article-37-constitution-manich-msameh

لطالما كانت القوانين الجزائية في تونس محل جدل واسع بين الحقوقيين والنشطاء و أثارت عديد الفصول منها استهجان المحامين و القضاة، وقد مثلت حصارا على الحريات الفردية والجماعية والحقوق التي يكرسها الدستور التونسي.

تاريخيا تعتبر المجلة الجنائية من أقدم القوانين في تونس إذ تعود إلى سنة 1914 حيث صدرت بمقتضى أمر بتاريخ 9 جويلية 1913 والذي يتعلق بإصدار مجلة جنائية بأمر من محمد الناصر باشا باي، فهي تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي وما تحمله تلك الفترة من تعسف وقهر و تطويع للمجتمع والمواطنين سواء عبر سلطة القوة أو سلطة القانون.

فإضافة إلى الفصول المتعلقة بالحريات الفردية والحياة الخاصة للمواطنين كالفصل 230، هناك فصول متعلقة بتجريم حقوق ضمنها دستور 2014 وأهمها المتعلقة بحق التظاهر، فالمشرع لم يحدد معنى العصيان في الفصل 116 وما بعده حيث تم تجريم عديد التحركات الاجتماعية والمظاهرات السلمية حسب مقتضيات هذا الفصل وتكييف الوقائع على أنها عصيان.

ويذكر أن شباب الحراك الاجتماعي بمنزل بوزيان وتالة والمكناسي و جلمة و السرس وغيرهم يواجهون محاكمات متتالية على خلفية تحركات نفذوها بدقة مسارها من جانفي 2011.

ثم الجريمة الواردة بالفصلين 131 و132 وهي أكثر الجرائم تواترا بمحاضر الأبحاث في قضايا المظاهرات والمسيرات؛ حيث تم تكييف التجمهر في الطريق و القيام بمظاهرة على أنه تكوين وفاق.

هذه الفصول في حاجة إلى المراجعة أو تحديد مجال تطبيقها حتى لا تكون قياسا لجميع الوقائع.

أما الفصلين 121 و 220 مكرر فيعتبران من بين أكثر النصوص تعسفا على حرية التعبير فالأناشيد و الشعارات في الاجتماعات والأماكن العامة جريمة يعاقب عليها القانون. وحتى من يدعو إلى مظاهرة أو تحرك أو تنفيذ وقفة احتجاجية من خلال خطب تلقى بمحلات عمومية أو معلقات أو إعلانات أو مطبوعات يعتبر مشاركا في العصيان ويعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات.

ولعل إيقاف مجموعة من ملتقى مقاطعة الانتخابات التشريعية 2014 أبسط مثال على ذلك حيث تم إيقاف الناشط بشير الحامدي ورفاقه أثناء قيامهم بتوزيع مطبوعات على المواطنين وكانت تهمتهم “توزيع مناشير غير مرخص فيها”.

وحتى تحركات العمال داخل مقرات عملهم أو إحتجاجات المواطنين داخل مؤسسة عمومية تم تكييفها على أنها تعطيل لحرية العمل أو تعطيل لمرفق عمومي.

فضلا عن محاكمة الصحفيين بمقتضى القانون الجزائي دون تفعيل للقوانين الخاصة كالمرسوم عدد 115 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

كل هذه الأحكام غفل المشرع عن تحديد اطارها ومفاهيمها و حتى عن انتمائها إلى عهد لم يعد يلائم عصرنا ولا ما نعيشه من مستجدات و تطور تشريعي دولي، نصوص تنتمي إلى عهد البايات والإستعمار الفرنسي كجريمة “هضم جانب موظف عمومي” المحفوفة بالغموض التشريعي حول معنى الهضم و من يثبت ذلك وكيف يكون الخصم هو الحكم في آن واحد، هي في الحقيقة إحدى الذم التي كان يتسعملها المستعمر الفرنسي ضد أبناء شعبنا.

وفي المقابل يضمن الدستور التونسي حرية التعبير وحق التظاهر و حرية المعتقد والحرمة الجسدية والحرية الشخصية والحريات الفردية والحياة الخاصة.

وتبقى المحكمة الدستورية تنتظر موعد تكوينها وتركيزها باعتبارها مؤسسة ضرورية لضمان علوية الدستور.