بسم الله الرحمن الرحيم

انبرى الجميع ,كتابا وصحفيين ومفكرين ورجال سياسة وفنانين ومبدعين ونخب وبسطاء ومحرومين للحديث حول ضرورة الاصلاح في عالمنا العربي والاسلامي,وبات الحاكم العربي في مرمى السهام البعيدة بل حتى القريبة.لم يحصل أن قرأت هذا الحجم الهائل من الكتابات حول موضوع اخر مثل موضوع الاصلاح السياسي داخل البيت العربي والاسلامي ,ولعل ماجرأ كثيرا من الأقلام اليائسة والمنكسرة على أعتاب القصور الفخمة للحاكم العربي هو تتالي هزائم أعتى الأنظمة العربية شمولية وتسلطا في وجه القوى الأجنبية الزاحفة ,ولقد شكل حدث سقوط بغداد عاصمة الرشيد وجه الصدمة الثاني بعد أن توقع الكثيرون انهيارا طالبانيا رامزا لتقهقر الفكرة التي لاتعيش عصرها وتتوغل في القراءات المتعسفة للنص الديني على ضوء تخلف واقع مجتمع بدائي وريفي طحنته الغزوات والحروب الطائفية والأهلية

لقد كان السقوط المروع لبغداد وكابول رسالة صادمة للعقل العربي والمسلم كي يتأمل فيما يحصل من حوله في العالم من تحولات تاريخية وتقنية كبرى .اذ لم يعد الزمن زمن الجيوش الكبرى والميليشيات المنظمة التي تحكم قبضتها على الشعوب ,بل تحول الزمن الى زمن توظيف التفوق التكنولوجي والحداثة العسكرية من أجل بسط قواعد جديدة للهيمنة السياسية على ربوع مثلث البحرين ,مراكش وجاكرتا
كان الجسم العربي والمسلم يتلقى صفعته التاريخية الثانية بعد أن دكت سنابك خيول نابوليون تراب القاهرة وأسوار الأزهر الشريف في الصفعة التاريخية الأولى منذ ثلاثة قرون تقريبا
يومها طرحت على العقل العربي والمسلم مسألة التحديث التقني والصناعي كضرورة تضع حدا لحالة التفوق الغربي على بلاد العرب والمسلمين,ولقد كان محمد علي أول الاستجابات المصرية والعربية لهذ! ه الصفعة الأولى
أما اليوم وبعد أن برز فيما مضى وفي بدايات القرن العشرين تيار يتنادى الى اعمال النهضة الدينيةوشروطها الثقافية والذهنية كسبيل للخروج مما نحن فيه من قابلية استعمار ,فاننا نقف من جديد على عتبة نفس الأسئلة لكن مع اضافات صريحة في البعد السياسي للأسئلة الكبرى ,حيث تتصدر مسألة الاصلاح السياسي العام والشامل حديث الشارع والمعنيين بالشأن العام,و يكاد يجمع المحللون والمراقبون لفضائنا الساخن ببؤر التوترات والنزاعات على أنه ليس لنا من خروج الى سبيل الا بعد اعمال الة الشرعية الانتخابية والاقتراع كسبيل وحيد من أجل افراز الحاكم المقتدر والمحنك في ادارة الأزمات والصراعات
ولم يكن الحديث عندئذ عن دولة القانون والمؤسسات الا ترشيدا لمعالم الخطاب وتأسيسا لمسألة الوضوح فيه ,بعد أن جنى علينا الحكم الفردي هزائم متكررة لم يعد المواطن يخجل من الحديث عنها ملحا وطرائف في مجالسه العائلية والاجتماعية
غير أن المراقب المنصف للمشهد السياسي العربي والاسلامي بتوزيعاته الجغرافية المتنوعة يدرك جيدا أن البيئة التي أفرزت الملوك والأمراء والرؤساء والنياشين ,لم تخل هي الأخرى من طبائع الاستبداد التي تعشش في جنبات كثير من بيئاتنا العربية والشرقية,اذ يكفي ان نلقي نظرة احصائية على الواقع الأسري في أكثر من بلد مشرقي حتى نستيقن بأن هناك خللا تربويا عميقا يشق عباب منظومتنا الأسرية ,ولا شك في أن التسلط باتجاه شريك الحياة أو الأبناء هو مظهر يعبر عن حالة من حالات التخلف السلطوي في أصغر مؤسسة عربية
أما عن المدارس والمنشئات التعليمية فهي مازالت قائمة على عقلية السياسة العقابية لا المنطق التربوي والتعليمي والتثقيفي والاصلاحي المتزن ,وكفى بنا عند هذا الصدد أن نتأمل في علاقات التلاميذ والطلاب بالمربين والأساتذة والمكونين ,حيث تطغى على هذه العلاقة في كثير من الأحيان صورة مدرسة المش! اغبين والمتهكمين ,ولم يحصل في ذهني وخلدي الا أن عايشت في صباي وصغري ومراحل تعليمي الا حديثا عن السخرية من أساتذة التربية الاسلامية وتهكما صارخا من أساتذة الرياضيات ولولا ادراك النشئ لعلوية عامل أو ضارب بعض المواد العلمية لكان المرء يرى من أقران الصبى العجب العجاب
لقد نمى عودنا أكثر لندق أبواب الجامعة حيث يشتد صراع الايديولوجيات لنرى بأم أعيننا صدام الجماعات اليسارية فيما بينها بالسلاسل والأدوات الحديدية فيما سمي انذاك بحسم الصراعات الايديولوجية باستعمال العنف الثوري ,وبين جنبات اسوار الجامعة رأينا عقلية الانتقام الايديولوجي التي تعشش في أذهان شريحة واسعة من أساتذة العلوم الانسانية ,ويكفي أن تدخل قاعات الامتحان الشفهي لتعاين أسئلة سين وجين والتي يقصد من ورائها الانتقام من أصحاب الفكر العقدي المخالف ,ولقد حدث أن عايشت تجارب في ذلك مع أكثر من أستاذ ومحاضر
أما عن الرفت والطرد من الجامعة بسبب الاعتبارات السياسية فذاك مما يمكن أن يلحظه المرء في أكثر من بلد عربي
أحزابنا وهيئاتنا السياسية وفضاؤنا الجمعياتي ومكوناته لاتخلو هي الأخرى من الرئيس الدائم والزعيم الملهم الذي لايقيده قانون أساسي يحدد تداوله على رئاسة الفضاء الذي يقوده أو يرأسه ,وفي نفس هذا السياق لاتحدثني عن رجال الحكومة انطلاقا من المختار أو العمدة مرورا بالمحافظ أو الوالي وصولا الى منصب الوزير وختاما بأعلى منصب في الدولة الجملوكية أو غيرها من الصنائع العربية والمشرقية بامتياز ,واذا قدر لأحد هؤلاء أن يرحل عن منصبه فانك تجده في موقع أكثر علوية أو أكثر نفوذا أو ربما تجده ملتهما لكل الفضاء الذي يفترض فيه أن يمثله بحسب الشرعية والقانون
ولي وقفة هنا مع أحزاب وهيئات وجمعيات من حقها ووا جبها أن تطالب بال! اصلاح ,ولعل واقع المنطقة يحتم عليها ذلك بلاشك ,ولكن هل يمكن فعليا معالجة المرض من قبل المريض واعطاء الصورة مشرقة عن احزابنا وهيئاتنا اذا لم تمتلك هذه الأخيرة الجرأة في احداث التغيير المنشود ولو من منطلق داخلي
اليوم تجدني مضطرا للحديث عن موضوع الاصلاح والتجديد والتشبيب في أبعاده المجتمعية والتربوية والتثقيفية الشاملة وذلكم مخافة السقوط في تجارب قد لاتكون في مستوى ماهو مأمول منا في زمن التطورات العالمية ومشهد القرية الكونية التي تجمعها قيم انسانية وسياسية مشتركة
ان التصدي للغزو الخارجي ليس فقط مواجهة عسكرية تؤول الى ربح المعارك الانية أو خسارتها وانما هو أيضا تحصين للذات وجنبات المجتمع من مظاهر الانهيار الثقافي والحضاري والسياسي ,ومالمأسسة وتوسيع دائرة القرار والمشاركة والشورى والتفاعل الايجابي بين كل هيئات المجتمع الأهلي الصغرى والكبرى وتربية النشئ على قيم العطاء! والفعل والجرأة والوفاء للقيم والمبادئ الكونية التي تجد أصولها في حضارتنا الاسلامية العريقة الا ضمانة رئيسة من أجل جعل الحاكم العربي يتحرك في محيط مناوئ للظلم والاستبداد وهو مايعسر عليه نخبة وهيكلة هو في أمس الحاجة اليها من أجل توسيع ومأسسة القهر والاستبداد
اننا بلا شك نكتنز في طيات مجتمعاتنا العربية والشرقية مزارع للحكام المستبدين ,واننا بلا شك لم نتلقى الحاكم العربي أو الشرقي هدية أو أسقوطة من نيكارغوا أو سيريلانكا التي ربما تكون خارطتها السياسية أكثر احتراما للقانون والحكم الرشيد ,وذلك لو حكمنا طبعا منطق الفقه السياسي المقارن بقواعد علمية صارمة ,ولكن مجالنا في احداث نقلة نوعية في بيئتنا العربية والاسلامية مازال مفتوحا وشاقا وطويلا من أجل مأسسة الاصلاح وسريانه في كل جنبات المجتمع حتى نخصب تربتنا وأرضنا وسماءنا باتجاه حالة من حالات النهوض السياسي والأخلاقي والعلمي والتقني …والتي تسمح لنا بتقليص الهوة الزمنية بين فضاء أوروبي على مشارف اكتساح أسواقنا الاقتصادية والاجتما! عية وفضاء أمريكي بات يطنطن في اذاننا عسكريا وربما حتى سياسيا وثقافيا لمن تأخر دربه عن ركوب مسؤوليات القرن الواحد والعشرين للميلاد

مرسل الكسيبي
reporteur2005@yahoo.de
31-12-2005
الأول من ذي الحجة 1426 هجري