أثار حديث شيخ الأزهر عن ضرب الزوجة “الناشز” الكثير من الجدل، في أيار/ مايو الماضي، وفتح الباب لتجدّد النقاش حول أحكام المرأة في الشريعة الإسلامية. وكان الشيخ أحمد الطيب قد قال في برنامج تلفزيوني يتناول أحكام الأسرة، إن ضرب الزوجة الناشز ينبغي ألاّ يكون مبرحاً1 ما أثار حفيظة الكثيرين، ومن بينهم النسويات بطبيعة الحال، الذين كانوا يريدون منه أن يعلن رفض الإسلام لأي شكل من أشكال العنف ضد المرأة. في حلقة لاحقة، عاد الطيب ليقول إنه يتمنى أن يعيش ليرى تجريم الضرب بشكل مطلق لما يمثله من إهانة وأضرار نفسية للإنسان2. دائمًا ما تكون الآية 34 من “سورة النساء” مادة للجدل في ما يخص قضية المرأة في الإسلام يقول نصّ الآية:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.
وتُقدَّم حيال تلك الآية معنى لغوي للفظ “اضربوهن” يختلف عن المعنى الشائع، يشير إلى المفارقة أو الابتعاد. وهذا ما سبق أن ذهبت إليه نسويات مسلمات في الغرب مثل الأميركية من أصل إيراني لاليه بختيار (Laleh Bakhtiar) التي ترجمت القرآن إلى الإنكليزية عام 2007، ما أثار الجدل وقتها3 التفسير ذاته كما أشارت إليه الأميركية من أصل أفريقي آمنة ودود (Amina Wadud) في كتابها “القرآن والمرأة: إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي” (مكتبة مدبولي القاهرة، 2006، ترجمة سامية عدنان).
“التخريجات” اللغوية
وبغض النظر عن مدى صحة “التخريجات” اللغوية، فإن القضية تثير سؤال اللغة وكيف يمكن استخدامها في تكريس معنى معين للنص الديني وإزاحة آخر، ما بين التفسيرات التقليدية والقراءات النسوية لتلك النصوص، لا سيما مع نصّ نزل “بلسان عربي مبين”، وإتقان اللغة أحد أهم شروط فهم النص وتفسيره.
تستند المقاربة النسوية للنص الديني – تتولاها في العادة مثقفات مسلمات غير متخصصات أكاديمياً في علوم الشريعة أو اللغة -إلى مجموعة استراتيجيات من أهمها الاقتراب اللغوي من ألفاظ معينة تبدو إشكالية مثل: “قوامون”، “نشوزهن”، “اضربوهن”، و/أو نقد مرويات أسباب النزول كونها في كثير من الأحيان سبباً في تقرير أحكام فقهية متحيزة ضد المرأة، و/أو القراءة السياقية لبعض الآيات وربطها بواقع المجتمع العربي الأول بظروفه الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. ويحكم كل ذلك الانطلاق من مبادئ عامة تعتبر المفسرات أن القرآن قررها، تتمثل في العدل والكرامة والمساواة الإنسانية.
وتعود محاولة النسويات الإسلاميات الاقتراب “المباشر” من القرآن وتقديم قراءاتهن الخاصة له إلى عقود قليلة خلت. والهدف منها “امتلاك الصوت” إزاء تراث طويل سيطر فيه المفسرون (الرجال) على الساحة، والفصل الحاسم بين النص المقدس وما أنتج حوله من اجتهادات “بشرية”.
بدأت تلك المحاولة على يد نسويات إسلاميات في الغرب أولاً4 ثم انتقلت إلى نظيراتهن العربيات. إلا أن هناك محاولات في هذا الصدد ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر، كما نجد لدى الشاعرة والأديبة عائشة التيمورية (1840-1902) في رسالتها “مرآة التأمل في الأمور” (الصادرة بالعربية عام 1892 وأعاد “ملتقى المرأة والذاكرة” في القاهرة طبعها عام 2002)، ذهبت فيها إلى أن قوامة الرجال مشروطة، وأنها تنتقل للنساء حال تقاعسهم وقيامهن بواجباتهم، وهي محاولة رائدة لقراءة النص الديني من منظور نسوي. 5
هناك اختلافات في الطرق التي تقترب بها النسويات الإسلاميات العربيات (وهنّ موضوعنا هنا) من النص القرآني. فعلى سبيل المثال، تتوقف أستاذة العلوم السياسية المصرية أماني صالح في قراءتها لآية القوامة عند كل لفظ مشْكِل، وتأخذ على المفسرين تفسيرهم لها بشكل منحاز “يقنّن دونية المرأة”، بل إنها تأخذ على معاجم اللغة نفسها انحيازها وتفضّل تتبع اللفظ كما ورد في آيات أخرى لفهم معناه.
من جهتها، ترى الطبيبة والباحثة النسوية المغربية أسماء المرابط ضرورة ربط مفهوم “القوامة” بمفهومي “الاستخلاف” و“الولاية” وبالقيم التي أكدها القرآن للعلاقة الزوجية. في مسألة الميراث تميل المرابط للقراءة السياقية، وهو المنهج الذي يعد نصر حامد أبو زيد أبرز منظريه، في كتابه “دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة”. ولكن نسويات إسلاميات أخريات رفضن هذا المنهج لأنه يهدر في رأيهن إطلاقية النصّ المقدس ويؤدي إلى الخروج عليه6 . فكيف تعاملت النسويات الإسلاميات العربيات في قراءاتهن للنص الديني مع اللغة وبعض الألفاظ الإشكالية، بصورة مختلفة عن التفسيرات التقليدية؟
قوامون، نشوزهن، قانتات
في المعجم الشهير “كلمات القرآن: تفسير وبيان” للشيخ حسنين مخلوف تعني “قوامون” قيام الولاة على الرعية، و“قانتات” مطيعات لله ولأزواجهن، و“نشوزهن” ترفعهنّ عن طاعتهم، وهذا ما ذهب إليه معظم المفسرين. إلا أن للنسويات رأياً آخر.
ي “قضية النوع في القرآن: منظومة الزوجية بين قطبي الجندر والقوامة” (بحث منشور بدورية “المرأة والحضارة”، العدد الثالث، القاهرة، 2002) تقول أماني صالح إن مفهوم النشوز “من أخطر المعضلات في البحوث الخاصة بوضع المرأة في تشريعات الأسرة لأنه يرتّب أقسى حكم يخص المرأة وهو التوجيه بالضرب، بل إنه يعد حكمًا فريدًا من نوعه لم يرد مثله في القرآن لأي من صنوف العاصين”. برأيها، يتسم المفهوم بالغموض، “فالمصادر اللغوية غير مفيدة في تحديد المفهوم لاتساعه (النشز هو ما ارتفع من الأرض، ويقال نشز وينشز إذا كان قاعدًا فنهض قائمًا). أما المفهوم الذي يقدمه المفسِّرون فيتسم بدوره من ناحية بالضيق الناجم عن الانحياز، ومن ناحية أخرى بالاختلاف حول مدلوله”. تستند صالح إلى السيرة النبوية التي تخلو من ضرب الزوجات لاستبعاد “تفسير النشوز بالطاعة والمعصية بين الزوجين أو النفور الوقتي”. ثم يأتي لفظ “قانتات” الذي تقول عنه إنه يثير لبسًا ولكن تفسيره محوري في تحديد معنى النشوز. ففي حين فسّره كثيرون بـ“الطائعات لأزواجهن”، تتتبع هي الاستخدام القرآني للكلمة لتجد أنه لا يؤيد هذا الاتجاه: “لقد ورد لفظ القنوت ثلاث عشرة مرة في القرآن الكريم ودل في الأغلب الأعم على شدة الخضوع والانقياد لله والمداومة عليه”.
تخلص إلى أن النشوز يعرّف بالمقابلة مع الصالحات بأنه “الفساد والخروج عن طاعة الله، وخيانة الزوج بالغيب فيما أمر الله به من حفظ للمال والعرض والولد”، وأن عبارة “واللاتي تخافون نشوزهن” تنصرف إلى مقدمات الخيانة الزوجية للزوج وهذه -كما تصفها– “حالة من الشذوذ والاعتداء الخطير من الزوجة على أسس الحياة الأسرية”، مع استمرار الزواج وعدم طلبها الانفصال، وأن الأحكام القرآنية لا يمكن تفسيرها بمعزل عن المنظومة ككلّ.
أما فيما يخصّ القوامة، فتركز على اللفظ “قوامون على” الآتي بصيغة المبالغة والذي يتمحور النص حوله، وتنوّه إلى صعوبة اللجوء إلى معاجم اللغة العربية. ترى أن اللغة العربية المسجلة والمؤصلة في المعاجم وكتب النحاة ليست مرجعًا محايدًا لفهم القرآن، إذ كان هو مرجع تقعيد اللغة معجميًا ونحويًا وليس العكس. ولذا، ولصعوبة اللجوء إلى اللغة كحكَم محايد في مسألة معضلة أو خلافية كالقوامة، تجد الباحثة أن المخرج الأفضل لفهم دلالة اللفظ القرآني هو الرجوع إلى الاستخدام القرآني ذاته، ففعل “يقوم” أفاد معانٍ مختلفة تدل على الوقوف والنهوض، أو السعي وبذل المشقة والجهد، كما يفيد الرعاية. كذلك استخدم القرآن اسم الفاعل “قائم” للدلالة على الواقف، والمتعهد الراعي.
أخيراً تقول الباحثة إن القرآن أورد في موضعين آخرين اللفظ في صيغة المبالغة (“قوامين” دون حرف الجر “على”) لبيان دوام الالتزام بالأمر. وتستكمل تحليلها بقولها إن الفقهاء فسّروا عبارة “قوامون على النساء” باعتبارها تشير إلى ممارسة السلطة والهيمنة والتأديب، لكننا نجد أن القرآن قد خص ألفاظاً معينة بالدلالة على هذه المعاني، وهي (“وكيل”، “حفيظ”، “ولي”، “مسيطِر”، “سلطان”) وامتنع عن استخدامها في ما يخص علاقة الرجال بالنساء. وتخلص إلى أن لفظ “قوامون على” إنما يدور حول معاني النهوض والسعي وبذل المشقة في سبيل أحد أو شيء، والرعاية وتعهّد الشيء من دون توان أو نكوص.
أما “بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا”، فتذهب فيها إلى أن “البعضية” تعود على الرجال، وأن استخدامها بين الرجال والنساء يبدو أمرًا غير منطقي لا يستقيم معه المعنى، فالمراد تفاوتهم في جوانب التميز والفضيلة والنعمة التي يمكن أن يقوموا برعاية النساء بواسطتها، إلى جانب الإنفاق المادي.
… ولا تُخسروا الميزان
تقول أسماء المرابط7 إنه ليس هناك لغة خاصة أو مفاهيم جديدة تستخدمها النسويات، بل هناك مقاربة مختلفة للنصوص. فالجديد هنا هو محاولة الرجوع إلى توازن النص القرآني الذي أدى التأويل التقليدي الذكوري إلى الاختلال في فهمه، فرجّح كفة الرجل وجعله المهيمن والمعيار للإنسان، والمرأة مجرد كائن تابع ثانوي لا قيمة له إلا لخدمة الرجل -ذلك “الإنسان الكامل”. يتناقض ذلك مع مفهوم “النفس الواحدة” المذكور في القرآن الذي يؤكد الأصل الواحد لهما في الخلق، وليس كما ذهب المفسرون بأن المقصود به الرجل أو آدم، وأن كلمة “زوجها” تشير إلى حواء أو المرأة الأولى كخلق ثانوي، وإنما المراد الشريك.
ترى المرابط أنه لا حاجة إلى إنتاج مفاهيم أو تأويلات جديدة أو “نسوية” بقدر ما نحن بحاجة إلى ضبط الخلل والتمييز في التفاسير التقليدية، وتبيّن مفاهيم العدل والميزان. ولا ترى في غياب أكاديميات متخصصات في اللغة العربية بين النسويات الإسلاميات نقطة ضعف، فاللغة تبقى مجرد أداة أو وسيلة لنقل الأفكار والمفاهيم. وبالنسبة لها فإن الذكورية اتهام يطال كل اللغات، وإن اللغة العربية ليست ذكورية من حيث روحها وجوهرها ولكن في كيفية استعمالها، مشيرة إلى طرح الصحابيات هذا السؤال حينما اشتكين للنبي وسألنه عن كون الخطاب القرآني يُوجّه للرجال فقط، فنزلت الآية “إن المسلمين والمسلمات.” (الأحزاب: 35) لتقنعهن بالعكس.
مفردات جديدة لخطاب جديد
تقول أستاذة الأدب الإنكليزي والمقارن في جامعة القاهرة أميمة ابو بكر8، ولها قراءة لآية القوامة، إن البحث النسوي الإسلامي المكتوب بالعربية أدى إلى نحت مفردات جديدة تلائم الخطاب الجديد الذي يخصّ منظومة العلاقات بين الجنسين، وهو مختلف عن الخطاب الأبوي سواء كان تقليديًا أو حديثًا، كأن نقول مثلاً رؤية “مساواتية” أو نرفض “التراتـُبية” في تفسير علاقات النوع…إلخ. وتعتبر أن التفسيرات التي جرى تداولها حول لفظ “الضرب” غير سليمة لغويًا ومناقضة لقواعد اللغة، وأن الأجدر في هذه الحالة ربط حكم الضرب بمنظومة عقاب “الفاحشة” سواء ارتكبها رجال أو نساء، كما ورد في الآيتين 15 و16 من “سورة النساء”.
وتقول إن تلقي النص بلغة أخرى له ميزة وعيب: فالقارئ هنا يتحرر من أسر المدلولات الثقافية التي ألصقت بالنص على مدار قرون، ويمكنه النفاذ إلى المقصد القرآني الصافي، ولكن العيب في غياب بعض دقائق اللغة وتطوّر بعض الألفاظ تاريخيًا. إلا أن المهمّ في نظرها هو المنهج المتبع في الاستنباط والتأويل الذي يقوم على البحث عن مقاصد العدل والمساواة في القرآن وتطبيقها على النوع (gender)، مع تبني منظور نقدي للتراث دون التحقير من شأنه. هنا تظهر ميزة للنسويات الإسلاميات العربيات، إذ يمكنهن قراءة المصادر التراثية بسهولة وبلغتها الأصلية، كما أن إنتاجهن يصل للجمهور العربي على نطاق أوسع. وردًا على سؤال حول تأثر النسويات الإسلاميات العربيات بأطروحات نظيراتهن في الغرب رغم امتلاكهنّ ميزة نسبية بخصوص اللغة، ترفض “الطرح الثنائي التضادي بين المجموعتين” وتقول إنّه ليس مفيدًا، وإنّ كل مجتمع له سياقاته وقوانينه، وإن كان هناك هدف واحد يجمعهن هو ترشيد الفكر الديني في قضايا النوع، انطلاقًا من الأرضية الإيمانية.
بين معسكرين
تقول أماني صالح إن علينا، إن كنا حريصين على إنتاج فكر جاد، ألا نقع في فخ التدليس والتزييف في ما يتعلق باللغة، فهذا مخرج العاجزين عن الإنتاج الفكري الرصين والنزيه. وهي ترى أن معضلة الآية لا تحلّ لغويًا فحسب، بل كذلك من خلال منهجيتي التعامل التأويلي مع القرآن والتعامل السوسيولوجي مع اللغة. تأويليًا، من خلال استيعاب الشروط والافتراضات الضمنية للموقف محلّ النقاش، فمفهوم الضرب لا يُفهم إلا بفهم حالة سلوكية أخرى هي النشوز، والخلاف حول لفظ “النشوز” يدل على صعوبة تحديد المحتوى الفكري للغة ودخول الأيديولوجيا على الخط، وأي تفسيرات في هذا الإطار مهما كانت درجة شيوعها لا تُلزم إلا أصحابها. فالقرآن والسنة هما المصدر الوحيد لفهم حالة النشوز، إذ هوَّن المفسرون قضية النشوز بينما تعاملت معها السنّة –التي هي مبيّنة للقرآن-بالتعظيم والتضييق.
أما من الناحية السوسيولوجية فتشير إلى تطور مفهوم “الزواج” بالقول إن هناك افتراضات اجتماعية ضمنية تتعلّق بالنمط السائد للأسرة وبسمات نظام الزواج السائد في مراحل تاريخية معينة، وربما لا يزال موجودًا في بعض المجتمعات حيث لا يشكّل الزواج بالنسبة للمرأة نظامًا للتعايش الاجتماعي بقدر ما يعدّ نظامًا للإعالة، دونه تتعرض المرأة للأهوال. وهنا يفرض السياق الاجتماعي خيار الاستمرار في العلاقة على الرغم من وجود خيارات بديلة كالطلاق أو الخلع، ويمكن اعتبار أن عمل المرأة والدور الاجتماعي المفترض للدولة في رعاية الفئات الضعيفة من شأنه إزالة تلك الحالة. ومن ناحية أخرى يمكن فهم معاناة الرجل -في ظل هذا النظام-حين يتعرّض لظلم وخيانة من المرأة بينما يوفّر لها أسباب الحياة. هذا الإطار الاجتماعي لا بدّ أن يكون حاضرًا لفهم آية الضرب بالتوازي مع تفسير “النشوز”.
تؤكّد صالح على حق كل جيل في إنتاج فهمه الخاص للنصّ الديني وفقًا لظروفه واحتياجاته، مع احترام التراث من دون تقديسه، والاستفادة منه فيما نراه صالحًا لزماننا. وهذا الفهم الجديد بدوره ليس مقدسًا أو نهائيًا مشيرة إلى وجود صراعات مصالح كامنة وراء الخلاف الثقافي بين التجديديين والتقليديين. فثمة قوى قبلية وعشائرية ومؤسسات دينية تقليدية تقوم على حفظ التراث من دون تجديده، تعمل على تكريس هيمنة الماضي على الحاضر. وترى أن غياب التخصص اللغوي في التأويل الاجتهادي النسوي ليس المشكلة الأكبر، بل إن مشكلة الجميع –من تقليديين واجتهاديين، تراثيين ومعاصرين-تتمثل في الاقتراب من اللغة من منظور خاطئ لا يأخذ في الاعتبار كل العناصر السابقة. وتضيف: “ذكورية اللغة ليست سمة ذاتية فيها، فاللغة مادة طيّعة في يد الإنسان، وهي ناقل الفكر وتتحدد منتجاتها ومحتوياتها بحسب القوى النشطة التي تنتج الثقافة، وإذا كان المحتوى الثقافي الذي أنتج في ظل هيمنة ذكورية كاملة على المجتمع والسياسة والاقتصاد والفكر ذكورياً، فإن صعود المرأة بإمكانه أن يغيِّر هذا المحتوى: إما إلى النقيض، أي إلى الانحياز النسوي، أو إلى التوازن النوعي”.
لا يمكن الإلمام بقضية متشعبة كهذه هنا، وما عرضناه يثير أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات. أسئلة حول بنية اللغة العربية وسماتها ومدى تأثير ذلك في فهم النصّ، وحول انحيازات التفاسير التقليدية، التراثية منها والمعاصرة، وهي تحتاج إلى مراجعة شاملة، لاسيما في الآيات المتعلقة بالنساء، مع وجود جوانب إيجابية يمكن البناء عليها، وأيضا حول الإشكاليات المنهجية في القراءات النسوية، مع ارتباط كلّ آية بشبكة كبيرة من النصوص القرآنية والنبويّة وبقواعد للغة وللاستنباط، وكذلك حول أفق تطوير تلك القراءات، لا سيما حين تكون لغة النص هي اللغة الأم للنسويات الإسلاميات العربيات، وهذه نقطة قوة يملكنها. فهل يمكن أن يُحلّ الأمر بأن يكون هناك معجم لألفاظ القرآن التي تتناول قضايا المرأة من منظور نسوي؟
un texte magnifique qui donne de l’espoir. J’espère qu’il y en aura d’autres.