عشر سنوات
2006-1996
في حياة اللـّجنة
من أجل اِحترام الحرّيات وحقوق الإنسان
في تونس

ورقة تقديميــّــة

في التـّأسيس:I

مثـّل تأسيس اللجنة في باريس تتويجا لجهد دؤوب لمجموعة من المناضلات والمناضلين، من التونسيين وغير التونسيين ،قصد المساهمة من موقعهم في توسيع رقعة النضـال من أجـل اِحترام الحريـات وحقوق الإنـسـان في تونس.حيث كانت الحاجة ملحـّة لكسر الطـّوق الإعلامي ولحشد التأييد والتـّضامن الأروبي والدولي ﻠﻬﺫﻩ المعركة الأساسية ضدّ الاستبداد، خاصـّة وأنّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت في تلك الظـّروف، تحتاج إلى مبادرة عاجلة لمساندتها في نضالها وحماية اِستقلاليتها و وجودها.

وللتأسيس اِعتبارات ودواعيَ عديدة ،من أهمـّها:
ـ أوّلا: حالة الانغلاق الكامل لنظام الحكم في تونس وتفاقم اِنتهاكاته لحقوق الإنسان، وسقوط آخر الأوهام المعلـّقة عليه لدى قطاعات واسعة من النـّخبة. إﺫ شمل اِضطهاده مخـتلف المعارضات و عددا من النشطاء والديمقراطيين وكل ” الخارجين عن الصـّف”،بعد أن شنّ حملته الاِستئصالية ضدّ المعارضة الإسلامية وما خلـّفته من مآسي.
ـ ثانيا: الظـّرف الدّقيق اﻠﺫي مرّت به الرّابطة التونسية إثر مؤتمرها الرّابع سنة1994 ،وما خلـّفه من اِنقسامات وضعف وشك،أضرّ بطليعة ورمز الحركة الحقوقية المستقلـّة في تونس.
ـ ثالثا: بروز حاجة أوساط غير حكومية وحكومية غربية عديدة ،لفهم الأوضاع في تونس،حيث تزايد الاِهتمام الدولي ب”نموﺫج الاِستقرار في تونس” بالنـّظر لهشاشة واقع جيرانها ولبؤَر التــّوتر الإقليمي هناك.
وممّا زاد في ضبابيّة الرؤية النجاح النـّسبي للدّبلوماسية التونسية ، وﺫﻟﻚ باِنتهاجها سياسة التضخــّم الخطابي في ما يخصّ ملفّ حقوق الإنسان والحرص على تعزيز قيم الحداثة، و”أسبقيـّة النظام في صدّ الخطر الصـّاعد للأصوليـّة و التطرّف الدّيني في تونس وفي المنطقة”. ﻫﺫا بعد أن رصدت السـّلطات أموالا طائلة، و بعد أن بعثت أجهزة إستخباريـّة ودعائيـّة متخصـّصة، في أغلب العواصم الغربية, من شاكلة “وكالة الاِتـّصال الخارجي” السـّيئة اﻠﺫّﻜﺮ، وكمّا لا يُحصى من الجمعيات العميلة المستترة وراء غطاء غير حكومي… لمحاصرة النضالات في المهجر والتشويش عليها، وحتى القصاص من رموزها وتسويق واقع مقنــّع في محاولة للتغطية على حقيقة القمع المنهجي و الاِضطهاد المبرح.
ـ رابعا: حـَدثُ إمضاء عقد الشـّراكة بين الاِتــّحاد الأوروبي وتونس سنة1995 وما وفــّره من آفاق تحرّك جديدة. على حركة حقوق الإنسان الاِنتباه ﻠﺫلك، وأﺨﺫ موقعها منه واِستثماره كآليــّة، وكنقطة اِرتكاز لاِختراق الدّيـبلوماسية الرّسمية ومقارعتها في عقدة أساسية من شبكة التـّحالفات الدّولية للنظام التـّونسي.
لم تكن ﻫﺫه العناصر والاِعتبارات كافية لوحدها لخوض مغامرة التــّأسيس، لولا الوعي بها مُجَمـَّعة، وبأبعادها من طرف المؤَسـَّسين، إلى جانب رصيدهم النــّضالي السّابق والعلائقي في المهجر، ومع الفعـَـاليــّات الأساسية في الدّاخل.

اللــّجنة فاعل جديد وممرّ للعبور: II

هيكلت اللـّجنة عملها ﻤﻧﺫ البدء، بالاِرتكاز مـُزَاوَجَةً، على معطيات وأحداث وديناميـّات الداخل التونسي من جهة، وعلى الفرص والمساحات التي تتيحها الأَجــَنــْدَة الخارجيّة الفرنسية والأوروبية والدّولية، على مستوى الرأي العام أو في علاقة بمختلف المؤسـّسات من جهة ثانية. في ﺫﻠك كنــّا مضخـّم الصوت والمبادر على صعيد الإعلام الخارجي، وجسر الوصل بين الفاعلين هنا وهناك، وﺫلك بهدف حشد التـّأييد الدّولي واِختراق التـَّعتيم الإعلامي وللتـّخفيف من وطأة الحصار والقمع المستهدف للنـّشطاء. فساهمنا في ضمان الحدّ الأدنى لحمايتهم، إلى جانب إكساب معاني وأبعاد لنضالهم المحلـّي.

ساعدت اللـّجنة بالقدر المستطاع في تعبئة الإمكانيـّات المادّية والسياسية، وبتوظيف علاقاتها والمواقع التي يحتلـّها منشـّطوها وأصدقاؤهم بــُغــْيَة مساندة الحركة الحقوقية والمدافعات والمدافعين عن الحرّيات في تونس… حتـّى أضحى الحال أحسن ممـّا كنـا عليه، وﺫلك في مستويين على الأقلّ:

٭الأوّل: فعلى الرّغم من أسبقية النــّظام التونسي واِستفراده بالسـّاحتين؛ الدّيبلوماسية والإعلاميـّة الخارجية، والإمكانيـّات المادّية الهائلة المرصودة ﻠﺫلك، نجحت اللـّجنة مع غيرها، في تفعيل نضالات وتضحيات الدّاخل. وتمكــّنا من اِفتكاك زمام المبادرة، وتسجيل نقاط نوعيـّة أكيدة على حساب الدّكتاتورية، في هاتين السـّّاحتين باﻠﺫّات.

حيث سجـّل الجميع العزلة الخارجيـّة النـّسبية التي أصبح عليها النـّظام التونسي، بعد أن اِفـتضحت طبيعته الإستبدادية، وتعرّى خطابه المزدوج لدى شركائه و في نظرأغلب الملاحظين والمهتمـّين بالشأن التونسي.

٭الثــّاني: إﺫ كسبت حركة حقوق الإنسان، وبصورة أوسع حركة الاِحتجاج التــّونسية مساحات ومداخل جديدة، وأصبح لرموزها من النــّساء والرّجال علاقات مباشرة وحتــّى شخصيّة،رفــّعت من شروط الفعل والتــّأثير، في مجالات الإعلام الخارجي المـُضادّ وعند تدخـّلهم لدى المؤسـّسات والتــّجمعات الشـّريكة أوالمعنيــّة على الأصعدة الإقليميــّة والدّولية والأمميـّة.

اِعتبرت اللـّجنة على الدّوام، وقوفها إلى جانب ضحايا القمع السـّياسي، عنصرا محوريا لدورها ونشاطاتها: فإلى جانب المجهود الإعلامي حول الاِنتهاكات، نظـّمت اللــّجنة بمفردها أو مع شركائها، ـ و في علاقة مع عدد من الأحداث ـ بعثات ووُفودا لمحامين ولبرلمانيــّن ولشخصيـّات مدنيـة وسيـّاسية وإعلاميـّة صديقة، لمواكبة المحاكمات السـّياسية وللتــّضامن مع قطاعات أو شخصيـّات مستهدفة أو لتقصـّي الحقائق وإعداد التــّقارير.

ولأنّ الاِستبداد أمعن في عنفه ضدّ خصومه، تراكمت المظالم وتوسـّعت فخلـّفت نتائج مأساويّة، كان لا بدّ من ﺒﺫل مجهود توثيفي وتحسيسي مـُضـََاعف، وطرق أبواب جديدة للتـــّشهيروالتـّظلم ، فاِستجبنا بصورة مبكـّرة، لمساعدة مئات اللاجئين والمـُهجــَّرين، وجمـّعنا الشـّهادات، كما أصدرنا كتابا يوثق لجرائم التــّﻌﺫيب، وكرّاسات حول سياسة العقاب الجماعي التي شملت عائلات وأهالي السـّجناء والنــّشطاء، إلى جانب تقارير متعدّدة حول واقع السـّجون وإشكاليـة العفو التــشريعي العام، أو ما نحن بصدده في ما يخص العدالة والمظلمة المسلــّطة على جمعيـّة القضاة في تونس.

كما بادرت اللـّجنة مع شركائها في تونس، وعلى الصـّعيد الدّولي بتفعيل عديد الآليات الدولية والأممية، حيث أمكن بفضل ﻫﺫا

التــمشــّّي من اِستصدار قرارات وإدانات، ضدّ النــّظام التونسي، من البرلمان الأوروبي ولائحته الأولى سنة 1996 وما تلاها على مستوى مختلف الآليــّّات الأوروبية، أو تلك المبادرة النــّوعية سنة 1998 على مستوى اللـّجنة الأممية لمناهضة التــّﻌﺫيب،وقبلها وبعدها ما سجــّلناه من قرارات على مستوى مجموعات العمل الأمميــّة، الخاصـّة بالإيقاف الاِعتباطي أو التــّعسفي، أو ما ساهمنا به على مستوى التنظيم والتــّنسيق مع أطراف المجتمع المدني، بمناسبة زيارة المقرِِّر الأممي الخاصّ بحرّية التــّعبير والإعلام في تونس مع نهاية 1999، إلى جانب ما تحقـــّق في علاقة بالمفوّضية الأممية الســّامية لحقوق الإنسان.

ولم يكن الإسهام ﺒﻫﺫه المجهودات ممكنا ، لولا المساعدة وروح الشــّراكة التي وجدناها لدى عديد الصــّديقات والأصدقاء من تونس وخارجها.

ولعلّ ﺫُرْوة ما بلغته تعبئة السـّاحة التونسية في تلك الفترة السـّابقة لمنعطف 11سبتمبر2001، هي بعض المحطـّات والعلامات التي من المفيد اﻠﺘــّﺫكير بها وكشف مساهامات اللـّجنة فيها أو من خلالها:

٭الأولى: تخصّ الصّدى الإعلامي غير المسبوق اﻠﺫي تميــّز به إضراب جوع الصّحفي “توفيق بن بريك” (أفريل 2000 والأشهر اللاحقة) والحركة السياسية والحالة التــّعبوية التي ولـّدها محلـّيا ودوليا، وهو الحدث التي تجنــّدت له اللـّجنة ـ على الرّغم من عديد الملاباسات ـ وساهمت بقسطها المادّي والسـّياسي لتفعيل ﻫﺫا الحدث وتوظيفه لدى الجالية التونسية وأوساط ومؤسسات فرنسية وأروبية عديدة ، وﺫلك من منطلق خدمة المعركة العامة من أجل الحرّية والديمقراطية.

٭الثانية: نعني بها الدّينامية الجديدة التي اِنضافت إلى السـّاحة النــّضالية التونسية، مؤشــّرة على استنهاض ووعي بأهمـّية الفاعل السياسي، إﺫ عشنا مبادرات ونقاشات تهدف إلى تصحيح المعادلات السـّائدة في صلب المجتمع المدني والسياسي، وباﻠﺫّات في ما يخصّ العلاقة بين الكتلتين؛ الحقوقيةمن جهة والسياسية من جهة ثانية، مثــّلت دلالات قوية في مسار اِستعادة السياسي لموقعه الرّيادي، وتحويل الحالة الدّفاعية والاِحتجاجية إلى قوّة مرشــّحة للمعارضة السياسية الوطنية ضدّ نظام الحكم: ومن علامات ﺫلك ﻤﻧﺫ مارس2000،مجموعة البيانات والعرائض والحوارات التي أطلقتها عائلات سياسية وشخصيات وطنية متنوّعة.
تابعت اللـّجنة تلك التطورات عن قرب، و شرعت من حينها في الاِستعداد للتـّفاعل مستقبلا مع شركاء جدد ﺫوي طبيعة سياسية وحزبية، بكل ما يترتـّب عن ﺫلك من استحقاقات.

٭الثـــّالثة: بداية وقوفنا على إحدى نتائج النــّضالات والتــّضحيات الجماعية المتعدّدة الأبعاد، طيلة السـّنوات السـّابقة، والمتمثــّلة في التوصـّل إلى اختراق الطـّوق الإعلامي وإلى تدشين التــواّصل مع أوسع فئات الشــّعب التونسي، حيث ﻴﺫكر الجميع الصـّدى الجماهيري اﻠﺫي لقـيته النــّضالات التونسية، من خلال الحضور الكثيف، في تلك الفترة باﻠﺫّات(99ـ2001) لرموز تونسية معارضة على التلفزات الأروبية والفضائيــّات العربيـّة (المستقلـّة، الجزيرة…) الواسعة الاِنتشار في تونس، إلى جانب حضور الخبر والمقال والتــّغطيات، في أضخم الإﺫاعات والصـّحف العربيـّة والعالمية.

٭الرّابعة: نجاح أوسع تعبئة وطنية ودوليـّة،اِمتدّت بصورة مخططة ﻤﻧﺫ صائفة سنة 2000 إلى قيام المؤتمر الوطني الخامس للرّابطة التــّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان، في أكتوبر سنة2000، حيث كانت التــّحديات كبيرة، باِعتبار مخلـّفات مؤتمرها الرّابع بالخصوص. ساهمت اللــّجنة من موقع متقدم في إنجاح المؤتمر الخامس وﺫﻠك من خلال الشــّراكة التي أرسيناها ا مع قياديين بارزين في الرّابطة ومع كلّ رموز الحركة الحقوقية و الديمقراطية التونسية والدولية المعنيـّة، فعقدنا اللقاءات ووفـّرنا شروط الوفاق بين الفرقاء وعبـّأنا الإمكانيـّات المادّية و البشريـّة لتنظيم ندوة مهمـّة بالمغرب الأقصى، جمعت الفعاليـّات الأساسية المعنية بإنجاز المؤتمر وإنجاحه.

تعديلات ضرورية في ظل أوضاع جديدة ومعقــّدة:III

لا يستقيم أمر ﻫﺫه الورقة التــّقديمية للـّجنة، بمناسبة اﻠﺫّكرى العاشرة لتأسيسها، إن نحن أهملنا الإشارة إلى المنعرج المفصلي اﻠﺫي شكـّلته أحداث 11سبتمبر2001،ومجمل تأثيراتها المدوّّية على الأصعدة المحلـّية،الإقليمية والدّولية، وﺫﻠك من زاوية الضّربة الهائلة التي لحقت التــّّوازنات والعلاقات الدّولية، وتلك الأجواء المشحونة التي اِشتعلت تحت وطأتها، مـُلحـِقة أكبر الضـّرر بفكرة حقوق الإنسان ﺫاتها، أمام الأولوية المطلقة التي احتلــّتها هواجس الأمن والاستقرار. مثــّلت تلك العملية الإرهابية الشــّنيعة فرصة للدّكتاتوريــّات المتنفـّﺫة في كلّ مكان، وللدّيمقراطيات الغربية وعلى رأسها الولايات المتــحدة، للتـّراجع عن مكاسب تاريخية هامـّة في مجال الحرّيات العامّة والفردية.

أمّا على مستوى العلاقات الدّولية، فقد سارعت حكومات تلك الدّول إلى القيام بمراجعات لا أخلاقية لتحالفاتها،وﺫلك على حساب القيم والمبادئ الإنسانية والدولية المشتركة،حيث أعلنت الولايات المتــّحدة وبمشاركة أعرق الديمقراطيات حربا كونية ودائمة على الإرهاب، فإﺫا بالأنظمة الاستبدادية العربية ـ ومنها النــّظام التــّونسي ـ تجد في ﻫﺫه الظروف ما يسمح لها بتجديد بكارتها، وبالخروج من عزلتها النـّسبية واِسترجاع زمام المبادرة على المستويات الدّبلوماسية والإعلامية بالخصوص. واِحتلـّت الحكومة التـّونسية ﺒﺫلك مكانة لا بأس بها ضمن “حلف الخير”، فاِستأنفت متظلـّلة بتلك الحصانة، أَََجَنــْدَتها المؤجـّلة قصد مقاومة “حلف الشــّر”، بدفن ما تبقــّى من دستور البلاد وتنظيم مهازلها الانتخابية وخوض ـ مستنفرة أجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية ـ حربا شاملة، هي الأخرى، ضد كلّ أشكال الممانعة واﻠﺫّكاء : كرابطة حقوق الإنسان والأساﺘﺫة الجامعيـّين والمحامين والقضاة والصحفيـّين و شباب الأنترنات… إلخ. كما أعطت مباركتها لأكبر حملات تسريح العمـّال وغلق المؤسـّسات بمختلف جهات البلاد وواصلت بلا حياء في التــّستــّر على عصابات الفساد ونهب خيرات تونس.
فنتج عن ﺫﻠك تعمـّق اِختلال موازين القوى، بين الحكم من جهة، وبين المجتمع وقواه المدنية والإصلاحية من جهة أخرى.

إن الوقع كان كبيرا ومضاعفا على لجنتنا، بحكم موقعها، وطبيعة رسالتها والأدوار المناطة بعهدتها.
حيث خلـّف ﻫﺫا المنعطف تأثيرات سلبية على المحيط اﻠﺫي نعمل فيه وعلى علاقاتنا مع المؤسـّسات الاروبية والدولية… خاصّة وأنــّنا كنــّا نعمل بمبدأ الدّفاع على جميع ضحايا القمع والظـّلم، بمن فيهم مناضلات ومناضلو المعارضة الإسلامية.ولانّنا نعتقد في أهمـّية وشرعية الرّهان على مسار اِندماج الإسلام السـّياسي المعتدل كطرف في معادلات الاِنتقال الديمقراطي السـّلمي في المنطقة العربية والإسلامية،ومنها تونس.

عشنا كغيرنا، حالات شخوص ومساءلة للمفاهيم،وصلت بنا أحيانا إلى حدّ الإحباط، خاصّة وأنّ “الزلزال” رجّ قيما ومعايير كثيرة، كنـّا نعتبرها مقدّمات ومكاسب نهائية، في مسيرة البشرية نحو إرساء سيادة العدل وعلويـّة القانون وأولوية حقوق الإنسان.
وكان لا بدّ للـّجنة من اِستئناف نشاطها واِستعادة موقعها كاملا، على الرّغم من وطأة أثقال الظـّرف.

سعينا مع شركائنا ومع القوى المتنوّرة هنا وهناك، لاِستنهاض روح الشـّراكة بيننا، كما أعطينا لأنفسنا فسحة للتــّفكير والتــّركيز من جديد على عقلنة موقعنا ودورنا وأولويـاّتنا، إلى جانب المراقبة اليقظة للمستجدّات في تونس أوفي أروبا.

أطلقنا بعد ﺫلك مسلسل التقيـيم لتجربتنا, و أردناه تقييما تــّعدديا و مفتوحا, على نفس الدرجة, لأعضائنا وأصدقائنا وشركائنا في الدّاخل والخارج. ثم أنجزنا حوصلة تأليفية لكلّ تلك المساهمات والآراء التي أجمعت على حيويـّة المحافظة على اللــّجنة واِعتبارها مكسبا لكامل الحركة الحقوقيـّة والديمقراطية التونسية. كما ساعدتنا تلك المحطـّة التــّقييميـّة على التـّعرّف بصفة دقيقة على اِنتظارات الدّاخل الجديدة والمتزايدة، وأعانتنا على إجراء التــّعديلات الضــّرورية على طبيعة دورنا،ومنهجيـّة وآليـّات إنجازه.
فرسمنا أربعة محاور أولويـّة لتدخـّلنا في المستقبل وهي:

ـ مسألة العدالة واِستقلال القضاء والمحاماة.
ـ ملفّ المساجين السـّياسيـّين ومطلب العفو التـّشريعي العام.
ـ محور الإعلام وحرّية الرّأي والتـّعبير.
ـ إلى جانب ملفّ الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية والثــّقافية.

كما وسـّعنا في رسالة اللـّجنة، للاِشتغال في مسألة الدّيمقراطية بما يعنيه من فتح شراكتنا على الفعاليـّات السـّياسية والحزبية العاملة في الدّاخل، وتلك الصّديقة والمتضامنة في الخارج.

وعقدنا العزم على توفير أقصى الإمكانيـّات المادّية والتـّنظيمية واللــُّوجـِسـْتيكيـَّة اللازمة ﻟﻬﺫه المساحات والحاجيـّات الجديدة.

فإلى جانب وظيفتنا الأصلية في مجال الحقوق والحرّيات، وما تقتضيه من مبادرات في قطاعات الإعلام والنـّشر و الاِتـّصال وتنظيم الحملات و حماية المدافعين ، تميـّز نشاط اللـّجنة ـ خاصـّة خلال الأربع سنوات الأخيرة ـ بإيلاء العنصر الديمقراطي في تونس مكانة واعية. وفـّرنا الفضاءات ونظـّمنا النـّدوات السياسية الكبرى بفرنسا وخارجها، سواء باِتـّجاه الرّأي العام أو صنـّاع القرار. فضـّلنا في أدائنا ﺫلك الاِنفتاح على كلّ التـّعبيرات السياسية الديمقراطية و المعارضة دون أيّ اِستـثـناء أو إقصاء.وتعهّدت اللـّجنة على ﻫﺫا الصّعيد بتسهيل اللـّقاءات، مِستثمرة رصيد المصداقيـّة التي تحظى بها على السـّاحة الدّّيمقراطية والحقوقيـّة التـّونسية والأوروبية لتلعب دور الميسـِّر الحريص على مراكمة “نقاط الاِلتقاء”، بغاية توسيع آفاق النـّضال التونسي من أجل الحرّية، و الترفيع من أثره. نكتفي هنا بالإشارة للنـّدوات التـّي نـُظـّمناها، ومن بينها :ندوة 18ماي2002 بباريس السـّابقة للاِستفتاء على الدّستور، أو ندوة 16أكتوبر2004 بباريس، قبيل الاِنتخابات الرّئاسية والتـّشريعية في تونس، أو تلك التـّي عـُقدت في 2ـ4 جوان2005 بالبرلمان الأوروبي ببـْروكسيل حول اِتـّفاقية الشـّراكة الأورو ـ تونسية، أو الحملة الضـّخمة التـّي نظـّمناها بأوروبا من 12 الى 17 ديسمبر2005، إثر القمـّة العالميـّة حول مجتمع المعلومات،و إضراب جوع 18أكتوبر2005 في تونس،الخ.

لقد اِلتزمنا في كلّ “المحطـّات” التـّي نظـّمناها باِحترام ثلاثة مبادئ، وهي:

ـ عدم استثناء أو إقصاء أيٍّ من مكوّنات المعارضة الوطنية والقوى الحقوقية و المدنية التونسية المستقلـّة و الجادّة.
ـ ضرورة تشريك القوى والأطراف الصّديقة الفرنسية والأوروبية في معركتنا ورفض تناول الشأن التونسي في دائرة “تونسية/تونسية”مغلقة.
ـ ﺒﺫل ما بوسعنا ، قصد جمع الفاعلين السياسيين إلى جاب الأطراف الحقوقية والمدنية على نفس المائدة، عند كل معالجة للشأن الوطني في تونس.

كما أنّ اللـجنة تعتزّ بمساهماتها على المستويين المغاربي والعربي، وما اِكتسبته من خبرات وراكمته من علاقات في ﻫﺫه المساحات الحيويـّة. فتعزّزفهمنا للتـّشابك المتزايد للحالة التونسية مع ما يرسم من إستراتيجيـّات دولية ،أصبحت تطرح بقياسات المناطق والأقاليم. ومنها مايخطـّط لكامل المنطقة المغاربية والعربية.

ساعدت اللـّجنة الفعاليـّات المدنيـّة التـّونسية على اِحتلال مكانة بارزة في صلب الدّينامكيـَّات والفضاءات الإقليمية والعالمية الجديدة(كالمنتديات المدنيـّة والإجتماعية)، كما أنـّها لم تتخلـّف عن

المشاركة في تأسيس واِستثمار مسلسل اللـّقاءات و ورشات التـّفكير حول قضايا ومشاريع الإصلاح الدّيمقراطي في المنطقة. كما أنـّها ساهمت في بعث شبكات عمل مشترك عربية ومغاربية و أورومتوسطية مثل الشبكة الأوروالمتوسطية لحقوق الانسان ،التـّنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان أو المنتدى الإجتماعي المغاربي، في سياق اهتمامنا بالحركة المواطنية العالمية المناضلة من أجل عولمة بديلة.

في نفس الاتجاه وحتى يستوعب النضال الديمقراطي في تونس ﻫﺫا البعد، مااِنفكـّت اللجنة تساند المنتدى الإجتماعي التونسي بصورة نشيطة ، ﻤﻧﺫ بلورة الفكرة ، و في كلّ المراحل التي تلت ﺫلك.
واللـّجنة عازمة على مواصلة دورها والمساهمة من موقعها، وبخصوصيـّاتها، في معركة الحرّية والحقوق و”دَمَـقـْرَطـَة” البلاد.وهي تلتزم بالمحافظة على توجـّهاتها الأساسية وبالوفاء بتعهـّداتها تجاه شركائها، على السـّاحتين المدنية والسياسية، في تونس وخارجها.

نحن ملتزمون بالمطالب المركزية الثلاثة التي اجتمعت حولها هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات وهي المطالب اللا ّزمة لتحرير الحياة السـّياسية في تونس، وضمان أدﻧى شروط المواطنة للتـونسيات والتـّونسيين.

لذلك نحن شركاء و معنيـّون بشد أزر كل قوى الممانعة والاحتجاج المتنامية في مختلف القطاعات.وأمّـا عن الدّور اﻠﺫي نأمل في تحقيقه و عن كيفيـّة تعاملنا مع الظّـروف المحيطة بنا، فلقد تعهـّدنا برفض كلّ أشكال الإقصاء والمحافظة على اِستقلاليـّتنا وحرّيتنا في التـّعامل مع كلّ مكوّنات وشخصيات الفضاء السيـّاسي والمدني الدّيمقراطي والتـّقدّمي في تونس، دون أيّ اِعتبار للخلافات الإديولوجية أو تلك الظـّرفية أو المصطنعة، ولن نساهم في أي فرز تعسـّفي،ولا في بناء المحاور الوهمية ،
على حساب أولوية الأولويات :بلورة أوسع الالتقاءات الكفاحية من أجل الحرية للجميع وإنهاء الاستبداد.

أمّـا عن ما يثيره ﻫﺫا التـّموقع من حملات عدائيـّة وتخوينيـّة، من جانب نـظام الحكم التـّونسي وﺫيوله هنا وهناك،فهو أمر لا نعيره أدنى اِعتبار،إﺫ أنّ اللـّجنة، وﻤﻨﺫ الوهلة الأولى،اختارت وبصورة نشيطة المساهمة في اِخـتراق خطـّين أحمرين تمترس وراءهما النـّظام لإرهاب خصومها و أشهرهما لتسويق صورته في الخارج وللتـّعتيم على اِستبداده في الدّاخل:
ساهمنا مع غيرنا في إكساب لائحة مطالب الحرّيات والدّيمقراطية، أصداءً خارجيـّة أكيدة، وللزّعامات والنـّشطاء في تونس علاقات دولية، شكـّلت جميعها ملامح وعلامات لسياسة خارجيـّة بديلة على حساب الدّيبلوماسية الرّسمية. فزعزعنا ﺒﺫلك الخطّ الأحمر الأوّل، وأبطلنا نسبيا مفعول “فزّاعة العمالة والخيانة الوطنيـّة”.
أما الخطّ الأحمر الثـّاني، اﻠﺫي حاولناـ مع غيرنا ـ اختراقه وإضعاف تأثيره، فيخصّ بداية التـّطبيع مع “غولْ” المعارضة السياسية الإسلاميـّة، تلك اﻠتي صنـّفها النـّظام ـ بطبيعة الأمر ـ في “خانة العنف والإرهاب”، فحلـّل دمها، وحرّم على المجتمع الدّفاع عن حقوقها السياسية وحتى الإنسانية…

عملت اللـّجنة من منطلقات مبدئية،في واضحة النهار، على رفع ﻫﺫا الحضر، وتيسير خطوط الوصل والحوار والشـّراكة النـّضالية المفتوحة للجميع،من أجل حقوق وحرّية الجميع.

واليوم،لمّا قرّرنا الاِحتفال بعشريـّة تأسيس “اللّجنة من أجل اِحترام الحرّيات وحقوق الإنسان في تونس”، اِخترنا دعوة الصّديقات والأصدقاء إلى مقاسمتنا لحظة سعادة، وإلى مشاركتنا اِنشغالاتنا،إﺫ ننظم ورشة تفكير ونقاش حول موضوعين جديرين بالمراجعة ومكافحة وجهات النظر حولهما،:

٭الأوّل: النـّظر معنا من جديد، في الإشكاليـّات التي تثيرها “اِتـّفاقية الشـّراكة الأورو ـ تونسيـّة”، من وجهة نظر المجتمع المدني، والتـّساؤل على مدى مشروعية وسلامة الاِنتقال من “إستراتيجية المواكبة النقدية إلى إستراتيجيات أخرى و للنظر معنا في حظوظ وجدوى الدعوة للتعليق الجزئي أو الكلي ﻟﻬﺫه الاِتـّفاقية

٭الثـّاني: النـّظر مع اللـّجنة في إشكالية الاِنتقال الدّيمقراطي في تونس، من زاوية العوائق المباشرة، ولبلورة مسارات وربما إجابات عملية لتخطـّي التعطل الراهن.كما يهمنا التـّداول حول موقع حركة حقوق الإنسان من ﻫﺫه العملية السياسية.

وباِختيارنا هاتين الإشكاليتين، أردنا، الخوض بوعي في مسائل شائكة، وفتح النـّقاش حول مواضيع، لم يحسم أمرها التفكير السياسي، لا بإجماع ولا باِختلافات واضحة.

كما أنّ حرص اللـّجنة على الحوار التـّعددي المفتوح ،قصد مناقشة هاتين المسألتين، هو في الحقيقة حرص على الاِستفادة والاِستعانة بالإضافات المرتقبة،لتـُحـْكـِم ﺒﺫلك إستراتيجية تدخـّلها ولتدقيق شعاراتها في ﻫﺫين المجالين المُهَيْكِلين لجوانب مهمة من نشاطها، مستقبلا.

وحتى لا نختم:

وإن أنجزت اللـّجنة ما أنجزته، ﻓلأنها كانت بالتأكيد، إجابة مناسبة ، في وقت مناسب. وﻛﺫلك لمزايا الفكرة الإصلاحية المتأصّلة لدى منشـّطاتها ومنشـّطيها ، ودون شكّ إلى المنهاج الوفاقي التـّجميعي اﻠﺫي سلكته، والقاضي بعدم المفاضلة أوالإقصاء.

إنّ مشوار اللـجنة مشوار إنساني وارادي بالأساس، فكيف لها أن تكون غير ﺫلك، وهي التجربة التي توفقت في توفير إطار، انصهر في صلبه مناضلات ومناضلين، قد جاؤوا من مشارب فكرية وسياسية مختلفة، و حتى متعارضة أحيانا، ومن مواقع وجنسيات متعدّدة ، وجمعت شخصيات وﺫوات قوية الواحدة كما الأخرى…

نحن بالفعل بصدد مغامرة إنسانيـّة، ما كان لها أن تبدأ وأن تتواصل لولا صلابة روابط الودّ والثقة والاِحترام، بين الطاقات التي تداولت في صلبها أو عملت معها.

باريس ديسمبر 2006