والسؤال الملح والذي يتردد اليوم على الألسنة في تونس وفي العالم، هو متى سينتهي وباء كورونا؟ ومتى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ فقد انقلبت حياتنا فجأة رأسا على عقب، وأصبحنا مثل أسرى الحروب، محجوزين في بيوتنا، لا نتحرّك إلّا عند الضرورة وفي حدود مرسومة بدقّة. إنها حالة طوارئ عالمية وأكبر حجر صحي في تاريخ البشرية حيث ربع سكان العالم في الحجز. مدن تغلق بالكامل. عشرات بلدان العالم في عزلة تامة، لا ذهاب ولا إياب. أكثر من مليون مصاب وعشرات الآلاف من القتلى. هذا فضلا عن الرعب النفسي وحالة الاكتئاب التي يعيشها البشر في أنحاء مختلفة من العالم. المشكلة أن العدو الذي فرض علينا كل ذلك هو كائن صغير جدا إلى درجة أن البكتيريا نفسها لا يمكن أن تراه. خطورة هذا العدو ليس في الإصابات أو الوفايات التي يمكن أن يحدثها، وإنما في سرعة انتشاره وفي حالة الهلع التي يسببها وفي قدرته على إنهاك النظام الصحي مهما كان قويا ومتماسكا.
سيناريوهات متفائلة
خلال اللقاء التلفزي الذي أجراه مساء الخميس الماضي على القناة الوطنية الأولى، قال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أننا “في الطريق الصحيح، وإلى حد الآن الوضع تحت السيطرة، لكننا نجهل ما سيحدث خلال الأسابيع القليلة القادمة”. وفي جواب على سؤال يتعلق بعودة الحياة المدرسية والجامعية، أجاب الفخفاخ أننا “أمام ثلاثة سيناريوهات”. السيناريو الأول هو عودة تدريجية بشروط التوقي من العدوى مع نهاية شهر أفريل الجاري، وهو السيناريو المأمول. السيناريو الثاني هو عودة تدريجية ولكن مع نهاية شهر ماي. أما السيناريو الثالث وهو الأسوأ فهو تأجيل العودة المدرسية، وبالتالي الحياة شبه الطبيعية إلى ما بعد شهر جوان.
وبالفعل فقد توقع علماء في دراسة جديدة تغيرا في وتيرة تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم ابتداء من شهر ماي المقبل. ووفق دراسة أعدها علماء بمعهد المعلوماتية الصحية في جامعة كوليدج لندن فإن عدد حالات الإصابة بالفيروس سيبدأ في الانخفاض الشهر المقبل مع ارتفاع درجات الحرارة.
وأشارت الدراسة إلى أن النتائج التي توصلت إليها تدعمها الأدلة الموجودة مسبقا على موسمية عدد من الفيروسات المشابهة لكورونا. وعلى مدى خمس سنوات، قام الباحثون بتتبع ثلاث سلالات أخرى من فيروسات كورونا المشابهة لتلك التي تسبب الوباء الحالي، ووجدوا أن حالات الفيروس تصل إلى ذروتها في فصل الشتاء. وأن الطقس الأكثر دفئًا وضوء الشمس والرطوبة قد يساعد على تقليل انتقال الفيروس.
إمكانية سنة ونصف أخرى من الحجر
في المقابل، أصدرت الشهر الماضي جامعة إمبيريال كوليدج لندن الإنجليزية دراسة قالت فيها إن من الممكن أن تستمر مكافحة فيروس كورونا المستجد لمدة 18 شهرا. وأكدت أنه يجب اتخاذ إجراءات فورية وصارمة تستمر شهورا للتخفيف من حدة الكارثة، وأن الحياة بعد ظهور فيروس كورونا لن تكون أبدا مثل الحياة قبله. هذا الرأي دعّمته مراكز البحث في الولايات المتحدة والتي توقعت أن يطول أمد الأزمة الراهنة، وأن نهايتها لن تكون سريعة بالقدر الذي اتخذت فيه قرارات الحجر والإغلاق، ولن تحدث في أي وقت قريب. وأن الحل الوحيد للأزمة الراهنة يكمن في تطوير لقاح ضد الفيروس القاتل، مما يتطلب بعض الوقت.
وقدم علماء من جامعتي ماينز وهامبورغ الألمانيتين نموذجاً علمياً يتوقع مسار فيروس كورونا في ألمانيا في الفترة المقبلة. ويتوقع العلماء انتشار العدوى لتبلغ ذروتها في شهر جوان بعدد إصابات قد تبلغ حوالي مليون شخص. وتتجه توقعات أخرى إلى أن نسبة الإصابات قد تصل حوالي 6 بالمائة، وهو مايعني إصابة خمسة ملايين شخص من أصل 83 مليوناً في ألمانيا بفيروس كورونا. وأن التعامل مع المرض سيمثل تحدياً كبيراً للنظام الصحي الألماني، لذلك قرر وزير الداخلية الألماني عدم رفع إجراءات العزل الاجتماعي في الفترة المقبلة.
الخيار الثالث
يطرح الخبراء ثلاث طرق رئيسية لمواجهة الفيروس، أولها: تطوير لقاح وعلاج، وهو ما يعني أن يطول الوضع مدة عام إلى عام ونصف. وثانيها: تطوير ما يكفي من الأشخاص قدراً من المناعة من خلال الإصابة، مما يترتب عنه تواصل الوضع لمدة أكثر من عامين، فربما يكون جزء كاف من المجتمع في تلك المرحلة قد أصيب بالعدوى، بصورة توفر درجة من الحماية. والثالث: تغيير سلوك المجتمعات بشكل دائم، بمعنى التعود والتكيف على الإجراءات المفروضة اليوم لمواجهة الفيروس، وهذا التوجه يفضله العلماء إلى حد الآن.
المشكلة أن وباء كورونا لن يخلف فقط كارثة صحية بملايين المصابين وعشرات الآلاف من القتلى، بل ستكون له أثار كارثية على الحياة النفسية والاجتماعية فضلا عن تدمير الاقتصاد وربما العلاقات الدولية.
ويقدر تقرير الأمم المتحدة فقدان 25 مليون فرصة عمل حول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا. كما يتوقع انحسارا بنسبة 40 في المئة في الاستثمارات الأجنبية عبر العالم. الشيء الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة لاعتبار “كوفيد-19 أكبر تحد نواجهه منذ تأسيس الأمم المتحدة”. وبما أنّ العلماء والخبراء لم يجيبوا بعد بدقة متى تنتهي هذه الجائحة فمن الواجب على الدولة متابعة الإجراءات التي اتخذتها للتقليص من وطأتها وخاصة تنظيم طريقة توزيع المنح والمواد الأساسية. حتى لا تكون تلك الحشود البشرية التي تتراكم أمام مراكز البريد وشاحنات “السميد” سببا في انتشار الوباء وتتحوّل المنحة إلى محنة في هذا الظرف الاستثنائي.
روابط الدراسات غير متوفر
DW
الحرة