تخطت الدكتورة آمال موسى سرديات مديح الرؤساء حين تسلم قيس سعيد مقاليد الحكم. فانتقدت خطابه الرافض للأحزاب في مقال نشرته في صحيفة الشرق الأوسط يوم 21 أوت 2020، قالت فيه “إن الدعوات إلى إعادة الانتخابات مثلاً هي انقلاب صريح ضد نتائج الانتخابات الحاصلة”. لكن بعد أقل من عام، انقلبت موسى على رأيها، وأصبحت التدابير الاستثنائية ليوم 25 جويلية “رد فعل دفاعي من الدولة ومؤسساتها وفق منظور الدولة الوطنية”.

حنين لبورقيبة، حبّ لبن علي

كتبت الشاعرة في “قهوة الخميس”، عمودها الدائم في جريدة الصباح في فترة حكم بن علي، نصا بعنوان “بريق النقطة 18“، تتغنّى فيه بمحاسن النقطة 18 من برنامج بن علي الانتخابي آنذاك، والمتمثلة في أن تصبح تونس “منارة ثقافية”. إذا تعتبر أنّ هذه النقطة دليل على “أهمية المسألة الثقافية في مشروعه التنموي الشامل”، معتبرة أنها تعكس “متانة الرؤية التي يستند إليها البرنامج الانتخابي الذي شاءت الظروف الدولية أن يتزامن مع سياق ثقافي عربي إسلامي خطير”.

سرعان ما تحول بن علي الذي شبهته بالفيلسوف هيغل، في إحدى قهوات الخميس التي تسكبها للقراء من منبر صهر بن علي، إلى نظام مخلوع. وهي التي اصطفت في أكثر من مرة إلى جانب سياسته تجاه الحقوقيين. فهي تصدق بن علي في كل خطبه، وتبنت آخر خطاب له بمناسبة “التغيير”،  وكتبت في جريدة الشرق الأوسط، مقالا بعنوان “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في عنق الزجاجة” في نوفمبر 2010، حملت فيه ما آلت إليه الأوضاع في الرابطة إلى أفراد في المنظمة، لا إلى قمع السلطة الحاكمة آنذاك.

في الواقع، لم يكن زين العابدين بن علي، الرئيس الوحيد الذي تغنت بـ”خصاله” الدكتورة الشاعرة آمال موسى، فقد مدحت الحبيب بورقيبة في تدوينات كثيرة  على فايسبوك افتخرت في إحداها بأنّها ابنته، وقالت “طوبى لمن كان له أكثر من أب”، وتغنّت بمؤسّس تونس الحديثة ومحرّر المرأة، الّذي اعتبر أنّ الحجاب والسفساري لا معنى لهما، في حين قالت في تدوينة لها يوم 16 سبتمبر 2019 إنّ  “خطاب العلمانيين المتطرفين الذين اهتموا بشيطنة الحجاب والمساجد والدفاع عن المثلية الجنسية ورفض عقوبة الإعدام” هي إرهاب خطير”.

مغازلة ساكني قرطاج والمتسابقين نحوه

أصيبت أمال موسى وزيرة المرأةـ، التي تبوأت لبعض أشهر منصب مديرة مهرجان قرطاج الدولي سنة 2017 و غادرته بعد شجار مع وزير الثقافة محمّد زين العابدين، بلوثة “حب سياسي” ثالثة،  وكان بطلها هذه المرة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، لخصتها في بضع كلمات وهي تعلق على صورة السبسي بالجبة التونسية، نشرتها على حسابها بموقع فايسبوك، فتقول  “في هذه الصورة كما في غيرها تظهر كفاءة الباجي قائد السبسي في ملء الفضاء والاستحواذ عليه بكاريزما تلقائية ناضجة تنامت مع الأيام والتجارب والأحداث الصغيرة والكبيرة”.

وحين توفي السبسي، ووقف محمّد الناصر للقسم وتسلم مقاليد السلطة مؤقتا، ألهم الشاعرة أمال موسى التي كتبت “كم أحببتُ تأثر السيّد الرئيس محمّد الناصر وهو يؤدي القسم… إنّ الرجولة تأثرٌ أولا”. ولم تُخفِ ولعها بالرّجل حين قالت في إحدى تدويناتها: “أجزم أنّ القائم بأعمال الرئاسة السّيد محمد الناصر قد كتب كلمة توديع الباجي بنفسه. الأسلوب هو الإنسان (معذرة للمناضلات ضد التمايز بين الجنسين : أريد أن أقول في هذا السياق :الأسلوب هو  الرجل)”.

بعد بضع أشهر، وفي أوج التنافس الانتخابات الرئاسية، مدحت آمال موسى المترشح  عبد الكريم الزبيدي، وعددت خصاله الوطنية حتى أنها شبهته في تدوينة على فايسبوك يوم 9 سبتمبر 2019، بالرجل الذي يغرم بامرأة ولا يبوح بعواطفه ويكتفي بالفعل وتحمل المسؤولية “. لكن بعد شهر فقط، بدا أنّ الدكتورة أمال موسى المتخصصة في علم الاجتماع، قد انجذبت إلى “إنجازات” مترشح آخر وصفته بأنه “رجل غير عادي”. لم يكن ذلك “الشجاع”  و”الحكيم” حسب وصفها، سوى نبيل القروي، وكتبت فيه  مدحية عقب الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، ختمتها بقولها: “لا تهتم بتسمية حزبكم حزب المقرونة. كل تونس تحب المقرونة”.

مواقف مناهضة للحقوقيين، ومنظّمات تتفاعل

لم تُخف آمال موسى في مناسبات متواترة رفضها للحقوقيّين الّذين وصمتهم بـ”العلمانيّين المتطرّفين”، فهي تستغرب استماتتهم  في الدفاع عن قضايا المثلية و إلغاء عقوبة الإعدام، مقابل ما تعتبره تحاملهم إزاء مظاهر التدّين، إذ كتبت في تدوينة لها: “النخبة التي تقدم نفسها علمانية قدمت خطابا انفعاليا مؤدلجا وركزت على التفاصيل وأهملت دور الدفاع عن كرامة المواطن الفقير وذلك الشاب المحبط”.

يرى مؤسس جمعية “موجودين”، علي بوسالمي أن مثل هذه التصريحات تندرج ضمن “شيطنة المجتمع المدني”، مستنكرا هذا الموقف للوزيرة، في تصريح لنواة: “عن أي كرامة تتحدث في الوقت الذي مازالت الفحوص الشرجية تمارس على المثليين؟ والكثير منهم في غاية الهشاشة الاقتصادية و الاجتماعية و يعنّفون في المؤسسات التعليمية في ظلّ سكوت مندوبي الطفولة. أ ليس هؤلاء بمواطنين تونسيين لديهم الحق في التعلّم و الكرامة والعيش الكريم الّذي تتحدث عنه الوزيرة”؟

و يشاركه في هذا الموقف المتحفّظ تجاه هذه التدوينة، سارة بن سعيد، المديرة التنفيذية لجمعية “أصوات نساء” الّتي تقول لنواة: “كيف يمكن لوزيرة المرأة أن تدافع عن حقوق وحريات النساء إن كانت لا تؤمن بالحريات الفردية؟ مؤكّدة أنّ جمعيتها تتابع عن قرب نشاط الوزيرة. من جهتها، تفضل رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، الانتظار قليلا قبل تقييم آمال موسى، وتقول لنواة :”إذا ثبت نسب هذه التدوينة للوزيرة فإنها كارثة” قبل أن تستدرك: “علينا أن ننتظر تصريحاتها بصفتها الجديدة كوزيرة”. و تواصل الزغلامي بالقول: “لا يكفي أن تكون امرأة حتى تحظى بالمساندة المطلقة. ننتظر أن تكون أكثر إدراكًا لوضعيات النساء و نصرةً لهن في مواجهة العنف و الفقر و الدونية و في تكريس حقوقهن الكونية”.

آمال موسى والحقوق والحريات: مساحيق الحداثة

تتبنّى وزيرة المرأة، آمال موسى مواقف مريبة في علاقة بكونية حقوق الإنسان وشموليها. فقد أقرت في صفحتها على فايسبوك أنّه من العدل أن تُطبَّق عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم الاغتصاب: “إن المريض والأبعد ما يكون عن الرجولة والإنسانية الذي اغتصب الفتاة وتسبب في مأساة صحية ونفسية لها لا يستحق إلا عقوبة واحدة: الإعدام […] أنا شخصيا لن أناقش إذا سمح لي إلا طريقة إعدامه وكيف تكون أكثر قسوة ما أمكن وليس مبدأ الإعدام من عدمه”.

في السياق ذاته، اعتبرت أن الجدل الحاصل في 2014 حول ضمانات حقوق الإنسان المتعلقة بقانون الإرهاب “فضفاض”. ففي مقال لها نشر في جريدة “الشرق الأوسط” يوم 18 جويلية 2014، صرّحت: “لقد رأينا عقب تاريخ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كيف أن مكافحة الإرهاب كانت على حساب الحقوق الشخصية، لأن الأمن القومي لأي دولة هو في الصدارة والأهم والذي تهون في سبيله حقوق لطالما اعتبرت مقدسة وممنوعة المساس”.

في علاقة بالقضايا النسوية، تتراوح مواقف وزيرة المرأة بين الحداثة والتشبث بالتقاليد. فهي تساند المساواة في الميراث بناء على فكرة تكريس قيمة المواطنة المنصوص عليها في الدستور، إلا أنها تتبنى أفكار تقليدية في علاقة بمكانة المرأة، تربط آليّا بينها وبين شؤون البيت ومكوّنات المطبخ، حيث كتبت:  “الطنجرة والتركينة والأمبوبة اللي تشعل هوما الحياة. هوما المرأة […] النّساء هن العادات والتقاليد في الأصل”. وتواصل في السردية ذاتها حين تعتبر أنّ تراجع المنظومة الأبويّة تحقّق بفضل “إرادة رجال قادة أسهموا من خلال الأفكار الإصلاحية والقوانين والتشجيعات في الدفع بالمرأة إلى إظهار قدراتها وعدم حصرها في الإنجاب وتربية الأطفال، أي أنه ليس صحيحاً أن النخب النسائية هي التي قامت بقضم أظافر الخصائص الأبوية بل إن الإرادة الفكرية السياسية أسهمت في التخفيف من حدّتها”. وتجزم أنّ أبرز من دعوا إلى تحرير المرأة هم رجال: قاسم أمين والطاهر الحداد والحبيب بورقيبة، مستخفّة في الوقت ذاته بالنضال النسوي، منتقدة ما وصفته بـالبكاء والتباكي على حقوق المرأة.

في المقابل، ابتهجت آمال موسى باختيار حركة النهضة سعاد عبد الرحيم كمرشحة لرئاسة بلديّة تونس، معتبرة ذلك “أحسن مثال على حسن توظيف مسألة المرأة والتغير في الموقف”، في إشارة إلى اختيار حركة ذات مرجعية إسلامية لمرأة غير محجّبة في منصب شيخة مدينة تونس.