” عندما تكون مختلفا سيسعون إلى تدميرك ” ( نِيكْفُو / رابور فرنسي )
” لا يكون القلب إنسانيّا إلاّ عندما يتمرّد ” ( جورج باتاي )
يظهر على السّاحة مجموعة من فنّاني الراب الذين إفتكّوا أماكنهم و جلبوا الإنتباه ليصبح لهم جهمور و مئات المتابعين. غير أنّ هذا الصّخب – ما بعد الثّورة – أدّى إلى التّعتيم على العديد من المواهب و الأعمال التي تستحقّ أن تصل إلى الجميع و تأخذ حظّها لأنّها تتميّز بطابع خاصّ و فيها بحث و تجديد سواء كان ذلك على مستوى الأسلوب، الموسيقى أو الكتابة. في هذا الجزء التّاسع – من هذه السّلسلة من المقالات حول الراب في تونس – سنحاول تقديم قراءة لأعمال “أَلْفَا”، راب من القصرين دليل على أنّ الإبداع ليس حكرا على مناطق دون أخرى.
” قَانُونْ سَمِيتوهْ كَانْ أَنْتُمْ إِسِتْغَلِيتُوهْ “
” فَلْسَفْتِي كَانْ تِفْهِمْهَا اُلرَّابُورَاتْ تَعْتَزِلْ “
جدليّة الكلمة والإيقاع
كيف يمكن أن نعرّف فنّ الراب ؟ إذا ما أردنا أن نغامر و نحاول تقديم إجابة، من المؤكّد أنّ سنتقيّد بالتّعريف الكلاسيكيّ الذي يقدّم الراب على أنّه إلقاء نصوص على إيقاع الموسيقى. و لئن كان التّعريف مرفوضا من طرف الكثيرين لما يوليه من أهميّة للكلمة على حساب الموسيقى / الرِيتِمْ فإنّ أعمال “ألفا” تأتي مطابقة تماما لهذا التّعريف. فبالتمعّن في نصوصه، يجد المستمع نفسه في وضعيّة مربكة. فالخلفيّة الموسيقيّة تتشكّل تدريجيًّا لتصبح إيقاعا ثابتا منذ البداية. ذلك ما يجعلنا نستسيغ الإيقاع فنتعتاده لينصبّ تركيزنا في مرحلة ثانية على النّص. أغاني “ألفا” هي عبارة عن تسابق دائم و صراع محموم بين الكلمة و الموسيقى، كلٌّ يحاول فرض نسقه و بسط نفوذه على المستمع. و الحقيقة أنّ هذا التّداخل – إذا ما نظرنا له من جانب آخر – يضفي طابعا خاصّا على أغاني “ألفا” إذ نلاحظ – في بعض الأحيان – تكاملا بين الكلمة من جهة و الموسيقى من جهة أخرى لكن سرعان ما يزول ليعود النصّ متسيّدا و يجذب المستمع ليمنحه هذا الأخير كلّ تركيزه متمعّنا في القضايا التي تطرحها كلمات هذا القصريني.
الراب إلتزام أو لا يكون !
قناعة هو نصّ يبيّن من خلاله “ألفا” أنّ الراب هو قبل كلّ شيء إلتزام إذ يبدأ بالتّأكيد على أنّه غير مكترث بأعداد المتابعين و أنّ الشهرة لا تعنيه و أنّه لن يتخلى عن قناعاته التي كرّس قلمه و موسيقاه للدّفاع عنها “آخِرْ هَمِّي نِتِسْمِعْ” هذا النص ينقلنا إلى عالم الرابور و معاناته اليوميّة و فلسفته في الحياة و التي تتمثّل في التّعبير عن وجهة نطره دون خوف عن طريق الراب ” إِحْتِمَالاَتْ صْنَعِتْهَا، اٌلبْلاَءْ قْبَلْ اٌلفَرْحَة، تَوَقُّعَاتِي أَقْنَعِتْهَا، أَفْكَارِي إِسْتَجْمَعِتْهَا بْعِيدْ عْلَى عَقْلِيّاتْ إِلِّي يِدْفَعْ أَكْثِرْ يِتْمَرْكَا مِاٌلأَوْلَوِيَّاتْ ”
عندما نستمع إلى نصوص “ألفا” تتهاوى من حولنا صور و أفكار قديمة و تنبعث صور أخرى قاتمة تعصف بطمأنينتنا و تفتح أعيننا على واقع مرير. لقد وضع هذا الرابور هدفا واحدا وهو نقل الواقع القبيح دون أيّ مساحيق أو تغيير “عَبِّي لِقْلُوبْ وْ مَا تْفَرَّغْهَاشْ”
يُعْتَبَرُ “ألفا” من فنّاني الراب الملتصقين بمشاغل أبناء الشّعب و الكادحين فحياته اليوميّة ليست سوى معاينة لهذا العالم الذي يجهله كثيرون، هناك أين تنعدم بسط سبل الحياة. يصدمنا “ألفا” بنصوصه و يرغمنا على التحديق في الحقيقة رغم بشاعتها “رَانِي عَبِدْ مُوشْنِي بْلَا إِحْسَاسْ، وَاحِلْ فِي سِيقَارُو وْ إِكِسِبْرَاسْ”
iThere are no comments
Add yours