بقلم عبد الله الزواري

حلو لبعضهم أن يذكر في معرض حديثه عن الجهود التي بذلت من أجل إعادة الاعتبار للدين بث الآذان بالإذاعة و التلفزة و تلاوة صحيح البخاري بمسجد الزيتونة و المسجد الإسلامي الأعلى… و جاء شهر رمضان هذا العام و قد أضافوا إلى قائمة الإنجازات إذاعة أطلقوا عليها تيمنا اسم ” الزيتونة للقرآن الكريم”، و إن كنت من عادني أن لا أعير اهتمام بمن آلوا على أنفسهم مدح “كويفير” و بطولاته الوهمية فيكفي هؤلاء سقوطهم من أعين الناس، فكيف لي أن أتغاضى على من أحب وهو يستدرج ليثمن مبادرة جديرة بوصفها بالضرارية..

إن من غايات هذه الإذاعة ما صرح به دون مواربة مصدر مسؤول اندراجها ضمن:”العناية المتواصلة بالدين الإسلامي الحنيف وإحياء شعائره والتشجيع على إشاعة الفكر النير والمستنير ونشر قيم الإسلام الصحيحة وفى مقدمتها التسامح والتكافل والاعتدال”. أو بلغة أخرى أكثر وضوحا و جلاء :” في إطار خطط الحكومة لنشر الفكر الإسلامي المتسامح وقطع الطريق أمام الفكر المتطرف”… أو إن شئت فقل ” هذه حلقة أخرى من برنامج تجفيف المنابع أو استئصال الظاهرة الإسلامية من بلد الزيتونة…

إن ما حدث أواخر السنة الماضية في العاصمة و ضواحيها الجنوبية ( خصوصا سليمان) دفعت السلطة إلى مزيد من الهروب إلى الأمام، ففي الوقت الذي ارتفعت أصوات العقلاء و الحكماء و المخلصين داعية إلى استخلاص العبرة من الانسداد السياسي المطلق التي تعيشه البلاد و وجوب الإسراع بإصلاحات سياسية حقيقية عمدت السلطة التونسية إلى مزيد إحكام قبضتها على المجتمع السياسي و المجتمع الأهلي سواء بسواء كما أوغلت في انتهاك حقوق الإنسان ضاربة عرض الحائط بمختلف العهود و المواثيق التي يحلو لها التباهي بالمصادقة عليها…

إن التصدي لظاهرتي التطرف و العنف لن تكون أبدا بالتطرف و العنف، بل قد يجد المرء ما يبرر به ظاهرتي العنف و التطرف لدى الأفراد لكنه لن يجد أبدا ما يبرر به تطرف السلطة و عنفها، إن تطرف بعض الشباب و ميله إلى العنف إنما هو نتيجة طبيعية لسياسات العنف و الإقصاء و الاستئصال التي تمارس منذ سنوات طويلة عليها فهو لا يرى في كل مكونات المشهد السياسي و الأهلي و الثقافي ما يلبي رغبته و يعبر عن رأيه..

إن “قناة الزيتونة للقرآن الكريم” لن تحول دون اضطرار الشباب إلى العنف ما دامت هذه الممارسة المتخلفة مكرسة في الواقع و تحظى بمباركة رسمية و تأييد مطلق بالتستر على من يمارسه من أعوان الدولة بل و حمايتهم من كل تتبع قانوني بل تشجيعهم على المضي في نفس الطريق بإسناد الترقيات و الأوسمة و التشجيعات المختلفة…

و من السخف أن يذهب الظن ببعضهم إلى أن إنشاء قناة إذاعية مثل هذه القناة كفيلا بصرف الشباب عما اتهموا به زورا و بهتانا من تطرف و عنف… فهل صرفت الفضائيات مثل قناة “اقرأ” و “الرسالة” و ” الناس” و عشرات أخرى الشباب السعودي عن الانتماء للقاعدة والانخراط في العمل المسلح مع أنهم لم يعيبوا على حكامهم الاعتداء الصراخ على شعائر الدين و انتهاك حرماته من مثل اللباس الشرعي و إقامة الصلاة و بعض أشكال الحرية الشخصية من مثل إعفاء اللحى؟؟؟ وقد أعرضنا عن ذكر إذاعات القرآن الكريم و هي تعد بالعشرات اعتبارا لكون السمعي البصري أشد تأثيرا على الناشئة…

وقد يذهب الظن ببعض الطيبين إلى أن هذا الإنجاز على ما فيه من شوائب قد يبرز اهتماما بالقرآن الكريم و سعيا إلى نشره، و هذا الظن أبعد ما يكون عن الواقع، إذ أن القرآن يمنع من أن يتلى بأشكال عديدة، و قد سبق أن ذكرنا أن السلط المختصة بعد أحداث سليمان علقت ملصقات بالمساجد تدعو فيها من يريد حفظ القرآن تسجيل أسمائهم لدى أشخاص(أئمة مساجد) حددتهم مع تقديم نسخة من بطاقات هوياتهم لهم( لماذا بطاقات الهوية يا ترى؟؟؟) علما أنها حددت حصة هذه الإملاءات بمرة واحدة في الأسبوع و عادة ما تكون بعيدة عن أوقات الصلاة، أما في جرجيس فإن التعليمات كانت واضحة “لا يمكن أن تكون هذه الإملاءات في المساجد و على من يريدون حفظ القرآن إيجار محل لذلك” لذلك لم تر النور إلى اليوم… كما تمنع تلاوة القرآن في المساجد بمكبرات الصوت في المناسبات المختلفة، و قد امتنعت هيئة مسجد قرب بيت الأستاذ المرحوم محسن الربيع من تشغيل تسجيل للقرآن الكريم يوم وفاته بدعوى تطبيق التعليمات( تعليمات من؟؟؟)..

و قيل إن 80 في المائة من برامج القناة مخصصة لتلاوة القرآن الكريم و لم يبينوا إن كانت هذه التلاوة ستكون مقتصرة على المقرئين التونسيين أم سيرفعون الحجر هذه المرة عن المشارقة كما هو الحال الآن في الآذان و تلاوة بداية البث و نهايته…

على كل ستأتينا الأيام القادمة بالخبر اليقين…

أما الذين يعولون على هذه القناة للعناية المتواصلة بالدين الإسلامي الحنيف وإحياء شعائره والتشجيع على إشاعة الفكر النير والمستنير ونشر قيم الإسلام الصحيحة وفى مقدمتها التسامح والتكافل والاعتدال” فنقول و بكل تواضع قد خاب سعيكم مرة أخرى لأن العناية المتواصلة بالدين لا يمكن أن يتحملها إلا من يحي شعائره و يقيمها و لا أحسب الدين يحاربون الصلاة و الحجاب من هؤلاء، و كذلك إشاعة الفكر الإسلامي النير و المستنير لا يمكن أن تأتي إلا من أصحاب فكر نير و مستنير و لا أحسب الذين يكيدون بالليل و النهار لإقصاء أطراف سياسية بكل الطرق و إن كانت مخجلة و مخزية بقادرين على إشاعة بضاعة يفتقرون إليها بل مفقودة من تلافيف عقولهم و ينسحب هذا على قيم الإسلام الصحيحة و في مقدمتها التسامح و التكافل و الاعتدال، و نضيف هذا تسامحكم مع “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” و مع ” الحزب الاشتراكي التقدمي و التكتل الديمقراطي من أجل الحريات و العمل و مع المجلس الوطني للحريات و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين و مع نقابة الصحفيين و غير ها من مكونات المجتمع الأهلي، هذا تسامحكم يملأ الآفاق فيزكم الأنوف، و هذا تكافلكم مع خريجي السجون من المساجين السياسيين يضرب به المثل، و هذا اعتدالكم في التعامل مع الأستاذ الحسني و عمر المستيري و الأسعد الجوهري و رؤوف العيادي و أحمد الأبيض و العجمي الوريمي و بشير الجميلي و الشيخ المناضل علي بن سالم يتبوأ أسفل الدركات في سجلات الحقد و الكراهية و التشفي و الانتقام….

و بعد هذا أيكون من محض الصدفة أن توجه النيابة العمومية اتهاماتها بقلب نظام الحكم و غير ذلك من الفصول التي تعودنا على توزيعها على معارضي السلطة عندما يجتازون “الهويمش ” الذي تغض السلطة طرفها عنه، بعد أيام قليلة من بدء بث إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم؟؟؟؟

قد ينخدع البعض بمثل هذه الإنجازات و المبادرات الصورية، لكن الشباب لن ينخدع أبدا بها بل لن ينخدع بها و إن رافقتها من “الكرامات” ما انفرد به السيد المسيح عليه السلام…

فكفاكم هروبا إلى الأمام!!!

جرجيس في 17 سبتمبر 2007

المصدر: مدونة عبد الله الزواري