تكرّر هذا المشهد في أوج انتشار عدوى فيروس كورونا في قابس خلال هذه الصائفة ولم ترسل منظمة الهلال الأحمر التونسي أية مساعدات للجهة ولم توفر وسائل الحماية لمتطوعي الفرع الجهوي للمنظمة رغم حدة الأزمة الصحية في الولاية، إذ يقول أحد المتطوعين:
الفرع راسل أكثر من مرة الإدارة المركزية من أجل توفير ما يلزمهم للتدخل في الحامة لكن لم يتحصل على أي رد وهو ما جعله يتدخل بما توفر لديهم من موارد ذاتية.
وهو ما أكده وليد الخليفي أمين مال المكتب الجهوي بقابس ل”نواة“ :
الهلال الأحمر بالجهة لم يتحصل إلى حد الآن على مواد الحماية والتعقيم خلال الموجة الثانية لانتشار الفيروس. إذ وعدنا المكتب الوطني منذ مدة بالاستجابة لطلبنا في أقرب فرصة
في المقابل، قال عبد اللطيف شابو رئيس الهلال الأحمر في تصريح ل”نواة“ إن الإدارة المركزية للهلال أرسلت كل المعدات إلى قابس.
هذا التضارب بين تصريحات الرئيس المركزي والمسؤول المحلي يحيل على حدة الأزمة التي تمر بها هذه المنظمة. منذ 4 أشهر، تعطل عمل الهلال الأحمر التونسي بعد إغلاق مقره الرسمي وسط العاصمة بسبب مشاكل داخلية. والسبب تهم بسوء تسيير ضد رئيس المنظمة، وطعنه بدوره عن طريق القضاء في شرعية تنحيته منذ موفى فيفري 2020.
تراخي شابو أم تسرع مفوضية اللاجئين ؟
يرجع المشكل الأساسي للأزمة التي تعصف بالهلال الأحمر التونسي المتمتع بالتمويل العمومي، إلى أواخر سنة 2018، بعد اجتماع في العاشر من ديسمبر بين ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ورئيس الهلال الأحمر آنذاك عبد اللطيف شابو. تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على إمضاء المنظمة اتفاقية مع المفوضية، ووفقا لمراسلة من ”أ. ت“ مسؤول على البرامج في المفوضية إلى شابو في منتصف شهر جانفي 2019، لم يرد رئيس الهلال الأحمر على اتصالات المفوضية من أجل إتمام إمضاء الاتفاقية. وهو ما جعل مفوضية شؤون اللاجئين تنبه رئيس الهلال الأحمر إلى أن المنظمة الأممية لم تستطع صرف قسط من التمويل بسبب عدم إمضاء شابو الاتفاقية وعدم رده على المكالمات الهاتفية، وتسبب ذلك في تعطل توفير مستلزمات المساعدات الموجهة إلى طالبي اللجوء. وأعطى ممثل المفوضية مهلة لرئيس الهلال الأحمر لإمضاء الاتفاقية ولفت نظره إلى أن مفوضية شؤون اللاجئين قد تضطر إلى إيقاف الشراكة وإسناد تلك الأنشطة إلى منظمة أخرى.
وفي مارس 2019، احتج عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء على ظروف إقامتهم في المبيتات المخصصة لهم والتي يشرف عليها الهلال الأحمر شريك المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، حيث اضطر بعضهم إلى المبيت في دورات مياه المبيت بسبب الاكتظاظ. وبعد ثلاثة أشهر فقط من ذلك الاحتجاج، ألغت المفوضية اتفاق الشراكة مع الهلال الأحمر في الحادي والعشرين من شهر جوان.
وحسب مراسلة فسخ عقد الشراكة الذي تحصلت ”نواة“ على نسخة منها، أرجعت المفوضية قرارها بوضع حد للشراكة التقليدية مع الهلال الأحمر التونسي التي تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس الهلال الأحمر، إلى عدم تجاوب رئيس المنظمة مع مراسلات المفوضية وأجوبته المتأخرة عليها، وتأخره في إمضاء ”عقود كراء مقرات مبيتات اللاجئين وطالبي اللجوء وتأخر الهلال الأحمر في تنفيذ الأنشطة المتفق عليها مثل مرافقة طالبي اللجوء واللاجئين وتوفير السكن لهم ومتابعتهم في ولاية مدنين، وهو ما نتج عنه تأخر في توزيع وصولات الأكل للاجئين واستحالة القيام بتوفير سكن لهم بسبب عدم إمضاء الهلال الأحمر على عقود كراء مبيتات لهم وهو ما أدى إلى احتجاجات وفوضى وإتلاف لتجهيزات المشروع المشترك“ حسب نص فسخ العقد.
انعدام الشفافية وتصريحات متناقضة
وبداية من شهر سبتمبر 2019، قامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بمهمة رقابية لصرف الميزانية الممولة منها والتي تقدر بأكثر من مليون دينار سنويا. وحسب مراسلة إلكترونية وجهتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في شهر ماي الماضي، يدين الهلال الأحمر للمفوضية بقرابة 172 ألف دينار، وهي قيمة الأنشطة التي لم تنجزها المنظمة لفائدة طالبي اللجوء، إضافة إلى إلزام الهلال الأحمر التونسي بإرجاع كل المصاريف الأخرى التي صرفت من الميزانية بعد فسخ عقد الشراكة. وفي تصريح ل”نواة“ قال عبد اللطيف شابو:
فسخت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين العقد بسبب طلب الهلال الأحمر إرجاع المعدات التي قدمتها الفدرالية الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر سنة 2011. تلك الخطوة غير قانونية لأنها أحادية الجانب. لقد قدمنا كل البراهين التي تفسر سياق إيقاف الشراكة بين الهلال الأحمر التونسي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
إلا أن شابو رفض تمكين ”نواة“ من التقرير والوثائق التي قدمها لوزارة الخارجية التونسية بخصوص فسخ عقد الشراكة مدعياً أنها ”سرية“.
تطالب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى غاية الآن بتقرير مالي وأدبي للأنشطة التي أنجزها الهلال الأحمر، لكن تعطل إنجاز ذلك التقرير بسبب عدم حصول المدقق الداخلي للهلال على كل الوثائق. ما جعله يطلب من المفوضية في مراسلة إلكترونية بتاريخ 11 ماي 2020، مده بقائمة مفصلة بكل الهبات والتمويلات التي قدمتها المفوضية للهلال الأحمر في العامين 2019 و2020، رغم أنه من المفترض أن يكون النفاذ إلى تلك الوثائق من خلال إدارة الهلال الأحمر. لكن يظهر من خلال مراسلة إلكترونية وجهها المدقق المالي إلى عبد اللطيف شابو رئيس المنظمة بتاريخ 26 جوان 2019، أن شابو يعتبر أن المشروع المشترك بين المفوضية والهلال لا يخضع إلى التدقيق الداخلي، وأن إدارة ذلك المشروع تعود إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. لكن عند استفسرنا له حول الموضوع، أكد عبد اللطيف شابو أن ”الهلال الأحمر التونسي هو من يتصرف في ميزانية المشروع الممول من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين“، مستطرداً بالقول أن ”الوثائق الإدارية لا يتصرف فيها رئيس المنظمة“.
ويقول فاضل غويل الكاتب العام للهلال الاحمر لـ”نواة“: ”الهلال الأحمر خسر تمويلات تقارب مليوني دينار في ظرف عامين بعد إيقاف الشراكة مع المفوضية العليا للاجئين، وبعد عدم صرف قرابة 400ألف دينار وهي جزء من ميزانية مشروع تعزيز القدرات الممول من اللجنة الدولية للصليب الأحمر“. أمر أكدته مسؤولة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر: ”اضطُرّت اللجنة إلى استرجاع جزء من الأموال المخصصة لذلك المشروع سنة 2019، بسبب مشاكل داخلية للهلال الأحمر“.
أزمة التسيير تتسبب في نزاع داخلي حاد
منذ ستة أشهر، بالتحديد في السابع والعشرين من شهر فيفري الماضي، انفجرت أزمة الهلال الأحمر التونسي في العلن حين قرر المجلس الوطني للمنظمة خلال اجتماعها تنحية السيد عبد اللطيف شابو من الرئاسة بأغلبية الحاضرين، بعد قضاء نصف مدته النيابية تقريبا، وهو قرار رفضه شابو فقام برفع قضية استعجالية وقضت المحكمة في 18 مارس الماضي بإيقاف تنفيذ قرارات اجتماع المجلس الوطني حسب وثيقة الحكم الاستعجالي التي تحصل موقع ”نواة“ على نسخة منها ”إلى حين عرضها والبت فيها من قبل الجلسة العادية المقرر عقدها بتاريخ 21 مارس 2020“. غير أن الرئيس المنتخب فتحي بن زكري استأنف القرار على أساس أن نص الحكم لم يستند إلى القانون الأساسي للهلال الأحمر الذي ينص في فصله الرابع والعشرين على أن ”مقررات المجلس الوطني نافذة إذا اتخذت بأغلبية أصوات الحاضرين“ وهو ما حصل خلال جلسة 27 فيفري حيث صوت أغلبية الحاضرين بتنحية الرئيس عبد اللطيف شابو الذي اتهم الحاضرين بتزوير محضر الجلسة، في حين أن مضمون السجل الوطني للمؤسسات نص بتاريخ 16 جوان 2020 على أن رئيس المنظمة هو فتحي بن زكري.
من جهته، نفى شابو وجود أزمة تسيير واعتبر أنه الرئيس الشرعي للمنظمة، وذلك بعد انعقاد جلسة عامة في جوان الماضي وإعادة تركيز ”الشرعية“ من قبل المكاتب الجهوية والمحلية، واتهم شابو في تصريح ل”نواة“ أعضاء من المكتب الوطني بالفساد، وقال إن الملف تعهد به القضاء. من ناحيته، رد فاضل غويل كاتب عام الهلال الأحمر على هذه الاتهامات بالقول :
كان شابو كاتبا عاما مساعدا طيلة ثلاثين عاما ثم كاتبا عاما برتبة رئيس بعد وفاة طاهر الشنيتي الكاتب العام الأسبق في 2017. إذا كانت هناك تهم بالفساد فالأكيد أن شابو ليس بمعزل عنها.
أثرت أزمة إدارة الهلال الأحمر في قيام المنظمة بدورها، رغم أن عبد اللطيف شابو نفى وجود مشاكل تعطل عمل المنظمة، وأدخلت موظفي المنظمة في أزمة اجتماعية خانقة بسبب عدم تحصلهم على أجورهم وعدم التزام المنظمة بدفع التزاماتها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأرجع عبد اللطيف شابو عدم صرف الأجور إلى رفض الموظفين إمضاء وثيقة الحضور وهو ما يعتبر تغيبا عن العمل حسب قوله.
أبواب موصدة وموظفون في الشارع
تشغل الإدارة المركزية للهلال الأحمر الكائنة بنهج أنقلترا 13 موظفا، لكن عملهم تعطل منذ شهر ماي الماضي بعد استبدال أقفال المقر المركزي للهلال. يقول أحد الموظفين في المنظمة لــ”نواة“، فضل عدم الكشف عن هويته خوفا من مقاضاته، إنه وقع استدعاؤه للبحث الأمني بتهمة محاولة خلع المقر بعد محاولته صحبة زملائه فتح الباب، ويضيف ”عملنا متوقف منذ ماي الماضي بعد تغيير أقفال مقر الهلال الأحمر، وهي فضيحة ومأساة في الوقت ذاته، فمنذ ستة عقود لم يسبق أن أُقفلت أبواب الهلال خاصة في ظرف صحي استثنائي“. في المقابل، برر رئيس المنظمة إقفال المقر بسبب القيام بإصلاحات لأنه مهدد بالانهيار. وقال أن الهلال الأحمر راسل رئاسة الحكومة بخصوص ذلك. لكنه رفض مجدداً مدنا بنسخة من تلك المراسلة.
في 29 جوان الماضي، طلبت رئاسة الجمهورية في مراسلة وجهتها إلى الهلال الأحمر توضيحات بخصوص تأخر صرف أجور الموظفين منذ شهر جانفي الماضي، وهو تأخر تعودت به المنظمة منذ 2019، حسب مراسلات تنبيهية متكررة من تفقدية الشغل، ولا يعلم موظفو الهلال مآل الرد على تلك المراسلات أو غيرها التي وجهت إلى وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية، وهو وضع جعل المدقق الداخلي للمنظمة يقدم طلبا في شهر جوان الماضي، لتعيين متصرف قضائي على رأس المنظمة، قوبل بالرفض.
يصر رئيس الهلال الأحمر على أن الجمعية لا تعاني من أية مصاعب وأن مجموعة من الموظفين الغاضبين وبعض ”المنقلبين“ هم من يروجون عكس ذلك، لكن تثبت شهادات متقاطعة ووثائق تحصلت عليها ”نواة“ أن تلك المنظمة العريقة التي بعثت من أجل ضمان حق الفرد في الحياة، تعيش في قلب دوامة من المشاكل منذ قرابة العامين بسبب رئيسها، أبعدتها عن أحد أهداف نظامها الأساسي وهو العمل الإنساني، وأدخلتها مسلكا قد تكون نهايته تدمير ما حصلته تلك المنظمة خلال قرابة نصف قرن من العمل الإنساني.
* اسم مستعار
تم دعم هذا التحقيق من قبل صندوق دعم التحقيقات في شمال أفريقيا وغرب آسيا
iThere are no comments
Add yours