الاستاذ إبراهيم بلغيث
مراقبة دستورية القانون شرط أساسي لدولة القانون و المؤسسات و لا يمكن لنظام قانوني يدعي احترام علوية الدستور في ظل قانون وضعي ان لا ينظم المسالة سواء باقرار اجراءات للغرض او باحداث مؤسسات مختصة و هو ما يبدو مرمى الدستور التونسي الذي اشار واضعوه الى ذلك بطريقة ضمنية في التوطئة حين نصوا في الفقرة الثالثة منها على ضمان علوية القانون و علوية الدستور هي من صميم علوية القانون و بطريقة صريحة صلب الفصول 118 وما بعده في القسم الثاني المحكمة الدستورية من الباب الخامس السلطة القضائية و الفصل 148 صلب الاحكام الانتقالية وقد فوض الفصل 124 من الدستور للقانون تنظيم المحكمة الدستورية و في ذلك الاطار يتنزل المشروع المودع لدى مجلس النواب (1) و الذي سنتولى ابداء بعض الملاحظات ازائه.
لئن اقتضت مدرسة الشرح على المتون الالتزام بالنص كامل النص و لاشيء غير النص بما افضى الى ان مهمة رجل القانون باحثا او قاضيا او محام هي تطبيق النص و تاويله دون مناقشته أو اصدار حكم قيمي عليه أو التعرض لملائمته الواقع و بقية النصوص الا عرضيا الا انه في مادة مراقبة دستورية القوانين فالنقاش و الحكم يكون على النص .
عمليا الامر ينطوي على رهانات اكبر اذ وبالرغم عن الطابع القانوني التقني فان ممارسة مراقبة الدستورية هي نوع من ممارسة سلطة عليا في حدود تلك المهمة طبعا لكن صلاحيتها تلزم السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية بما يجعل السيطرة على تركيبتها و تحريف غايتها او استغلالهم او تكميم مقاصدها وسيلة ناجعة لكل طرف سياسي او حتى غير سياسي للسيطرة على المشهد التشريعي و تكريس او تقويض سيطرة سياسية ما تاريخيا كانت المؤسسة ضحية أهميتها مع اعتبار آخر لا يقل أهمية وهو صورة تونس لدى الجهات الخارجية النافذة سواء كانت دولا او منظمات اممية او دولية .
فدولة القانون في تونس منذ قرنين حتى في طورها الجنيني ارتبطت بالخارج و ليس عهد الامان و القوانين المنبثقة عنه الا مثال عن ذلك مع دستور 1959 تأكد الأمر وهو ان المشرع ينشد دولة المؤسسات و القانون الا ان ذلك المسعى ظل صوريا و اقرب منه الى توظيب الواجهة منه الى تكريس حقيقي وفعلي فدستور 1959 وما احتواه من مبادئ و تكريس لدولة القانون فاته قصدا طبعا اقرار طريقة لمراقبة دستورية القانون التي ظلت مسالة مسكوت عنها (tabou) لردح من الزمن وهو ما عبر عنه الاستاذ عبد الفتاح عمر بثلاث كلمات ” سكوت و رفض و فشل ” (2) وقدمت تبريرات
لذلك من قبيل ان مشرع 1959 لم يفترض في السلط الثلاث الا حسن النية و الاستقامة وان الجدل عقيم باعتبار دستور 1959 لم يكن صامتا عن المسالة بل حسمها في الفصل 41 الذي يجعل من رئيس الجمهورية ضامنا لعلوية الدستور و هو تاويل طبعا سياسي و ليس بقانوني باعتبار ان المراقب لا يمكن ان يراقب نفسه فضلا عما في ذلك من خرق لمبدا استقلالية وتوازن السلط (3)
وظل الامر كذلك الى حين ترهل النظام و استيلاء رئيس جديد على الحكم و محاولة جديدة لتوظيب الواجهة لم تكن لتغفل عن دعم امكانية تواصل الصمت على مسالة مراقبة الدستورية و تميزت تلك المرحلة باصدار نص محدث للمجلس الدستوري و بمحاولة فقه قضائية لاقرار اختصاص مراقبة الدستورية عن طريق الدفع (4) .
المجلس الدستوري احدث بموجب الامر الرئاسي عدد1414 لسنة 1987 في 16 ديسمبر 1987 و تواضع شكله ( أمر ر ئاسي ) يعكس هزال مضمونه فهو مجرد هيكل استشاري راى فيه البعض مجرد ديكور شكلي فيما راى فيه البعض الاخر بشيء من التفاؤل خطورة اولى (5) و رغم تطور المجلس المرحلي بصدور نصوص تعطيه اكثر اهمية على غرار القانون الدستوري المؤرخ في 06 نوفمبر 1995 و القانون الدستوري المؤرخ في 27 اكتوبر 1997 و القانون الدستوري المؤرخ في 01جوان 2002 و رغم اعتبار بعض الفقهاء ان ذاك ان الامر ينطوي على ضمانات و لو نسبية للحقوق الاساسية (6) الا ان الواقع اثبت صورية تلك المؤسسة على غرار بقية مؤسسات الدولة التي لم تمثل الا اجهزة للنظام الذي قوض مرة اخرى في 14 جانفي 2011 و انبثق عن الحراك السياسي اللاحق مجلس وطني تاسيسي اعد دستور الجمهورية الحالي و اولى مسالة مراقبة الدستورية اهمية لم تحظى بها من قبل باقرار محكمة للغرض وتنظيم تركيبتها و اختصاصها ونظرها لينتهي الامر الى مشروع القانون موضوع المقال .
اهمية المحكمة الدستورية لا يقف عند امكانية استغلال صلاحيتها في مراقبة دستورية القوانين بصفة ايجابية او سلبية و توظيفها سياسيا بل يتعداها الى التدخل المباشر و الحاسم في الحياة السياسية من خلال صلاحية معاينة شغور رئيس الجمهورية الوقتي و النهائي بل وعزل رئيس الجمهورية و النظر في تنازع الاختصاص بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة اي يمكن الجزم انه في صورة توظيف المحكمة الدستورية لا يمكن ممارسة السلطة التنفيذية او التشريعية بل حتى القضائية دون تدخل من المحكمة الدستورية التي قد تمارس ان حادت عن مهامها سلطة تضاهي سلطة الشعب صاحب السيادة .
اعتناء الدستور بتنظيم جانب هام من المحكمة وصل في التدقيق الى الاجراءات (7) لا يقلل في شيء من اهمية مشروع قانون المحكمة الدستورية (8) الذي سنحاول الوقوف عند جديته كمحاولة لبناء مؤسسة قانونية تختلف عن سابقاتها في تاريخ تونس من جهة الصورية و التكريس الشكلي او الفعلي لمراقبة
دستورية القوانين وهو ما سيتجلى على الاقل في بعض ملامحه من دراسة النقائص الشكلية و الاجرائية (I) و الاختيارات التي قد تعكس تسييسا او حيادا عن مراقبة الدستورية (II)
I- النقائص الشكلية و الاجرائية
تتراوح تلك النقائص بين ماهو مفروض من نص الدستور ولم يقع تلافيه (1) و بين ما احتواه المشروع في تنظيمه ما اناطه الدستور به (2)
1/ في النقائص الدستورية المصدر
في تنظيمه للمحكمة الدستورية اعتنى المشرع التاسيسي بمسائل اجرائية تفصيلية لها تاثير مصيري على تصور المحكمة الدستورية و تاثيرها في النظام القانوني بل وحتى السياسي الا ان ذلك التنظيم شابته نقائص على مستوى الاجراءات و الاختصاص كنا نظن ان مشروع القانون سيجد مخرجا لتلافيها الا ان المشروع المقدم لمجلس نواب الشعب موضوع هذا التعليق لم يقدم اي حل لتلك الاشكاليات و النقائص و التي تتمثل في اشكال تجديد التركيبة (أ) و تحديد اختصاص المحكمة (ب)
أ/ حول تركيبة المحكمة
اقتضى الفصل 118 من الدستور :” المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من اثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة ثلاثة ارباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة .
يعين كل من رئيس الجمهورية و مجلس نواب الشعب و المجلس الاعلى للقضاء , اربعة اعضاء على ان يكون ثلاثة ارباعهم من المختصين في القانون .ويكون التعيين لفترة واحدة لمدة تسعة سنوات .
يجدد ثلث اعضاء المحكمة الدستورية كل ثلاث سنوات و يسد الشغور الحاصل في تركيبة المحكمة بالطريقة المعتمدة عند تكوينها مع مراعاة جهة التعيين والاختصاص .
ينتخب اعضاء المحكمة من بينهم رئيسا ونائبا له من المختصين في القانون ”
ومن البين ان واضعي الدستور تأثروا بالدستور الفرنسي لسنة 1958 في ما يخص مدة العضوية و التجديد بالثلث كل ثلاث سنوات (9) لكن التأثر بالنص الفرنسي لم يكن مدروسا باعتبار ان واضعي الدستور التونسي احدثوا تغييرات على النص الفرنسي دون ان يرتبوا على ذلك الاثر الاجرائي اللازم .
حدد الفصل 118 من الدستور التونسي عدد اعضاء المحكمة الدستورية وذلك على خلاف مجلس الدولة الفرنسي الذي له تسعة اعضاء والذي بدوره تأثر على ما يبدو بالمحكمة العليا الامريكية التي اصبحت منذ سنة 1869 لها تسعة اعضاء
زيادة عدد الاعضاء كان من المفترض ان يترتب عنها حل اخر بالنسبة للتجديد باعتبار ان التجديد يخضع لنفس اجراءات التعيين اي ثلاث جهات (10) و بالنسبة للمجلس الدولة الفرنسي الأمر لا يطرح اشكالا باعتبار وجود ثلاث جهات معينة و تسعة اعضاء اي عند التجديد ستتولى كل جهة تسمية عضو واحد بما يتوفر معه تجديد الثلث و بالنسبة للمحكمة الدستورية في تونس فالامر يختلف اذ تجديد الثلث يقتضي تعيين اربعة اعضاء و النص يوجب مراعاة نفس الاجراءات عند التعيين وهو ما يطرح اشكالا باعتبار الثلث بالنسبة للمحكمة الدستورية في تونس هو اربعة اعضاء فكيف تعين ثلاثة جهات اربعة اعضاء اذ يستحيل حسا تسمية عضو ثلث العضو .
كان من المنتظر ان ياتي مشروع قانون المحكمة الدستورية بحل للإشكال كان يقر انه بالنسبة للتجديد تتولى احد الجهات تعيين عضوين تباعا عند كل تجديد او يقترح العضو الرابع بالتجديد تباعا من احد جهات التعيين و يخضع لمصادقة الجهتين التي لم تقترحاه .
القسم الخامس من مشروع قانون المحكمة الدستورية ورد متجاهلا تماما للمسائلة كما لو كان عدد أعضاء المحكمة تسعة أعضاء او ثمانية عشر .
ب/ حول تقييد اختصاص المحكمة
لئن اقر الدستور الجديد مبدأ مراقبة دستورية القوانين الا ان نفس التوجس و الاحتياط من استقلالية و ممارسة السلطة الغير منتخبة لرقابة على السلطة تنفيذية كانت او تشريعية لا تزال تصبغ بناء مؤسسات الدولة على معنى ذلك الدستور كما لو كان المشرع مترددا او شحيحا في اقرار ذلك بما يؤثر احيانا على المؤسسة التي يراد تنظيمها و يمس من الغاية التي جعلت من اجلها و لم يشذ تنظيم المحكمة الدستورية بالدستور عن تلك الاعتبارات فقد لجم المشرع المحكمة الدستورية بتقييد اختصاصها ونظرها عند مراقبتها لمشاريع القوانين في تعارض وتناقض في نص الدستور نفسه .
يتبين تناقض نص الدستور او على الاقل عدم تناسقه بالرجوع الى الفصل 120 منه الذي يمنح المحكمة حصريا مراقبة مشاريع القوانين و القوانين التي تحيلها عليها المحاكم تبعا للدفع و الفصل 121 الذي ينص : ” …. ينص قرار المحكمة على ان الاحكام موضوع الطعن دستورية او غير دستورية ويكون قرارها معللا وملزما لجميع السلطات ..”
فالفصل 120 يتحدث عن مراقبة قوانين عن طريق الدفع و الفصل 121 يتحدث عن احكام لا عن قوانين اي في حدود ما تسلط عليه الدفع .
يفهم من الفصلين ان الامر يختلف بحسب الحالات اي انه في صورة طلب مراقبة مشروع قانون يكون نظر المحكمة شاملا لكامل المشروع اما في صورة الدفع بعدم الدستورية فالمحكمة لا تتعهد الا بالاحكام موضوع الدفع دون ان تثير من تلقاء نفسها عدم دستورية احكام اخرى بذات النص وهو ما يتاكد من الفصل 123 من الدستور الذي يؤكد ان اقتصار نظر المحكمة يكون على المطاعن التي تمت اثاراتها و ليس لها ان تثير عدم دستورية من تلقاء نفسها حتى و ان تعلق الامر بنص واحد طالت المطاعن بعضه و اهملت البعض الاخر وهو ما يقبل النقاش لكن و في كل الحالات فتقييد المحكمة في حالة الدفع بعدم الدستورية يؤكد الاطلاق عند التعهد في مشاريع القانون بطلب من الجهات المختصة .
الحل المقيد لنظر المحكمة عند النظر في الدفع بعدم الدستورية من شانه ان يؤدي الى نتائج غير منطقية خاصة عندما تكون الاحكام موضوع النظر مرتبطة ارتباط وثيق بالاحكام التي لم يطلها الدفع و لا يمكن تطبيق تلك الاحكام او مراقبة دستوريتها دون ان يكون لذلك تاثير حتمي على احكام لم يطلها الدفع ضرورة ان القانون يؤول ببعضه و لا يعقل ان تكون بعض الاحكام دستورية لعدم اشتمال الدفع لها مع ما يترتب عن ذلك من اعتبار ان المحكمة الدستورية لا يحق لها ان تثير من تلقاء نفسها عدم دستورية احكام قانون كما لو كانت المطابقة للدستور لا تهم الا مصالح الخصوم وكان أحرى ان يستثنى من التقييد الوارد بالفصل 123 من الدستور الحالات التي لا يمكن ان يكون فيها ايقاف تطبيق الاحكام القانونية موضوع الدفع لعدم الدستورية ذو جدوى الا بايقاف تطبيق احكام اخرى لم يشملها الدفع لترابطها على غرار ما اشار اليه الفصل 44 من مشروع المحكمة في خصوص مراقبة دستورية مشاريع القوانين .
2/ في النقائص الخاصة بالمشروع
علاوة على الخلط بين مفهوم الدفع و الطعن في مشروع القانون فالمشروع تقنيا شابته عديد النقائص و اشكالات منها ما يتعلق بالقاضي و الدفع بعدم الدستورية (أ) ومنها ما يتعلق بالاطراف و عدم الدستورية (ب)
أ / القاضي و عدم الدستورية :
تميز المشروع بدور سلبي وحياد مطلق للقاضي سواء العدلي أو الاداري(1) ولم يعر إشكالية العدد اي اعتبار (2)
1- الحياد السلبي للقضاء العدلي و الإداري:
لم يمنح المشروع القاضي العادي اي العدلي او الاداري اي دور في مسالة الدستورية وان كان القاضي العدلي له تقاليد في رفض النظر في الدستورية فان القاضي الاداري كان اكثر جراة في الموضوع الا ان الدستور يحرم كلاهما من النظر في الدستورية اذ نص الفصل 120 من الدستور “تختص المحكمة الدستورية دون سواه بالنظر في دستورية :…..القوانين التي تحيلها عليها المحاكم تبعا للدفع بعدم الدستورية بطلب من احد الخصوم وفي الحالات و طبق الاجراءات التي يقرها القانون ….”
اي ان امكانية نظر المحكمة الادارية او العدلية مباشرة في مسالة الدستورية مقصاة تماما بما يمنح الاطراف مركزا قانونيا احسن من القاضي العدلي او الاداري في اثارة مسالة الدستورية
بما يعني ان القاضي قد يستند الى نص او احكام قانونية و يجعل منه مبنى للفصل في النزاع رغم يقينه بعدم تطابقه مع الدستور وهي حالات في الواقع ممكنة الوقوع ضرورة ان الغالبية المطلقة من النصوص في تونس سنت قبل الدستور الجديد و لم يقع تاهيل النصوص القانونية بعد لتتماشى مع الدستور الجديد
الاستنتاج الحتمي من منع القاضي عدليا كان او اداريا من النظر بل اثارة مسالة عدم الدستورية هو ان تطابق النصوص القانونية مع الدستور هي مسالة لا تهم النظام العام باعتبار ان للمحكمة ان تثير اي مسالة تهم النظام العام في اي طور من اطوار النزاع من تلقاء نفسها وهو نفس الاستنتاج الذي انتهينا اليه في فقرة سابقة و هو امر شاذ ومستهجن .
طبعا لا يمكن لمشروع قانون المحكمة الدستورية مخالفة الدستور الذي بالمناسبة كان تفصيليا اكثر من طبيعته لكن كان بالامكان اقرار دور للقاضي العدلي و الاداري على الاقل في مسالة اثارة عدم الدستورية حتى على وجه الاستثناء كان يخول له البت في النزاع على ذلك الاساس و يجري في الطور الاستئنافي الدفع بعدم الدستورية أو يقر المشروع للقاضي وهو الارجح حسب راينا صلاحية المصادقة على اثارة الدفع بعدم الدستورية و الاذن بايداع الملف بخزينة المحكمة ريثما يقع البت في الدفع بعدم الدستورية المثار و تبقى بقية الاجراءات كما هي بالمشروع في صورة عدم المصادقة و الحل المقترح قد يساهم حتى في التقليص من عدد الدفوعات .
على انه يتجه التنسيب في المسالة لان القاضي اداري او عدلي بقي له اختصاص للنظر في مسالة الدستورية لا احكام القانون طبعا باعتبار ان ذلك اختصاص حصري للمحكمة الدستورية لكن في مراقبة دستورية الاحكام القضائية ذلك ان التطبيق او التاويل التي تتبناه المحاكم قد يكون مخالفا للدستور دون ان يكون النص موضوع التاويل كذلك في هذه الصورة يمكن للطاعن امام القضاء العدلي او الاداري في طور لاحق اثارة مخالفة الحكم المطعون فيه للدستور و يبقى ذلك من صميم اختصاص القضاء العدلي او الاداري لا الامر يتعلق حكم قضائي مخالف للدستور لا لنص اعتمد كسند اي ان الامر يتعلق بالتطبيق لا بالنص .
2- عدم اعتبار إشكاليات العدد
لا يختلف اثنان من المطلعين على حقيقة و وواقع المرفق القضائي اليوم ان من اهم الاشكالات التي يعرفها القضاء التونسي اليوم ومن معوقات ايصال الحقوق لاصحابها هي مسالة العدد و تراكم الملفات بما يجعل من عملية التقاضي مكلفة في الوقت و بما يؤثر سلبا على مردود القاضي و جودة فقه القضاء ضرورة ان بعض القضايا تفقد كل معنى قبل ان تحكم في طورها الاول تراكم الملفات من شانه ان يجعل من تروي المحاكم و ايفاء النزاعات ما تتطلبه من دراسة و بحث غاية لا تدرك فعلاوة على ان القاضي شانه شان اي انسان له حدود بيولوجية و لا يمكن ان يتجاوز ما يتحمله البشر حسا فقلة الموارد البشرية و المادية للمحاكم التونسية لا تزيد الصورة الا قتامة .
واضعي مشروع المحكمة الدستورية وان لا يمكن ان نعيب عليهم تجاهل معطيات احصائية دقيقة في خصوص حجم الدفوعات بعدم التنفيذ الا ان الاحصائيات في خصوص حجم الملفات المنشورة امام القضاء سواء العدلي او الاداري كفيلة بان تنير سبيلهم في اتجاه اعتبار امكانية ان تردم المحكمة الدستورية تحت ضغط عدد الدفوعات ضرورة ان المتقاضين سيسعون ولو بوجه محاولة كل السبل في سبيل استصدار احكام لفائدتهم او الحيلولة دون استصدار احكام ضدهم الى الدفع بطريقة شبه آلية في دستورية احكام القوانين المنطبقة .
ان اخذنا بعين الاعتبار كذلك الاجال القصيرة نسبيا للمحكمة الدستورية للبت نجد ان مهمتها قد تستحيل مستحيلة بما يؤثر طبعا على جودة قراراتها و مصداقيتها .
قد يكون من الاجدر في هذا الاطار منح المحكمة المتعهدة بالنزاع صلاحية النظر في جدية الدفع و صلاحية ايداع الملف بالخزينة واحالة الدفع على المحكمة الدستورية أو الاحالة دون المصادقة على جدية الملف و تواصل النظر في هذه الحالة و يكون نظر المحكمة الدستورية مشترطا بتامين خطية لا تسترجع ان اقرت المحكمة دستورية الاحكام موضوع الدفع مع منح المحكمة المتعهدة بالنزاع صلاحية ثالثة وهي رفض الدفع المقدم لعدم علاقة الاحكام المطعون في دستوريتها مع اصل النزاع او الاجراءات و حينها لا يمكن لها بداهة ان تصدر حكما سنده او سند اجراءاته تلك الاحكام موضوع الدفع مع حفظ حق الدافع في اثارة الدفع مرة اخرى في الطور المتقدم من النزاع .
وفي نفس الاطار بما يتجه إعطاء المحكمة صلاحية تاخير البت لأجل معين أقصاه .
ب/ الأطراف و عدم الدستورية
من ميزات المشروع الصادمة غياب تمثيل النيابة العمومية بما هي جهة الدفاع عن الحق العام و انتفاء مفهوم النزاع امام المحكمة الدستورية لا في اختصاص النظر في الدفوعات فقط (1) بل وكذلك في الاختصاصات الاخرى (2) بما يجعل منها مجلسا دستوريا مقنعا .
1- حول غياب مفهوم النزاع وحماية حقوق اطراف النزاع الاصلي
بعد تحييد القاضي العدلي و الاداري و ربما العسكري كذلك في مسالة عدم الدستورية حيد المشروع الأطراف التي يقتصر دورها على الدفع من طرف احد المتقاضين بمطلب ( عريضة في الواقع كما يفهم من الفصل 56) و ينتهي دور الدافع بتقديم المطلب بما يعني ان بقية المتقاضين في نفس النزاع سواء كانوا في نفس الشق مع الدافع او في شق اخر لا دور لهم و لا تاثير لهم على الدفع بعدم الدستورية رغم ان مال قرار المحكمة الدستورية يمس قطعا بمصالحهم وهو ما يثير على الاقل مسالتين
الاولى هي هل يمكن الاعتراض على قرارات المحكمة الدستورية ؟ الجواب بديهي بالنفي لكن الملاحظ ان المشروع سهى ان ينص ان قرارات المحكمة الدستورية باتة ولا تقبل الطعن باي وجه وهو ما قد يطرح تساؤلا في ظل الخلط بين الدفع و الخلط كما هو الحال بالفصل 56 من المشروع
الثانية هي لما لم يمنح المشروع الدفع بعدم الدستورية طبيعة النزاع ؟
رغم اهمية المسالة واهمية تاثيرها على حقوق المتقاضين اطراف النزاع الاصلي او الذي يمس الحكم الاصلي من حقوقهم ارتأى مشروع المحكمة اعطاء صبغة ولائية لتدخلها في مادة الدفع بعدم الدستورية و هو اختيار لا نراه حقيقة موفقا نظرا لان الاصل في التقاضي هو مبدا المواجهة و تخويل كل طرف له صفة ومصلحة من ان يمثل و من ان يقدم ما ومن يدافع به و يناضل عن تلك المصلحة
الصبغة الولائية الواردة في المشروع تأثر بالضرورة على جودة فقه قضاء المحكمة الدستورية لان فقه القضاء لا يكون ثريا و ناجزا و فعالا الا من خلال ما تتولاه الهيئات القضائية من الموازنة و الترجيح بين مختلف الحجج و البراهين المقدمة اليها في اطار النظام الادعائي الذي يبدو النظام الاقرب منطقا باعتبار ان صلاحية اثارة الدفع منحت للمتقاضين على وجه الحصر .
غياب الاطراف في الدفع سيجعل منه غير ناجعا باعتبار ان البت في الدفع قد يحتاج الى التوضيح و التدعيم خاصة بعد تقرير دائرة فحص الطعون التي يجب ان يكون قرارها معللا بالمناسبة لا مجردا كما ورد بالفصل 58 كما ان توضيح بقية اطراف النزاع الاصلي لوجهات نظرهم ان كانوا لا يرون اشكال تطابق مع الدستور يبدو اقرب للنظام العادل و الشفاف و المستجيب لمبادئ المحاكمة العادلة خاصة ان التماس اعادة النظر الذي قد ينتهي اليه اقرار عدم الدستورية لا يمارسه الا من مارس حق الدفع حسب الفصل 61 فقرة اخيرة اي ان في شق واحد في النزاع الاصلي يجب ان يقدم كل طرف دفعه بعدم الدستورية ليتمتع في حال اقرارها بطلب التماس اعادة النظر .
فالمقترح في هذا الصدد هو اقرار امكانية الاطلاع وتقديم الملحوظات و الترافع لاطراف النزاع الاصلي التي تطلب ذلك مع ما يستوجبه ذلك من تعديل للإجراءات لاحترام مبدا المواجهة و ان كان ذلك التعديل سيبطأ نوعا ما من اجل البت فانه سيعطي الدفع بعدم الدستورية توازنا و فقه قضاء المحكمة الدستورية ثراءا يمكن ان نضيف مدة زمنية لتحويل البت في الدفع من عمل ولائي الى نزاع قضائي .
إضافة الى اقرار الطبيعة النزاعية للبت في الدفع وحماية لحقوق الاطراف و حرصا على الاستقرار القانوني و الثقة في الاحكام القضائية يتجه التنصيص بالحكم القضائي انه اثير بمناسبته دفع بعدم الدستورية و بيان محتواه حتى يكون المحكوم لفائدته و الغير بصفة عامة باعتبار الحكم القضائي يمكن الاحتجاج به على الكافة على علم و اطلاع ان الحكم قد يكون لاحقا موضوع التماس اعادة نظر كما جاء بالفصل 61 من المشروع الذي اتسم بالضبابية في خصوص ايقاف الدفع للنظر في القضية اذ يشترط في ذلك ان يكون تنفيذ القرار مؤدي الى نتائج يستحيل تداركها وهو ما ينطوي على تناقض باعتبار ان الدفع قد يكون سابقا للقرار القضائي الذي لا يمكن في كل الحالات التكهن به مسبقا و قبل المفاوضة و المشروع موغل في التناقض لانه ينص “…وفي تلك الحالة ( حالة تنفيذ القرار مؤدي الى نتائج يستحيل تداركها) يكون توقيف التنفيذ بقرار من رئيس المحكمة المتعهدة …” فالفصل 61 في تنظيمه لحالة ايقاف النظر في القضية انتقل فجاة الى ايقاف التنفيذ في خلط يفقد الفصل كل معنى ضرورة ان الامر يتعلق باجراءات لا تستقيم الا بدقتها ووضوحها .
2- غياب مبدا المواجهة و الدفاع في الاختصاصات الاخرى
لئن كان مبدأ المواجهة و الطبيعة التنازعية للدفع بعدم الدستورية اختيار واضع المشروع فانه عمم هذا الاختيار على بقية صلاحيات المحكمة الدستورية بما يضع صفة المحكمة على المؤسسة موضع شك فهي بطبيعتها الولائية و ان كانت صفة الولائية موضع نقاش كذلك باعتبار جميع الاعمال الولائية التي يباشرها القضاء وضع المشرع طرقا للطعن فيها ان كان بوجه الطعن العادي اي الاستئناف او بقية الطعون كالاعتراض او طلب الرجوع اما قرارات المحكمة الدستورية فلا تقبل الطعن باي وجه او على الاقل لم ينظم لا الدستور و لا مشروع القانون طريقة للطعن فيها او طلب مراجعتها بما يجعل صفة العمل الولائي كذلك غير دقيقة .
في الواقع مشروع قانون المحكمة الدستورية في تنظيمه لصلاحية شغور منصب رئيس الجمهورية أقصى تماما مؤسسة رئاسة الجمهورية فالفصل 66 من المشروع يمنح رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب او ثلاثة أعضاء من المحكمة الدستورية طلب التحقق من توفر حالة شغور وقتي لمنصب رئيس الجمهورية .
رئيس الحكومة و حتى رئيس مجلس نواب الشعب باعتبار ان الحكومة مصادق عليها من الكتلة النيابية او الكتل النيابية المشكلة للغالبية بل وحتى ثلاثة اعضاء من المحكمة باعتبار التعيين يتم من جهات اخرى غير رئيس الجمهورية لهم مصلحة في اقرار الشغور الوقتي باعتبار ان رئيس مجلس نواب الشعب سيجمع صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة و لو لوقت وجيز اي ستين يوما .
في مقابل اعطاء رئيس الحكومة و مجلس نواب الشعب صلاحية طلب معاينة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية لم يعطي مشروع القانون مؤسسة الرئاسة اي صلاحية لبيان وجهة نظرها او ملحوظاتها في الموضوع على خطورته ذلك ان الفصل 67 من المشروع يوجب ان تتولى المحكمة النظر فورا دون الوقوف على موقف الرئيس كما لو كان المشروع يجعل من المحكمة الدستورية مقرة بالشغور قبل التفاوض وكان من الاحرى اعطاء الرئيس او ديوانه حق تقديم ملحوظات ضرورة ان المشروع يمنح تلك الصلاحية للرئاسة في بالفصل 75 الذي ينظم صلاحية المحكمة الدستورية في فض تنازع الاختصاص فمن باب اولى و احرى منح تلك الصاحية للرئاسة في ما يخص الشغور الوقتي و هي مسالة اخطر وهو ما لا يبدو ان المشروع يعيره اهتماما بل حتى الاعلام بقرارها لا يوجب الفصل 68 من المشروع اعلام رئاسة الجمهورية به كما لوكان قرار اقرار الشغور حتمي لانه حتى لو قبلنا ان قرار وجود الشغور الوقتي لا فائدة باعلام رئاسة الجمهورية به و هو امر قابل للنقاش فان امكانية رفض اقرار الشغور الوقتي جائزة و اعلام رئاسة الجمهورية بقرار الرفض يبدو واجبا وهو ما اقصاه المشروع في ايحاء ان كل طلب مآله القبول على ما يبدو .
يبدو ان واضعي المشروع و علاوة على اقصاء رئيس الجمهورية تماما من امكانية ابداء ملحوظات او مناقشة لاجراءات او قرارات اقرار الشغور وقتيا كان او نهائيا فانهم لم يتعظوا بتاريخ المسالة في تونس وما اثارته من اشكاليات سواء عند عزل الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بمجرد شهادة طبية او عند مغادرة الرئيس السابق زين العابدين بن علي لتونس في 14 جانفي 2011 و الجدل الذي قام حول تولي رئيس الوزراء انذاك على اساس تفويض او على اساس شغور منصب رئاسة الجمهورية كما تم تصحيحه لاحقا .
امكانية التآمر على رئيس الجمهورية بتوظيف صلاحية المحكمة الدستورية في اقرار الشغور تبدو غائبة تماما على واضعي المشروع رغم انهم في تنظيم صلاحية البت في اعفاء رئيس الجمهورية مكنت هذا الاخير من حقه في الدفاع بالفصل 77 وان كان الامر يتعلق بالعزل كما ورد بالفصل 80 لا بالاعفاء كما ورد بعنوان القسم .
تمكين رئيس الجمهورية من تقديم ملحوظاته لا يعني توفير محاكمة عادلة له و النقيصة الصارخة في تنظيم صلاحية البت في عزله تبقى على غرار كامل مشروع المحكمة الدستورية غياب امكانية الدفاع وحق انابة محامي لتقديم ملحوظات نيابة عن الطرف المعنية حقوقه او مصالحه و للترافع في حقه .
مشروع المحكمة الدستورية لم يعترف بالدفاع و حق انابة محامي للنضال و الترافع الا في جزئيا و في حدود كتابة طلب الدفع بعدم الدستورية اي في مرحلة اثارة الدفع فقط فيما غيب ذلك الحق الدستوري في اجراءات بقية الاختصاصات للمحكمة الدستورية بما يجعل الفصل 105 من الدستور و رغم وروده في الباب الخامس السلطة القضائية و ليس في احد اقسامه بما يؤكد ان من الاختيارات الدستورية الجوهرية وقع خرقه من مشروع المحكمة الدستورية الذي اصبح غير دستوري بتجاهل حق انابة محامي .
II الاختيارات التي تترك مجالا للتسييس و التوظيف
المقصود بالتسييس او التوظيف هو ان تحرف طبيعة المحكمة الدستورية لتصبح اداة مساومات و منافسات نفوذ و مصالح تحيد بها تمام على اختصاصاتها وما تتطلبه من موضوعية .
الملاحظ في المشروع ان واضعيه بقدرما اتسموا بالحذر ان لم يكونوا يتوجسون من مختصي القانون (1) بقدر ما تجاهلوا منزلقات التسييس او التوظيف (2)
1/ حول الحذر من مختصي القانون
المحكمة الدستورية اختصاصها الاصلي هو مراقبة دستورية القوانين اي مراقبة مدى احترام الاحكام الواردة بالقانون او بمشاريع القانون لاحكام الدستور و المبادئ الواردة بنصه (11) تكريسا لعلوية الدستور تطبيقا لنظرية كلسن .
مراقبة دستورية الاحكام القانونية هي مهمة فنية تقنية قانونية ومنهجية بامتياز تتطلب دراية دقيقة بالمنهجية القانونية و المبادئ العامة للقانون فضلا عن الالمام بالمبادئ العامة لمختلف فروع القانون .
من ذلك المنطلق يمكن و بصفة مبدئية التاكيد انه كلما بحث واضعوا مشروع قانون المحكمة عن المختصين تقنيا كلما ابتعدوا عن شبهة التسييس او التوظيف و اقحام المحكمة الدستورية في لعبة التوازنات السياسية و صراعات النفوذ و هو مرمى كل مشرع في المادة حتى وان كانت نقاط التداخل في الاشخاص و الموضوع مع السياسة او تلك الصراعات واقعا لا يمكن نفيها تماما .
واضعوا مشروع المحكمة موضوع هذا المقال وكما اسلفنا كانوا يتخذون مسافة امان على ما يبدو من المختصين في القانون وهو ما يعكسه قرائتهم للفصل 118 من الدستور في ما يخص تركيبة المحكمة الدستورية الذي نص على :” المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من اثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة , ثلاثة ارباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة .
يعين كل من رئيس الجمهورية , ومجلس نواب الشعب , و المجلس الاعلى للقضاء , اربعة اعضاء , على ان يكون ثلاثة ارباعهم من المختصين في القانون و يكون التعيين لفترة واحدة مدتها تسع سنوات …”
من الواضح ان المشرع حرص على وجود المختصين في القانون ضمن تركيبة المحكمة وهو ما يعتبر منطقيا ومتناغما وطبيعة و اهداف المحكمة اذ ان الدستور يؤكد على ان يكون ثلاثة ارباع الاعضاء من المختصين في القانون مع مراعاة ذلك في التعيين
يتأكد ذلك الحرص في تنصيص الفصل 118 فقرة اخيرة على ان الرئيس و نائبه من المختصين في القانون
مقابل هذا التاكيد من الدستور على ضمان اغلبية من المختصين في الدستور وهو منحى سليم لانه بقدر وجود مختصين في الدستور بقدر ما نكون اقرب الى عدم التسييس نلاحظ ان واضعي مشروع المحكمة الدستورية اعتمد تاويلا مضيقا للفصل 118 .
بالرجوع للفصل الثاني من مشروع المحكمة الدستورية نجد انه ضيق في اطلاق عبارات الفصل 118 من الدستور ذلك ان الدستور حدد نسبة لا يمكن النزول دونها في عدد المختصين في القانون و لم ينصص صراحة انها نسبة قصوى او لا يمكن ان يتجاوز عدد المختصين في الدستور الثلاثة ارباع و فقرة الفصل 118 من الدستور سواء الاولى و الثانية واضحة في ان النسبة الدنيا للمختصين في القانون هي الثلاثة ارباع بينما مشروع قانون المحكمة الدستورية يجعل من الثلاثة ارباع النسبة القصوى للمختصين في القانون وهو ما يخالف صريح نص الدستور و طبيعة المحكمة الدستورية و مهمتها الاصلية .
لم تقف مخالفة الدستور بالمشروع عند تحديد العدد الاقصى للمختصين في القانون بل تجاوزه لاقرار عدد ادنى لغير المختصين في القانون و هو ثلاثة وهو ما يعكس حسب راينا حيطة غير مبررة و منهج يخون نوايا اطرافه في زعم عدم التسييس باعتبار ان الدستور لا يمنع ان يتجاوز عدد المختصين في القانون الثاثة ارباع بما يجعل المشروع في تاويله مخالف للفصل 532 من مجلة الالتزامات و العقود و خاصة الفصل 541 منها باعتبار ان المشروع على فرض عدم خرقه للفصل 118 من الدستور فهو التجا الى تاويل مضيق
هذا الخوف او الحذر او الاحتياط غير المبرر يتاكد في الفصل 12 من المشروع الذي يضع انتخاب رئيس المحكمة تحت اشراف عضوين من غير المختصين في القانون .
نفس الملاحظة يمكن ان نسوقها في خصوص عضوية مجلس نواب الشعب او المجلس التاسيسي في تنظير احتساب الخبرة اذ لا نرى وجها لهذا التمييز او الافضلية و ذلك لان النائب هو ممثل للشعب وممارسة صلاحية نائب للشعب عمل سياسي و لا علاقة له بالخبرة القانونية و حتى ان كان الاختصاص بالقانون و تولي مثل تلك الصاحيات من شانه ان يجعل صاحبها مطلعا على كواليس اعداد النصوص وبخاصة الدستور بالنسبة لاعضاء المجلس التاسيسي فان ذلك لا ينفي ان تلك الخبرة تصطبغ بمصالح و انتماءات ايديولوجية او حزبية تتنافى ومهمة عضو المحكمة الدستورية .
وجه اخر من اوجه الاحتياط غير المبرر من مختصي القانون هو عدم اعطاء المحكمة الدستورية سلطة تقريرية او على الاقل توجيهية ذلك ان المحكمة الدستورية عندما تقر عدم دستورية مشروع قانون او بعضه كان بالامكان منحها صلاحية اقتراح تعديل لتلك النصوص او على الاقل ابداء ملحوظات في الخطوط العريضة الممكنة في تعديلها او علة عدم الدستورية تفاديا لبقاء مشاريع القوانين بين المجلس و المحكمة خاصة ان كانت المشروع قد اوقف برمته و ان النص المنطبق الذي سيبقى نافذا ليس بالضرورة مطابقا للدستور او للمصلحة العامة بما برر سن التشريع المقترح .
2/ منزلقات التوظيف و التسييس
علاوة على اقتصار التصريح بالاملاك بالفصل 84 من المشروع على عضو المحكمة دون قرينه و ابناءه بما يعيق الشفافية و درء شبهة الفساد فان نص المشروع اهمل بعض الجوانب التي قد تؤدي بالمحكمة الى ان تنتهي الى مجرد جهاز او اداة توظف لغايات لم تحدث من اجلها وسنقف عند القضاة في تركيبة المحكمة (أ) و حالات غياب النص (ب)
أ/ القضاة في تركيبة المحكمة الدستورية
رغم ان تنظيم القسم الثاني المحكمة الدستورية ورد في الباب الخامس من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية و رغم التنصيص الصريح بالفصل 118 ان المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة فلا نجد اي اشارة بالدستور الى عضوية القضاة بالمحكمة الدستورية حتى وان كانت الهيئة الوقتية للمراقبة دستورية القوانين بالفصل 148 7 متركبة اساسا من قضاة بصفتهم
واقتصر الفصل 118 على اعطاء المجلس الاعلى للقضاء صلاحية تعيين اربعة اعضاء و التجديد في حدود ما اقر له التعيين الطريف ان المجلس الاعلى للقضاء مدعو الى تعيين عضو من غير المختصين في القانون وهو ما قد يبدو غريبا اذا ان طبيعة المجلس الاعلى للقضاء تقتضي انه لا يعنى الا بشان القضاة و بداهة هو لا يعين الا القضاء لمنصب سامي كالمحكمة الدستورية رغم ان الاشكال موجود من الدستور لا يبدو واضعي المشروع متفطنين لهذه النقطة التي قد يمكن تجاوزها بتعيين احد الخبراء العدليين من ذوي الاختصاص الغير قانوني وان كان الدستور في تنظيمه للمجلس الاعلى للقضاء بالفصول 112 و 113 و 114 اهمل تماما اسناد صلاحية ذلك التعيين الذي قد يطرح اشكالية اخرى في اقتراحات التعيين باعتبار المجلس الاعلى للقضاء يتكون من ثلاثة مجالس و بما يخلق تنافسا او اختلاف في خصوص العضو الرابع المقترح و من اي مجلس سيكونة الفصل 7 من المشروع حسم الامر .
الاعتبار الثاني بالنسبة للقضاة في المحكمة الدستورية هو ليس خاص بالمحكمة الدستورية وتنظيمها بل هو عام ويشمل علاقة القضاة ببقية السلط
من النافل التذكير في هذا المجال ان القضاة يتمسكون بالاستقلالية و البعد عن التجاذبات السياسية و صراع المصالح و الامر متفق عليه طبعا لكن طرق ذلك هي ما يختلف فيه الجميع .
حيث ولئن ارتأى المشرع ان تتولى اطراف سياسية التعيين على الاقل طرفين اعضاء المحكمة الدستورية وهو امر سائد في القانون المقارن مع تفادي ابقاء نفس مدد الولاية بالنسبة لجهة التعيين و عضوية المحكمة لضمان حد ادنى من الموضوعية فالامر بالنسبة لتعيين القضاة من السياسيين ياخذ منحى اخر .
صلاحية تعيين قضاة بالمحكمة الدستورية او حتى ترشيحهم من قبل رئيس الجمهورية او كتل مجلس نواب الشعب من السياسيين يعطي فرصة لا لتسييس المحكمة الدستورية فقط بل وكذلك النيل من استقلالية القضاة انفسهم باعتبار ان الترشيح او التعيين سيكون بمثابة العصا و الجزرة في يد جهة التعيين للقضاة المعنيين بشروط الترشح و الذين لهم خطط مهمة و متقدمة وحساسة بالضرورة في القضاء باعتبار أقدميتهم .
الوقوف على واقع القضاء التونسي يؤكد تلك الملحوظة باعتبار ان استقلالية القضاء مفهوم لا يقف عند تفادي هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية او عزل السلط عن بعضها و انتفاء التوازن بينها بما يلغي اي مراقبة .
المشهد القضائي التونسي يتميز بظاهرة الولاءات و كثيرا ما يتردد ان احد القضاة من ذلك المشرب الايديولوجي او من غير بما يؤثر على قضاءه الاخطر من ذلك يقع الحديث على ولاءات لاحزاب ا واو جهات او حتى اشخاص .
العمل القضائي اصبح يضطرب حسب الانتماءات حتى لجمعيات المجتمع المدني التي وان كانت تقدم نفسها للراي العام كهياكل ممثلة للقضاة فهي طبيعتها القانونية جمعيات مدنية لا اكثر فاعلان الاضراب طبعا وان كان غير قانوني من قبل تلك الجمعيات يجعل المتقاضي في حالة ارتباك باعتبار ان تنفيذ الاضراب من عدمه يرتبط بالقاضي او القضاة اصحاب النظر يومها وهي طبعا احد الصور الجديدة للمس من استقلالية القضاء .
يستخلص مما سبق ان امكانية تعيين القاضي من جهة سياسية كرئيس الجمهورية او كتل مجلس نواب الشعب من شانه ادخال القضاء في صراع الولاءات و الانتماءات و المصالح رغم معاناة القضاء التونسي اصلا من تلك الظواهر التي ستتكرس و تتطور بما لا يخدم القضاء و استقلالية القضاء في تونس .
ب/ حالات غياب النص
لئن تناول المشروع اغلب اوجه تنظيم المحكمة الا انه اهمل بعض التفاصيل على عكس الدستور الذي يبدو موغلا في التفاصيل رغم تنافي ذلك مع طبيعته من ذلك مثلا لا نجد اي اثر لمقر المحكمة الدستورية و امكانية عقد جلساتها في اكثر من مقر او مكان بحسب الحالات .
التعذر المادي لاتمام مهمة المحكمة لا يبدو كذلك منظم في المشروع خاصة اذا ما اعتبرنا اشكالية العدد الضخم الذي ينتظر ان تكون عليه الدفوعات كما اسهبنا في فقرة سابقة من المقال .
كما ان تنظيم المشروع للحالات الاستثنائية و حالات الشغور ورد قاصرا على الامكانيات الواقعية التي قد تحدث بما يمكن ان نجد انفسنا في حالة فراغ تشريع خطير ان تزامن مع فراغ مؤسساتي .
والحالات لذلك عديدة كان يتزامن اعفاء احد اعضاء الهيئة او اكثر من عضو على معنى الفصل 21 من المشروع او الاستقالة او الوفاة على معنى الفصل 18 مع حالة شغور بمنصب رئاسة الجمهورية على معنى الفصل و الحال انها جهة التعيين ضرورة ان الفصل 26 الذي يتناول حالة تعذر التجديد يتحدث عن تعذر تعيين عضو جديد فماذا عن تعذر تعيين اكثر من عضو جديد و ووقع النزول عن عدد العشرة وهو العدد الادنى لمواصلة الانعقاد اي بمجرد تعذر تعيين ثلاثة اعضاء و يكون رئيس الجمهورية هو جهة التعيين فلا يمكن حينها لا تعيين اعضاء جدد ولا اقرار حالة الشغور الوقتي او النهائي ولنا تصور الحالة الواقعية انذاك التي تهدد حتما بقاء النظام الجمهوري برمته و في افضل الحالات خطر على ديمقراطية لا تزال تتلمس خطواتها في ظل مؤسسات لا تقاليد لها الامر يكون معقدا اكثر في حالة ورود الشغور بعد البدء في اجراءات عزل الرئيس على معنى الفصل 77 وما بعده .
اجراءات ما بعد عزل رئيس الجمهورية كذلك غير واضحة ضرورة ان الدستور بالفصل 85 لا ينظم الا حالة الشغور النهائي و هي غير حالة العزل اذ ينظمها الفصول 69 الى 73 من مشروع قانون المحكمة الدستورية .
الامر بالمثل عندما تكون جهة التعيين هي مجلس نواب الشعب و يقع حله فضلا عن ان سد شغور على معنى الفصل 23 من المشروع من قبل مجلس نواب الشعب لا ياخذ بعين الاعتبار طبيعة الكتل البرلمانية و تغيرها .
النقائص في المشروع لم تقف عند تلك الحالات الشاذة و الاستثنائية حتى وان كان وقوعها ممكنا فالملاحظ انه و يمكن بداعي التسرع فان المشروع لم يعطي لرئيس المحكمة الدستورية صلاحية الصوت المرجح عند تساوي الاصوات و ان كان المشروع يشترط اغلبية الثلاثة اربع في اكثر من حالة و اختصاص للمحكمة الدستورية الا انه يجعل من قرار المحكمة في اكثر من اختصاص كذلك يؤخذ بالاغلبية المطلقة كحالة البت في الدفوعات بعدم الدستورية قضائيا الفصل 59 و 60 من المشروع و حالة اقرار الشغور الوقتي الفصل 67 وحالة البت في تنازع الاختصاص الفصل 76 و حالة التظر في تجديد التدابير الاستثنائية الفصل 81 .
جميع تلك الصور التي تتخذ فيها القرارات بالاغلبية المطلقة تطرح اشكالا في صورة تساوي الاصوات خاصة وان اعضاء المحكمة 12 اي عددهم زوجي لا فردي بما يجعل من الحسم ممكنا دون اعطاء صوت الرئيس صلاحية الترجيح .
الاستاذ إبراهيم بلغيث
محامي
1- المشروع مودع بمجلس نواب الشعب ومنشور على صفحته الرسمية في خانة مشاريع القوانين وهو محل نظر اللجنة المختصة .
2- سكوت الدستور و رفض القضاء تاويل السكوت و الفشل فشل محاولات تنقيح الدستور لتفادي النقيصة
عبد الفتاح عمر ” مسالة مراقبة دستورية القوانين في تونس ” المجلة القانونية التونسية 1982 ص1-19
3- ربما يكون هناك تواصل و ان كان غير تام للفكرة بالمشروع الجديد للمحكمة الدستورية بالفصل 121 من الدستور و صورة انقضاء اجل البت دون البت في الدستورية و ارجاع المشروع لرئيس الجهورية
4- يراجع : رافع بن عاشور ” مسالة مراقبة دستورية القوانين و تطوراتها في اخر سنة 1987 المجلة القانونية التونسية 1989 ص9-23
5- يراجع : الطيب اليوسفي ” المجلس الدستوري مهم استشارية يرجح ان تكون مرحلية ” صحيفة البيان 21/12/1987 ص 5 .
6- يراجع : محمد كمال شرف الدين : ” مراقبة دستورية القوانين و الحقوق الاساسية ” المجلة القانونية التونسية 2007 ص229 -253 ..
7- بطريقة سيئة في الفصل 118 كما سنبينه لاحقا
8- لم يشكل الامر موضوع نقاش للراي العام على غرار مشروع المجلس الاعلى للقضاء مثلا .
9- الاختلاف كان في التسمية اذ ان دستور 1958 بفرنسا احدث مجلس الدولة و يبدو ان واضعي المشروع تحاشوا تسمية المجلس الدستوري تفاديا للتشابه مع المجلس الدستوري القائم في تونس منذ سنة 1987 و الذي وقع حله .
10- المشرع الفرنسي اعطى حق التعيين لثلاث جهات سياسية على خلاف المشرع التونسي الذي اضاف جهة قضائية و المشرع الامريكي الذي خص رئيس الدولة بالتعيين بمصادقة مجلس الشيوخ .
11- الفصل الاول من المشروع نص في ما يبدو انه خطا مادي ان المحكمة الدستورية تضمن استقلالية القضاء
Cour de cassation, cour constitutionnelle … pourquoi pas cour religieuse, cour syndicale ….
encore, le frananalphébétisme. qui vous ronge depuis 1881 …
soyez simple:
un tribunal
cour d’appel
cour suprème (qui vérifie si c’est conforme à la constitution ).
soyez inventifs, cessez de copier la France.
c’est tout.