المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

essebsi-gouvernement-national

إن أي تحالف محتمل مع نظام الحكم الحالي في تونس لا يكون بصيغة حكم وحدوي إلا إذا كان ضروريا ضرورة استراتيجية تحتمها أوضاع البلاد ولذلك فهو لن يكون إلا من أجل الوطن ومن أجل الشعب الصابر المقهور ومن أجل ذلك بالذات أيضا يمكن أن يكون وحدويا استراتيجيا أو لا يكون أصلا لأنه يستحيل بغير هكذا شرط وجودي سياسي ووجوبي استراتيجي أن ينشأ أي إتحاد في الحكم أو أي وحدة على قاعدة برنامج ورؤية مع الإئتلاف الحاكم الآن. ولذلك نرى ما يلي:

1– في الرؤية العامة للحكم

لا يبدو أمر تجاوز الحكم الأعمى أمرا منظورا ولا تجاوز ما وصلنا إليه مما يمكن توصيفه بدولة الصبيان أمرا واردا في أقرب الأوقات، وعليه لا فكاك من سياسة وطنية واستراتيجية وحدوية وحكومة وطنية موحدة أعمق وأبعد من حكومة وحدة وطنية كأول نقطة في أي مشروع لا يفرض علينا لا التوافق الكاذب مثل الترويكا ولا الكوادريغا الوهمية مثل الإئتلاف الحالي ولا الوفاق الأوسع الشكلي على ماهو مطلوب الآن علما وان كل الصيغ الضائعة الفائتة والصيغة المطلوبة الآن وغدا ليست تونسية خالصة على الإطلاق.

إذ الواقع يقول إنه لا يمكن لأحد أن يحكم مع النهضة حتى تقلع شوكها بيديها وحتى يخرج ماء جبينها نظيفا ولا مع النداء حتى تخرج القطنة بيضاء، ولا يمكن للدولة أن تصبح دولة مشروع ما لم يخرج هؤلاء من الحياة السياسية بالوكالة لملامسة الحقوق العميقة للشعب برؤية عدالية إصلاحية عميقة وصحيحة ولا تحكم من العمق الخلفي بل من العمق الرؤيوي بعيون أصحاب الحق وكل وطني بعامة. إذ هؤلاء جزء من بيئة الأزمة التي ترسخت في بلدنا وسوف يواصل حزب الدولة الحاكم محاولات التكوكب حوله ويواصل حزب الجماعة المفسدة محاولات التعملق على حساب الدولة والشعب والأحزاب والزبائن من جمهوره إلا من رحم ربي. لا فائدة من شكل حكم دون هوية حكم ولا فائدة من هوية مجتمع دون مشروع حكم ولا فائدة من مشروع حكم دون سياسة حكم اذ أن طبيعة كل الحكومات الفاسدة المتلاحقة فساد والفساد أسوأ من الاستعباد. إن السؤال الحقيقي الذي سوف يبقى: هو كيف السبيل إلى صيغة سلطة جديدة في واقع بلا سلطات وبسلطانيين فاسدين وكيف السبيل إلى توحيد كتلة وطنية توحيدية استراتيجية أو لنقل كتلة مصيرية تتشك كتيار وطني موحد لا تقول لنا إن الشمس زرقاء والبحر أصفر لأن الإنتخابات قالت أن البحر أصفر والسماء زرقاء؟ لا خيار ولا بديل عن العمق الشعبي انتفاضا وصمودا تكرر أكثر من مرة وببدائل خرجت من أحشاء المطالبات الجماهيرية وصيغت أكثر من مرة في أكثر من برنامج وأكثر من إنتخابات مهما كانت مسافة قربها من الناس ومساحة واقعيتها وقابليتها للتنفيذ التدريجي.

لعل هذا الإعتبار مسألة مفتاحية عند العقلاء غير الموهمين، ولعله فرصة أخرى لنجدد فيها ونشدد على أن كل هذا الإفلاس يعالج بالتخطيط فقط ونؤكد مرة أخرى على مشروع إطلاق وزارة كبرى للشؤون الاستراتيجية كل شغلها التخطيط لتنفيذ مشاريع وطن ووطنية ومجلس أعلى لمراقبة شؤون الحكم يساعد على القضاء على الفساد والاستبداد والإرهاب والانتداب والتبعية والتطبيع. ولكن ليس هذا همنا الآن تفصيلا بقدر ما همنا كل المهمات المطروحة منذ 2011 وضرورة البرنامج الوطني العام المشترك طويل المدى وقد كان أصلا موضع كل نظرنا منذ فيفري 2011 في نصوص نشرناها في جريدة الشعب بنفس الحرف والمعنى والرؤية لا فائدة من الرجوع إليها عدا التذكير بهذه الضرورة والمصلحة العامة والعنوان هنا يكفي تماما لإعطاء مضمون للوحدة المأمولة.

2– في نموذج الوحدة في الحكم

لا يمكن لأي نموذج حكم وحدوي أن يكون مفيدا ما لم يكن جوهره وحدة الرؤية الاستراتيحية للحكم الديمقراطي الشعبي المأمول بما يعني أنه لا يمكن لأي حكومة أن تأتي بنظام حكم سياسي ولا بأي نظام اقتصادي جديظ اذا لم تكن حكومة استراتيجية أو حكومة هدف استراتيحي أو حكومة تعهدات استراتيجية تنفذ بغض النظر عمن يحكم ومن يحكم مع من وكيف يحكم وطبقا لأي قاعدة حكم ووفقا لأي شرعية وبصرف النظر عن أي غلبة وأي انتخابات وهو ما يعني عمليا أن هكذا نموذج للحكم لن يكون سوى حكومة مهمات للإنجاز بداءمية معلنة وميثاقية علنية أو لا يكون.

3- في قواعد إشتراك الوحدة في الحكم

أولوية الإنقاذ الوطني الأمني والاقتصادي

يفيد ذلك على وجه الدقة وعلى وجه عام تطبيق سياسة الخروج من الضامن الإستعماري لحكومة الداخل كمقاطعة قرطاج أو كمستوطنة قرطاج كحكم ذاتي محلي تحت الإنتداب أو كإدارة أمنية وسياسية وإقتصادية لشؤون الإستعمار وهو ما يعني عمليا بالمعني الجغراسي (الجيوبوليتيكي) البقاء تحت خارطة الشرق الأوسط الجديد الكبير أو برنامج شمال إفريقيا الجديد في موقعه المغاربي الجنوب متوسطي وبالمعنى الجيوستراتيجي (الجيو- إقتصادي والجيوحضاري) تبقى تونسنا في موقع العميل الإستراتيجي والساحة الخلفية.

إمتحان ديمقراطية المؤسسات والإنتخابات

تمتحن هذه الوحدة طبعا أول ما تمتحن على قاعدة قواعد جمع تكتيكات هذا وذاك الحالية والمؤقتة في مسار استراتيجي واحد موحد وشامل يبني مؤسسات ديمقراطية على قواعد دستورية صحيحة وعلى قواعد إشتراك ثابتة وعلى قوانين انتخاب نسبية شاملة محكها استكمال ما تعطل ومباشرة ما تم الشروع فيه والتأسيس لما يتم الهروب منه. ولن يتم ذلك إلا في مناخ استراتيجي وطني تام الأركان يكون فيه الحكم آخر الأمر وقاعدة الحكم الوطني السليم أول الأمر ومنه جوهره.

جوهرية خيار السيادة الوطنية أو القرار السيادي المستقل

وترتيبا على كل ذلك لا مناص من نظام سياسي ومن نظام إقتصادي ما بعد استعماري مهما كان أو يكون من يحكم، ومن أجل بناء كتلة الوحدة الوطنية: جبهة الجبهات هي الكتلة ومحورها من يتعهد ببناء الجبهة الداخلية اي جبهة الخيارات الوطنية إذ بات واضحا وضوح الشمس ما كان أكثر يقينا من قناعتنا المتزامنة مع ليلة 15 جانفي 2011 أنه لا مجال لأي إنتفاضة شعبية دون خروج من الإستعمار وما لم يكن عنوانها نزع الإستعمار وأن الذين يواصلون الحديث عن الثورة البيضاء جزء من المشكلة أكثر من ذي قبل. واليوم وبالكاشف والدليل القاطع لا يوجد حزب واحد يشكل قوة شعبية ولا يوجد خيار وطني قيد التنفيذ ولا وعي شعبي عام وحاد في القضايا المصيرية ذات الطابع المصيري المقدّس وأن الناس يُحال بينهم وبين فهم أن حلف الإستعمار هو الذي يُعطّل التنمية ويؤجل الإستقلال والتعويل على الذات والشراكة السيادية ولأجل ذلك نقول أنه على مسؤولية الجميع جميعا من الوطنيين المعادين للإستعمار والصهيونية، عليهم أن يعملوا مع بعضهم لإستنهاض خيار هذا الشعب وامله في وطن كبير وفيه كبار وأمل في الكرامة والمناعة.

وعلى كل ذلك فالمطلوب ليس أقل من حوار استراتيجي يكون منطلقه هذه الوحدة الاستراتيجية بغض النظر عن سؤال مع من المنطلق وبمنطلق حكومة وحدة أم لا ولكن الضروري أن البرنامج لا بد من أن يكون استراتيجيا ولا بد لقواعد الوحدة والاشتراك أن تكون ثوابت وطنية حتى نبني على حكومة عهود لا على حكومة وعود وعلى حكومة تعهدات والتزامات لا على حكومة تحويرات ومناورات.