الدولة لم تعد قادرة على تحمّل مصاريف المساجد بسبب سوء تصرّف بعض المصلّين الذين يستغلّون بيوت الله للنوم وتشغيل المكيّفات طوال الموسم الصيفيّ.
هذا ماصرحت به لنواة نجاة الهمّامي، المكلفة بالإعلام في وزارة الشؤون الدينية، مضيفة بالقول ”يجب ترشيد بناء المساجد فمن غير المعقول أن يكون لدينا مساجد وجوامع في حاجة إلى الصيانة وإعادة الترميم ونقوم ببناء أخرى جديدة“. هذا وقد سبق أن أشار أحمد عظوم وزير الشؤون الدينية في جلسة استماع أمام لجنة الحقوق والحريّات بالبرلمان في نوفمبر 2017، إلى ”أهميّة ترشيد بناء المساجد على اعتبار أنّها تتطلّب مصاريف إضافيّة تتعلّق بالصيانة وأجور القائمين عليها، وهي تكاليف لا تستطيع الدولة تحمّلها“. ومن جانبه صرّح مستشار وزير الشؤون الدينية حكيم عمايري أنّ ”العديد من المساجد التي يقوم ببنائها المواطنون على نفقتهم الخاصة تتجاوز طاقة استيعابها في أحيان كثيرة عدد السكان بالجهات أو الأحياء التي يتم تشييدها فيها“، مضيفا أنّ ”هذه المساجد تُثقل كاهل الوزارة لاحقا فيما يتعلّق بمصاريف الصيانة، فضلا عن أنّ عددا منها تمّ تشييدها بطريقة عشوائية وتجد الوزارة نفسها مجبرة على إدراجها ضمن قائمة الجوامع التي تشرف عليها“.
دين يقارب ضعف ميزانية التصرف
ويُقدر عدد المساجد والجوامع المرسمّة بالملك العموميّ بمختلف أنحاء البلاد بـ5890 مسجدا وجامعا، دون اعتبار المساجد التي لا تزال في طور البناء، وهو ما يُثقل كاهل وزارة الشؤون الدينيّة التي تواجه صعوبات ماليّة بسبب ارتفاع ديونها لدى العديد من المؤسّسات العموميّة. في هذا السياق قمنا بتقديم مطالب نفاذ إلى المعلومة إلى كلّ من الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز والديوان الوطني للتطهير والشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه التي رفضت قبول مطلبنا، لمعرفة ديون وزارة الشؤون الدينيّة لدى هذه المؤسّسات. لم تردّ على مطلب النفاذ إلى المعلومة سوى الشركة التونسية للكهرباء والغاز، والتي أفادتنا أنّ
مبلغ الدين المُتخلّد بذمة الوزارة يناهز 21 مليون و195 ألف دينار إلى موفى شهر ديسمبر 2017، في حين أنّ الاعتماد المفتوح بميزانية التصرّف لسنة 2018 والمخصّص لدفع فواتير الماء والكهرباء يقدّر بـ11 مليون و35 ألف دينار فقط،
وذلك بحسب مراسلة من وزارة الشؤون الدينيّة في ردّ على مطلب للنفاذ إلى المعلومة تقدّمنا به لمعرفة المبلغ الذي تخصّصه الوزارة لسدّ هذه النفقات.
بين دور الدولة ودور المواطن
وتمرّ عمليّة بناء المسجد أو الجامع بمراحل مختلفة تكون فيها رخصة البناء ضرورية لأنها تمكّن الراغبين في ذلك من جمع المال من المواطنين. وقبل الشروع في بناء المسجد تتشكّل هيئة للإشراف على عمليّة البناء، تتكوّن من رئيس وكاتب عام وأمين مال يحرّرون مطلبا في غرض بناء جامع بعد تحديد قطعة الأرض التي سيُبنى عليها وتكون عادة من تبرّع أحد المواطنين. ويُذكر أن البلدية تحيل مطلب البناء إلى الولاية المعنيّة بالموافقة أو الرفض وهي التي تصدر قرار جمع الأموال لبناء المسجد. وتقدّم الدولة منحا رمزية لبناء المساجد أو الجوامع لكنّ المواطنين هم من يتكفلّون بمعاليم البناء، في حين تتكفّل وزارة الشؤون الدينية بدفع فواتير الماء والكهرباء ودفع أجور الإطار المسجدي وهم: المؤذّن وإمام الخمس والإمام الخطيب والقائم بالشؤون (عامل النظافة). وحسب الفصل الأوّل من القانون عدد 34 لسنة 1988 المؤرّخ في 3 ماي 1988 والمتعلّق بالمساجد فإنّه يعتبر مسجدا البيت الذي تقام فيه الصلوات الخمس والنوافل من طرف العموم ويوصف بالمسجد الجامع، المسجد الذي تقام فيه كذلك صلوات الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى.
وضعيات عشوائية وشغورات في الخطط المسجديّة
وأمام هذا الوضع، تحاول وزارة الشؤون الدينيّة تسوية وضعية المساجد المبنية بشكل عشوائى أو تلك التي بها مشاكل عقارية وذلك بالتنسيق مع الأطراف المعنية من رئاسة الحكومة وكتابة الدولة لأملاك الدولة وولاّة وبلديات. وطبقا لآخر الاحصائيّات التي وفّرتها لنا وزارة الشؤون الدينية فإنّ
عدد الجوامع والمساجد المبنيّة دون ترخيص يبلغ 352 مسجدا وجامعا، من بينهم 125 جامعا ومسجدا تمّت تسوية وضعيّتهم القانونيّة، و165 في إطار التسوية و62 آخرون لم تصل مطالب تسويتهم إلى الوزارة.
ولا تخلو عمليّة بناء هذه المساجد من السمسرة والتحيّل، فالعديد من الأشخاص يقومون بجمع التبرّعات من أجل بناء جامع أو مسجد دون أن يكون لديهم ترخيص في الغرض، مع العلم أنّ دفتر الوصولات المرخّص له يكون مختوما بختمين من لجنة بناء الجامع ومن القباضة المالية. ويقوم المتحيّلون بنسخ دفتر الوصولات وجمع التبرّعات دون حسيب أو رقيب مطمئنّين إلى أنّ المواطنين لن يقوموا بالتثّبت في الوصولات التي تسّلم لهم بعد عملية التبرّع، وقد شدّدت نجاة الهمامي، في تصريحها لنواة، على ”وجوب التثبّت من هذه الوصولات ومن الأختام الموجودة عليها“.
وتعاني بعض المساجد والجوامع، حسب محدّثتنا، من شغورات في الخطط المسجديّة ويعود هذا إلى مرحلة مابعد الثورة وأزمة السيطرة على المساجد من قبل مجموعات متشدّدة، موضحّة أنّه لا توجد مساجد أو جوامع خارج سيطرة الدولة ولكن بعضها ظلّ دون أئمّة بعد إزاحتهم من قبل متشدّدين، وهذا ما يحيل إلى أزمة عزوف الكفاءات العلميّة عن الترشّح لمنصب إمام خمس أو إمام جمعة وهو ما دفع بوزارة الشؤون الدينيّة إلى مراسلة وزارتي التربية والتعليم العالي من أجل حثّ المدرّسين والأساتذة المهتمّين بالإمامة على الترشّح لهذه المناصب حتى لا يتمكنّ بعض المتشدّدين الدينيّين من إعادة السيطرة على منابر المساجد مجدّدا.
pour vous éclairer:
en France, la séparation avec la religion fait que l’Etat ne subventionne aucune religion. ce sont les dons des fidèles qui servent à entretenir l’église.
en Allemagne, pas de séparation, il y a le “Kirchensteuer”= taxe de religion, imposée par l’Etat aux fidèles.
المساجد تموّل من الأموال العموميّة، لنشر الخرافة والجهل والتطرّف