منذ قرابة الستة أشهر، بدأ  الخناق يضيق على كل المستشفيات في البلاد بسبب النقص الكبير في أسرة الإنعاش، وأسرة الأكسيجين، والإطار الطبي. في المقابل، ترتفع  نسب العدوى بنسق جنوني، ووصل معدل الإصابات المعلن عنها  6000 إصابة يوميا. واجه هشام المشيشي رئيس الحكومة والذي يدير وزارة الداخلية بالنيابة الفيروس بقرار حظر التجول وبإيقافات وسجن بتهم خرق حظر التجول الذي تزامن مع احتجاجات جانفي ومنتصف فيفري. فقبل يومين من الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة التونسية، أي يوم 12 جانفي، أقرت حكومة المشيشي حجرا صحيا شاملا لمدة أربعة أيام. وتزامن هذا القرار مع دعوات للتظاهر ضد السياسة الاجتماعية للحكومة، وأدى خروج متظاهرين إلى صدامات مع الشرطة وإيقافات أرجع بعضها إلى خرق حجر التجول، وهو ما حصل مع عزيز، شاب من الكرم أوقف يوم 15 جانفي الماضي وحكم عليه ثمانية أشهر سجنا.

بدأ هشام المشيشي منذ أكتوبر الماضي، بعد قرابة شهر من تنصيبه رئسا للحكومة، “حربه” على الحراك الشعبي، مستغلا تدابير محسوبة على تطويق فيروس كورونا، مثل إقرار الحجر الصحي الشامل مدة أيام قليلة وحظر التجول ليلاً، الذي بقي إجراء مسلطا على رقاب التونسيين منذ قرابة العشرة أشهر.

كان شهر أكتوبر 2020 زاخرا بالتحركات الاحتجاجية في مناطق كثيرة، وقد استغل المشيشي التدابير الأمنية المحسوبة على حفظ الصحة وتطويق انتشار الوباء، من أجل التضييق على المحتجين ضد قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين في 6 أكتوبر الماضي، والتي تلاها قرار المشيشي فرض حجر صحي شامل يومي 10 و11 أكتوبر بحجة ارتفاع عدد الإصابات بكورونا في تونس الكبرى.

أصبحت  سياسة حكومة المشيشي الأمنية مفضوحة في إدارة الأزمة الصحية في تونس، فبعد كل حراك في الشارع، يسارع المشيشي باتخاذ قرارات أمنية “صارمة”، يعزوها إلى تطويق الوباء. ففي 19 أكتوبر الماضي مثلا، اجتمع بالقيادات الأمنية العليا والولاة وطلب منهم إعلان حظر التجول الذي تزامن مع احتجاجات مدينة الشابة.

وفي الوقت الذي بدأت فيه دول العالم إجراءات تطعيم سكانها، تعلقت حكومة المشيشي بإجراءات لم تثبت نجاعتها في محاربة كوفيد، وأعلنت في 6 ديسمبر 2020 عن تمديد حظر التجول إلى أواخر مارس 2021، لتتدارك وتعلن عن تاريخ 30 ديسمبر بدلا من 31 مارس، وهو قرار على قياس أصحاب النزل والمطاعم الفاخرة، التي بث بعضها ومضات إشهارية لبرامج سهرات ليلة السنة.

في منتصف جانفي الماضي، تأججت الاحتجاجات مرة أخرى في عدة أحياء في العاصمة، انطلقت شرارتها  يوم 9 جانفي بعد احتجاز أكثر من 300 شخص من جمهور النادي الإفريقي، من ضمنهم أطفال، في ظروف تشبه المعتقلات، حيث وضعت وزارة الداخلية عشرات الأشخاص في ظروف ملائمة جدا  للعدوى بكورونا. في السادس عشر من الشهر ذاته، قام المشيشي بتحوير وزاري، ووضع وزارة الداخلية تحت يده، وصب كل طاقته في دوره الأمني الذي استعاده، وذلك من أجل قمع الاحتجاجات في الشوارع. وأوقف خلال شهر جانفي أكثر من 1600 شخص بينهم 500 طفلا، بتهم مختلفة منها خرق حظر التجول. بالتوازي مع تلك الإجراءات الأمنية الصارمة، واجه المشيشي الإنذارات المتكررة بخطر وبائي كبير، بقبعة وزير الداخلية. وواجه انتقادات  بخصوص سياسته في مواجهة كوفيد، ووصف عضو اللجنة العلمية رياض  دغفوس قرار الحجر الصحي الشامل لمدة أربعة أيام الذي اتخذته حكومة المشيشي منتصف جانفي الماضي، بأنه قرار سياسي، حيث يجمع الخبراء على أن فترة الحجر الصحي الشامل لا  يجب أن تقل عن أسبوعين حتى تكون ناجعة في تطويق فيروس كوفيد.

يبدو أن المشيشي قد استفاد من تجربته القصيرة جدا على رأس وزارة الداخلية في حكومة الفخفاخ، حتى أصيب بلوثتها. ففي أفريل 2020، حين كان على رأس وزارة الداخلية ، أعلن المشيشي عن إيقاف ما بين 100 و150 شخص يوميا بسبب خرق الحجر الصحي وحظر التجول، وواصل منهجه في محاربة كوفيد بالسياسة الأمنية ذاتها وهو في منصب رئيس الحكومة، فاتخذ قرارات بحظر التجول دون أن تثبت تلك القرارات نجاعتها علميا.

على سبيل الذكر، أحد أعراض المرض الأمني المزمن في السياسة العامة لحكومة المشيشي يمكن أن يبرز في أحد عناوين الأخبار التي تعطي بوضوح تمشي المشيشي في حرب حكومته على كورونا: “خطورة تطور الوضع الوبائي :رئيس الحكومة يجتمع بعدد من الوزارء والقيادات الأمنية”، وحظر هذا الاجتماع الذي عقد يوم 29 جوان الماضي وزير الدفاع ومدير الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني، وخصص هذا الاجتماع لتطورات الوضع الوبائي في تونس ونجاعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة. قبل ذلك الاجتماع بيوم، ترأس المشيشي جلسة “لبحث إجراءات جديدة للسيطرة على انتشار عدوى السلالات الجديدة”، وحضرت قيادات أمنية تلك الجلسة. وهدد المشيشي “بصرامة” كل من يخالف إجراءات الحجر الصحي “وأعطى تعليماته لقادة الأسلاك الأمنية لإنفاذ القانون دون تهاون أو تخاذل، وفرض تطبيق الإجراءات التي قررتها اللجنة الوطنية لمجابهة انتشار الفيروس” حسب بيان رئاسة الحكومة.

وسط مخاوف من انتشار كبير لسلالات الفيروس الجديدة، قدم هشام المشيشي طلبا للمؤسسة العسكرية حتى يتدخل الجيش في الولايات التي شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بالفيروس. ويأتي هذا الطلب بالتزامن مع صور الموتى الذي خطفهم الموت والتي شاركها كثيرون بغضب على موقع فايسبوك، وفيديوهات مفزعة عن مرضى منتشرين على أرضية أكبر مستشفيات تونس. وسط كل الأخبار المفزعة والوعود الكاذبة للحكومة بتلقيح 3 ملايين تونسي في موفى شهر جوان، لم يتجاوز عدد التونسيين الذين تلقوا جرعتين من التلقيح، 582 ألف تونسي، من ضمن أكثر من 3 ملايين شخص سجل في منظومة إيفاكس، مقابل قرابة مليون وتسعمائة جرعة تلقيح.