Nejib-Dhaoui-censure-tunisie-servics-techniques

تردّد اسم نجيب الضاوي، المدير العام الجديد للمصالح الفنية، على إثر التعيينات الأمنية التي قرّرها رئيس الحكومة الحبيب الصيد داخل وزارة الداخلية، بعد أن اتّهمه العديد من المدوّنين وناشطي المجتمع المدني بكونه المسؤول المباشر عن عمليّات الحجب على الأنترنات خلال حكم بن علي.

وقد حصلت نواة على وثيقة تُثبت أنّ الضاوي كان بالفعل مسؤولاً عن الرقابة على الأنترنات خلال العهد البائد وأثناء الثورة. وتتمثّل الوثيقة في الشهادة التي أدّاها الضاوي قبل سنتين، بصفته رئيسًا سابقًا للإدارة الفرعية لخدمات الاعلاميّة بإدارة العمليات الفنّية بالإدارة العامّة للمصالح الفنية، أمام محكمة الاستئناف العسكريّة خلال جلسة تتعلّق بقضيّة شهداء الثورة في تالة والقصرين. وقد علمت نواة، من مصدر موثوق، أنّ الضاوي قد أعيد إلى العمل بموجب التعيينات الأخيرة بعد أن طلب بنفسه احالته على التقاعد إثر الثورة.

وتكمن أهمّية الشهادة في سرد العقيد الضاوي للتسلسل التاريخي لإنشاء منظومة الرقابة على الأنترنات ولتفاصيل توقّفها إبّان الثورة. إلاّ أنّ الأهمّ قد يكون شرح الضاوي للمهام التي كان مكلّفًا بها على رأس الإدارة الفرعية لخدمات الإعلامية. إذ أوضح المسؤول الأمني أنّ إدارته كانت تختصّ بمكافحة الجرائم المعلوماتيّة ومكافحة الارهاب. كما أنّها كانت تؤمّن سرية الإتصال بين مكاتب الأمن الخارجي (المخابرات الخارجية).

⬇︎ PDF

إلاّ أنّ الضاوي كشف كذلك للمحكمة عن آليات الرقابة على الأنترنات، وقد فضّل تسميتها بـ”البحث الفنّي”، التي كانت تشرف عليها إدارته. وهي تتشكّل من “أربعة مكوّنات أساسيّة”، على حدّ قوله:

  1. البحث الفنّي في المعلومات المضمّنة بأجهزة الحواسيب وتوابعها في القضايا التي تحقّق فيها إدارة أمن الدولة، ضاربا قضايا الارهاب كمثال؛
  2. متابعة التراسل الالكتروني للأهداف محلّ قضايا وأبحاث، ضاربًا قضايا تدليس العملة كمثال؛
  3. إعداد الدراسات والتحاليل و”اليقظة التكنولوجية”، مقدّمًا كمثال إجراء دراسة معمّقة حول اخلالات السلامة المعلوماتية بالبلاد، وقد وصف الدراسة بأنّها «ذات بعد استراتيجي وطني سيادي».
  4. القيام بعمليات ججب للمواقع والوثائق على الأنترنات بطلب من عديد الجهات على غرار وزارة الداخلية، رئاسة الجمهورية، وهياكل التجمع بالداخل والخارج.

منظومة مراقبة الأنترنات

وأوضح الضاوي أنّ إحدى المكوّنات الأربعة لعمل الإدارة تتمثّل في «القيام بعمليات ججب للمواقع والوثائق على الأنترنات بطلب من عديد الجهات». وذكر ضمن هذه الجهات: وزارة الداخلية أو «من خارجها مثال رئاسة الجمهورية، هياكل التجمع بالداخل والخارج، الوكالة التونسية للاتصال الخارجي وبعض الوكالات الداخلية والجمعيات وغيرهم كثير، مثال صحفي تونسي مقيم بالخارج مقرّب من النظام السابق أو سفراء». وقال : أنّ «الطلبات كانت تصل بصفة مكثّفة». ومن بين الأسباب الموجبة للحجب، ذكر الضاوي، إلى جانب القضايا الاجرامية، الدوافع السياسية. إذ أوضح أنّ

الأمن الرئاسي كان يطلب حجب بعض المواقع التي تسيئ للنظام السابق وتحديدا الرئيس السابق وعائلته.

وبيّن الضاوي أنّ عمليّات الحجب بدأت سنة 2002، وكانت تشرف عليها الوكالة التونسية للأنترنات. إلاّ أنّ المهمّة انتقلت إلى إدارته في 2009 «إثر ملاحظة وجود بطء في انجاز عمليات الحجب». وأنّ الإدارة واصلت الإشراف على هذه المهمّة إلى حدّ “الخطاب الأخير” لبن علي في 13 جانفي 2011. إذ اتصّل به الشاذلي الساحلي، المدير العام للمصالح الفنّية، بعد دقائق من انتهاء الخطاب وأمره بالتنسيق مع الوكالة التونسية للأنترنات لالغاء عمليات الحجب.

وقال المسؤول السابق عن الحجب أنّ إدارته رصدت خلال الثورة «كمًا هائلاً من المعلومات المتبادلة (…) على فايسبوك حول الأحداث التي شهدتها مختلف المدن». كما ذكر أنّ رفيق القاسمي – المعروف برفيق الحاج قاسم – وزير الداخلية الأسبق، كان يعطيه «تعليمات متجدّدة ودائمة بحجب كلّ ما يمسّ رئيس الدولة وخاصّة حرمه وعائلته وأصهاره» وأنّ ذلك الحرص تزايد خلال الثورة. وأضاف الضاوي أنّ القاسمي، وبن علي، غضبا بشدّة أثناء الثورة بسبب عجز إدارته عن الحجب السريع لفيديوهات للمعارضيْن السابقين المنصف المرزوقي وطارق مكّى دعيَا فيها إلى العصيان المدني.

وأوضح الضاوي أنّ الاستجابة لطلبات الحجب كانت تتمّ ضمن قرارات ممضاة من قبل أربعة مسؤولين أمنيين، هم: مدير العمليات الفنية، المدير العام للمصالح الفنية، المدير العام للأمن الوطني ووزير الداخلية.

دور ميليشيات التجمّع الالكترونية

ومن أهمّ ما كشفت عنه شهادة الضاوي هو حقيقة وجود ما كان المعارضون يسمّونه بـ”الميليشيات الالكترونية” لحزب التجمّع المنحلّ. إذ كان الناشطون السياسيون والمدوّنون يشكّون بأنّ لناشطي التجمّع على الأنترنات، ومنهم من صار اليوم مستشارًا برئاسة الجمهورية، دورًا في عمليات الحجب. وقد ذكر المسؤول الأمني أنّ إدارته لم تستجب فحسب لطلبات حجب تقدّمت بها هياكل من التجمّع، ومنتمون إليه، من بينهم محمّد الغرياني، آخر أمين عام له. بل إنّه اكتشف “عرضًا” وثيقة أكّدت له وجود “هياكل موازية” قامت بـ”اختراقها” وشاركت في عمليات الحجب. وهو ما أحدث لديه “مفاجأة كبيرة”، كما قال.

وتحتوي هذه «الوثيقة الداخلية الممضاة من قبل المدعو حمّادي حمّادي، مدير الاعلام بالتجمّع» على معلومات تفصيلية حول ما «يطلق عليه بـ”المناضلين الافتراضيين للتجمّع”. إذ تضمّنت توزيعًا للخلايا الإفتراضية لهؤلاء “المناضلين” بالشعب المهنيّة في مختلف الولايات وبالمؤسسات الجامعية وكذلك بالخارج».