حقوق الطفل على أبويه و على الدولة ضمان الكرامة و الصحة و الرعاية و التربية و التعليم. على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل. الفصل 47 من الدستور التونسي

هذا ما نصّ عليه الفصل 47 من الدستور التونسي، بالإضافة إلى ضمانات أخرى متعددة و متنوعة المصادر من بينها الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الدولة التونسية المتعلقة بحماية الطفل، زيادة على هذا مجموعة من النصوص القانونية الوطنية.

يدلّ هذا على أن المشرّع التونسي وعى بأهمية سنّ مجموعة من النصوص القانونية لحماية الطفل جسديا و نفسيا. و لكن كل هذه الضمانات الدولية و الوطنية تبقى فعاليتها محدودة على مستوى التطبيق، إذ مازال بعض الأطفال يتعرضون اليوم لأحد أقدم أنواع العنف و هو ما يعرف “بالتصفيح”.

هذا العرف الذي يتم عبر السحر هو نوع من أنواع “الربط” للفتيات تقوم به بعض الأمهات في بعض البلدان الإسلامية والعربية، خصوصاً بلدان المغرب العربي، وذلك بتعلّة الحماية و الحفاظ على عذرية بناتهنَّ إلى أن تتزوجن. طريقة عملية التصفيح هي نفسها عند فكّ هذا السحر الذي تقوم به “حارسات الشرف” بين سن 6 و 10 سنوات أي قبل بلوغ الفتاة. يعتبر “التصفيح” ممارسة قديمة يتبعها التونسيون لحماية البنات من الاغتصاب ولحماية شرف الأسرة بالأساس.

و يبدو أن الهدف من فعل “التصفيح” أيضا لدى البعض هو إقناع الفتاة منذ طفولتها أنّ فقدانها لعذريتها يعني أنها تحوّلت إلى شيء “ناقص”. فهل هو فعلا وسيلة دفاع عن المرأة وتكيّف مع زمن المخاطر؟ أم هو طمأنة وهمية ابتدعها مشعوذون من أجل استغلال أصحاب الدين الضعيف و التقاليد المتكلسة وترسيخ للتخلف وثقافة النفاق؟

دافع الحماية تسوقه نجوى لتبرر إقدامها علي اخذ ابنتها إلى حميدة أحدى “حارسات الشرف” بأحد الأحياء بتونس الكبرى و المعروفة في الحي بقيامها بتصفيح البنات، هذه الأم تعتبر أن تصفيح ابنتها نسرين ذات 14 ربيعا، فعل صائب هدفه حماية ابنتها من مخاطر الشارع مبررة بأنها و زوجها يعملان طوال النهار ولن يكونا قادرين علي حماية ابنتهما أن تعرضت لمكروه.

يستند ممارسو هذا التقليد على حكم الشرع الإسلامي من أن العلاقات الجنسية قبل الزواج ممنوعة شرعا، و متناسين بان نفس الدين يحرم السحر حيث ورد على لسان مفتي الديار التونسية السابق حمدة سعيد أن تصفيح الفتيات يقصد به فعل شيء لدى الأنثى يمنع من فض بكارتها، وهذا قد يضرّ بصحة الأنثى ضررا بالغا، وهو من العادات القديمة ولا يمت إلى الدين بصلة. وكان الأجدر توعية فتياننا وفتياتنا وتعليمهم فضائل الأخلاق فهو خير وقاية لهم عوض ممارسة الشعوذة عليهم.

يشدّد المفتي علي تحريم السحر في الإسلام، وقد ذكر الله في كتابه العزيز وأنه من الوقائع الدنيوية المؤكدة التي يمكن تعلمها و له آثارا تصيب المرء فقط بأمر من الله تعالى، لكنه حرّمه علما و ممارسة بإجماع كل علماء المسلمين.

جهل نجوى بالضرر النفسي و الجسدي الذي ألحقته بابنتها بدافع حمايتها لشرفها ودينها الأمر الذي بدوره يتخالف مع مثل هذه الممارسات، إذ من الممكن أن يعرضها هذا الفعل للمسالة القانونية، وفقا لما جاء في الفصل 2 من “مجلة حماية الطفل” الذي يمنع «كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصي» و الفصل 6 من نفس المجلة الذي ينصّ على حق الطفل في احترام حياته الخاصة و حرمته الجسدية، و من واجب الأبوين حمايتها.

تجربة نسرين ليست حكرا عليها، بل هي حالة شائعة بكثرة بين فئات الطبقات الاجتماعية المهزوزة نفسيا أو ماديا أو دينيا. رغم غياب الإحصائيات الرسمية عن العدد الجملي لعمليات “التصفيح” باعتبارها تتم في نطاق أسري ضيق و لا يتم الإفصاح عنها. إحصائيا يتمّ إدراج التصفيح في خانة العنف، فمن جملة 2800 حالة عنف مسلط على الأطفال هناك 289 حالة عنف جنسي، 569 حالة عنف مادي وبدني حسب الأعداد الرسمية التي قدمها مندوب حماية الطفولة مهيار الحمادي و أكّد أن مندوبية حماية الطفولة في تونس تلقت 881 إشعارا يتعلق باعتياد سوء معاملة الطفل، و331 إشعارا بالاعتداء أو الاستغلال الجنسي.