أصداء المدونين المتمردين

بقلم سامي بن غربية

لقد حرصت الزميلة الصحفية المصرية عبير العسكري على أن يتعرض برنامج قلم رصاص (2 مارس 20006) الذي يبثه تلفزيون دبي و يقدمه الصحفي حمدي قنديل لموضوع المدونات العربية المتمرّدة خاصة بعد الحكم بالسجن لأربع سنوات على المدوّن المصري كريم عامر بتهمة التهجم على حرمة الإسلام والرئيس حسني مبار. على هذا الأساس تم استدعائي إلى هذا البرنامج إلى جانب المدوّنة السورية ركانة حمّور صاحبة مدونة “قصتي” و المدوّن المصري رامي صيام صاحب مدونة “يا صبر أيوب“.

و قد كانت حقا مناسبة رائعة أتاحت لي فرصة التعرف على إنسانين لطيفين، لكل منهما تجربته مع التدوين، و محنته مع الملاحقات الأمنية التي تجيدها أنظمتنا العربية التي، على اختلافها و فرقتها، إتفقت على مصادرة الكلمة الحرة حماية لدويلات الفساد الإداري و السياسي و المالي التي شيدتها.

فالسيدة ركانة حمّور تم اختطافها من منزلها خلال شهر رمضان الفارط و سيقت بملابس النوم في الشارع مكبلة بعد أن شهر في وجهها و وجه أبنائها الصغار السلاح الذي كان يحمله عناصر الأمن الجنائي.

عملية اختطاف السيدة ركانة، في 15 أكتوبر 2006، و التي تمت دون أي أمر قضائي، كانت على خلفية التجائها إلى التدوين، بعد أن عجزت عن متابعة حقها عدليا، لفضح عدد من رموز الفساد الإداري و البنكي و القضائي الذين سلبوا منها حقها في وراثة أبيها الذي كان يُعد من أكبر وأشهر أصحاب رؤساء الأموال في الجمهورية السورية. فنظرا لوجود خلاف عائلي بينها و بين إخوتها تم حرمان ركانة من نصيبها الشرعي و الذي يبلغ الخمسمائة ألف دولار أمريكي, و تمت عملية سلبها من حقها بتواطئ مسؤولين كبار في الدولة السورية كوزير العدل السوري. و قد تعرضت السيدة ركانة لمضايقات عديدة من جهات مرتبطة بملف الفساد القضائي، فحسب تقارير أصدرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تم استدعاء ركانة مرة أولى يوم 20 -12- 2005 للمثول أمام المحكمة بسبب مقالتها “عفوا أيها الفساد” التي كشفت فيها السرقات التي تعرضت لها مدعومة بوثائق ومستندات تبين تزوير توقيع والدها قصد حرمانها من تركته.

الشجاعة التي تسلحت بها ركانة في مواجهة آلة الفساد المالي و الجبروت الأمني السوري تعد من ألمع نماذج ملحمة التدوين العربية. هذا على الرغم من أن ركانة حمّور لم تلق أي دعم معنوي من وسائل الإعلام الغربية المُدمنة على تغطية “المدونين النجوم” و لا حتى من وسائل الإعلام البديلة التي لم تكتب عنها ولو حرفا واحدا، على عكس قناة الجزيرة التي أذاعت خبر اعتقالها. بل أن المنظمات العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان و حرية التعبير لم تلتفت لحادث اختطاف المدونة السورية ركانة و باتت كالإعلام مولعة بالدفاع عن “المشهورين” أو “المؤهلين للشهرة” من بين المدونين من مصر و البحرين و السعوية و إيران الذين نجحوا إلى حد كبير في اختطاف الأضواء و التربع على عرش “التدوين الشرق أوسطي” إلى درجة أستحال معها الحديث عن ظاهرة التدوين في بلدان المشرق و المغرب دون الحديث عنهم. و هذا راجع لأسباب يطول ذكرها في هذه التدوينة، أقلها حركيتهم و ارتباطهم العضوي بحركات التغيير، و أهمها إستعمالهم للغة الأنجليزية خلال التدوين عملا -غير مباشر- بنصيحة “نجم” المدونين الإيرانيين حسين درخشان عندما قال :”إن لم تدوُن بالأنجليزية فكأنك لم تدوُن.”

أما المدون المصري رامي صيام، فإنك لن تجده على مدونات “نجوم التدوين المصرية” على الرغم من الصداقة التي تربطه بهم و على الرغم من انخراطه معهم في أهم محطات الحراك السياسي التي مرت بها المدونة المصرية، كتنظيم المظاهرات و المشاركة فيها و تنظيم أول حفل غنائي “غني يا بهية” تضامنا مع المدونين الذين تم اعتقالهم خلال مظاهرات مناصرة القضاة سنة 2006. فرامي الذي لم يدوّن منذ حادثة اعتقاله السنة الفارطة، أي منذ تدوينة “يوميات ايوب … سجينا“، لا يؤمن بتدوين مقطوع عن الشارع فهو ناشط سياسي أكثر من كونه مدون. و كما قال لي في حوار سأنشره لاحقا عندما استشهد بقولة ويليام بليك ” الكلمات التى لا تتحول الى افعال … تجلب الألم.”

إلى جانب أن رامي أقنعني بضرورة إرتباط المدون بالشارع إلى حد أنني صرت أفكر جديا في العودة إلى تونس و مواجهة مصيري هناك مهما كان الثمن، فقد أعاد رامي لذهني أجواء السمر و الأمسيات الدافئة بالنقاشات السياسية. أشعاره و أغنيات فيروز التي كانت ترتلها ركانة بلكنتها الشامية أحيت في قلبي الذي حنطته قسوة المنفى “هويتيه العاطفية” -على حد تعبير محمود درويش.

دبيّ المصطنعة، الغنية، الفاخمة،المتبرّجة، التي أحسنت ضيافتنا و دللتنا في رفاهة أفخم فنادقها لم تسحرني أكثر من اللحظات التي قاسمتها مع رامي و ركانة. أسواق دبي الرخامية المكتضة بحجيج الإستهلاك و سلعه و طقوسه الشبه دينية أقرفتنا، فهربنا بحثا عن محطة لا زمانية و لا مكانية نختفي فيها حتى تنجلي عنا حالة الحصار الإستهلاكي التي أنشأتها دبي أو قل” أكبر مـُدجنة في العالم العربي” كما سماها رامي.

لقد كانت زيارتي لدبي هي الأولى التي أقوم بها لبلد عربي منذ لجوئي إلى هولندا سنة 1998. فبعد هروبي من تونس على إثر إيقافي من طرف أعوان أمن الدولة و التحقيق معي، ثم استدعائي للمثول أمام محققي وزارة الداخلية سيئي الذكر، هربت إلى ليبيا و مررت ببعض الدول العربية منها السعودية و سوريا. وقد كانت رحلتي التي قصصت أطوارها تفصيلا في كتابي الإلكتروني “برج الرومي إكس ال (XL)” مريرة زرت خلالها زنزانات الأمن العسكري الليبي حيث خضعت لتحقيق دام خمسة أيام بسبب ظنون أمنية أثارها سفري عبر الصحراء الكبرى قاصدا النيجر. أما العربية السعودية فقد أرادت ترحيلي لتونس لولا ألطافا إلاهية أنقذتني من أيادي حرس حدود المملكة و سفرتني إلى سوريا حيث حـُجز جواز سفري و أخضعت لتحقيق داخل مخافر المخابرات السورية بمنطقة المزة.
خلاصة القول أن تجربتي مع الدول العربية لم تكن ممتعة و لا سياحية على الإطلاق. فكان دخولي لـدُبي بجواز سفر هولندي دون تأشيرة و لا مسائلة و لا تحقيق و لا حتى نظرة جانبية مزدرئة من شرطة الحدود التي عودتنا، نحن حاملي الجواز التونسي ،على إطالة التدقيق و التحرّي و التجنّي، كافيا لإقناعي بأن عدوّ العرب الأول هم العرب و أني لست بحاجة إلى استرجاع جواز سفري التونسي الذي لن يزيدنى إلا عناءا. فدخول الدول العربية يكون أسهل لنا، نحن العرب، عندما لا نحمل جوازا عربيا.

سامي بن غربية في
18 مارس 2007

, ,

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

iThere are no comments

Add yours

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *