انطلق فصل الأمطار هذه السنة بصفة قوية مقارنة بالسنوات السابقة و شبيها في إنطلاقته بالسنة الفارطة ففي أول نزول لأمطار فصل الخريف لهذه السنة سجلت مدينة بوسالم ما بين 20 مم و 30 مم تقريبا مما تسبب في دخول المياه إلى عديد المنازل بأحد الأحياء المهددة بالفيضانات، و قد تم تدارك الأمر عند تدخل الحماية المدنية قبل أن يصبح الوضع كارثي عندما يغرق هذا الجزء من الحي في شبر من الماء.

و سبب هذه الفيضانات الصغيرة و الضارة و لو نسبيا هو بعض البلوعات التي لم يقع جهرها و تنظيفها من الأتربة و الرواسب العالقة بها،و قد تراوح الماء بين نصف المتر و المتر داخل المنازل و لكن لحسن الحظ فقد تم إحتواء الأمر في اليوم ذاته بفضل تظافر جهود الحماية المدنية و بلدية بوسالم.

معاناة لا تنتهي

و حسب شهادة متساكني حي الهادي خليل، هذا هو الحال في كل شتاء، منازل تغمرها مياه السيول، في أغلب الأحيان، مع نزول الأمطار. هذه المنازل في حقيقة الأمر ليست سوى منازل بسيطة هشة البناء لا تحتمل أي نوع من الكوارث و رغم ذلك فهي تصمد جاهدة كل شتاء كما يصمد أصحابها عندما تمتلأ مساكنهم مياه و تمتص جدرانها الماء أكثر مما تحتمل.

لم يحظى هذا الحادث بأي اهتمام و لم يسمع به أي أحد لأنه لم يذكر لا في وسائل الإعلام و لا حتى في جلسات المقاهي و السبب ربما يكون أكثر إيلاما من الحدث في حد ذاته لأنه ببساطة يتكرر هذا الأمر عديد المرات في فصل الأمطار لدرجة أن أصبح أمرا روتينيا واقعا لا يستحق حسب رأي متساكني حي الهادي خليل الذكر أو لفت الإنتباه له لأنه اتخذ صبغة العادي.

فعندما تزور حي الهادي خليل ببوسالم تجد أناسا متعطشين للكلام مع كل شخص مستعد للاستماع لهم و قادر على إيصال ألمهم علهم يجدون مخرجا، فهم يتكلمون بلهفة المحروم و بحرقة المظلوم، أمام هذا المشهد لا تستطيع شيئا سوى الاستماع و من ثم الدخول إلى المنازل التي تشهد حالتها على أقوال ساكنيها، منازل مهترئة من مياه السيول و فيضانات وادي مجردة.

لا يتحدث ساكنو حي الهادي خليل كثيرا عن المياه التي تدخل منازلهم مع كل نزول لكميات كثيفة من الأمطار بل يتجاوزون ذلك للحديث عن ما حل بهم عند ارتفاع منسوب مياه وادي مجردة في الخريف و الشتاء الماضيين و الذي انجر عنه فيضانات تسببت في خسائر مادية كارثية.

و نحن على أبواب شتاء جديد، مازال هؤولاء يعانون إلى الان من أضرار فيضانات الشتاء الفارط (شتاء 2011-2012) فالمنازل المتضررة خير شاهد على معاناتهم و لسان حال هذه البيوت المنهكة من المياه مع كل قدوم لفصل الشتاء تروي الوضع الخطير الذي تفرضه على المحتمين تحت أسقفها البالية و التي هي أبعد من أن توفر الحماية المنشودة.

و هنا يتحدثون عن تأخر التعويضات التي من المفترض أن يحصلوا عليها لجبر الأضرار و تعويض الخسائر مشيرين إلى غرفهم شبه المنهارة و جدران منازلهم المتلفة و اثار الماء على الجدران و كل الشقوق و الكسور التي تتسرب منها المياه نتيجة الكميات التي امتصتها الجدران إلى أن أصبحت في حالة يرثى لها.

لقد شاهد الجميع حجم الأضرار التي سببتها الفيضانات السابقة و لكن ما لا يتبادر إلى الأذهان أن تكون هذه الأضرار مازالت موجودة إلى الان بعد سنة من حدوث هذه الكارثة الطبيعية، فالجميع يعتقد أن عملية إصلاح هذه المنازل قد أنجزت بشكل كامل و لكن مشهد الجدران المشققة و أسقف الحجرات المنهارة بشكل نصف كلي يثير عديد نقاط الاستفهام، و تبقى جدران هذه المنازل تتذكر فيضان واد حدث منذ سنة.


حضور الدولة لإنقاذ أحياء بوسالم المهددة بالفيضانات

و قد انعقدت عديد جلسات العمل سواء بمقر الولاية أو بمقر معتمدية بوسالم، أواخر فصل الصيف، خصصت للإستعداد لموسم الأمطار و التوقي من مخاطر الفيضانات، التي تم في إطارها معاينة الوضع و تحديد متطلباته حيث وقع رصد الإشكاليات و طرحت الحلول اللازمة.

فمن الإشكاليات التي طرحت مسألة ركود المياه و وجود فواضل أوحال و فواضل مختلفة بقنوات تصريف المياه و معابرها، كذلك تحديد عديد النقاط الزرقاء و التي تتكون من أهم المواقع التي تستوجب التدخل السريع و العاجل عند نزول الأمطار كوسط المدينة و الأحياء المهددة بالفيضانات بصفة دائمة.

أما أهم الحلول المقترحة فقد تلخصت في جهر مجاري الأودية العابرة و المحيطة بالمدينة، إضافة إلى صيانة و جهر الشبكات التحتية لتصريف مياه الأمطار و الطريق القنال، و أيضا صيانة المنشات المائية و توفير مضخات ماء.

و هنا يجدر التذكير بجلسة العمل التي عقدت في شهر جويلية الفارط بمقر وزارة الفلاحة في إطار الإستعداد لمجابهة أمطار الخريف و الحد من إنعكاسات هذه الظواهر الطبيعية، و أيضا لتدارس وضعية مدينة بوسالم و حمايتها من الفيضانات.

حيث حضر هذه الجلسة والي جندوبة و ممثلون عن كل من وزارة الفلاحة ممثلة في مكتب التخطيط و التوازنات المائية، الإدارة العامة للسدود و الأشغال المائية الكبرى، المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، الإدارة العامة للتهيئة و المحافظة على الأراضي الفلاحية، المعهد الوطني للعلوم الفلاحية و الشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه، و أيضا وزارة البيئة ممثلة في الوكالة الوطنية لحماية المحيط و الديوان الوطني للتطهير، كذلك وزارة التجهيز ممثلة في إدارة المياه العمرانية، بالإضافة إلى وزارة التنمية الجهوية و التخطيط و وزارة الداخلية ممثلة في الحماية المدنية و بلدية بوسالم.

معطيات هامة:

– موقع مدينة بوسالم المنخفض يجعل منها مدينة مهددة بالفيضانات مهما كانت نوعية التدخلات حيث أنها محاطة بأراض عمومية سقوية و عدة سدود و مجاري مياه، كما أن المنطقة تحت مستوى 127 متر.

– سجل فيضان واحد في الفترة المتراوحة بين سنة 1973 و سنة 2000 و أربعة فيضانات أخرى بين سنة 2000 و سنة 2012 و ذلك منجر أساسا على تراكم كثيف للأوحال و الأوساخ و الترسبات بالأودية و مجاري المياه المحاذية مع غياب الجهر و التعميق.

– فيضانات 2005 لم تؤثر كثيرا على المدينة رغم كثافة المياه و ذلك ناتج عن الفراغ الحاصل في جل السدود بعد سنوات الجفاف

من أهم الإشكاليات المطروحة في هذا السياق هو و جود عديد المواقع التي تستوجب التدخل العاجل و التي يمكن أن تتسبب في خسائر مادية إذا ما أهملت و هي ما تسميها سلطة الإشراف بالنقاط الزرقاء. إضافة إلى أنه في عديد الأحيان يصعب التكهن بكميات المياه التي ستجتاح المدينة و خاصة المتأتية من القطر الجزائري.

مع بداية فصل الأمطار و الخريف أنجزت الأشغال المبرمجة بنسبة 80 بالمائة بالمواقع التي تتطلب التدخل العاجل.

أما في ما يخص الحلول فقد وقع تحديد ما هو عاجل منها أي ما يستوجب المباشرة الفورية بتفعيله، و ما هو اجل منها أي ما يحتمل الإنتظار.

فعلى مستوى الإدارة العامة للسدود و الأشغال المائية الكبرى طرحت أهمية العمل على التصرف في المخزون الحالي للسدود بصفة إستثنائية للسنة المائية المقبلة بطريقة تمكن من التخفيض في مستوى الماء بسد سيدي سالم خاصة حتى نتمكن من الرفع من طاقة الإستيعاب لمياه الفيضانات المحتملة و ذلك إعتمادا على المخزون الحالي بالسدود الإستراتيجبة على غرار سد بربرة و سد سيدي البراق و سد سجنان… لسد الحاجيات اللازمة من المياه في حالة عدم تسجيل إيرادات جديدة.

و ضرورة إنجاز أشغال جهر بعدة نقاط على طول وادي مجردة و التي تتميز بترسبات هامة تسبب في التخفيض من منسوب المياه بمجرى الوادي، كذلك إمكانية إنجاز حواجز ترابية على مستوى نقاط تسرب المياه من الوادي

أما على مستوى المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية تمثلت الحلول العاجلة في مراجعة مستوى المياه بسد سيدي سالم بصفة ظرفية يمكن من إنجاز جهر وادي مجردة، ثم التصرف في كميات مياه عن طريق سحوبات تأخذ بعين الإعتبار التدفق المسموح به على مستوى مدينة مجاز الباب و المدن الأخرى.

و على مستوى الولاية تلخصت هذه الحلول العاجلة في اتمام ما يسمى بالطريق القنال من الجهتين و إيجاد حلول لتصريف المياه في اتجاه الحوض الأسفل، كذلك جهر القنوات التحتية و بالوعات تصريف مياه الأمطار، إضافة إلى جهر و تنظيف الخنادق الترابية و مجاري الأودية و معابر المياه، و رفع الأتربة التي تم إخراجها من مجرى وادي مجردة و تهيئة الحواجز الترابية للوادي، و أيضا إحداث حواجز ترابية على مستوى بعض الأودية للحد من تسرب المياه.

قدرت تكلفة الأشغال العاجلة التي وقع إقتراحها و النظر في إنجازها بحوالي 500 ألف دينار.

تسعى المصالح الإدارية المختصة جاهدة للقيام بالأشغال اللازمة لمجابهة التهديد المتواصل سواء المتأتي من مياه السيول أو ذاك المتأتي من ارتفاع منسوب مياه مجردة، و لكن هذه المبادرات لم تجدي نفعا مع بداية موسم الأمطار لهذه السنة نظرا للحالة المزرية للبنية التحتية بولاية جندوبة و خاصة قنوات الصرف الصحي.

و قد كانت الفيضانات الناجمة عن مياه السيول التي جدت، في مناسبة أولى، بحي الهادي خليل من مدينة بوسالم بداية فصل الأمطار، و في مناسبة ثانية، بوسط مدينة جندوبة و بعض الأحياء المجاورة لها منذ أيام، أمرا يستوجب التدخل العاجل عن طريق إيجاد حلول حاسمة و جذرية بعيدا عن كل إجراء روتيني شبيه بالمسكنات التي لا تنفع حتى في التخلص من الألم.