دجيم، يا ولدي الصغير، حين تكبر وتصير شابا، ستعرف لماذا أموت. ليس عندي ما أقوله أكثر من أنني أموت من أجل قضية شريفة، لهذا لا أخاف الموت. حين تكبر يا ابني ستفتخر بأبيك، وتحكي القصة لأصدقائك.
أوغست سبايز
كانت هذه آخر رسالة للصحفي والنقابي أوغست سبايز، كانت زوجته نينا فان زاندت تقرأ بصوت مزلزل وصية زوجها لحظة اقتياده وسط الحشود لإعدامه شنقا في 11 نوفمبر 1887. يومها اهتزت مدينة شيكاغو أمام تواطئ ثالوث رأس المال والبوليس والقضاء الفاسد، بعد اتهام سبايز وعدد من رفاقه بإلقاء قنبلة خلال تصدي العمال لهجوم الشرطة على مظاهراتهم التي اندلعت يوم 1 ماي وتواصلت لأيام مطالبة بتحديد ساعات العمل، ما أسفر عن سقوط ضحايا من بينهم 7 شرطيين ودفعهم لإطلاق وابل من الرصاص على المتظاهرين.
لنحو سنة ونصف، تشبث سبايز ورفاقه ببراءتهم متهمين أصحاب النفوذ وأرباب العمل بشراء البوليس والقضاة لتدبير إحداث الفوضى وسقوط الضحايا. والهدف تشويه النضالات العمالية ومن ثم سجن وإعدام ما تيسر من القيادات لترهيب باقي العمال وثنيهم عن مواصلة النضال.. نجح مثلث القذارة هذا في إعدام سبايز ورفاقه وفي الكذب على مجتمع كان في غالبيته ميالا لتصديق أكاذيب السلطة وبوليسها، مرددين جملة خرفانية مازالت رائجة حتى يومنا هذا: ”إن لم يفعلوا شيئا مؤكد سيطلق سراحهم“.
أعدم وسجن الأبرياء ولم يطلق سراحهم رغم أنهم لم يفعلوا شيئا.. وبعد مرور 11 سنة اعترف أحد قيادات الشرطة بشيكاغو أن من ألقى القنبلة كان شرطيا طلب منه ذلك للتخلص من المد العمالي في المهد ولإيجاد ذريعة لإطلاق الرصاص على المتظاهرين. أمام هول الفضيحة غير ثالوث القذارة تكتيكه لتنويم القطيع وذلك بالنفخ في نقطة صحوة ضمير رجل الشرطة والثناء على شجاعته ونزاهته في كشف الحقيقة. نعم، هكذا كانت السلطة وبوليسها وقضاؤها يتلاعبون بالمجتمعات، فكلما كانت الكذبة أكبر كانت فرضيات تصديقها أقوى.
افتخر طبعا دجيم عندما اشتد عوده ببطولة والده وتناقلت أجيال من النقابيين قصة سبايز في كل أرجاء العالم وثبّت يوم 1 ماي يوما عالميا للعمال. يوم عالمي نحييه هذه السنة في تونس والحركة العمالية مستضعفة مشتتة، تحكمها توازنات وحسابات زادت في تكبيلها. فاتحاد الشغل يعيش على وقع صراعات داخلية وغضب من المرور بقوة في تنقيح الفصل 20 وسلطة مرت إلى السرعة القصوى في تجاهل الاتحاد ومحاولة إلغاء دوره بطبيعة عدائها لكل الأجسام الوسيطة. نحيي الذكرى بنقابيين معزولين اقتنع الجميع بعدالة قضيتهم وحجم المظلمة المسلطة عليهم إلا أن وزارة الثقافة والسلطة لا تكترث، بل تمعن تجاهلا وتشفيا. نحيي الذكرى في بلد يطرد فيه العمال لمجرد اعلانهم تكوين نقابة، في بلد تتعدد فيه النقابات ويخفت صوتها، نحيي الذكرى لنذكّر برمزية غرّة ماي ونشدّ همم الكادحين بالفكر والساعد أن لا طريق للانعتاق من نير الظلم والاستغلال غير النضال ومراكمته والمزيد المزيد منه.
بهذه المناسبة تقدم نواة لقرائها ملفا من مقالاتها وأعمالها الصحفية التي عالجت الشأن النقابي وشرّحت مشاكل النقابات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بأزماته الداخلية ونضالات نسائه ورجالاته.

اتحاد الشغل، صوت عال أم نضال صامت؟
23/10/2024
منذ مارس 2023 صدر قرار عن وزيرة الثقافة السابقة، حياة قطاط القرمازي، يقضي بعزل 3 نقابيين وهم خالد الهداجي، أمامة العربي الزاير و ناصر بن عمارة بعد تبليغهم عن ملفات فساد. النقابيون يتهمون الوزيرة السابقة بالتورط في شبهات فساد و إهدار للمال العام وإحالتهم تعسفيا على مجالس التأديب بسبب كشفهم للملفات، نواة التقت خالد الهداجي أحد النقابيين المعزولين ليحدثنا عن أسباب تواصل المظلمة.
بعد أشهر من التحركات والتحذير، شرعت المعارضة النقابية بالاتحاد العام التونسي للشغل في تنفيذ اعتصام مفتوح بداية من 25 جانفي ببطحاء محمد علي. المعارضة النقابية تطالب برحيل المكتب التنفيذي للمنظمة برمّته ورفع العقوبات التي سلّطت عمن عبّر عن رفضه لضرب الديمقراطية الداخلية والانفراد بتسيير المنظمة الشغيلة.
iThere are no comments
Add yours