بقلم، عبد الرزاق قيراط
أصبحت تصريحات البنك المركزيّ التونسيّ، والناطق الرسميّ لحكومة المهدي جمعة (وهو خبير اقتصاديّ) لا تختلف في شيء عن النشرات الجويّة التي تقدّم توقّعاتها حول حالة الطقس والتقلبات المناخية المنتظرة… يخرجون علينا بين الحين والآخر بأخبار مخيفة عن الإفلاس القريب وكأنّه قضاء وقدر محتوم يشبه الأعاصير التي تدمّر الحرث والنسل فتخرّب خلال ساعات ما بنته يد الانسان خلال عقود.
ثمّ لا يبخلون علينا ببعض المواعظ فيحثّون الشعب على العمل وبذل التضحيات. فمن الغرابة أن يعالج هؤلاء الوزراء من أصحاب الخبرة والكفاءة مسألة اقتصادية معقّدة بمآثر من الأخلاق الحميدة، وقد فاجأنا رئيس الحكومة مهدي جمعة بخطاب فضفاض يطالب فيه التونسيّين بالتضحية : “علينا كلّنا أن نضحّي خلال هذه الفترة”.
التضحية كلمة جميلة ولكنّها بحاجة إلى تدقيق ليعرف التونسيّون ماهية المطلوب منهم تحديدا. ولن يكون من السهل إقناع الملايين الذين يعتقدون أنّهم ضحّوْا بما فيه الكفاية حتّى يقدّموا لبلادهم أو لهذه الحكومة تضحيات جديدة… كان الشعب يقدّم التضحيات على حساب مطعمه وملبسه وصحّته ومستقبل أبنائه ليزداد رؤساؤه ووزراؤه ونوّابه ثراء وبذخا… وبينما كان الشعب يضحّي، بذل حكّامه السابقون والكفاءات التي كانت تعمل معه كلّ عبقريّتهم لنهبه بالقوانين التي ضبطت في مجلّة الاستثمار وفي مجلّة المحروقات وفي غيرها من التشريعات خدمة للعائلات المتنفّذة والشركات الأجنبيّة… وهو ما اعترف به البنك الدوليّ في آخر تقاريره عن تونس.
لذلك نعتقد أنّ الكرة اليوم في ملعب الحاكم، وهو ملزم بإصلاح عيوب سابقيه ومراجعة القوانين الجائرة التي تحرم الدولة من موارد إن دخلت خزائنها ستعفي المواطنين حتما من تقديم التضحيات التي لم يعد قادرا عليها.. كما يجب على النخبة الحاكمة وكبار الموظّفين أن يقدّموا لآلاف الفقراء والعاطلين عيّنة من التضحيات التي يمكن لهم أن يساهموا بها في المحفاظة على الموارد، حتّى تسير تلك الفئات على منوالهم.
ولن تكفي التضحيات مهما كانت جسيمة لعلاج أزمتنا. لذلك نحتاج إلى حلول أكثر دقّة ونجاعة وفي مقدّمتها إصلاح نظام الجباية بشكل عاجل يراعي قواعد العدالة والمساواة لتشجيع المتهرّبين على التصريح بمكاسبهم ودفع المستحقّات التي عليهم … ونحتاج أيضا إلى تنشيط الموارد المعطّلة وعلى رأسها الخطايا التي قد تدرّ أموالا طائلة. ففي فرنسا على سبيل المثال، بلغت مداخيل الدولة من الخطايا المسلّطة على سائقي السيّارات المخالفين لتحديد السرعة 800 مليون يورو في 2013 وحدها..
التضحية جميلة ولكنّ الرادار أكثر نجاعة… ولا يتّسع المجال لتقديم مقترحات وبدائل أخرى، تبقى حكومة الكفاءات أقدر منّا على استنباطها وتنفيذها للخروج من الأزمة الماليّة المتفاقمة، وإلاّ فهي أعجز من أن تُكَلّف بتسيير البلاد نحو الاستقرار والنماء.. وفي حالة عجزها، سنكون بحاجة إلى حكومة من الدعاة والواعظين حتّى يخفّفوا علينا شدّة المصاب بعد إفلاس الدولة والحكومة، ليحثّنا الوزراء على الصبر والتضحية، ويقولون لنا في خطبهم وبرامجهم: دفع الله ما كان أعظم!
مقال آخر -دون المتوسط- للردح والقدح في حكومة السفارات دون أية إشارة لدور حكومات بني اخونج المتعاقبة في الكوارث التي أعادتنا إلى حكم المقيم العام الفرنسي/الأمريكي/الألماني! يا رجل، لازال الطريق أمامك طويلا لتصبح ببلاغة وفصاحة وإقناع برهان بسيّس! ولو كنت المسؤول عن دائرة الإعلام في حركة نهضة آل شكوطوم لما أمرت لك بفلس واحد!
والله سي التونسي.. كان تكتب وتورّينا براعتك وتعرفنا بنفسك افضل من التستر وراء أسماء مستعارة لتوزيع الشتائم على الناس..
عزيزتي سلمى (*)، بما أنك قد ذكرت إسمك ولقبك وتاريخ ميلادك وحتى مقاس حذائك في تعليقك السابق فمن حقّك الطبيعي أن تحاسبيني على إخفائي لهويّتي. ثم من قال لك أنني لا أكتب؟ هل نمى إلى علمك بأن قلمي قد جفّ؟ نميمة عافانا وعافاكم الله. صدّيقني، يكذبون عليك! وأخيرا، أي نعم! أنا أشتم! شتائم من النوع الساخر التي تبكي أكثر من أن تضحك! طبعا أشتم ولما لا أشتم؟، فرشودة غنوشو آل شكوطوم هي الشتيمة التي أوجهّها مثلا لراشد الغنوشي! وااااااع شتيمة قبيحة جدااااا! كيف لا و”رشودة” اسم تصغير، “غنوشو” عبارة يُدلّع بها التونسيون أبناءهم الصغار أما حكاية “الشكوطوم” فالخوانجية أنفسهم يفتخرون بها! صحيح، “علي رشّ” و”حمادي تفجيرات” أيضا شتائم مقذعة والعياذ بالله! كيف ذلك وقد جمعت فيها بين أسماء صحابتكم الأجلاء و إنجازاتهم الغرّاء في خدمة الإسلام والمسلمين! هل تقصدين مثلا، أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم، أنّ انجازات علي العريّض (إطلاق الرش على عيون شباب وأهالي سليانة) وحمادي الجبالي (ارتكاب تفجيرات سوسة والمنستير) أمور معيبة؟؟! ويْحك! هل صبئت عن دين النهضة واتّبعت معارضة الصفر فاصل؟! وفي رواية أخرى، أُولْتشْ حَاجَهْ أنا بَأَى (على رأي عادل إمام)! إلخ إلخ إلخ بقي أنّ هذه الشتائم لن تصل أبدا لباقات الورود التي يوزّعها صباحا مساء ويوم الأحد أدمينات صفحات “الأوفياء الصادقون” وصحفجيّي الإعلام الأزرق.
مع مودّتي… :)
(*) اسمك جميل ويذكرني بصديقة مقرّبة جدا إلى نفسي!
(نواة: مانيش نبزنس!)
لم أكن أنو الردّ عليك هذه المرّة بسبب السقوط الأخلاقي الذي لمسته في ملاحظتك واتهامك المتجدّد بكوني أكتب لفائدة جهة معيّنة
يا صديقي، الموقع لا يخلو ماشاء الله من المقالات التي حاسبت وتحاسب الحكومات السابقة فهل يجب على
كلّ الكتاب أن يتحدّثوا عن نفس الموضوع
في المقالة السابقة حاورتك ووجدتك ترفع من مستوى الخطاب ولكنّك هذه المرّة خيبت ظنّي صراحة لذلك أدعوك إلى التعقّل في مخاطبة من يختلف معك ودعك من توزيع الملاحظات عن مستوى ما نكتبه فلسنا في لجان امتحان… لقد كتبنا بما فيه الكفاية لأساتذتنا في الجامعة واستفدنا من ملاحظاتهم وحصلنا على شهادات عليا ولسنا نبحث عن غيرها من سيادتك..الكتابة الصحفيّة مقام آخر ولكل مقام مقال .. وأكتفي بذلك فلست من الذين ينخرطون في معارك كلامية لا تجدي.. أرحّب بكل نقد ولكن في كنف الاحترام ولا أظّنك عاجزا عن ذلك
مع مودّتي
سيد عبد الرزاق المحترم، لو توقفت عند “برهان بسيّس” لما علقت على ملاحظتي. لذلك خطر لي بأن أحشر هذا الاستفزاز عمدا حتى تقدّر كم هو ظالم أن توضع في مكان تستحق أفضل منه بكثير. وفي كل الأحوال، لا أظنك تعتقد أنني لا أعلم بأن كتّاب الخوانجية لا يتقاضون مالا وإنما يكتبون وبكل حماس، راجين الثواب ومرضاة الله فحسب! يكتبون الحق والباطل دفاعا عن الجماعة الناجية وخدمة للدين أو هكذا يعتقدون!
أما وقد نجحت في جرّك إلى النقاش فأودّ أن أذكرك مرة أخرى بما أعيبه على كتاباتك، وهو الآتي:
أنت تتحدث عن سياسات هذه الحكومة أو/و حكومات ما قبل 23 أكتوبر كما لو كانت هي الوحيدة المسوؤلة عما نحن فيه (دون التعريج ولو تلميحا على مسؤولية حكومات الخوانجية). ذلك يطعن في موضوعية طرحك ويجعله -شئت أم أبيت-قصدت أم لم تقصد وسيلة للتطبيل لجهة دون أخرى.
حسنا، لنبدأ من حيث نتفق! نحن متّفقان على أنّ حكومات آل تجمع لا تَصلح ولا تُصلح! وأيضا على أنّ الحكومة الحالية حكومة سفارات وقرارات دولية! لكن ماذا عن هؤلاء “الأوفياء الصادقون” الذين برّؤوا ذمّة الجلادين وخربوا اقتصاد وسمسروا مع المافيات ورهنوا البلد قطعة قطعة! ألا يجب أن تشير (من باب الموضوعية) إلى مسؤوليّتهم فيما حدث ويحدث، أم هذا لا يجوز لأنهم منتخبون ديمقراطيا. ولما تصلح الصناديق أصلا إن لم يكن هناك نقد وتصحيح وتقويم لكل التجارب وبخاصة تلك التي تعزّزت بشرعية الصناديق (ولو شرعية نسبية ومحدودة كما في قضية الحال). أخالك تدافع عن مستقبل هذا البلد. ألا يستحق منك هذا البلد أن تقول لمن أخطأ لقد أخطأت؟ والسلام!
« Technocrates, c’est les mecs que, quand tu leur poses une question, une fois qu’ils ont fini de répondre, tu comprends plus la question que t’as posée. »
coluche
اذا سمح لي الاخ تونسي فاني اود ان اشكر الاستاذ قيراط على تواضعه وحسن اخلاقه وهو يناقش بعض القراء الذين لا يملكون الحد الادنى من قواعد الاحترام.. قرات العديد من المقالات التي نشرها الكاتب في صحيفة القدس العربي وهي ذات مستوى رفيع واسلوب مميز .. وانا اتساءل لماذا غادر القدس العربي وعاد لموقع نواة مع احترامي لنواة ولكن بعض المعلقين فيها لا يستحقون الفضاء الذي منح لهم للتعبير عن افكارهم.
السؤال لماذا خرجت من القدس؟
شكرا سي مهدي على ملاحظاتك اللطيفة
علاقتي بالقدس العربي طيّبة رغم غيابي هذه الفترة لأسباب يطول شرحها
وكتابتي بموقع نواة تعود إلى ما قبل الالتحاق بالقدس العربي.
قبل أن أكتب تعليقي الأول أعلاه، بقي هذا النص دون ردود لما يزيد عن يومين! وبعد ذلك توالت التعليقات. يبدو أننا في هذا البلد لا نستطيع سوى الدفاع عن الأشخاص ولا نقدر على الدفاع عن الأفكار أو المواقف بنفس القدر. حسنا، أنا رجل صاحب مستوى منحطّ وسيّء! دعكم من شخصي الفقير إلى ربّه! هلا علّقتم الآن في صلب الموضوع عوض الدفاع عن سي قيراط؟ ثم أنا لا أتفق مع منهجية سي قيراط وهذا عبّرت عنه في مناسبتين على الأقل. وقلت بوضوح بأنه بالطريقة الانتقائية التي يكتب بها يضع نفسه في خانة من يطبّلون لجهة دون غيرها بينما يفترض في المثقف المشتغل بأمور الشأن العام أن يدافع عن المنشود لا عن الموجود أيا كان. وسأظل على موقفي هذا لأنني من موقعي خارج نصوصه أرى فعلا أن أكبر ثقب فيما يقدمّه من آراء هو سكوته عن جزء من الموجود وفي ذلك -حسب رأيي- طمس للحقائق وتوجيه للقارىء. لكن رغم كل ذلك لم ولن أطالب نواة ولا أي جهة أخرى من أن يمنعوه أو يمنعوا غيره من الكتابة والتعبير. في المقابل أجد المتضامنين معه يلحّون تلميحا وتصريحا على صنصرة تعليقاتي بدعوى أن مستواي منحطّ. قد لا أكتب وقد لا أرقى إلى مستوى سي قيراط الذي يكتب في موقع القدس العربي “الراقي” (شخصيا أشتم من ذلك لمزا مبطّنا في نواة التي حاربت الدكتاتورية ستة سنوات متواصلة بينما أجبرت صحيفة آل سعود القدس العربي الكاتب عبد الباري عطوان على الاستقالة لأنّ ملك السعودية وحاشيته لم يستسيغوا مواقفه تجاه الأزمتين السورية والمصرية)، وقد لا تصحّ أصلا المقارنة بين مجرد مواطن مثلي (لا يدّعي في العلم معرفة) وبين الكاتب والأستاذ الجامعي سي عبد الرزاق قيراط. (افترضوا ما تشاؤون!) لكن هل هذا مبرّر لحضّ نواة على صنصرتي يا ديمقراطيين يا بتوع الدساتير؟ ألم أقل لكم في تعليق آخر على مقال آخر في هذا الموقع أن كل واحد منا يحمل “زعبعا صغيرا” بداخله؟ هو فقط ينتظر اللحظة المناسبة لينطلق من عقاله دون رادع!
درئا لكلّ فهم خاطئ فإنّي شخصيا لا أدعو إلى صنصرة أحد مهما كانت الأسباب وجيهة إلاّ إذا صار التعليق تهجّما لفظيّا عنيفا وهذا لم يصل إليه الأخ القارئ تونسي رغم انّي تألّمت كثيرا لذلك التشبيه المقرف الذي خصّني به.. وأنا أرحّب بكلّ ملاحظاته وأحاول هضمها.
شكرا