وفي هذا الصدد نلحظ أن الركن البارز في استراتيجية التعامل المناسبة مع الناشطين الشعبيين والسياسيين تعتمد على تحييد الفاعلين الجذريين.
الفاعل الجذري هو شخص مبدئي يبني مواقفه وفقاً لجملة من المبادئ والثوابت لا على أساس الدعاية التي تبعثها القنوات الحزبية والرسمية في شكل بروباغندا أو إشاعات.
هذا الصنف من الناس لا يتأثر عادة بعمليات التكييف التي تمارس بشكل جماعي بل يقاومها. بل أنه في كثير من الأحيان يتحول هذا الشخص إلى فعل مبادر يمارس دور تنويري وذلك عبر محاولة صياغة وعي جمعي يواجه فعل التكييف الذي يُمارس على عامة الناس. وهو ما يضع هذا الصنف من الفاعلين السياسيين والشعبيين في دائرة الإستهداف المباشر للآلات الإعلامية التابعة للماكينات الحزبية أو حتى الرسمية التي تأتمر لأوامر بعض اللوبيات المحلية لإضعاف تأثيرهم وتحييدهم عن دائرة التأثير على الرأي العام.
وللوصول لهدفهم يستعمل مستكتبو وأقلام الإعلام المأجور جملة من التكتيكات للوصول إلى هدفهم.
أول الخدع والمغالطات التي ينتهجها هؤلاء هي الإيحاء وتصنيف الفاعلين السياسين والشعبيين المبدئيين على انهم مجموعة من المتطرفيين، في خطوة أولى لعزلهم نفسياً وإجتماعياً وفكرياً والعمل على استبعادهم عن كل حوار على هذا الأساس. فكل من لا ينقاد لما يروج للقطيع هو إنسان متطرف بالضرورة؛ لا يُناقش، يتم تكييف الناس على رفض أفكاره. وبذلك ينجح هؤلاء في توجيه الموضوع من موقف الشخص وأفكاره إلى الشخص ذاته فتراه يعمل جاهداً على إقناع عامة الناس برد التهمة عنه ويستزف جهده في ذلك قبل أن يصل إلى إقناع الناس بأفكاره التي هي أساساً بيت القصيد
ثاني التكتيكات التي تستخدم ضد هذا الصنف من الناس هو السخرية من شخوصهم وتسفيه أفكارهم وذلك بإطلاق صفات تستنقص من قيمتهم بدلاً من مناقشة أفكارهم. وذلك بالقول “هذا شخص تافه لا قيمة لأفكاره” بطرق مختلفة، منها مثلاً “كلامك كلام عاطفي” أو “هذه لغة خشبية يجب تغييرها” أو العبارة التي أراها كثيرا هذه الأيام “الوقوف على الربوة”… المهم هنا أن لا يتم نقاش أي فكرة وإنما تسفيه والحط من قيمة أفكار الشخص.
ثالث التكتيكات الماكرة والأكثر فعالية إذا تمكن الشخص المبدئي صاحب المواقف الجذرية من طرح آرائه للنقاش أمام مجموعة هو تغيير الموضوع بأي طريقة وذلك بإستحضار المغالطات المنطقية أو استدرار العواطف. المغالطات المنطقية عديدة ورصد مختلف انواعها في الإعلام تحتاج إلى مقال مستقل. أما استدرار العواطف فهو الرد على الكلام الواقعي بعبارات مثل “اتقي الله في اخوانك” أو “أنت تدفع نحو الإقتتال” أو “أنت تحرض على الكراهية”.. أثر هذه التكتيكات يبرز على الأشخاص المشاركين في الحوار وتساهم في إبعادهم عن دائرة تأثير الأشخاص المبدئيين وإضعاف تأثير هؤلاء عليهم.
ماذا إذا تمكن الشخص الجذري من تخطي كل العقبات الفارطة ووجد آذاناً صاغية تستمع له؟ حينها تنتقل الأدوات الإعلامية المأجورة إلى تسخيف الأفكار ذاتها ولعل أهم تكتيك يحضرني هنا هو ربط كل كلام الشخص بما يسمى “نظرية المؤامرة” وكأن السياسة فعل تغيب فيه المؤامرات وكأن التاريخ لم ينبئنا بصحة وجود المؤامرات وكأن السياسة هي البناء على حسن نية الخصم والعدو لا على مكايدته ومناوراته.
فإذا لم تنفع معه كل التكتيكات السابقة تضطر الماكينات الفئوية واللوبيات إلى اسكاته إما باستمالته بالمال أو بالمنصب أو بالجاه أو حتى بإسكاته نهائياً.
الأنبياء لطالما عاشوا منبوذين بين أقوامهم. بقي أنّ عدد المتنورين في تونس قليل جدا ولا قدرة له على مواجهة شعب بلغ من الجهل والتخلف ما يجعله مستعدّا لحرق تونس من أجل عيون راشد الغنوشي وأبو عياض. الشعب “المسلم ولا يستسلم” الذي يسبّح بحمد الخوانجية يعاني من متلازمة الحمق والعناد وهي لمن لا يعلم مرض من الخطورة بمكان. فلينكمش الاقتصاد وينهار الدينار وتسقط الانتاجية وترتفع الأسعار ويتظاهر الشعب “المسلم ولا يستسلم” من أجل “النهضة من جديد” ويتجنّد مئات الآلاف من الميليشيات الالكترونية وروابط حماية المرشد للدفاع عن “النهضة/الإسلام” ولينتخب الشعب “العظيم” سيده الغنوشي وليصبح عدد الروضات الوهابية بالآلاف ولتتحول مؤسّسات التعليم والإدارة والمساجد إلى مكاتب تجنيد تابعة للنهضة وأنصار الشريعة وليبيع الغنوشي ما بقي من ثروات البلاد إلى السفير الأمريكي عربونا للولاء ومهرا للسلطة وليأكل الشعب الأحمق من المزابل وليشرب من السباخ. كما تكونون يولّى عليكم والتاريخ لا يرحم الحمقى والمغفلين ولا عزاء لتونس الحداد والشابي وخير الدين