وَرد على مكتب الضبط المركزي بوزارة الصحة يوم 12 جانفي 2017 إشعار بوجود تجاوزات بمصنع للمعدات الطبية، وقد أشارت الوثيقة -التي تحصل موقع نواة على نسخة منها- إلى أن المصنع المذكور يختص في إنتاج الستائر الجراحية ذات الاستعمال الواحد «Drapages opératoires à usage unique» ويباشر عمله في ظروف منافية للمواصفات الصحية، الأمر الذي قد يجعل منتجاته مصدرا للمضاعفات الطبية حسب ما جاء في الإشعار.
بناءا على هذا التبليغ أجرت إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط التابعة لوزارة الصحة يوم الخميس 02 فيفري 2017 زيارة تفقدية إلى مصنع ”مديكا هايتكس“ الذي يقع بالمنطقة الصناعية بمدينة القيروان. وإثر المعاينة الميدانية اتخذت الإدارة إجراءا تحفظيا بحجز المنتجات الطبية للمصنع. هذا الإجراء أكده مدير حفظ الصحة وحماية المحيط، محمد الرابحي، لموقع نواة مبينا أنه ”إجراء وقائي وليس عقابي، ويندرج ضمن العمل بمبدأ الحيطة“. وأضاف الرابحي أن ”الإدارة أحالت على المخبر الوطني لمراقبة الأدوية عينات من المنتجات لإخضاعها للتحاليل الطبية“. الحجز الاحتياطي لمخزون المصنع لم يرافقه سحب لنفس المنتجات من المستشفيات العمومية والمصحات وتجار الجملة. الاكتفاء بهذا القرار برّره محمد الرابحي بأن مثل هذه الإجراءات لاتعود بالنظر إلى إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط وإنما تندرج ضمن صلاحيات مصالح أخرى تابعة لوزارة الصحة على غرار تفقدية الصيدلة.
ملف مصنع ”ميديكا هايتكس“ يطرح مجددا التساؤل حول المراقبة الوزارية لمصانع الأدوية والجوانب الإجرائية والقانونية المتعلقة بها. إضافة إلى مسألة توريد المعدات والآلات الطبية التي لا يخضع البعض منها إلى المسارات القانونية المعمول بها.
غياب الرقابة
كشفت مصادر مطلعة بوزارة الصحة لموقع نواة أن المصنع المذكور يُمارس نشاطه رغم عدم مطابقته للإجراءات القانونية المعمول بها من ضمنها شهادة المطابقة للمواصفات الأوروبية (CE) وشهادة في جودة القدرة التصنيعية تُسند من طرف تفقدية الصيدلة وفق جملة من الشروط: عقد مع صيدلي مختص في التعقيم، مخبر مجهّز بالآلات الضرورية للتثبت من سلامة التعقيم وقاعة بيضاء يجري داخلها تجهيز المنتجات المعدة للتعقيم ويشترط ملاءمتها للمواصفات الطبية.
وأضافت مصادرنا أن هناك فراغا قانونيا في مراقبة المنتجات الطبية المحلّية، إذ تكتفي وزارة الصحة بمطالبة حرفاء المصانع أن يطلبوا شهادة مطابقة للمواصفات الطبية ممضاة من طرف صيدلي المصنع، وفي هذا السياق تشير وثيقة تحصّل عليها موقع نواة إلى أن مصنع ”مديكا هايتكس“ أسند شهاة مطابقة للمواصفات الطبية لإحدى المصحات ممضاة من إدارة المصنع (بضمان مصلحة تأمين الجودة) وليس من طرف الصيدلي. (انظر الوثيقة).
للوقوف على هذه الإخلالات اتصل موقع نواة بالسيد منتصر بن المؤدب، الوكيل الأول لمصنع ”مديكا هايتكس“ الذي أشار إلى أن “المصنع متعاقد مع مخبر خارجي ويشتغل مع شركاء أوروبيين وفق المعايير العالمية المعمول بها“. وفي نفس الوقت لم ينف منتصر بن المؤدب عدم حصول المصنع على شهادة الجودة في القدرة التصنيعية وشهادة المطابقة للمواصفات الأوروبية(CE)، معللا ذلك بأن ”المصنع مازال حديث الإنشاء (2016) وبصدد إعداد هذه الشهادات التي تستوجب إجراءات إدارية معقدة وتتطلب الكثير من الوقت“. ولعل مباشرة النشاط في ظل عدم الحصول على شهادات المطابقة للمواصفات والعلامات يطرح تساؤلا عن الحالة القانونية للمصنع، إذ أوضحت مصادر من وزارة الصحة أن هذا النشاط يعتبر غير قانونيا. أما بالنسبة لشهادة المطابقة للمواصفات التي أسندتها إدارة المصنع لإحدى المصحات عوضا عن الصيدلي فقد أفاد الوكيل الأول لـ”ميديكا هايتكس“ أن ”الإدارة هي التي تتكفل بالتعامل مع الحرفاء أثناء إتمام عمليات البيع“. ويتعارض هذا الإجراء مع منشور داخلي لوزارة الصحة ينص على أن وصل تسليم العينات للحرفاء يمر عبر الصيدلي.
علم موقع نواة أيضا أن بعض المصحات اتخذت إجراءا بإيقاف اقتناء معدات طبية من مصنع ”مديكا هايتكس“، من بينها مصحة الأمان بالمرسى. في هذا السياق أوضحت السيدة فاطمة بن حسن، المسؤولة الصيدلانية بمصحة الأمان لموقع نواة ”بناءا على إشعار من أطباء الجراحة أوقفنا شراء منتجات من مصنع ”مديكا هايتكس“، لأنها تسببت لهم في مضاعفات صحية، وقد تم إعلام المصنع بالقرار ولكن لم يقم إلى حد الآن بسحب هذه المنتجات من المصحة“. وأضافت بن حسن أن المصحة أوقفت أيضا شراء معدات طبية يتم استخدامها في جراحة العظام بناء على عدم مطابقتها للمقاييس المطلوبة وليس لأسباب متعلقة بالتعقيم.
آلة التعقيم وشبهة التوريد غير القانوني
أشار التبليغ الوارد على وزارة الصحة إلى أن الخطر الأكبر مصدره آلة التعقيم(stérilisateur) التي يستخدمها المصنع المذكور في تعقيم الستائر الجراحية ذات الاستعمال الواحد. هذه الآلة تعقم المنتجات الطبية بواسطة أوكسيد الإثيلين (oxyde d’éthylène)، وهو ”غاز يُستخدم على نطاق واسع لتعقيم المواد الحساسة للحرارة الأعلى من 60 درجة أوالإشعاع مثل: البلاستيك والبصريات والأجهزة الكهربائية“. هذا الشكل من التعقيم يستوجب جهود صيانة ذات جودة عالية ويستدعي اتخاذ تدابير استثنائية من أجل ضمان نجاح عملية التعقيم وتأمين سلامة العاملين والمحيط. وحسب المعطيات الطبية فإن عملية التعقيم قد تفشل في بعض الأحيان ومن المرجح حدوث تسربات لأوكسيد التعقيم الأمر الذي يهدد سلامة العاملين والمصانع الحاضنة لمثل هذا النشاط.
الوثيقة المصاحبة للتبليغ –التي تحصل موقع نواة على نسخة منها- تشير إلى أن البلد المصدّر لآلة التعقيم (تركيا) قد عمد عبر وكالة الصيدلة والتجهيز الطبي ووزارة الصحة (التركيتين) إلى سحب شهادة المطابقة للمواصفات الأوروبية CE لآلة التعقيم التي قام بتوريدها مصنع ”مديكا هايتكس“، وذلك بتاريخ 13 فيفري 2015، علاوة على فسخها من السجلات الطبية بوكالة الصيدلة والتجهيز الطبي بتاريخ 18 فيفري 2015 (انظر الوثيقة المصاحبة).
هذه الوثيقة شكك في مصداقيتها الوكيل الأول لمصنع ”ميديكا هايتكس“، منتصر بن المؤدب، مشيرا إلى أنها ”وثيقة مشبوهة وتم ترويجها في إطار المنافسة بين الشركات التركية“. وأضاف بن المؤدب أنه على اتصال بالشركة التركية التي اشترى منها آلة التعقيم. وقد وعدنا بإرسال وثائق تثبت أنه لم يتم سحب شهادة المطابقة للمواصفات الأوروبية (CE) لآلة التعقيم التي قام بتوريدها ولكنه لم يقم بإرسالها إلى حدود كتابة هذه الأسطر…
إضافة إلى الشبهات التي تحوم حول مطابقة الآلة المعقمة للمواصفات الطبية العالمية. فإن توريدها عن طريق وزارة الصناعة –حسب ما أكده لنا الوكيل الأول لمصنع ميديكا هايتكس- يطرح تساؤلا حول قانونية هذا الشكل في توريد آلات التعقيم الطبية. وهذا الإجراء يتعارض مع قرار وزاري مؤرخ في 15 سبتمبر 2005 متعلق بضبط قائمات المنتوجات الخاضعة للمراقبة الفنية عند التوريد والتصدير. ومن ضمن هذه المنتوجات آلة التعقيم الطبي التي كلّفت بمراقبتها وزارة الصحة العمومية وليس وزارة الصناعية. (انظر نص القرار).
في نفس السياق أكدت مصادر من وزارة الصحة أن توريد المعدات الطبية يمر عبر إدارة التجهيز بوزارة الصحة التي تُسند للموردين شهادة في مطابقة المواصفات الطبية، أو بعض الهيئات الطبية الأخرى على غرار مركز الدراسات الفنية والصيانة البيولوجية الطبية والاستشفائية ”CETEM BH“. ويلوح أن اللجوء إلى وزارة الصناعة في هذه الحالة مرده عدم امتلاك المورد لشهادتي ISO و CE التي تطالب بها وزارة الصحة لإسناد تراخيص في استيراد المعدات الطبية. وتفتح هذه الحالة على واقع التجاوزات القانونية في توريد المنتجات الطبية، الذي ظل مسكوتا عنه ويجري طمسه باستمرار على غرار ما شهده ملف اللوالب القلبية منتهية الصلوحية.
iThere are no comments
Add yours