1-طوال القرن الماضي عرفت قضية تحرير المرأة صراعا سياسيا وفكريا بين ثلاث مدارس فكرية مازال السجال بينها الى يوم الناس هذا , المدرسة الإسلامية التقليدية والتي تريد الحفاظ على المكانة الدونية للمرأة على مستوى قوانين الأحوال الشخصية في الميراث والاسرة زواجا وطلاقا وعلى المستوى الاجتماعي والمهني ومثل هذه المدرسة شيوخ الزيتونة مثل محمد الصالح بن مراد والطاهر بن عاشور وعبد العزيز جعيط وغيرهم اما التيار الثاني فهو ليبيرالي مقلد للغرب في حدود المصالح الأساسية للطبقات المهيمنة وحلفائهم الغربيين ويمثلهم البعض من قادة حزب الدستور مثل بورقيبة اما التيار الثالث وهو التيار الممثل لإرادة التحرير للمرأة التونسية والعربية كجزء من تحرير كل الأوطان العربية ومجتمعاتها بتحقيق العدالة الاجتماعية و من ابرز ممثليها الطاهر الحداد لقد كان الطاهر الحداد مصلحا زيتونيا من ناحية ومناضلا نقابيا يؤمن بان لا صحوة للشعب التونسي والشعوب العربية الأخرى بدون طبقة كادحة واعية ومنظمة وبدون تحرير نصف المجتمع الذي تمثله المرأة من أسباب عبوديتها سواء في مستوى التشريع لنيل حقوقها في المساواة في الأسرة والمجتمع او على المستوى الاجتماعي في نيل حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد قوبل كتابه الذي نشره سنة 1930 “امراتنا في الشريعة والمجتمع” بحملة تكفيرية مسعورة قادها شيوخ الزيتونة وبمساندة وتواطئ قادة حزب الدستور و من بينهم محيي الدين القليبي والحبيب بورقيبة وعندما حاول البعض من مناصريه تنظيم حفلة تكريم ومساندة للرجل بكازينو البلفدير يوم 17 أكتوبر 1930 اوعز الباي للشيخ الصادق النيفر ليؤم الناس في صلاة الجمعة ويشن حملة تشهير وتكفير للحداد ومن ثم التضييق عليه في كل المستويات بما في ذلك حرمانه من العمل والمس من سلامته الجسدية والمعنوية باسم الدفاع عن الإسلام والشخصية التونسية , والحقيقة ان هذه الحملات الشرسة لم تكن سوى تغطية لممارسات هؤلاء المشايخ و الارستقراطية السياسية المتعاونين مع المستعمر ومشاركتهم في الاحتفالات بالاحتلال و خاصة في ما سمي بالمؤتمر الأفخارستي, فالتعامل مع قضية المرأة كان أيديولوجيا مغالطا للتغطية على حقيقة المغالطين الذين يقدمون انفسهم كذبا كحماة للدين والأنكى ان ينظم لهؤلاء “الكلاريكوس ” كما سماهم صديق الحداد احمد الدرعي، البعض من قادة حزب الدستور من مثل محي الدين القليبي القريب من الاخوان المسلمين في مصر والليبيرالي الحبيب بورقيبة الذي دافع على الحجاب باسم الدفاع عن الشخصية التونسية وكأن الحجاب وسجن المرأة بين جدران منزلها وحرمانها من التعليم والعمل من مقومات “الشخصية التونسية؟؟ أو يبرر السكوت على ما تعرض له الحداد الذي كان عضوا في حزب الدستور من تكفير وتنكيل، لقد كان موقف قادة الحزب الدستوري تكرارا لموقفهم من حل جامعة عموم العملة التونسيين والتنكيل بقادتها وعلى راسهم محمد علي الحامي من طرف المستعمر الفرنسي
2-وقد عرفت قضية تحرير المرأة مرة أخرى نفس الاستعمال الأيديولوجي من طرف بورقيبة في صراعه ضد الحركة الوطنية المسلحة وتركيز حكمه الدكتاتوري فيما سمي ببناء دولة الاستقلال تنامي الحركة التحريرية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في كل من المغرب والجزائر وتونس وآفاق وحدة الحركات الثلاث بمساندة مصر الناصرية وانتصارات الثورة الفيتنامية دفعت المستعمر الفرنسي في التفكير في تغيير سياساته الاستعمارية للحفاظ على مصالحه الأساسية في مستعمراته عن طريق عملاء محليين يتسلمون الحكم المباشر لبلدانهم. وقد وجد المستعمر الفرنسي ضالته في الحبيب بورقيبة كأداة لإجهاض الحركة الوطنية المسلحة، والحيلولة دون تحقيق الوحدة المغاربية في ميدان النضال الوطني.
قبل بورقيبة باستقلال داخلي ضد إرادة الأغلبية العظمى من الحركة التحريرية فوجد نفسه معزولا بالرغم من الاستقبال “الشعبي” الذي نظمته له القيامة العامة الفرنسية وحكومة الباي عند عودته “المظفرة” الى تونس من فرنسا.. وسبق ان اغتالت المخابرات الفرنسية المناضل النقابي والوطني الكبير فرحات حشاد الذي أصبحت شعبيته تكتسح الجميع وترك قيادة منقسمة على نفسها على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل. وبالنظر لظروف الحرب الباردة وخوف المعسكر الغربي من تنامي الحركات التحررية والتي كانت تتلقى الدعم من الاتحاد السوفياتي ومن حركة عدم الانحياز الفتية تدخلت الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة والنقابات الأمريكية لتدفع بقيادة الاتحاد لمساندة بورقيبة في صراعه ضد الجناح الوطني في حزب الدستور ووعد بورقيبة قيادة الاتحاد كما صرح بذلك احمد بن صالح بتطبيق البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد ومن بين بنود هذا البرنامج إصلاحات اجتماعية لتحرير المرأة التونسية * وقد صادق مؤتمر صفاقس بالإجماع عل هذا البرنامج الذي قدم حوصلته للمؤتمر احد ممثلي الاتحاد في المؤتمر مصطفى الفيلالي (انظر لتصريحات السيد احمد بن صالح لمجلة ريالتاي بتاريخ 25 جوان 2006 حيث اكد انه في غضون بضعة أشهر من الحكومة ،تنكر بورقيبة لإجماع مؤتمر حزب نيو دستور لعام 1955 ، الذي قبل بالأجماع بملخص برنامج مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل. بعد ذلك، كانت هناك تغييرات في المنطقة والعالم، وفي تونس لم يكن هناك مشروع أو برنامج بعد الاستقلال. كان من الضروري إنهاء الاستعمار وبناء شيء آخر.”) تحول الخلاف بين بورقيبة والأمانة العامة للحزب الدستوري الى حرب أهلية تحالف فيها بورقيبة وجماعته مع الجيش الفرنسي وخاصة في جنوب البلاد لتصفية الحركة الوطنية المسلحة الرافضة للاستقلال المنقوص السيادة ذهب ضحيتها مئات الضحايا وشكلت مليشيات “لجان الرعاية” و”المحاكم الشعبية” لسحق كل معارضة لبورقيبة، وبأمر علي من الباي بتاريخ 23 ديسمبر 1955 استدعي “مجلس قومي تأسيسي ” انتخب على أساس قانون اغلبي بدورة واحدة استحوذت فيه “الجبهة القومية “المتكونة من حزب الدستور والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة كل المقاعد. وجرت الانتخابات في أجواء من الرعب والإرهاب وبالموازاة مع الحرب ضد الحركة الوطنية تمكن بورقيبة من اللعب على التناقضات داخل قيادة الاتحاد ليعزل احمد بن صالح من قيادة الاتحاد وحتى لا يمكنه من بناء حزب عمالي معارض ادخله للحكومة كوزير للصحة وكذا فعل مع أبرز رموز الاتحاد بإعطائهم مناصب في الحكومة والإدارة مثل المسعدي والفيلالي وغيرهم ومن المفارقة ان القانون الانتخابي الذي صاغه بورقيبة لانتخاب المجلس التأسيسي لا يعطي حق التصويت الا للمواطنين التونسيين الذكور ويحرم المرأة من حق التصويت. مما اثار حفيظة المنظمات النسائية.. وهكذا مثلا نددت المناضلة وسيلة جاب الله من اتحاد النساء التونسيات القريب من الحزب الشيوعي بالقانون الانتخابي اللاديمقراطي والذي يحرم المرأة من المشاركة في الانتخابات ونادت كل المنظمات النسائية أي اتحاد النساء المسلمات التونسيات والذي ترأسه بشيرة بن مراد ذات الاتجاه الزيتوني واتحد النساء التونسيات القريبة من الحزب الشيوعي والفروع النسائية لحزب الدستور بتمكين المرأة التونسية “بنفس الحقوق التي يتمتع بها اخوها المواطن الذكر «(الهام المرزوقي حركة النساء في تونس في القرن العشرين ص141 و شهادة هند بوعشة في مجلة التعاون البروتستانتي بتاريخ 17 فيفري 2016 حيث قالت انه من الخطأ الاعتقاد ان هذه المكاسب جاءت من عدم حيث سبقتها نضالات طويلة للمرأة التونسية بدأته حبيبة المنشاري في 1924 التي دعت لسحب الحجاب وإلغاء تعدد الزوجات ) بعد بضعة أشهر فقط من هذه الانتخابات يمرر بورقيبة قانون مجلة الأحوال الشخصية والذي يمنع تعدد الزوجات ويسوي الحق في طلب الطلاق بين الرجل والمرأة ويمنع زواج القاصرات ولكنه يحافظ على اللامساواة في الإرث ويواصل فرض الطاعة على الزوجة تجاه زوجها كرئيس للعائلة فبورقيبة هنا يستجيب لمطالب أجيال من الحركات النسوية والوعود التي أعطاها لاتحاد الشغل في تطبيق برنامجه الاقتصادي والاجتماعي ولكن في حدود ما يضمن مسار إرساء هيمنته على السلطة ومواجهة معارضيه واسترضاء للأوساط الغربية لقبوله كممثل للعصرانية الغربية في تونس والايحاء كذبا بان معارضيه يمثلون الأوساط “المحافظة والظلامية” وهكذا أصبحت هذه الإصلاحات وسائل أيديولوجية لتبرير وتغطية الحكم التسلطي الذي ارساه بورقيبة والسياسات الموالية للغرب والمحافظة على المصالح الاستعمارية في تونس. . ولكن هذه الإصلاحات والتي تبعتها أخرى في عهده وفي عهد بن علي أدخلت ثورة في أوضاع المرأة والأسرة التونسية بالرغم من انها “ثورة فوقية سلبية” بالمعنى الغرامشي للكلمة كان الهدف منها في الواقع إرساء نظاما دكتاتوريا في خدمة القوى الاستعمارية فالثورة السلبية هي ثورة دون ثورة بل ضد الثورة، هي إعادة هيكلة مجتمع عبر سلسلة من الإصلاحات والتحولات الفوقية وفي بعض الأحيان المستلهمة من برامج ومطالب قوى الثورة بدون نشاط ولا هبَّات جماهيرية، هي تحديث تقوم به سلطة الثورة المضادة وتتحكم به نخبة تُحدث تحولات للحفاظ على النظام القائم ولو في اشكال جديدة ومحدثة. وفي اغلب الأحيان بمساندة ولخدمة القوى الخارجية.
وقد طور غرامشي هذا المفهوم وأخذه عن مؤرخ الحقبة النابليونية في ايطاليا فنسنزو كوكوو (1770-1823) ومن النهضة الإيطالية التي تمت بشروط سلبية لأنها افتقدت فرصة القيام بثورة على طريقة اليعاقبة في فرنسا وتمت هكذا بمساعدة جيوش نابليون التي بتدخلها أحدثت ثورة سلبية في إيطاليا.
قدم بورقيبة نفسه على انه “بطل الحركة الوطنية “وهو الذي لم يشارك في حياته في مظاهرة واحدة ضد المستعمر كما بين ذلك رئيس حزب الدستور الجديد محمود الماطري وهو الذي أجهضها سنة 1955 كرديف للجيش الاستعماري. ويقدم نفسه محرر المرأة وهو الذي لم يفعل سوى الاستجابة لنضال ومطالب أجيال من الحركات النسوية والنقابية لا لإيمانه بمشروعية هذه الحقوق ولكن من اجل الاستئثار بالسلطة وبناء دولة قمعية في خدمة القوى الاستعمارية ونكتشف اليوم مدى استهتاره بالمصالح الوطنية عند امضائه اتفاقيات الاستقلال وكم كان الجناح الوطني في الحركة الوطنية محقا في رفض هذه الاتفاقيات التي ما زلنا نعاني حتى اليوم من تبعاتها..
وبعد إزاحة بورقيبة من طرف رئيس وزرائه بن علي واصل النظام استعمال قضية المرأة ومكتسباتها كأصل تجاري لتبييض الوجه القبيح للاستبداد وتتواصل احتفاليات “مكاسب المرأة “بمناسبة وبدون مناسبة في حين تتعرض مناضلات الحركات الديمقراطية والتقدمية والنقابية لشتى أنواع التعذيب والتنكيل وتتواصل انتهاكات حقوق المرأة العاملة بكل فضاضة من طرف رأسمال جشع في خدمة الأجنبي وهذا ما دفع القاضي المختار اليحياوي طيب ثراه للقول في( المرأة التونسية التحدي الكبير للدكتاتورية) “مواصلة الاحتفال كما نرى اليوم بهذه المكاسب التي تحققت منذ خمسين سنة بنفس المغالطات التي تريدنا ان ننسى انها حقوق يضمنها الدستور ومستحقات المواطنة وتمثل بالنسبة للسلطة وسيلة لاستلاب المرأة وفرض ولايتها عليها. كما تمثل هذه الاحتفاليات إدارة زبائنية للمجتمع من طرف السلطة على أساس المنة والخضوع اللذان يميزان الدكتاتوريات مما يتناقض مع مبدا التحرير الذين يدعون الاحتفال به” فلا يمكن تحرير المرأة بدون تحرير الوطن كله وتحرير قواه العاملة بالفكر والساعد وكل طاقاته المنتجة من اغلالها الخارجية والداخلية
3-واليوم تقوم حركة النهضة بحملة علاقات عامة لإبراز وجه حداثي متناغم مع قضايا المرأة مقدمة على واجهة العمل السياسي البعض من كوادرها النسائية الغير المحجبات لتغطية مواقفها الرجعية من القضايا الحقيقية في النضال من اجل المساواة، ولكنها في الحقيقة والواقع مجرد رسائل مغالطة للراي العام الداخلي والخارجي لإخفاء استراتيجيتها الحقيقية والهادفة “لأسلمة ” المجتمع التونسي المسلم أي فرض مفهومها الإخواني الاستبدادي المحافظ للإسلام( انظر مقال جون افريك بتاريخ 03 جويلية 2018 والذي يفضح الخطاب المزدوج للنهضة في هذا المجال) وينكشف زيف دعاياتهم بعد نشر تقرير لجنة الحقوق والحريات حول المساواة في الميراث وغيرها من التنقيحات الضرورية للقوانين المدنية والجزائية لتجسيد الخيارات الدستورية. اذ جاء في بيان حركة النهضة في 4 جويلية 2018 ان الحركة ” تنبه مما تضمنه التقرير من بعض المسائل التي قد تهدد كيان الأسرة ووحدة المجتمع،” وتقود حركة النهضة حملة تكفيرية مسعورة عبر مختلف التنظيمات التي تدور في فلكها ضد اللجنة واعضائها وضد تقريرها متحاشية الخوض في صلب المسائل التي طرحها التقرير مكتفية بكيل السب والعبارات النابية ضد اللجنة والمدافعين على مشاريع القوانين التي تقترحها مما يبين الأهداف الخسيسة التي ترمي لها ولعدائها المتأصل للمرأة وحريتها ولقيم العقل والحرية والمساواة التي تضمنها دستور 2014 ولم تكن تلك الحملة سوى مواصلة لسلسلة من المواقف والحملات المعادية للعقل وحرية الفكر والاختلاف ولقيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية التي أطلقتها هذه الحركة الاخوانية تناغما مع الحملة الهمجية التي قادتها حركة الاخوان المسلمين ومثيلاتها في كل الوطن العربي وخاصة منها دول طوق العدو الصهيوني وبالتحالف مع القوى الاستعمارية الغربية وعملائها في المنطقة ضد قوى المقاومة دولا ومنظمات وحركات وطنية وتقدمية فليس غريبا ان يتعرض تمثال المصلح الاجتماعي والمناضل النقابي الطاهر الحداد للتحطيم في مدينة الحامة بجنوب تونس. بعد ان يقطع راس تمثال ابي العلاء قبل ذلك في معرة النعمان بسوريا. ويتعرض تمثال أم كلثوم لعملية «تنقيب» (تغطية الرأس والوجه بالنقاب) في المنصورة بمصر فالفكر والفعل واحد وان تعددت الايدي المنفذة الأثيمة.
ان قراءة متأنية” للائحة الرؤية الفكرية” لحركة النهضة “المحينة” حديثا ومقارنتها “بالرؤية الفكرية والمنهج الاصولي” للحركة التي ورثتها عن الاتجاه الإسلامي يبين ان اللائحة لم تفعل سوى ادخال تحويرات على المنهج الاصولي سمتها الأساسية الغموض وإمكانية التفسير في كل الاتجاهات المتناقضة بما لا يتعارض مع المنطلقات الفكرية الاشعرية للحركة والتي تتسم بالوضوح في النص المؤسس والمغلبة للنقل على العقل والمكفرة لكل من يقول بعكس ذلك مما يفسر الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الآن لجنة الحقوق والحريات ويكشف زيف ما سمي بفصل الدعوي عن السياسي وسنعود لهذه المسالة في ورقة أخرى وبالمقابل وان كنا نلتقي مع ما تقترحه اللجنة من إصلاحات ضرورية تكريسا لمبادئ المساواة والحرية في دستور 2014 فإننا واعون بالاستعمال الأيديولوجي المغالط لهذه القضية والتوظيف الذي تحاول ممارسته رئاسة الجمهورية في توقيت طرح مثل هذه المسائل تحضيرا للانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع اجراؤها سنة 2019 لقد استعمل نداء تونس ومؤسسه قائد السبسي وعودا انتخابية في انتخابات 2014 معادية لحركة النهضة لاستقطاب أصوات اليسار ثم لينقلبوا بعد الانتخابات على ناخبيهم ويتحالفوا مع حركة النهضة. ويعاود السبسي الكرة اليوم، طرح السبسي بمناسبة عيد المرأة في 13 أوت 2017 مسالة المساواة في الإرث، للتغطية على الفشل الذريع لهذا الائتلاف في المجال الاقتصادي والاجتماعي وعلى عجزه في حل المشاكل الحقيقية والحارقة للفئات الضعيفة من الشعب في الشغل وغلاء الأسعار والتنمية وذلك لكسب القوى الديمقراطية والتقدمية في الانتخابات القادمة. وهكذا تشكلت لجنة الحقوق والحريات التي قدمت تقريرها مؤخرا والذي اثار السجال الذي عرفناه في الأيام السابقة بين مؤيد ومعارض لهذه الإصلاحات. بين “علمانيين و”إسلاميين”. سجال لا يمت بصلة مع مشاغل الغالبية العظمى للشعب التونسي والتي ليس للسبسي ولا للنهضة حلولا لها بالنظر لقبول كلي الحزبين بالإملاءات الخارجية لصندوق النقد الدولي للإيغال في التضييق على الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا في تجميد الأجور والضغط على المصاريف الاجتماعية وزيادة الأسعار والتقليص في مصاريف الدعم للمواد الأساسية واغراق البلاد والاجيال القادمة في المديونية والارتهان للخارج على كل الأصعدة.
يقول الطاهر الحداد في مقدمة كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع ” ان الإصلاح الاجتماعي ضروري لنا في عامة وجوه الحياة وعلى الخصوص ما كان منه متعلقا بوجودنا في الحياة وقد رأيت بعين اليقين ان الاسلام بريء من تهمة تعطيله الإصلاح بل هو دينه القويم ومنبعه الذي لا ينضب وما كان انهيار صرحنا الا من أوهام اعتقدناها وعادات مهلكة وفظيعة حكمناها في رقابنا “هكذا قدم الحداد مشروعه الثوري في تحرير المرأة كجزء من مشروع ثوري مجتمعي يمس “جميع أوجه الحياة ” وحتى لا يكون الإسلام معطلا للإصلاح رأى الحداد “ان نعتبر الفرق الكبير البين بين ما اتى به الإسلام وجاء من اجله وهو جوهره ومعناه ..كعقيدة التوحيد ومكارم الاخلاق وإقامة قسطاس العدل والمساواة بين الناس” وهو توجه عقلاني يمد جذوره في المدرسة العقلية في موروثنا الثقافي و هذا بالضبط ما رفضه مشايخ الزيتونة وما ترفضه حركة النهضة اليوم كحركة اخوانية ذات منطلقات فكرية اشعرية تغلب ظاهر النص عل العقل و الشريعة المتوارثة على الحكمة قاطعة الاتصال بين الحكمة والشريعة حسب التعبير الرشدي أو لم يقل ابن رشد فيلسوف العقل في موروثنا الثقافي “تختلف النساء عن الرجال في الدرجة، لا في الطبع. وهن أهل لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم، ويفقنهم في بعض الأحيان، كما في الموسيقى، وذلك مع أن كمال هذه الصناعة هو التلحين من رجل والغناء من امرأة. ويدل مثال بعض أمصار إفريقية على استعدادهن الشديد للحرب؛ وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم في الجمهورية [يشير إلى “جمهورية” أفلاطون]. أوَلا يُرى أن إناث الكلاب تحرس القطيع كما تحرسه الذكور؟”(ابن رشد جوامع سياسة افلاطون عن ارنست رينان) لذلك كان مشروع الحداد المنادي بتحرير المرأة جزءا من مشروع ثوري يعيد لشعبنا ارادته الوطنية وسيادته الكاملة في تقرير مصيره وبناء دولته الوطنية في كنف الحرية والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية. مشروع ثوري يعيد قراءة تاريخنا بعين العقل الشيء الذي لم يكن قط في برامج كل الحكومات التي تعاقبت في السلطة منذ الاستقلال .ان القوى التي لا مصلحة لها في استكمال التحرر الوطني وبناء تنمية في خدمة الشعب تضمن له كرامته وعيشه الكريم لا يمكن ان تحرر فعلا المرأة و لا يمكن لها ان تتعامل مع قضاياها الا بصورة مجزأة وسطحية لتوظفها لخدمة مصالحها الأساسية في ادامة التبعية والفساد والاستبداد وهو الشيء الذي يفسر التعامل الأيديولوجي لكل السلطات المتعاقبة قبل وبعد ما سمي بالاستقلال أي ذلك التعامل المغالط مع مسألة “تحرير المرأة ” والذي استعمل القضية لتحقيق مآرب أخرى غير معلنة .
iThere are no comments
Add yours