وهذا ما يكرسه مشروع قانون المصالحة وهو قانون يتعلق بأحكام دستورية مخالف للمعايير الدولية يتجاوز كل الهيئات المختصة في مراقبة ومكافحة الفساد ولا يخضع لمبدأ علوية الدستور ولا يحترم المعاهدات الدولية لمكافحة الفساد.
فإن القانون لم يقر النشر كآلية اكيدة ولازمة لضمان الشفافية في عمل اللجنة المنبثقة عنه لتطبيق ما جاء به. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على النية الواضحة والقصدية في تقنين الفساد وإضفاء المشروعية على عقود من الانتهازية وسرقة المال العام.
فإن النشر هو واجب على كل هيئة مختصة في أي مجال كان وهو حق للمواطن حتى يعرف كل ما يحدث من تطورات في البلاد ويكون مطلعا على أي تجاوز للصلاحيات أو اعتداء على حقوقه كمواطن ناخب أوكل السلطة إلى مجموعة من الأطراف السياسية لتحقق ما ينشده ويرنو إليه من مجتمع راق يكرس في قوانينه مبدأ التكافئ في الفرص والعدالة الإجتماعية و يعتمد الحرية و الكرامة شعارا وليس هدفا صعب التحقيق.
من الناحية القانونية
أما عن التفاصيل القانونية فمشروع القانون يخترق صراحة كل المعايير الدولية وتحديدا إتفاقية ميريدا وهي إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المنعقدة في ميريدا في 9 ديسمبر 2003 والتي صادقت عليها تونس سنة 2008.
فإذا كانت المصادقة قد تمت في عهد الاستبداد والفساد فما بالنا اليوم بعد استشهاد أكثر من 300 شهيد لأجل شعار واحد موحد «شغل حرية كرامة وطنية» و «التشغيل إستحقاق يا عصابة السراق».
و تنص المادة السادسة من الإتفاقية بخصوص هيئة أو هيئات مكافحة الفساد الوقائية على أن:
1- تكفـل كـل دولـة طـرف، وفقـا للمبـــادئ الأساســية لنظامــها القــانوني، وجــود هيئــة أو هيئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد، بوسائل مثل:
(أ) تنفيذ السياسات المشار إليها في المادة الخامسة من هـذه الاتفاقيـة، والإشـراف علـى تنفيذ تلك السياسات وتنسيقه، عند الاقتضاء؛
(ب) زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها.2- تقــوم كــل دولــة طــرف، وفقــا للمبــادئ الأساســية لنظامــها القــانوني، بمنــح الهيئـــة أو الهيئات المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكــين تلـك الهيئـة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عـن أي تأثـير لا مسـوغ لــه. وينبغـي توفـير مـا يلـزم مـن مـوارد ماديـة وموظفـين متخصصـين، وكذلـك مـا قـــد يحتــاج إليــه هــؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم.
3- تقـوم كـل دولـة طـرف بـإبلاغ الأمـين العـام للأمـــم المتحــدة باســم وعنــوان الســلطة أو السلطات التي يمكن أن تساعد الدول الأطـراف الأخـرى علـى وضـع وتنفيـذ تدابـير محـددة لمنع الفساد.
إضافة إلى ما جاء في المادة 36 من إتفاقية ميريدا حول السلطات المتخصصة حيث أنه
تتخذ كل دولـة طـرف، وفقـا للمبـادئ الأساسـية لنظامـها القـانوني، مـا قـد يلـزم مـن تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئـات متخصصـة أو أشـخاص متخصصـين في مكافحـة الفسـاد مـن خـلال إنفـاذ القـانون.
ثم تأتي المادة 11 التي تقر بالدور الأساسي للسلطة القضائية لمكافحة الفساد.
كما أكدت الإتفاقية على وجوب تشريك المجتمع في جهود مكافحة الفساد وفرضت إقرار آليات تمكن المنظمات والجمعيات من المشاركة في منع الفساد ومحاربته.
لنبحث قليلا في بعض تفاصيل إتفاقية مكافحة الفساد و المعايير الدولية المقترحة وهي معايير يجب أن تتوفر في هيئات الوقاية من الفساد و تتمثل في الاستقلالية والحياد وكفاية الموارد المادية والبشرية. كما نذكر بالمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (الإنتوساي) إذ تضم محاكم المحاسبة ودائرة المحاسبة في تونس.
وبالرجوع إلى النظام القانوني التونسي فإن دستور 2014 يؤكد على ضرورة تشريك هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في الفصل 130 الذي ينصّ على أن:
تسهم هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في سياسات الحوكمة الرشيدة ومنع الفساد ومكافحته ومتابعة
تنفيذها ونشر ثقافتها، وتعزّز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة.
تتولى الهيئة رصد حالات الفساد في القطاعين العام والخاص، والتقصّي فيها، والتحقق منها، وإحالتها على
الجهات المعنية.
تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها.
للهيئة أن تبدي رأيها في النصوص الترتيبية العامة المتصلة بمجال اختصاصها.
وبالرجوع إلى قانون المصالحة في فصله الثالث فإنه يلغي تماما وجود هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد التي تستشار وجوبا في مشاريع القوانين من جهة و هيئة الحقيقة والكرامة من جهة أخرى فضلا عن دورها المحدد بالدستور.
المصالحة غاية أم وسيلة ؟
و في مقارنة دقيقة بين قانون المصالحة و قانون العدالة الانتقالية فإننا أمام تعريفات وأهداف متضاربة، فالمصالحة هي هدف يتم تحقيقه عبر مجموعة من الآليات و المراحل في حين أنها حسب القانون المقترح وسيلة لغلق ملفات الفساد و الانتهاء كليا من الحديث عنها وتكريس الإفلات من العقاب كمبدأ ولبنة أساسية من لبنات التأسيس للعدالة الانتقالية و تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات.
فقد عرف الفصل 15 من قانون العدالة الانتقالية المصالحة على أنها:
تهدف لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
ولا تعني المصالحة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
هذا وتسبق المصالحة مبادئ منها المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر ورد الاعتبار وإصلاح المؤسسات، لذلك فهي هدف لمجموعة من الآليات والمراحل الأساسية لإرساء عدالة انتقالية حقيقية.
قانون المصالحة والقضاء
كما يتجاوز قانون المصالحة أيضا السلطة القضائية ويدخل في صلاحياتها بينما كانت بمقتضى قانون العدالة الانتقالية هدف هيئة قضائية مختصة تبت في النزاعات الخاصة بالفساد وإهدار المال العام والاستيلاء عليه واستغلال النفوذ وغيرها.
صارت عملا تختص به لجنة يشرف عليها ممثلي السلطة التنفيذية إذ جاء بالفصل الثالث من قانون المصالحة أنه تحدث لجنة مختصة صلب رئاسة الحكومة تتكون من ممثل عن رئاسة الحكومة وهو رئيس اللجنة وممثل عن وزارة العدل وآخر عن وزارة المالية و عضوان عن هيئة الحقيقة والكرامة وممثل عن المكلف العام بنزاعات الدولة.
كما جاء بالفصل الأخير من قانون المصالحة أنه:
تلغى الأحكام المتعلقة بالفساد بالقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.
إذا تم إلغاء هذه الأحكام فأي دور لهيئة الحقيقة والكرامة داخل لجنة المصالحة ؟
فضلا عن الهيئات المختصة نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر : الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، اللجنة العليا للصفقات العمومية،التفقديات العامة بالوزارات، الموفق الإداري.
وعلى الرغم من تعدد هيئات المراقبة وتنوع اختصاصات المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، فإن الفساد بقي ظاهرة متفشية منذ عصور طويلة، فقد بقيت الهيئات صورية.
ومن الضروري التنبيه إلى آلية النشر التي ذكرناها سابقا إذ هناك عدة قيود تمنع نشر نتيجة أعمال اللجان المختصة أو تكوين نظام لجمع الإحصائيات والمعطيات المتعلقة بمجالات التدخل أو الإحصائيات.
هذه القيود التي تحول دون استغلال الإحصائيات المتوفرة في التقييم أو الدراسات والبحوث تُغيّب المجتمع قسرا وبقوة القانون عما يدور في كواليس السرقة والفساد. كل هذه الإخلالات تضعنا أمام تجاوز السلطة لنفسها وتجاوز الدولة للقانون، وإضفاء المشروعية على الفساد بالسماح لظهور فساد جديد.
لذلك لا يمكن إبقاء الحال على ماهو عليه خاصة في فترة إرساء عدالة إنتقالية. فتمرير قانون المصالحة هو بمثابة العودة إلى النقطة صفر و اعتداء على حق الشعب في معرفة الحقيقة.
الحقيقة و الكرامة ، ما معنى ؟ و إلى أين ؟
الحقيقة مرة أمر من الحنظل ،
الكرامة ملك طبيعي لكل إنسان ،
تراكمات العصور أدت بنا كشعوب عربية لتحكمنا دكتاتوريات بوليسية أو عسكرية باسم الدولة الحديثة (دولة المؤسسات )، و تحت راية دولة الاستقلال (دولة الكرامة )، و على أساس قيمة المواطنة ( دولة المساواة أمام القانون، دولة المواطن و ليس الرعية).
الحقيقة ، هو أنه كنا تحت دولة الاستقلال ، دولة المؤسسات ، بعدين كل البعد عن حياة الكرامة ،عن مجتمع المواطنة ، عن مجتمع الاستقلال و الحرية ، عن دولة سيادة القرار الوطني .
اليوم و بعد ثورة الحرية و الكرامة ، ماذا نريد ؟ إستمرار وصاية العائلات المالكة ، اللوبيات المفيوزية التي استأثرت بثروة الشعب و داست على كرامته ؟ أم إلى مجتمع أكثر مساواة أمام القانون ، أمام الثروة الوطنية ، و للشعب حق المشاركة في القرار ( بخلاصة : توزيع أعدل للثروة و للحكم )؟
يجب أن نكون واضحين فيما نريد .
قوى كانت نافذة يوم الدكتاتورية لا تدفع إلى هذا التحول المنشود عبر قيم و أهداف الثورة . و هذا يسمى عند الجميع الثورة المضادة .
قوى كانت مضطهدة أيام الدكتاتورية تحالفت ، مع قوى الثورة المضادة لمدة ، لسبب أو لأخر ،
اليوم قوى كانت مضطهدة أيام الدكتاتورية تتحالف (أو تشارك الحكم ) مع قوى الثورة المضاد، لسبب أو لأخر ،
إلى متى سيستمر الصراع على هذا المنوال الجدلي (dialectique)، خاصة و الخاسر الوحيد هو الشعب الذي يقاسي مرتبة المواطنة على الدرجة الثانية ، التهميش ، الاستحمار، … ؟
بدون إطالة :
بداية الحل :
– إستقالة الحكومة ،
– الحوار الوطني في ملف العدالة الانتقالية و الخروج بمنوال يوفر كل ما تستوجبه مصالحة وطنية تقطع مع الدكتاتورية (لا خوف بعد اليوم على الحريات ، على الديمقراطية ، على حقوق الانسان )،
– حكومة ديناميكية تدفع إلى الأمام ، و يحس ذلك التحول الاجابي الشعب ،
حكومة الصيد لم تضع نفسها على هذا الطريق الذي يحمي الحريات ، و لا على طريق تحسين حياة الناس . و بذلك لا يمكن عبر حكومة الصيد أن نحسن من الأداء الحكومي ، و يمكن عبر حكومة الصيد إتمام مسار العدالة الانتقالية ، و المصالحة الوطنية . عبر حكومة الصيد لا يمكن أن نجتمع من أجل عقد إجتماعي كل مواطن يجد مكان له و يمكنه من حق تحسين الحياة و من الأمل إلى غد أفضل . مسؤلية هذه الحالة من الإحتقان ، من الشعور بالخيبة و حتى بالغدر لدى المواطن تتحملها حكومة الصيد . في هذه الحكومة 4 أو 5 وزراء لا يضرون و لا ينفعون (الحق مش فيهم في من أعطاهم المسؤلية على تلك الوزارات)، اقالتهم لا ثل المشكل ، لأن المشكل أعمق من ذلك.
الرئيس يتكلم ، و يقول سوف ندفع الأوضاع إلى تحسن أفضل ،، رئيس الحكومة ، كذلك ، تنسيقية الرباعي تحمل نفس الخطاب ، والكل في إطار مواصلة الحكومة عملها . هذا تصور غلط ، و تغطية للشمس بالغربال .
لنكن في مستوى التحديات . حكومة الصيد حاولت ،فلم توفق لأسباب عدت ، من هذه الأسباب تركيبتها و ثقافة علمها . لا يمكن أبدا تحسين التعاطي مع التحديات التي يفرضها المسار الإنتقالي الغير مكتمل ، التحديات الأمنية ، الاجتماعية، الاقتصادية ، البيئية ، تحديات الارهاب ، تحديات المديونية ، … مع إستمرار هذه الحكومة . حكومة الصيد نجحت حيث لا نريد أن تنجح ، نجحت في خلق أزمة الثقة ، حالة الإحتقان ، حالة و حقيقة تدهور الحريات ، الخوف على الديمقراطية و التعددية السياسية أصبح واقع، وزراء يعملون على طريقة الاستهتار ، بالدستور ، بالمواطن …
بداية الحل إذا إقالة الحكومة و الجلوس على الطاولة .
هذا الكلام هو من أجل تونس ، تونس العامل، تونس المستثمر ، تونس الطفل ، تونس التلميذ ، تونس السياسي الوطني و الديمقراطي ، تونسلشيخ المسن بدون عائل ، تونس المرأة و الرجل نفس الحقوق نفس المساواة في العمل و في المسؤلية . كل هذا من أجل تونس اليوم ، تونس المستقبل ، تونس الأجيال القادمة ، تونس العمل تونس الأمل .
correction
حكومة الصيد لم تضع نفسها على هذا الطريق الذي يحمي الحريات ، و لا على طريق تحسين حياة الناس . و بذلك لا يمكن عبر حكومة الصيد أن نحسن من الأداء الحكومي ، و لا يمكن عبر حكومة الصيد إتمام مسار العدالة الانتقالية ، و المصالحة الوطنية . عبر حكومة الصيد لا يمكن أن نجتمع من أجل عقد إجتماعي كل مواطن يجد مكان له عبره و يمكنه من حق تحسين الحياة و من الأمل إلى غد أفضل . مسؤلية هذه الحالة من الإحتقان ، من الشعور بالخيبة و حتى بالغدر لدى المواطن تتحملها حكومة الصيد . في هذه الحكومة 4 أو 5 وزراء يضرون و لا ينفعون (الحق مش فيهم في من أعطاهم المسؤلية على تلك الوزارات)، اقالتهم لا تحل المشكل ، لأن المشكل أعمق من ذلك.
الرئيس يتكلم ، و يقول سوف ندفع الأوضاع إلى تحسن أفضل ،، رئيس الحكومة ، كذلك ، تنسيقية الرباعي تحمل نفس الخطاب ، والكل في إطار مواصلة الحكومة عملها . هذا تصور غلط ، و تغطية للشمس بالغربال .
لنكن في مستوى التحديات . حكومة الصيد حاولت ،فلم توفق لأسباب عدة ، من هذه الأسباب تركيبتها و ثقافة علمها . لا يمكن أبدا تحسين التعاطي مع التحديات التي يفرضها المسار الإنتقالي الغير مكتمل ، التحديات الأمنية ، الاجتماعية، الاقتصادية ، البيئية ، تحديات الارهاب ، تحديات المديونية ، … مع إستمرار هذه الحكومة . حكومة الصيد نجحت حيث لا نريد أن تنجح ، نجحت في خلق أزمة الثقة ، حالة الإحتقان ، حالة و حقيقة تدهور الحريات ، الخوف على الديمقراطية و التعددية السياسية أصبح واقع، وزراء يعملون على طريقة الاستهتار ، بالدستور ، بالمواطن …
بداية الحل إذا إقالة الحكومة و الجلوس على الطاولة .
هذا الكلام هو من أجل تونس ، تونس العامل، تونس المستثمر ، تونس الطفل ، تونس التلميذ ، تونس السياسي الوطني و الديمقراطي ، تونس الشيخ المسن بدون عائل ، تونس المرأة و الرجل نفس الحقوق نفس المساواة في العمل و في المسؤلية . كل هذا من أجل تونس اليوم ، تونس المستقبل ، تونس الأجيال القادمة ، تونس العمل تونس الأمل .