guerre-mali

عرفت الأزمة القائمة في شمال مالي أسبابا متعددة، بدءا بقضية الطوارق ومرورا بالإنقلاب العسكري الذي قاده النيقب سونغو في (21مارس 2012) وَوُصولا إلى احتلال مقاتلي “القاعدة” للشّمال المالي وبدئها الزحف نحو وسط البلاد؛ باتجاه الجنوب. مما دفع حكومة بامكو إلى طلب دعمٍ فرنسي؛ عرف هو الآخر جدلا كبيرا، خصوصا في البلدان الإسلامية. وشاركت قوات إفريقية من بينها السنغال واتْشاد في دعم الجيش المالي لاستعادة شمال البلاد. ولم تشارك موريتانيا المجاورة في هذه الحرب.بينما اقتصرت الجزائر على تقديم دعم لوجستي واستخباراتي. لكن هذه الحرب عرفت أيضا فاعلين كبار كفرنسا وأمريكا وروسيا وقطر.وتتعدد جبهات القتال وتتجدد في الشمال المالي بين مقاتلي القاعدة والجيش النظامي المدعوم من طرف القوات الفرنسية والإفريقية. فما إن بسطت قوات التحالف سيطرتها على المدن الكبرى “كغاو” و”كِيدَالْ” تمبكتو، حتى بدأت بؤر التوتر تتوزع بين هذه المدن وجبال “إفوقاس” الوعرة، التي لجأ إليها رجال القاعدة، فيما اعتبره محللون انسحابا تكتيكيا للحد من الخسائر التي يسببها قصفُ القوات الفرنسية. وكان قادة تنظيم القاعدة بالمغرب العربي قد هددوا عشية التدخل الفرنسي بإشعال حرب عصابات في الشمال المالي لتعرف المناطق التي خرجت عن سيطرة القاعدة منذ انطلاق عملياتِOpération Serval عملياتٍ انتحارية ومواجهاتٍ مع مجندي القاعدة القاعدة، فقد فجرت القوات المالية والفرنسية فاتح إبريل مبنى عموميا في تمبكتو كان يختبئ فيه عناصر من القاعدة وراح ضحية هذه العملية ثلاثة من المقاتلين الجهاديين.

وفي الوقت الذي تستعد فيه فرنسا لسحب جزء من قواتها من الأراضي المالية فإن قوى دولية أخرى كالولايات المتحدة وروسيا تستعد لبسط نفوذها في المنطقة. وذلك عبر بوابة الحرب في شمال مالي. وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان قضية القواعد العسكرية الدائمة التي تسعى الدول الكبرى لإقامتها في منطقة الساحل كقضية “الأفريكوم ” المثيرة للجدل.

أمريكا تدرس مشاركتها في محاربة القاعدة وتهريب المخدرات بشمال مالي:

يدرك كثيرمن المحليين أهمية منطقة الساحل لكونها من أكبر معابر المهاجرين غير الشرعيين و لأنها ساحة لتهريب المخدرات. فضلا عن كونها أصبحت مرتعا لمقاتلي القاعدة ، حيث يتجمع الجهاديون السلفيون القادمون من مختلف الدول ويقيمون مخيمات للتدريب ومعاقل يُخَبِّئون فيها المخطوفين من الرعايا الغربيين في الدول الإفريقية والساحل.

وقد أعلن جون ماكين السناتور الأمريكي خلال زيارته، الثلثاء الماضي، لجمهورية مالي أن الولايات المتحدة تدرس سبل دعمها للقوات الفرنسية والإفريقية المساندة للجيش المالي، في حربه ضد تنظيم القاعدة. وقال ماكين إن أمريكا ستعمل مع شركائها على تقييم وضع القوات الفرنسية والقوات المتحالفة معها على الأرض لتحدد إلى أي مدى يمكنها توفير معدات وتدريب وتكنولوجيا في الحرب الدائرة لملاحقة القاعدة وتفكيكها تواجدها شمال جمهورية مالي “وأضاف السناتور ماكين: إننا في الولايات المتحدة الأمريكية حريصون على دعم الجهود الرامية لمحاربة تهريب المخدرات في شمال مالي وعموم منطقة الساحل. وفي سياق متصل قالت سوزان رايس السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في تصريح يوم (3إبريل 2013): إن بلادها تؤيد قرارا دوليا لنشر قوات لحفظ السلام في مالي. وأكدت رايس أن هذه القوات ستكون مفوضة باستخدام القوة اللازمة عند الضرورة. إضافة أنها ستقدم دعما سياسيا للحكومة المركزية في باموكو. ومن المتوقع أن تحل هذه القوات الدولية لحفظ السلام محل القوات الإفريقية المتواجدة حاليا على الأراضي المالية .

روسيا أيضا على خط الإمداد:

تستميت روسيا لخلق موطئ قدم لها في المستعمرات القديمة لفرنسا في القارة الإفريقية عبر صفقات “التسليح”. وقد طلبت الحكومة المالية من روسيا تسلميها معدات عسكرية من بينها مروحيات وطائرات حربية وآليات مصفحة وأنظمة رادارات دفاعية وأسلحة خفيفة بهدف إعادة تسليح ودعم القوات المالية في معركتها ضد القاعدة، وكانت صفقة تسليح وقعتها جمهورية مالي مع روسيا قد تأخرت بسبب الإنقلاب العسكري الذي قاده الكابتين سنغو ضد الرئيس المالي أمادو توماني تورى. وكانت روسيا قد أرسلت إلى مالي في فبراير الماضي ثلاثة آلاف بندقية كلاشنيكوف و300 رشاش وذخائر بقيمة قدرها 12 مليون دولار، وذلك في إطار عقد مبرم في سبتمبر 2012.

وصرح في هذا الإطار مصدر من الوكالة العامة الروسية لتصدير الأسلحة “روسوبورناكسبورت” بأن روسيا ومالي تعتزمان توقيع صفقات جديدة للتسليح ضمن مشروع إعادة تسليح الجيش المالي .

الاتحاد الأوروبي يشارك في إعادة تأهيل الجيش المالي:

أفادت مصادر إعلامية أن وحداتٍ عسكرية تابعةٍ للإتحاد الأوروبي وصلت إلى العاصمة المالية بامكو للمشاركة في تدريب نصف الجيش المالي على استخدام الأسلحة العسكرية والمعدات الحربية وتنفيذ العمليات القتالية. ويشملُ هذا التدريب دوراتٍ حول القانون الدولي حول حقوق الإنسان والتعامل مع المدنيين في مناطق النزاع.

إلى متى يستمر الوجود الأجنبي على الأراضي المالية ؟

أبرز السقوط المتوالي للمدن المالية بأيدي قوات القاعدة وسقوط القواعد والثكنات العسكرية بأيدي المقاتلين الجهادين وبطريقة اتْراجيدية ضعف القوة الدفاعية للجيش المالي لحماية الحوزة الترابية لبلد حبيس ومترامي الأطراف. ويعتقد خبراء متابعون للشأن المالي أن أي انسحاب للقوات الفرنسية والإفريقية من أراضي الشمال سيجعل “القاعدة” تستعيد سيطرتها على هذه المناطق، وخلال فترة وجيزة. وهو ما عبر عنه عبد المؤمن بوكم الخبير بالمرصد المالي للقضايا الأمنية وحقوق الإنسان بقوله في تصريح “للأناضول” إن: الجماعات المسلحة قادرة على استعادة السيطرة على شمال مالي في حالة انسحاب القوات الفرنسية من الشمال وبقاء القوات المالية والإفريقية فقط في ساحة القتال.

وتهدد سيطرة تنظيم القاعدة على أراضي الشمال في مالي عموم منطقة الساحل خصوصا موريتانيا وبوركينا فاسو لأنها الحلقات الأضعف في المنطقة باعتبار أن المغرب والجزائر تتمتعان بالقوة العسكرية والمعدات لمراقبة حدودهما. و كشفت أوساط سياسية وإعلامية تورط دولة قطر في دعم الحركات الإسلامية المسلحة في شمال مالي خاصة “جماعة أنصار الدين” و “حركة التوحيد والجهاد”. وهو ما ندد به كل من مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطني في اليمين الفرنسي المتطرف ومشيل ديسمين عضو مجلس الشيوخ الفرنسي. وفي نفس السياق نقلت صحيفة “لو كنال أنشنيه” الفرسية أن الرئيس هولاندْ طلب من الشيخ حمدْ أمير قطر أن توقف بلادُه دعمَها للجماعات المسلحة في شمال مالي وذلك خلال زيارة قام بها الأمير القطري للْأَلِيزِيهْ مطلع العالم الجاري.