sonia-toumia-sami-fehri


 أرسلت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري يوم الخميس 22 أكتوبر لفت نظر إلى قناة الحوار التّونسي بسبب «المس بكرامة بعض الفئات الإجتماعية ». تأتي ردّة فعل الهيئة لعدّة أسباب من أبرزها ما جاء على لسان منشّط برنامج “دليلك ملك” في مناسبتين. مثل هذه الهفوات لم تكن مجرّد حالات معزولة، ففكرة البرنامج تتمثّل أساس في إذلال و إهانة المشتركين فيه. أليست صناعة الفُرجة هي الوسيلة و الغاية في نفس الوقت ؟

 حلقتين من برنامج “دليلك ملك” هما في الأصل مصدر هذا الإنذار. حلقة 30 سبتمبر و التي علّق خلالها سامي الفهري قائلا «أنا نعرف العُمد يخدموا قوّادة» مع العلم أنّ مخاطَبه عمدة سابق. الحلقة الثانية التي شدّت إنتباه ال”هايكا” هي حلقة 15 سبتمبر حيث تسبّب المنشّط في «إحراج أحد المشاركين في البرنامج … بتوجيه عديد الأسئلة إليه حول قامته» و لكن ألا يقوم إختيار المشاركين في هذه اللّعبة أساسا على مظهرهم، و على الصور النمطية عن جهاتهم أو وظائفهم ؟



 البرنامج هدفه التّهكّم و السّخرية من الآخر !



 أوّل مراحل هذا البرنامج دليلك ملك هي القيام بعمليّة فرز و إنتقاء. 24 شخص من 24 ولاية يتمّ إختيارهم للمشاركة في هذه اللّعبة. يُعطى لكلّ واحد منهم كّنية فيكون المشهد كالتّالي : شخص قصير القامة يُسمّى – بهدف التّهكّم – “مايكل جوردان”، عمدة سابق يصبح “العُمْدَة” و شابّ بدين يُسمّى “سُومُو” (نسبة لرياضة المصارعة اليابانية). يتحوّل المشاركون إلى مجموعة من الشّخصيّات. و بعد التّمثيل الجهويّ، يأتي دور الحياة الخاصّة لتكون عنصرا من العناصر اللاّفتة في البرنامج. فبفضل مجموعة من المعطيات المسجّلة عن كلّ مشارك في مرحلة الفرز يتمكّن المنشّط من طرح العديد من الأسئلة أثناء الحلقة. فبدون كلّ هذا يبقى برنامج “دليلك ملك” مجرّد لعبة حظّ كلاسيكيّة فارغة. التّهكّم و السّخرية هي إذا من ركائز هذا النّوع من البرامج. حتّى و إن لم يمتثل المنشّط لمثل هذه السلوكيات فإنّ نسق و إطار البرنامج يجبره على ذلك إلى حدّ تشويه المشتركين فيه.



 سنية توميّة، الشّخص هو الشّخصيّة


 “دليلك ملك” لم يعرف أبدا “حريفة” جيّدة و متقنة لدورها مثلما كان الحال في حلقة 14 أكتوبر. فمن ذكريات طفولتها في الحقول إلى رقم غرفة النّزل الذي قضت فيها ليلة زفافها، تحدثت سنية توميّة، دون ضوابط، عن كلّ شيء. «حياة المجتمعات التي تسيطر عليها آليّات الإنتاج المتطوّرة تكون دائما عبارة عن مجموعة من التّراكمات الإستعراضية. كلّ ما يعيشه الإنسان يصبح مجرّد تمثّل قابلا للفُرجة»، على حدّ تعبير غي ديبور في كتابه «مجتمع الفرجة» الصّادر سنة 1964. و لا يهمّ، في الأثناء، إن إختُزل الدّستور في حريّة إرتداء قميص بلا اكمام، أو أن يُقدَّمَ الشّيخ إمام نجم للشّباب الإسلامي، أو أن تكون الشّريعة حامية للحريّات !

بسذاجة كاذبة، وبمرجعيّات مُهتزّة وسرد لأدقّ تفاصيل حياتها الشّخصيّة، أطلقت سنية توميّة العنان لثرثرتها. بل وصلت إلى حدّ دعوة شابّة من الجمهور إلى تقبيل المنشّط معللّة بدهاء أنّه “كيف بوك” على حدّ تعبيرها. النّائبة السّابقة لم تكن في حاجة لكُنية، فهي في حدّ ذاتها شخصيّة ! لقد إستطاعت أن تفتك إدارة الإستعراض من سامي الفهري الذي نشّط هذه اللّعبة منذ سنة 2005. فبعد أن سُمح لها بتجاوز الوقت المخصّص لكل مشترك، عاد المنشّط ليعبّر عن امتعاضه ليحثّها على الإجابة بسرعة وهو ما أدّى أيضا إلى إستهجان الجمهور والمشاركين وتبرّم التّقنيين مما بدى فجأة كأطول حلقة في تاريخ البرنامج. فاعلية البرنامج لم ترقى إلى هذا الحد من قبل، كذلك الحال بالنسبة إلى نسب مشاهدة.



Sami-Fehri

 مشهد آخر من “دليلك ملك” في حلقة 13 أكتوبر تحيلنا على كتاب “غي ديبور” : إلتقاء سامي الفهري برابح عن طريق الإرساليّات القصيرة و الذي تبيّن لاحقا أنّه موظّف متقاعد حديثا من الإدارة العامّة لنزاعات الدّولة التي ما زالات تقاضي سامي الفهري نفسه كمنتج وكمسؤول عن شركة كاكتوس برود للإنتاج بتهمة فساد مالي واستعمال النفوذ. المسرحيّة كانت مكشوفة و قد تظاهر سامي الفهري بالتّفاجئ و لعب الدّور حتّى النّهاية مع ضحك هيستيريّ وسط تصفيق الجمهور الحاضر.
وفي هذا السياق يذكر دوبور :

يضع الإستعراض تحت سيطرته الإنسان بعد أن أخضعه الإقتصاد كليّا. فالإستعراض ليس إلا إقتصادا ينمو لذاته. هو انعكاس حقيقي لإنتاج الأشياء و تشييء مغلوط للمنتجين.