسة صغرى يضم إليها أبناء جهته وأقاربه؟ كيف ستصمد شركة تأمين إن اندثرت المؤسّسات ولم تعد تجد لها واحدة لتأمينها؟ كيف نسمّي اقتصادا بدأت أركانه الأساسية في التلاشي؟
إنّ من لا يتّعظ من التاريخ لهو إمّا مرفوع عنه القلم وإمّا أنّه قد نفض عنه انتماءه لهذا البلد، لأنّ من يحمل فخر أن يكون تونسيا لن يمكنه أن يحمل بداخله كلّ هذا الحقد وهذا التحامل على شعب لم يطلب غير السكينة والسلام من أجل البناء.
إن قانون المالية لسنة 2014 هو الانعكاس الصادق لفشل من أعدّه ومن تبنّاه ومن صادق عليه في المجلس الوزاري في مرحلة أولى، ومن صادق عليه في المجلس التأسيسي في مرحلة ثانية.. هو ثمرة هجينة ومولود لقيط لفظته النخبة المطّلعة على خفايا الأمور، واستنكره المستثمرون. أمّا المواطنون، فقد كانت إجابتهم أعمق وأشمل وأوضح من كلّ تلك الهتافات والأصوات الصادحة بغير ذي جدوى.. هو خيط رفيع ذاك الذي يفصل بين المنطق ونقيضه، فلابدّ إذن من الوقوف على تلك المساحة الصغيرة قبل أن تتحوّل البلاد إلى ركام.
* ليلى الثابتي، صحفية مختصة في الشؤون الاقتصادية
كلمات في الصميم لمن لا يأبهون بمعاناة المواطن. أنا متعودة على القراءة للأستاذة ليلى وأعرف جرأتها في تناول المواضيع الاقتصادية الحارقة. شكرا على هذا المقال الرائع والذي ينطق بلسان كل واحد منا
Pour cette dame “spécialiste des affaires économique” de surcroît, la fiscalité Tunisienne est une catastrophe et si elle est appliquée, le pays sera littéralement ruiné “roukèm”? Elle la compare (à tord) à la “Mejba” du Bey : Un impôt excessif et arbitraire sur les personnes qui a provoqué la révolte de 1864. Comment allons nous financer les investissements publics alors ? Encore des dettes??
Contrairement à ce qu’on a l’air de penser, le vrai problème est l’application des lois (y comprise la fiscalité) et non la législation elle-même, malgré ses défauts! Ceux qui crient le plus fort aujourd’hui ne sont pas les démunis mais les fraudeurs éternels et leurs sbires, qui ont toujours bénéficié de passe-droit et sont protégés par des “caïds” à tous les niveaux. Ceux là sont prêts à tout pour garder leurs privilèges occultes. L’exemple de la Grèce pourtant “démocratisée” bien avant nous est très proche du notre sur ce plan précis. Et la tâche des nouveaux gouvernements sera rude! Que Dieu les aide!