المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

femmes-tunisiennes2

كاتب وباحث في العلوم القانونية،

إن الحديث عن المرأة هو في الواقع حديث عن المجتمع لا عن نصف المجتمع كما جرت العادة، ذلك أن المرأة هي جزء لا يتجزّأ من المجتمع، تتموقع فيه فتأثّر وتتأثّر وذلك بقطع النظر عن أيّ مقاربة عدديّة ترتكز على تقسيم المجتمع إلى نصف ذكور ونصف آخر إناث، فالعلاقة أعمق وأمتن من ذلك بكثير. لكن لسائل أن يتسائل إذا كان الحديث عن المرأة هو حديث عن المجتمع فلماذا تفرد المرأة بحديث خاص ؟ إنّ الإجابة في نظرنا تكمن في المقاربة المتوخّاة، وهي المقاربة التأصيليّة التي تنطلق من الجزء نحو الكلّ، فالمرأة بوصفها جزء لا يتجزأ من المجتمع تقتضي حديثا خاصا عنها بغية تأصيل نظرة عامّة للمجتمع في سياق الثورة التونسية، وبالتالي فإن البناء العام يستدعي تجميع العناصر المكوّنة له أولّا. فبعد الحديث عن الشباب في المقال السابق، بما هو جزء رئيسيّ في النسيج المجتمعي، في علاقته بالثورة أصبح من الضرورة بمكان التطرّق إلى المرأة ودورها الفعال في قيام الثورة التونسيّة (I) من جهة، قبل التعرّض إلى استشراف وضعها في سياق الانتقال الديمقراطي (II) من جهة أخرى.

I – المرأة وقيام الثورة : المرأة الثائرة .. أو “القوّة المتوهّجة”

كان للمرأة التونسية دور فعّال في قيام الثورة، سواء كان ذلك بطريقة غير مباشرة أو بطريقة مباشرة : وتجلّى دور المرأة غير المباشر، أو لنقل “الكلاسيكي”، في قيام الثورة من خلال وقوفها وراء الثوار ودعمهم للخروج ضدّ الطغيان فكانت بذلك سندا قويّا للثورة (أ). أمّا الدور المباشر، أو لنقل الحديث، للمرأة في قيام الثورة فتجلّى بصورة واضحة في مساهمتها شخصيّا في الثورة عبر خروجها للشارع، جنبا لجنب مع الرّجل، مطالبة بإسقاط النظام (ب).

أ – المرأة سند قويّ للثورة : “وراء كل ثائر عظيم امرأة”

شكّلت المرأة من موقعها “الكلاسيكي” سندا قويّا للثورة التونسية، ذلك أنها دعمت الثوار ووقفت إلى جانبهم في صمودهم ضدّ القمع، فالأمّ، التي تعتبر ابنها فلذة كبدها وقطعة منها، نجدها مع ذلك تساند مطالبه بل وتدعمه في خروجه إلى الشارع وتزغرد عند استشهاده. كما ساندت الزوجة زوجها في ثورته على الطغيان وخروجه للشارع للمطالبة بإسقاط النظام، حتى أنه أصبح بالإمكان تعديل المقولة التي مفادها أنه “وراء كل رجل عظيم امرأة” لتصبح “وراء كل ثائر عظيم إمرأة”. كما استمرّ دعم المرأة للثورة بعد سقوط النظام، إذ بينما كان شباب الثورة يحرس الأحياء في فترة الانفلات الأمني كانت الأمهات والزوجات والأخوات والجارات يحرصن على طهي الطعام وإعداد القهوة، بل إن العديد من النساء شاركن في حماية الأحياء بكلّ ما أوتين من قوّة وشجاعة.

ب – المرأة ساهمت شخصيّا في الثورة : “المساواة في الثورة”

إظافة إلى الدّور غير المباشر للمرأة في مسانتدها للثورة، فقد كان – ولايزال – للمرأة أيضا دور مباشر في إنجاح مسار الثورة التونسيّة، فالظلم المسلّط على المجتمع التونسي لم يكن يستثن المرأة، بل إنها كانت أيضا تعاني من التّهميش والظلم والبطالة شأنها في ذلك شأن شباب الثورة. لذلك نجدها نزلت للشوارع جنب لجنب مع الشباب الثائر مطالبة بإسقاط النظّام، حالمة بالحريّة والكرامة، وتعرّضت للهرسلة والإيقاف واستنشقت الغاز المزيل للدّموع، واستشهدت أيضا في سبيل الحريّة المنشودة. بحيث لا يمكن لأي أحد أن ينكر على المرأة مشاركتها في الثورة، وإن الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة في مختلف المواقع الاجتماعيّة توثّق أحسن توثيق مشاركة المرأة الفعالّة ومساهمتها في إنجاح الثورة.

II – المرأة والانتقال الديمقراطي : نحو “المرأة الحرّة”

بمجرّد سقوط النظام تواصل الحراك الثوري، وتواصل حضور المرأة الملفت للانتباه في مختلف التحرّكات الشعبيّة المنادية باستكمال أهداف الثورة، لا سيما في اعتصامي “القصبة 1” و”القصبة 2″، اللذان توّجا باستقالة حكومة محمد الغنوشي والإعلان عن الذهاب في المسار الذي نادى به المعتصمون والمعتصمات وهو المجلس التأسيسي. لتدخل البلاد مرحلة جديدة يطلق عليها اسم مرحلة “الانتقال الديمقراطي” أو مرحلة البناء. بحيث يمكن القول أن المرأة كانت شريكة فعليّة في مرحلة إسقاط النظام، فهل تواصلت شراكتها في مرحلة البناء ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تمرّ في نظرنا عبر التطرّق إلى وضعيّة المرأة أثناء الانتخابات (أ) من جهة، وما بعد الانتخابات (ب) من جهة أخرى.

أ – المرأة والانتخابات : “نفس التوهّج”

تنقسم علاقة المرأة بالانتخابات إلى قسمين : الترّشح في القائمات الانتخابيّة من جهة، والمشاركة في عمليّة الإقتراع من جهة أخرى : فبالنّسبة للترشّح فقد نصّ المرسوم المتعلق بانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي على التناصف في القائمات. وهو دون شكّ اختيار مهمّ في لكنه يظلّ مع ذلك منقوصا لأنه لا ينصّ على مبدأ التناصف في رئاسة القوائم الانتخابيّة. واعتمادا على مبدأ التناصف في القائمات تدعّم حضور المرأة في المجلس الوطني التأسيسي بصورة ملفتة للنظر، لكنّه لم ينعكس على الفعاليّة وهو ما سنتطرّق له لاحقا. أما بالنّسبة للمشاركة في عمليّة الإقتراع فقد تواصل نفس الحضور المتوّهج للمرأة يوم الاقتراع واصطفّت النساء في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهنّ في أول انتخابات حرّة تشهدها بلادنا وكلهنّ أمل في مستقبل مشرق تنعم فيه المرأة بالحريّة والعدالة والمساواة، فهل تحقّق الأمل ؟

ب – المرأة وما بعد الانتخابات : من موقع البناء .. إلى موقع النضال المدني

إن مرحلة ما بعد الانتخابات هي مرحلة البناء الفعليّ لتونس الجديدة. وكما كانت المرأة شريكة في إسقاط النظام، فإنه من المنطق أن تكون أيضا شريكة في بناء النظام الجديد القائم على الحريّة والكرامة. لكن المشاركة في البناء لم تكن إلى حدّ الآن في المستوى المأمول، لذلك نجد المرأة تتصدّر من جديد موقع النضال المدني :

فبالنّسبة لموقع المرأة في البناء، نلاحظ أن حضور المرأة في موقع القرار السياسي خصوصا على مستوى الحكومة ظلّ ضعيفا، إذ أن المرأة ما بعد الانتخابات مازلت تعاني للأسف من ضعف التّمكين السياسي، إذ لكأنّ دورها يقتصر فقط على تمهيد الطريق للسياسيين للوصول إلى موقع القرار، وهي للأسف نظرة تجاه المرأة بحاجة إلى إعادة نظر جوهريّ. أما بالنسبة للمجلس الوطني التأسيسي فبالرّغم من الحضور النسائي الملف للنظر على مستوى العدد، إلا أن الفعاليّة السياسيّة ظلّت مع ذلك منقوصة. كما أن الحضور الإعلامي للمرأة ظلّ أيضا باهتا إذ تكاد المرأة تغيب تماما عن “بلاتوهات” الحوارات السياسيّة، وفي ذلك تكريس لصورة نمطيّة تجاه المرأة مفادها أنّها غير معنيّة بالشأن السياسي.

في المقابل فإن حضور المرأة في موقع النضال المدني، يتّسم بالتوهّج والديناميكيّة، خصوصا على مستوى الجمعيات، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، وهو الموقع الطبيعي للمرأة للنضال في سبيل بناء مستقبل أفضل قائم على الحريّة والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات.