أودعت الحكومة بمجلس نواب الشعب مذكرة تفاهم مع ادارة الولايات المتحدة الامريكية تنص على منح قطعة أرض تتجاوز مساحتها 22000 متر مربع كتعويض للسفارة عمّا لحقها من أضرار في 14 سبتمر 2012 إثر هجوم متشددين دينيا ينتمون لتنظيم أنصار الشريعة الذي صنفته الحكومة كمنظمة إرهابية بعد أقل من سنة عن تاريخ الهجوم.
الخطاب الرسمي : السيادة الوطنية إلى الجحيم !
هذه المذكرة تضمنت 11 فصلا مثلت مشروع قانون أساسي يرد في فصل وحيد يقضي مصادقة مجلس نواب الشعب على ما ورد في مذكرة التفاهم التي أمضاءها يوم 15 ماي 2015 بمقر وزارة الخارجية الطيب البكوش وزير الخارجية السابق والسفير الأمريكي السابق جاكوب ولس.
القانون الذي أحدث جدلا بين معارضة تطالب عرض مذكرة الإتفاق على جلسة برلمانية عامة وبين احزاب الائتلاف الحاكم ترغب في منح الحكومة صلاحية المصادقة على الإتفاق، دون العودة للمجلس ومنها حركة نداء تونس و حركة النهضة اللتين ترغبان في إعادة مشروع القانون لرئاسة الحكومة للبت فيه، باعتبار أن «مسألة التعويضات هي قضائية بالأساس وأن تعويض السفارة الأمريكية لا يستوجب مصادقة البرلمان » وفق ما صرح به أسامة الصغير الناطق الرسمي باسم حركة النهضة.
مشروع كما قول خالد شوكات المتحدث باسم الحكومة إن «تقديم قطعة الأرض لا يمس من السيادة الوطنية…والأمر لا يستحق التضخيم»، اضافة الى تكتم رئاسة الحكومة عن تفاصيل المشاورات مع الطرف الأمريكي. حيث اعتذرت وزارة الخارجية ووزارة أملاك الدولة ووزارة المالية، وهي السلطات المعنية بالملف، عن تقديم أي توضيحات تشرح كيف تم الإتفاق.
من جهتها رفضت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية الرد عن الإستفسارات حول مضمون الإتفاق للحصول على قطعة الأرض وطبيعة النشاط الذي سيقوم عليها وكذلك حول سبب إصرارها على الحصول على قطعة الأرض عوضا عن المبلغ المالي.
وفي ردها الرسمي جاء مايلي «لا يمكننا الإدلاء بأي تصريح في الوقت الراهن إلى حين إنهاء كل الإجراءات الضرورية المتعلقة بالإتفاق. نحن نتطلع إلى الوصول إلى قرارات حول التعويضات المنجرّة عن الهجوم على السفارة ونرجو منكم الرجوع إلى الحكومة التونسية فيما يخص كل النقاشات الداخلية المتعلقة بهذه المسألة».
هذا الإتفاق الذي اكّد خميس الجهيناوي، وزير الخارجية، انه اتفاق عادي ولا يستحق هذا الجدل وأن الحكومة ”الرشيدة“ كما وصفها إرتأت أن تقديم قطعة ارض قيمتها 12 مليون دينار كتعويض للسفارة الامريكية عن خسائر قدرت بـ36 مليون دينار، هو مكسب لتونس التي تعيش في وضع اقتصادي صعب.
عند هذا الحد قد لا يبدو الأمر محل جدل، فالحكومة تسوق الأمر على أنه إجراء روتني لا لُبس فيه وذلك من خلال ووزير خارجيتها، فيما ينفي وزير املاك الدولة معرفته بملف التعويضات في حين ان قطعة الأرض هي ملك للدولة التونسية وتحت انظار وزارته. غير ان التفاصيل تحمل ما يجعل المشهد ”سرياليا“ ومحل سخرية.
فالعرف الدبلوماسي الذي يرتكز عليه وزير الخارجية ليبرر تقديم قطعة ارض كتعويض، يتمثل بتبادل الدول لقطع ارض تنقل ملكيتها للدولة الاخرى لتقيم عليها مقر بعثتها الدبلوماسية، وتكون هذه المقرات تحت طائلة الدولة صاحبة المنشئة الدبلوماسية )مقر اقامة، مقر السفارة و قنصليات( ويرتكز العرف على ان عملية نقل ملكية قطعة ارض من دولة الى اخر يكون من منطلق « المعاملة بالمثل».
هذه الحجة التي تسقط من يد الحكومة تنضاف الي كومة التقصير التي طالت الملف، وهو ما ينفيه وزير الشؤون الخارجية لكنه في المقابل لا ينفي ان الجانب الامريكي هو من قام بتقدير الخسائر المالية، وانه لم يسلم السلطات التونسية معيار هذا التقدير.
ويكيليكس: أرض المدرسة، الحلم القديم
وكثيرة هي الاسئلة التي لا تجيب عنها السفارة الامريكية في تونس او تجيب عنها الحكومة التونسية بمغالطات تكشفها وثائق ابرزها مذكرة التفاهم ومراسلات سرية من السفارة الامريكية الى الإدارة في وشنطن، نشرها موقع ويكيليكس سنة 2009.
فقطعة الأرض المتاخمة لمقر السفارة الامريكية الذي تمتد على 8 هكتارات وقع تأجيرها بعقد ايجار تنتهي مدته سنة 2025، ومن بين بنوده فصلا يخوّل للدولة التونسية رفض التجديد كما تكشفه المراسلات المسربة.
ولكن مراسلات السفارة الامريكية الموسومة بسري للغاية تكشف إجابات عن اسئلة أهم من طبيعة عقد الإيجار الذي أُبرم بين ادارة مدرسة التعاون الامريكية بتونس (التي تأسست في 1959 وظلت تتطور الى حدود 2003 لتصبح في شكلها الحالى وتقدم دروسا لـ14 فصلا) ووزارة املاك الدولة. لماذا ارادت الولايات المتحدة الامريكية أن يقع تعويضها بقطعة ارض عوضا عن 36 مليون دينار؟ الجواب لم يكن «تفهم للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس» كما صرّح وزير الشؤون الخارجية. انما هو تحقيق رغبة امريكية انطلقت منذ 2007، فالمراسلات المتتالية بين ماي 2007 و افريل 2009 تكشف ان سفارة الولايات المتحدة عرضت علي الجانب التونسي نقل ملكية قطعة الأرض التي تقوم عليها المدرسة إمّا بالبيع او بالتبرع، وانها واجهت الرفض الذي لم يكن مبدئيا وانما لتضارب المصالح. فمدرسة قرطاج الدولية التي كانت تمتلكها ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي كانت تسعى للإستحواذ على تلاميذ المدرسة الامريكية بالتضيق عليها وبرفع قيمة الضرائب المسلطة عليها والتلويح بغلقها، وهو ما أجبر الادارة الامريكية ورئيسها بارك اوباما على التدخل وبعث رسالة لبن على لايجاد حل مرضي لأزمة المدرسة.
هذه المراسلات التي كشف عنها قبل وقوع الهجوم على السفارة بأربع سنوات قد تفسر سبب الاجراءات الامنية المتخذة من قبل السفارة ومنها عدم غلق المدرسة التعاونية الامريكية بتونس رغم التحذيرات الامنية وتحمل خسارة مالية قدرتها ب5.5 مليون دولار في المدرسة فقط.
فصول الاعتداء على السفارة والمدرسة لاتزال تنتظر الكشف عنها في ظل كشف اوراق جديدة تبين ان السفارة استفادت من الهجوم عليها، وهذا الأمر يجب ان يؤخذ في حسبان القائمين على الحكم في البلاد. ومنهم مجلس نواب الشعب الذي لم يشهد فيه ملف التعويضات أي تطور منذ أن قدمت فيه الحكومة مشروع قانونها الاساسي ومذكرة التفاهم. فبعد تأجيل الحسم الى اجتماع مكتب المجلس بتاريخ 7 جانفي 2016 اجّل الأمر إلى موعد غير محدّد واختفى الجدل بين المعارضة واحزاب الإئتلاف الحاكم.
La photo est fausse , l’ecole est de l’autre coté de l’autoroute