مصدر الصورة: فيصل، ويكيميديا
مصدر الصورة: فيصل، ويكيميديا

تطوّرت قضية رئيس مركز التوزيع البريدي توزر شقراطسي، الذي تم إيقافه يوم الأربعاء 15 جوان 2016، لتأخذ طابعا وطنيا، خاصة بعد قرار الإضراب عن العمل لمدة ثلاث أيام الذي قررته الهيئة الإدارية القطاعية للنقابة العامة للبريد. وفي خطوة احتجاجية مماثلة قررت الهيئة الإدارية للمكتب الجهوي بالشغل بقفصة الدخول في إضراب عام جهوي، من المنتظر أن يتم تنفيذه الاثنين القادم.

وفي الوقت الذي تمسّكت فيه النقابة العامة للبريد بالإفراج الفوري عن العون المحتجز منددة بما اعتبرته استغلال نفوذ وكَيل تهم كيديّة، تحصّنت الهياكل القضائية من جهتها باستقلالية القضاء ودعت إلى عدم الضغط على المسار القضائي من خلال الإضراب، وقد انعكس هذا الموقف في بيان الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وفي تصريحات جمعية القضاة التونسيين.

خلاف حول تراتيب قانونية

أشارت مصادر نقابية إلى أن أطوار القضية تعود إلى يوم الثلاثاء الفارط عندما رفض رئيس مركز التوزيع البريدي أحمد بن عثمان تمكين أحد أعوان محكمة الناحية بتوزر من البريد الإداري لأنه لا يحمل تفويضا مكتوبا من وكيل الجمهورية، وعندما تدخل وكيل الجمهورية عبر الهاتف لتسهيل الإجراء أعلمه عون البريد بأن هناك تراتيب قانونية يجب احترامها. وفي اليوم الموالي تم استدعاء رئيس عون البريد إلى مركز الأمن لاستكمال البحث وتمت إحالته على وكيل الجمهورية الذي أحاله بدوره على محكمة الناحية، التي أصدرت في شأنه بطاقة إيداع بالسجن المدني بقفصة وعيّنت له جلسة بتاريخ غد الإربعاء22 جوان 2016.

هذا الإجراء اعتبرته الإدارة العامة للبريد متسرّعا، وفي هذا السياق أكد الرئيس المدير العام للبريد معز شقشوق لموقع نواة أن العون المحتجز طبّق التراتيب المعمول بها، مشيرا إلى أن ”القضاء اتخذ قرار الإيقاف بناءا على المحادثة التي جرت بين عون البريد وعون المحكمة، وهو ما كان بالإمكان تفاديه لو تم الاتصال بالتفقدية التي يعود لها الشأن في اتخاذ قرارات إزاء المخالفات التي يقوم بها أعوان البريد“. وقد أضاف معز شقشوق بأن الإدارة العامة للبريد سعت إلى تطويق الخلاف وطالبت بالإفراج عن العون.

من جهته أشار الحبيب التليلي، الكاتب العام المساعد المكلف بالإعلام بالنقابة العامة للبريد، إلى أن النقابة متمسكة بالإفراج عن عون البريد، مشيرا إلى أن ”قرار الإيقاف كان تعسفيا ولا يحترم التراتيب القانونية المعمول بها في قطاع البريد“. وأضاف التليلي بأن الإضراب متواصل إلى غاية انعقاد جلسة المحاكمة، وفي صورة عدم الإفراج عن رئيس مركز التوزيع البريدي ستدرس النقابة أشكال احتجاجية أخرى.

ويُذكر أن ملف القضية تمت إحالته على الوكيل العام بمحكمة التعقيب لتواصل النظر فيه محكمة ناحية أخرى، وهو ما يشي بالتمدد الزمني للملف. وبخصوص المفاوضات التي أجرتها قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل مع الأطراف المتدخلة في القضية أكدت مصادر نقابية لموقع نواة أن النقابة العامة للبريد تلقّت تطمينات بالإفراج عن عون البريد المحتجز تزامنا مع موعد المحاكمة.

جمعية القضاة: الضغط يستهدف استقلالية القضاء

الحديث عن وجود مفاوضات للإفراج عن رئيس مركز البريد اعتبرته جمعية القضاة التونسيين خرقا لاستقلالية القرار القضائي، وفي هذا السياق أكدت رئيسة جمعية القضاة روضة القرافي لنواة أن ”القرار القضائي لا يُصحّح إلا بقرار قضائي، واعتماد الإضراب وسيلة للضغط على مسار التقاضي يعد انتهاكا لمبدأ دستوري يجرم المس من استقلالية القضاء“.

وبخصوص الشبهات التي تحوم حول قرار الإيقاف أشارت القرافي إلى أن القاضي مسؤول على قراراته وعندما يخطئ لا يقف فوق المساءلة وبالإمكان اللجوء إلى محكمة الاستئناف للطعن في قرار محكمة الناحية.

من جهتها أصدرت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بلاغا أشارت فيه إلى أن ”مراجعة الأعمال القضائية تتولاها هيئات قضائية وفق القواعد الإجرائية ولا يمكن أن تتدخل فيها أية جهة أخرى أو أن تكون محل اتفاقات سياسية باسم القاضي المتعهد الذي يبقى وحده مسؤولا في أعماله عن كل إخلال منه بواجباته وخاضعا للمساءلة عند الاقتضاء طبقا لأحكام الدستور.“

وأمام تواصل الجدل بين النقابة العامة للبريد والهياكل القضائية حول احترام تطبيق القانون، تحول الإضراب العام إلى قضية وطنية، خاصة وان المرفق البريد يحتل مكانة حيوية في إسداء الخدمات اليومية للمواطنين، علاوة على أن توقيت الإضراب تزامن مع شهر رمضان، مما اضطر العديد من مكاتب البريد لتعليق الإضراب وفتح أبوابها أمس الاثنين.