بمناسبة مرور سنة على اعتقال الشاب محجوب الزياني،أصيل مدينة منزل بورقيبة، الموقوف على ذمة التحقيق بسجن 9 أفريل منذ يوم 23 أفريل 2005، ننشر نداء استغاثة شقيقه صابر الزياني الذي يروي فيه الظروف التي تم فيها اعتقال و استجواب الأخوين.

محجوب الزياني تم عتقاله في نطاق الحملة التي شنتها السلطات التونسية على عدد من الشباب من رواد المساجد في منطقة بنزرت في بداية السنة الفارطة 2005 بمقتضى ما يسمى بقانون مكافحة الإرهاب المصادق عليه في سنة 2003.

نذكر بأن محجوب الزياني كان قد دخل في إضراب عن الطعام يوم 19 مارس 2006 للمطالبة بتحسين ظروف حبسه لاسيما وأنه يعاني من مرض الحساسية. وقد تسببت ظروف إقامته بالسجن خلال السنة الماضية في تعكر حالته الصحية. الشيء الذي دفع والديه، مبروك الزياني و فاطمة الزغيبي، المجاوزين للعقد السادس، في الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام يوم 20 مارس 2006 تضامناً مع إبنهما. و كانا قد أوقفا إضرابهما هذا على إثر الزيارة التي قام بها للعائلة أعضاء من الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين وعضو من فرع بنزرت لرابطة الدفاع عن حقوق الإنسان يوم 23 مارس 2006 لثنيهما عن متابعة الإضراب خاصة بالنسبة لوالدة محجوب التي تشكو من بعض الأمراض المزمنة ومن بينها مشاكل بالقلب.

و إننا إذ نغتنم هذه الفرصة لنشر نداء استغاثة شقيق السجين محجوب الزياني، صابر، فإننا ندعو المنظمات الحقوقية والإنسانية للتدخل من أجل رفع معاناة هذه العائلة و غيرها من الأ ُسر المعزولة و المسحوقة التي دفعت فلذة أكبادها ثمنا لدعم نظام بن علي” للمساعي الدولية في مكافحة الإرهاب”


نواة

باسم الله الرحمان الرحيم

منزل بورقيبة- بنزرت في:

نداء استغاثة ودعوة للمساندة [*]

أنا صابر بن مبروك الزياني مولود في 15 فيفري 1983، قاطن بمدينة منزل بورقيبة بولاية بنزرت، أتابع دراستي العليا بماطر بالسنة الثانية إعلامية. اسم والدي مبروك بن حمادي الزياني رقم هويتي الوطنية:08126473 الصادرة في تونس بتاريخ……. منذ السنة الثامنة من عمري دأبت على أداء الصلاة، وهي السن التي يتوجب شرعاً تدريب الأطفال على أدائها وفي يوم 21 أفريل الموافق ليوم المولد النبوي من هذا العام 2005 زار بيتنا أربعة أعوان أمن، وطلبوا مني مرافقتهم، سألتهم عن صفتهم فلم يجبني منهم أحد.وبعد الإلحاح في السؤال قالوا إنهم أعوان أمن. طلبت منهم استدعاءًا رسمياً لمرافقتهم، فقالوا أن الأمر لا يستدعي ذلك وأنه لا يتعدى البحث السريع ثم نتركك في حال سبيلك، ركبت السيارة(شَمَاد)، وحين مرت أمام المسجد وكان قد نُودي إلى صلاة الظهر، طلبت منهم أن يوقفوا السيارة لأأدي صلاتي ثمّ أرافقهم إلى مركز الشرطة، في البدء أجابوني بلطف وأن الإجراءات لا تسمح لهم بذلك وأنهم هم أيضاً كانوا من قبل يؤدون الصلاة، وأنه يمكنني أن أأديها لاحقاً. وحين تمسكت بطلبي لأداء الصلاة في جماعة، سبّ أحدهم الجلالة ثمّ سبّني وسبّ والدي، وفتحوا نافذة السيارة ليلقوا بي منها، وحين وصلت السيارة إلى مركز المرور وهو مركزهم بمنزل بورقيبة، أُدْخلت غرفة وبقيت بها واقفاً لمدة طويلة دون أن يقدم لي أحد كُرسيّ للجلوس، وبعدها أخذوني إلى غرفة أخرى للتحقيق، سألت عن سبب استدعائي وأنّه يحق لي معرفة سبب وجودي في هذا المكان، فقيل لي أن ذلك لا يعنيك وأن المطلوب منك فقط الإجابة عن الأسئلة ثمّ تصمت.

سألوني عن أحد الجيران وهو طارق الهمامي الذي هو جارٌ لنا و يكبُرُني سناً وليس لي به علاقة غير الجيرة، قالوا أين هو؟ قلتُ، يشتغل كما أعلم بمعمل الجليز ولم أره منذ مدة. بقيت لساعات على تلك الحالة من التحقيق وكان وقتها أسبوع المراجعة قبل الامتحانات فأصررت على المغادرة إلى منزلنا للإعداد للامتحانات وكنت في الفصل الأول من السنة من المتفوقين وأعمل على أن أكون في الفصل الثاني من الأوائل لأنّه في حالة التفوّق فقد أمكّن من متابعة الهندسة الإعلامية.و مع أن التحقيق لم يستغرق الساعة فقد تُركتُ وحيداً في الانتظار إلى ما بعد المغرب حين طُلب مني مغادرة المركز.

وفي يوم السبت من نفس الأسبوع هَتفتْ إلينا الشرطة ودُعيت للحضور لديهم جبراً، و هو في واقع الأمر ثاني تجاوز في حقي إذ لم يتمَ هذه المرة أيضا استدعائي بصورة رسميّة. علماً أن أخي محجوب الزياني جرى إيقافه يوم السبت 23 أفريل أي في نفس هذا اليوم.و حين حضرت إلى المركز وجدت به عددا من الأعوان يزيد عن تلك المرة ، وفور دخولي تلقفني أحد الأعوان وأمسك بي بصورة غير لائقة وسحبني إلى الغرفة وشرع في إلقاء الأسئلة، وهذه المرة يسأل عن أنيس الكريتي وهو جار لنا أيضا ويشتغل سائق حافلة بتونس وتمضي الشهور دون أن أراه ،أجبت أننا جيران ولم أره منذ وقت، سألوني أين هو؟ قلت ما أعلمه هو أنّه يشتغل بتونس سائق حافلة، لكن أياً كانت إجابتي فإنهم كانوا يرمونني بالكـذب ويطالبونني بالحقيقة بزعمهم، فأقول أن هذا ما لدي وأنتم بصفتكم شرطة من حقكم أن تسألوا وأن علي، بصفتي مواطن، أن أجيب لكن بما أعلم. كان التحقيق يجري دون أن يتوقف السبّ والشتم وبقيتُ هذه المرة أيضا مدة طويلة من الساعة الرابعة من بعد الظهر إلى الساعة التاسعة ليلاً، خلال ذلك الوقت كانوا قد أخرجوني من غرفة التحقيق وبقيتُ في الرواق استمعُ إلى صوت أخي محجوب آت من غرفة أخرى وهم يصرخون لإجباره على نزع ثيابه، ومحجوب طالب في السنة الرابعة إعلامية هندسة لم يتعدى القانون في شيء سوى أنّه متدين وملتزم بدينه وهو يكبرني بسنتين وهو يتابع دراسته باجتهاد وعناية، يغادر المنزل كل يوم في الساعة السادسة صباحاً من منزل بورقيبة إلى تونس العاصمة(60 كلمتر) ليعود مع آخر حافلة تعود إلى منزل بورقيبة، ودراسته في الهندسة الإعلامية تستوجب المواضبة على الحضور، وقد ظلّ بين أيدي أعوان الأمن من الساعة الحادي عشرة صباحاً والى غاية الساعة العاشرة ليلاً لم يذق طعم الأكل وهم يحاولون إهانته وإجباره على نزع ثيابه ويسألونه هو أيضاً عن أنيس فكان يجيب أنه جار وليس أكثر.

عند الساعة العاشرة ليلاً اُخلي سبيلي وعدت الى المنزل حيث بقيت أنا وعائلتي في انتظار عودة محجوب، وحين ذهب والدي يستفسر عنه قيل له أنّهم سيطلقون سراحه بعد قليل لكن الى منتصف الليل لم يعد محجوب، وحين عاد إليهم والدي مرة ثانية كان المركز قد أغلق أبوابه.وفي الغد شرع أبي يتنقل من مركز الى أخر يسأل عن محجوب ويطلب حقّه لمعرفة مصير ابنه وأنّه إن كان متهماً بشيء ليوكّل محام للدفاع عنه، وليأتيه بثيابه ليغيّرها، لكن أسئلته لم تجد أي صاغ فيجيبه، سوى انه : لاعلم لنا بالأمر وأن ابنك ليس محجوز لدينا. فلم تُقدَم له أية معلومة تفيده، في الوقت الذي كان أخي محجوب، كما علمنا لاحقاً، في مركز شرطة بوقطفة ببنزرت. وظل أبي يتنقل من مكان الى مكان، حتى السجون زارها للسؤال عن ابنه، ومع أن القانون يوجب إعلام ذوي الموقوف خلال أربع وعشرين ساعة، فقد بقينا ثمانية عشر يوماً لا نعلم عن مصير محجوب شيئا، الى أن جاءت السلط وأعلمتنا بإيقافه، فكلّفنا الأستاذ أنور القوصري الذي أشار علينا بمراجعة سجن تسعة أفريل وفعلا وجده أبي هناك في سجن 9 افريل، و روى لنا، خلال مقابلتنا له الأسبوعية، أنّه كان في وزارة الداخلية.قد منعوا عنهم النوم بتعمّد إزعاجهم بدق الجرس أو الضرب بالأبلاج على الأبوابل لإفزاعهم. كما أنّه تعرّض للتعذيب أقلّها الضرب على الرجلين و اليدين وبالكف على الوجه.وفي الداخلية أربعة أقبية بعضها فوق بعض كلّما نزل المرء قبوًا زاد التعذيب قساوة.وكان محجوب قد تنقل إلى تلك الأقبية،وبلغ أخر مراحلها عند” الكهف “فعُلّق هناك من يديه لساعات طوال يسألونه وهويجيب:هل أنت سلفيّ ؟ وما علاقتك بالسلفية؟ وهل ترغب في الجهاد؟ وأين ترغب في الجهاد؟حتى أنّهم سألوه من يعرف في حركة المقاومة الإسلامية «حماس وهي أسئلة لا يقبل بها عاقل.

و الفترة التي كان محجوب يقضي أيامه تلك في الداخلية، جاءني إلي المنزل أعوانٌُ: “رشيد” وهو المسئول الأكبر في منزل بورقيبة ومعه المسمى”بليغ”وهو أقل منه رتبة، وكلاهما من البوليس السياسي.جاءا بسيارة اُجرى…..دقا الجرس فخرجت اليهما،قال لي اعطني جواز سفرك.فأجبته بأدب قائلا أن الجواز وثيقة رسمية و لا يمكنني أن أسلّمكم إيّاه إلا بطلب رسميّ من وكيل الجمهورية وهي الجهة الرسمية الوحيدة التي يتوجب عليّ قانونياً إجابة أمرها، فنزل “رشيد” من السيارة وأمسك برقبتي و ثيابي وسحبني أمام المارة وهويسُبُني فخرج أفراد عائلتي من المنزل وكان ذلك يجري على مرءاً منهم ومسمع، وقد كنت طلبت منهم أن لا يتدخلوا حتى لا يتعرضوا لإهانات أولائك الأعوان. وفي السيارة وعلى طول الطريق من المنزل إلى المركز كان “رشيد” يسب أمي بألفاظ نابية لا يليق ذكرها وسب الجلالة وكان يهددني بما سألقاه فور وصولي للمركزجراء مطالبتي إياه بالاستدعاء.حين وصلنا المركز وهممت بالنزول أمسك بي مجدداً من رقبتي ،منادياً “بليغ” أن يحذر محاولتي الهرب، قلت له أن لانيّة لي في الهرب.وعند أول دخولي باب المركز ضربني “رشيد” بقبضة يده على قفى رقبتي فانتابني فوراً شعور بالإغماء وكان “رشيد” هذا ضخم الجثة، وبدا لي فعلا أن اعتراضي على تسليمهم جواز سفري دون طلب رسمي من وكيل الجمهورية قد أغضبهم، ثمّ دُفعت إلى غرفة والتف حولي”رشيد” و”بليغ”و”سامي”وهذا الأخير هو أيضا ًعون بأمن الدولة وأخر لا أعرف اسمه، وفوراً شرع “رشيد” بضربي بالكف بصورة مسترسلة ودون أنقطاع، وكنت لاأزال أعاني بعض الإغماء بسبب تلك الضربة التي تعرضت لها عند أول دخولي إلى المركز، ثم امسك بي أربعتهم وأسندوني إلي الحائط فيما كان “رشيد” مستمر في ضربي بالكف بإسترسال وحين توقفوا جاءوني بكوب من الماء لأشرب،وشرع يسألني لماذا أجبتهم بهذه الطريقة ،أعدت عليه إجابتي أن تلك وثيقة رسمية ولايحق لي تسليمها لأحد غير وكيل الجمهورية وبطلب منه،ومرة أخرى بعد تلك الإجابة هجم علي أحدهم لا أذكر اسمه ووضع إصبعيه في عيني ضاغطا ً بهما، ثم تقدم”سامي” فصفعني بكفيه الإثنتين معاً واستمر “رشيد” بدوره في ضربي، وصارت عيناي تدمعان،لم تكن دموع البكاء والحمد لله فإيماني بالله قوي ومهما بلغ طغيانهم فسيأتي اليوم الذي أحاسبهم فيه أمام الله هذا إن عجزت عن ذلك في الدنيا. واصلوا ضربي من جديد لمدة طويلة، وبعدها جاءوني بكرسيّ للجلوس وحين هدأتُ واسترحتُ قليلاً قالوا لي سنعيد معك التحقيق فما علاقتك بأنيس الكريتي قلت انه لاتزيد علاقتي به عن علاقة أي جار بجاره، وعادوا للضرب مرة أخرى واستمروا على ذلك بدون انقطاع من الساعة الخامسة بعد الظهر الى الساعة العاشرة ليلاً مع سب وشتم جميع عائلتي مدّعين أن عائلتي “إرهابية” بحسب تعبيرهم وأننا “نحن نعمل على تفجير البلاد قائلا في تحقير وإهانة من أنت حتى ترفض الانصياع الى أوامرنا حين طلبنا الجواز؟ وكلما أجبت بأن هذا حق لي يكفله القانون كانوا يعودون الى الضرب والشتم وفي الساعة العاشرة ليلاً أخلوا سبيلي داعينني الى المثول في الغد أمام مركز شرطة بوقطفة ببنزرت ورغم أني أعلمتهم أن لي دروس بالمعهد فقد شددوا عليّ الذهاب إلى مركز بنزرت وترك الدروس.

حين وصلتُ في الغد إلى مركزبوقطفة بنزرت طلبوا مني بطاقة تعريف، ولم يبطأ المحقق للحضور وأخذني معه إلى مكتبه وقدّم لي كرسي للجلوس وورقة لأكتب عليها منذ متى أأدي الصلاة ومن يتردد علي المسجد وعن علاقتي بأنيس الكريتي وطارق الهمامي أعدت عليهم ماكنت قد قلته لرفاقه في منزل بورقيبة أما من يصلي بالمسجد فقد اكتفيت بذكر كبار السن من المصلين، فلم تعجبه إجاباتي ومزّق الورقة وقال يبدو أنك لن تستحي وقد تعاملنا معك بصفتك طالب وأعاد علي السؤال عن أنيس الكريتي وكررت عليه ما سبق أن قلته وأن علاقتي به لاتزيد عن كوننا جيران فلم تعجبه أيضاً إجابتي فطلب مني أن أنزع ثيابي فأعتذرت لسبب صحي وأني مصاب بحساسية وأعاني من ألام في الرأس فتجاهل ذلك وأصر أن أنزع ثيابي فنزعت من فوق وهددني أن أنزع ثيابي من تحت فتمسكتُ بعدم النزع مهما حصل فأكتفى بذلك وأمرني أن أتيه بعصا غليضة هي عبارة عن ساق لطاولة قديمة وأمرني ببسط يدي للضرب فقلت له أن القانون يمنع عليك ضربي وأن من حقك بحثي وليس ضربي فسبني وأمطرني كلاماً بذيئاً وأجبرني على بسط يدي وانهال على يدي ضرباً بالعصا ويتقصّد الضرب بالعظم وصارت كفايَ زُرْقٌٌ لشدة الضرب ويقول لي أعد الكتابة، فكنت أقول له: أملي عليّ أي شيء لأكتبُ ما يرضيك فينادي زملاءه ضخَام الجثث، فيأتي أحدهم ويضربني برأسه رغم أني أعلمتهم أني أعاني من ألام مزمنة بالرأس و لكنهم يتجاهلون ذلك، ويهددونني بإرسالي إلى الداخلية، فأقول لهم افعلوا ما شئتم، كما هددوني بوضعي في الحجز، وأنا في ذاك المكتب كنت أسمع صراخاً يبدو أنّه صراخ فتاة منبعث من نافذة تُركتْ مفتوحة عمداً وكان أحدهم يقول لي إستمع.. إستمع..إن لم تتكلم سننزلك الى الأسفل، وسترى ماذا سينالك، قلت له افعل ماتريد، والحمد لله فقد أنزل الله علي سكينة، بحيث مع نحافة جسمي وغلاضة العصا فقد كنت أشعر بأن جسمي قد أصابه تخدير أفقد إحساسي بالألم، ثم سحبني من سروالي ودفعني نحو الخزانة ليصفعني الصفعة تلو الأخرى.والمحقق والأعوان الذين معه وإن كنتُ لا أعرف أسماءهم فلا يمكن أن أنسى وجوههم إن رأيتهم، بدأت تحت شدّة الضرب أشعر بوجع شديد بالرأس وبقليل من الإغماء ولاسيما وأني في اليوم السابق تعرضتُ الى ضربة شديدة على قفا الرقبة ، خلال ذلك كان”عرفهم”،المسئول الكبير لأمن الدولة في مركز بوقطفة يتردد عليهم ليسأل : هل تكلّم هذا أم لا؟ فيقولون له: ليس بعد. فيقول إذن، تابعوا الحديث معه..فتأتي جماعة أخرى ليبدءوا بتهديدي ودفعي وضربي بالرأس،والى حدود الساعة الثانية عشرمن منتصف النهار وأنا على تلك الحال منذ الساعة الثامنة صباحاً الى أن وقعت أرضًا مَغمياً عليّ ، وكنت قد أعلمتهم أن لدي امتحان وطلبت عند الساعة الحادي عشر المغادرة ،فأقسم أن لن يتركني لأذهب للامتحان،ولما أغمي علي تركت في المكتب ووضعت رأسي على الطاولة ولم أكن أشعر حينها بشئ ولم أستطع الوصول حتىالى هاتفي الجوال الذي كان وضع على مقربة مني ،حينها بدا عليهم شيئاً من الارتباك، فأتوا إلي بلمجة وكان قد غادر الفريق الأول ليأتي فريق أخر شرع بدوره بتهديدي بالعصا ويسالوا :هل تصلي ؟هل تلبس قميص ؟هل تلتحي؟ فكنتُ أجيبُهم بالإماء إذ لم أعد أقوى على الكلام.وكان أحدهم يهدد ملوحاً بالعصا، كانت النافذة مفتوحة، فطلبت أن يغلقوها ويسمحوا لي بإرتداء ملابسي لكوني مصاب بحساسية ولدي متابعة صحية في هذا الخصوص من قبل الأطباء فلم يكترثوا لطلبي واستمروا في تعنيفي إلى أن انتهى وقت عملهم، وحين غادروا سمح لي أحدهم، وكان حسن المعاملة معي ولم يشاركهم في ضربي، بارتداء ثيابي، وجاءوا إلي بلمجة، ورغم إلحاحهم لم أستطع الأكل، إذ لم يَعُد لدي جُهْد لرفع يديَ.وجاء المحقق الساعة الثالثة بعد الظهر وسألني إن كنت أنوي الاعتراف بالحقيقة أم لا، قلت ليس لدي غير الذي قلته فأمرني بالوقوف وهو يتهيأ لضربي، وحين وقفت لم أتمالك نفسي وسقطتُ مغشياً عليّ، بالكاد كنت أشعر بحملهم لي ووضعي على سرير أمام كبيرهم، وجاؤا إلي بالعطر وغسلوا وجهي بالماء لكن كنت أفيق قليلاً ثم يغم عليَ مجدداً، قال لي كبيرهم اختر إما أن تنهض وتغادر إلى منزلكم و إلا ستبيت هنا.

حقيقة لم أكن قادراً على النهوض، فقد اشتد برأسي الوجع وانتفخت عينييَ وأصابني تشنج عصبي هستيري صرت بسببه أشد شعري وهم يحاولون منعي والإمساك بيَديَ وذلك لشعوري بالإهانة التي تعرضت لها، بعد ذلك طلبت منهم أن أذهب للمستشفى، أعانوني على الوقوف لكنني عند الدرج سقطت فحملوني وكنت أسمع حديثهم يقولون لي: أفق ستقضي علينا(بش تباصينا)، بعد أن تأكدوا أن الحالة التي وصلت إليها بسبب الانهيار العصبي، قد تتطور وسيقعوا بذلك تحت طائل المسؤولية، حُملت على الأيدي ونُقلت بالسيارة إلى قسم الإستعجالي بالمستشفى، وهنا أعطوني الأكسجين وحبة دواء لأفيق ولكن عيناي منتفختان ولازلت لا أقوى على المَشي على رجلي فحملوني وعادوا بي.

لكن المؤسف أن الممرضات في المستشفى كن يطَمئن الأعوان ويقلن لهم:أنه يتظاهر بالإغماء، ويتصنع ذلك. عدت إلى مركز أبو قطفة حيث جاءني المسؤول وسألني إن كنت قد تماسكت قليلاً، لم أكن أستطيع الوقوف على رجلي، حين طلبت منهم أن يوصلوني إلى دارنا بمنزل بورقيبة، قالوا إنّ ذلك مستحيل، كانوا يخافون من أي ردود أفعال أو ربما يفتضح أمرهم أمام المراقبين لحقوق الإنسان بالمدينة، فقال لهم (عرفهم) المسؤول الكبير:ألقوا به في حديقة أبو قطفة، وهي قُبَالة المركز فأخذوني فوراً إلى هناك وأسندوني الي الحائط وتركوني، لكنني لم أتمالك فسقطتُ، لكن لما رأوني طريحاً ولا أبدي أي حراك و كل ذلك كان يجري أمام المارة أوقفوا سيارة نقل ريفي وحملوني إليها فقام صاحب السيارة وأركبني سيارة أجرة بنزرت –منزل بورقيبة. وكنت لازلت أعاني من بعض الإغماء وأنا بالسيارة، حيث طلبت منه أن يأخذني الي قسم الإسـعجالي بمستشفى منزل بورقيبة،ففعل ما طلبت وفي المستشفى عاينوا الانتفاخ بعيني واعوجاج يدي بتأثير التشنج العصبي وفورا أدخلتني الطبيبة إلى غرفة ودقت لي حقنة وأعطتني بعض الحبوب، ومع أني حدثتها من أي شيء أصابتني هذه الحالة فقد تابعتْ معالجتي دون أن تكتب لي تقريراً في حالتي؛ بل إنهم رفضوا عند الباب أن يأخذوا مني مبلغ التسجيل والمعاينة حتى لا يقدموا لي وصل المعاينة لمّا عرفوا أني قادم إليهم من مركز شرطة بنزرت، فقد قمت بالمعاينة مجانا.هتفتُ الى أهلي فجاءوني وأقالوني الي المنزل، و في الغد لم أستطع الذهاب للدراسة، فعيناي لازالتا منتفختين، ورقبتي تألمني، ومن يومها لم يعد أحد من الأمن لزيارتي، غير أن خطأ أبي أنه حمل إليهم جواز سفري حين كانوا يحققون معي في مركز منزل بورقيبة……..وللذكر من بين من شملتهم الحملةمنشباب حيينا بالإضافة الى أخي محجوب،الشابخالد العرفاوي وقد ناله من التعذيب بحسب رواية أمّه ما يفوق بقية الشباب، من تعليق من رجليه الى الضرب بالحبال المطاطية والصعق بالكهرباء، وهو أكثر من تعرض للتعذيب، رغم أنهأصغرهم سنًا إذ لم يبلغ بعد سن العشرين ويدرس بالسنة الثالثة تقنية وقد كان تحت مراقبتهم الدائمة ومضايقتهم له بالتحقيقالمستمر، حتى ضجر وتسببوا له في الرسوب رغم أنّه كان من النجباء و من شباب الحي أيضاً الشاب بلال الحجري جيء به من سوريا، وأنيس الكريتي جيىء به من الجزائر، وأنه بحسب ما روى لي أخوه، زميل لي في الدراسة، تعرض للتعذيب خاصة بالجزائر، هناك كثيرين من منزل بورقيبة لا أستحضر أسماءهم، وآخرون زملاءاً لي تعرضوا خلال الإيقافات للتعذيب سواءاً في الداخلية أو في المراكز من بينهم ابن عمي حامد الزياني و مروان بن نصر أيضاً زميل لي جرى الاعتداء عليه وأخرون من الشباب، بل انه خلال التحقيق استدعوا كل الأسماء التي وجدوها بالهاتف الجوال لأنيس حتى الشيوخ، أما محجوب فهو في اضراب عن الطعام هذه الأيام، هو و نادر الفرشيشي (يعود تاريخ هذه الشهادة إلى شهر سبتمبر 2005) وهي ثالث مرة يدخل فيها محجوب الإضراب منذ اعتقاله وهما يشكوان من اكتضاض غرفة السجن التى يقيمان بها مع 133 سجين، ويسب فيها الجلالة ويكثر فيها المدخنون ومحجوب يعاني مثلي بمرض الحساسية، وقد اشتكى محجوب ورفاقاً له عبد البارئ العايب ونادر الفرشيشي وكلاهما من بنزرت من اعتداء أحد سجناء الحق العام عليه ليتدخل الحراس ويضعوا حداً لهذا السجين إلا أن الحراس كانوا في صف السجين وعوقب نادر الفرشيشي بوضعه في العزلة لثلاثة أيام لضربه سجين الحق العام الذي سب أمّه وقذفها وهكذا دخل محجوب وعبد البارئ الإضراب احتجاجاً على ما حدث الى أن جرى تدخل الحقوقيون و الصليب الأحمر، حيث تم نقل عبد البارئ من غرفته بالسجن إلى أخرى كما نقلوا سجين الحق العام و مما يذكر أنّ نادر وعبد البارئ بقيا لمدة طويلة يبيتون على الأرض ولم يحصلوا على سرير(سرير لكل ثلاثة أنفار) إلا بعد الإضراب المذكور.

وقد أخذوا وحدة جهاز الكمبيوتر الخاص بي منذ 23 أفريل الماضي ولم يعيدوها إلي(تم استرجاعها منذ شهر واحد بعد التدخل لدى السيد زكريا بن مصطفى)، أخذوها مع أقراص مضغوطة لها علاقة بدراستي(الهندسة الإعلامية)وقد ادعوا في المحضر الذي حرروه ضد محجوب، أنهم يوم 1 ماي جاؤوا بمحجوب من الداخلية الى منزل بورقيبة ومعه رئيس أمن إقليم بنزرت وسلّمَهم هو بنفسه الأقراص التي تحتوي على التدريب على الجهاد!! ولم يذكروا شيئاً عن وحدة جهاز الكمبيوتر الذي أخذوه معهم. والحقيقة أن محجوب لم يعد من يوم إيقافه و أن الأعوان” رشيد”و “بليغ” وأخر يسمونه “ولد الشيّيات” وسامي جاؤوا الى المنزل عند المغرب ولم يكن بالمنزل غير الوالدة التي رغم أنها طلبت منهم عدم الدخول لكونها وحيدة في المنزل، الاأنها لم تستطع منعهم رهبة منهم، وعندها أخذوا وحدة جهاز الكمبيوتر والأقراص المضغوطة وعددها حولي الثلاثين وجميعها تتعلق بدراستنا، وحين ذهب اليهم أبي وطلب منهم إرجاع المحجوزات، أنكروا مجيأهم وأخذهم تلك المحجوزات.


صابر بن مبروك الزياني


شقيق السجين محجوب الزياني

[*] أخذت هذه الشهادة من صابر الزياني في شهر سبتمبر من سنة2005أي بعد اعتقال شقيقه محجوب بنحو أربعة أشهر.