mosquees-tunisie

ينص الفصل السادس من دستور تونس الجديد على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.” كما أن تحييد المساجد كان من أهم المطالب التي طرحت في الحوار الوطني. فما هي السبل التي ستتخذها الحكومة الجديدة في تونس لتخليص عدد كبير من المساجد والجوامع من سيطرة مجموعات استحوذت عليها دون موجب قانوني ؟ وما مدى خطورة استحواذ هذه المجموعات على بعض هذه المؤسسات الدينية على المستوى السياسي والأمني ؟

يوجد بتونس حوالي 5000 مسجدا وجامعا تشرف عليها “إطارات” يتم تكليفها من طرف الوزارة الأولى. ويوجد بكل مسجد أربعة إطارات هم : القائم بالشؤون ( المنظف) ، المؤذن، إمام الخمس وإمام خطيب ( يشرف على خطبة الجمعة). ويتم تكليف هذه الإطارات من خلال طلب يتقدم به كل راغب في القيام بإحدى هذه المهمات ( في حال شغورها) إلى الوزارة الأولى فيخضع في البداية إلى اختبار على مستوى الجهة تحت إشراف لجنة علمية تتكون من الواعض الجهوي وإمام ،ويكون هذا الاختبار كتابيا وشفويا. وفي حال حصول الممتحن على الدرجات المناسبة يتم تقييمه من الناحية السلوكية والأخلاقية عبر بحث يتم في على مستوى محيطه. وإذا حصل المترشح على كل مقومات النجاح في الإختبار يتم تكليفه رسميا من طرف وزير الشؤون الدينية ويتمتع بموجب التكليف بمنحة مالية شهرية.

ويتم إنهاء التكليف بالنسبة لإطارات المساجد إذا أخل أي إطار بالإعتدال والإلتزام في القيام بمهامه. وعلى هذا الأساس قامت وزارة الشؤون الدينية مؤخرا بإعفاء 285 إماما لأسباب مختلفة من بينهما ورود تشكيات من المواطنين حول عدم اعتدال بعض الأئمة في خطبهم أو عدم انضباطهم في الحضور مما أجبر سلطة الإشراف على التحري أولا ثم إصدار قرار عزلهم.
لكن رغم تعدد التصريحات وتباينها حول قيام وزارة الشؤون الدينية بخطة لتقنين العمل بالمساجد والجوامع إلا أن بعضها بقي خارج السيطرة إثر استيلاء مجموعات سلفية عليها بالكامل الأمر الذي انجر عنه أحداث عنف بين المصلين والمشرفين كما حدث مؤخرا بأحد المساجد بولاية باجة أو استياء من المواطنين جرّاء اعتماد خطب غير علمية تقوم على التكفير والدعوات إلى الجهاد ضد ما يتم نعتهم بالكفار سواء في تونس أو في سوريا. هذا بالإضافة إلى استعمال المساجد للتوظيف الحزبي مثلما حصل في عدد كبير من المساجد خلال الإنتخابات الفارطة بدعوة بعض الأئمة المصلين إلى ” انتخاب حزب المسلمين وعدم انتخاب الأحزاب الكافرة” في تلاعب غير مشروع بعقول بعض المواطنين البسطاء.

مساجد خارج السيطرة ووزارة الشؤون الدينية تعلن عجزها

خلافا لتصريحات وزير الشؤون الدينية السابق نورد الين الخادمي بوجود 50 جامعا ومسجدا فقط خارج سيطرة الوزارة، أكد المدير العام لوزارة الشؤون الدينية عبد الستار بدر في تصريح لنواة أن العدد الحقيقي للمساجد والجوامع المستولى عليها من طرف مجموعات سلفية يبلغ قرابة ال 200.

وقال بدر أن الإستيلاء على هذه المؤسسات بدأ مع الإنفلات الأمني الذي تلا الثورة وتم عبر تهديد عناصر هذه المجموعات للأئمة السابقين بتعنيفهم في صورة قيامهم بعملهم بصفة عاديّة. وأكّد أنّ أحداث عنف عديدة حدثت داخل هذه المؤسسات ووصلت إلى استعمال الأسلحة البيضاء وقد أحيلت عديد القضايا من هذا القبيل إلى القضاء. كما وضّح أن المساجد المستولى عليها تتوزع على مختلف الولايات غير أن أغلبها يوجد بالوسط والشمال الغربي.

كما صرّح محدّثنا أن طريقة الإستيلاء على الجوامع لا تتم فقط على يد مجموعات سلفية بل تتم تحت مسميات اخرى وذكر في هذا الإطار بأن جامع الزيتونة الذي يعتبر من أقدم الجوامع في تونس لا يخضع الان لسلطة الإشراف بل هو تحت سيطرة الإمام الحسين العبيدي الذي استولى على إدارة الجامع بعد الثورة ومنع أحد عدول التنفيذ من دخوله لتنفيذ قرار منعه صعود المنبر. ورغم أن قضية جامع الزيتونة لازالت بيد القضاء إلا أن العبيدي يتصرف في إدارته دون أي سند قانوني وهو الذي يحدد النشاطات التي تنتظم بداخله دون الرجوع لسلطة الإشراف. وللتذكير فإن الحسين العبيدي هو الذي قام في إحدى تصريحات بتكفير وهدر دم من شارك في متحف الفنون التشكيلية بالعبدلية.

وحول الخطة التي تعتمدها وزارة الشؤون الدينية لاسترجاع المساجد وتكليف اطارات رسمية للإشراف عليها أكد محدثنا أن البداية كانت بحصر هذه المساجد في قائمات وإعلام المكلف بنزاعات الدولة بشأنها. هذا الأخير يقوم بالتحري في شأن هذه المؤسسات ثم يرفع الأمر للسلط القضائية التي تكلف الجهات الأمنية بتولي مهمة تنبيه المعنيين بالأمر قبل أن تتدخل لإخراجهم باستعمال القوة أو حالتهم لى القضاء إذا تعنتوا في تنفيذ القرارات. كما أكد أن هذا المسار القانوني أتى أكله في ما يخص عشرات الحالات سواء عبر التفاوض السلمي مع الأشخاص المذكورين أو عبر اجبارهم على مغادرة المسجد أو عبر إيقافهم في صورة المقاومة العنيفة. إلا أن الوزارة فشلت بخصوص عدد من المساجد نظرا لبطء الإجراءات الامنية والقضائية مما يجعلها شبه عاجزة على تطبيق القانون في هذه الحالات.

وبخصوص الإجراءات الوقائية لإنجاح خطة تحييد المساجد خصوصا وأن الذين يتم تكليفهم غير منزهين عن الخوض في مسائل لا تمت للشأن الديني بصلة أجاب بدر بأن الوزارة تقوم حال تكليف الإمام بتلقينه جملة من التوصيات أهمها الحرية التامة في التطرق إلى كل المواضيع الدينية التي تهم الإسلام والحياة بشرط عدم الانزلاق إلى المسائل الحزبية أو التحريض على أي تصرف يلحق الضرر بالناس كالتحريض على الجهاد أو المساس بحرية المواطنين أو بحرمتهم. أما بخصوص الرقابة قال بدر أنها تتم من المواطنين أنفسهم وأي تشكيات تصدر عن مواطنين بأي جهة بتونس بخصوص خروج الإمام عن الدرس الديني إلى خطاب سياسي حزبي يتم أخذه بعين الاعتبار من طرف الوزارة التي تجند موظفيها الجهويين للتحقيق في الأمر وحل الإشكال.

اختلافات جوهرية في مشروعي قانون لتنظيم المساجد

تسريبات قيل أنها تمت لمشروع قانون تنظيم المساجد الذي تعمل وزارة الشؤون الدينية على إعداده قبل المصادقة عليه من طرف الحكومة لتمريره للمجلس التأسيسي أثارت ردود فعل اتسمت بالرفض من طرف ناشطين في المجتمع المدني وسياسيين. غير أن التدقيق في خصوص مشروع هذا القانون أوضح لبسا في ما يخص ما تم تداوله. فالفصول التي تم انتقادها في مشروع هذا القانون تخص مشروعا تقدم به 17 نائبا عن حركة النهضة لمكتب الضبط بالمجلس التأسيسي. وفي اتصال مع النائبة عن حركة النهضة هاجر عزيز أكدت ل”نواة” أن نواب حركة النهضة وبعض النواب المستقلين قاموا في تحرك استباقي بتقديم قانون لتنظيم المساجد تخوفا من عدم التنصيص على حماية حرمة المساجد غير أن التنصيص في الفصل السادس من الدستور على التزام الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، و بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها جعل من هذا المشروع لاغيا وسيناقش النواب الذين اقترحوه امكانية سحبه من مكتب المجلس لاحقا.

وفي هذا الإطار نفى المدير العام لوزارة الشؤون الدينية بعض ما جاء في ما سميت تسريبات عن مشروع قانون المساجد الذي تقوم الوزارة بإعداده خصوصا في ما يتعلق بالفصل الذي قيل أنه ينص على أن المساجد هي منابر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد اطّلعت نواة على النسخة شبه النهائية لمشروع قانون المساجد التي أعدتها لجنة بوزارة الشؤون الدينية وتبين ان فيها قطعا مع قانون المساجد لسنة 1988 حيث يحول هذا القانون المساجد من فضاءات للعبادة فقط إلى فضاءات للتعليم والتثقيف الديني. ومن أهم ما جاء في هذه الوثيقة هو تشجيع النشاطات التي تعمق الوعي الديني والثقافة الإسلامية بالمساجد مما يغلق الباب أمام الحلقات الدعوية الفوضوية ويجعلها تحت رقابة سلطة الإشراف. كما يكفل هذا القانون في أحد فصوله للإمام حرية التعبير حسب ما يسمح به القانون عكس ما جاء في مشروع قانون حركة النهضة الذي جعل من حرية تعبير الإمام مطلقة. ويمنع هذا القانون المساس بالمبادئ السامية للإسلام مع التنصيص على ضرورة المحافظة على وحدة المسلمين دون تحديد هذه المبادئ مما يمكن أن يفتح باب تأويل هذا الفصل على مصراعيه. ويمنع هذا القانون أيضا استغلال المساجد لأغراض حزبية أو تجارية كالبيع والشراء والإشهار أو أي نشاط من شأنه أن يمثل تشويشا على رواد المسجد. كما يفرض هذا القانون خطايا مالية يمكن أن تبلغ 1000 دينار وعقوبات بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر ضد كل من يحاول القيام بأي نشاط مهما كان نوعه داخل المسجد أو الجامع دون أن يجيز له القانون ذلك.

وسيتم عرض مشروع هذا القانون قريبا على رئاسة الحكومة للمصادقة عليه قبل عرضه على المجلس التأسيسي ومن المنتظر أن يثير هذا القانون الذي من المحتمل أن تتم مناقشته بالتوازي مع مشروع القانون الذي قدمته كتلة حركة النهضة ، عديد الإنتقادات رغم محاولة وزارة الشؤون الدينية الأخذ بعين الاعتبار كل الملاحظات التي صدرت إثر تسريب القانون وتأكيد مشرفيها في أكثر من مناسبة أن هذا المشروع قابل للتعديل وقابل للإلغاء أيضا إذا لم يحصل حوله توافق.