لا يخفى على أحد أن ما يحدث اليوم على الساحة السياسية العربية ليس من الظاهر إلا في خواتيم الأمور، وهي أقل ما فيها من أهمية؛ أما فواتحها، فتخفى عن الأنظار لأنها من الباطن الذي هو من المضنون به على غير أهله.
ولا شك أن مثل عبارات الظاهر والباطن غير غريبة على من يعرف الفكر الصوفي من المسلمين، إلا أن النزعة الغالبة في التقليل من أهمية هذا الفكر في الحضارة العربية الإسلامية تجعله لا يعيرها القيمة الفذة التي لها وما تختزله من معاني ودرر في فهم الواقع على حقيقته.
إن الفشل الذريع للإسلام السياسي بأرض مصر لهو فاجعة كبري، لا لما ظهر من الأحداث وما سيظهر، وخاصة ما يتبعها من ظلم وتعسف للبعض وللحريات بصفة عامة، إذ هي الأولي التي يُعتدى عليها في مثل هذه الظروف، بل أساسا لما كان من إهدار لحكم توفرت له كل حظوظ النجاح، فتبخرت كأن لم تكن.
لن نتعرض هنا لما حفّ بهذه الفاجعة من أسباب ومسببات، ولن نقول شيئا في ما يخص مسؤولية هذا أو ذاك، فنحن نخاطب القاريء الذكي الفاهم لوحده كل ما ظهر وما بطن حسب المبدأ الذي هو أساس فكرنا، ألا وهو أن الحقيقة لا تُمتلك، إذ هي الأفق الذي نرنو إليه والبعد الذي نقربه دون بلوغه أبدا. فلا حقيقة واحدة بل حقائق متعددة، وذلك ما أسميه بكوكبة الحقائق أو الحقيقة الكوكبية Constellation de vérités.
نعم، سنعرض لما خفي من أحداث مصر ولباطنها ولكن من الزاوية التي أدت إلى ما نعيشه اليوم، وهي فشل الإسلام السياسي بأرض النيل. وإذ لا نعود إلى الأسباب والمسببات، فذلك ليس بالمهم؛ ولا فائدة للعودة إلى الوراء، فالأفضل التقدم بما تخلّف إلى الحاضر حتى يكون مجددا للإسلام العود على البدء، وإن لن يكون ذلك على أرض الكنانة بعد ما جرى بها، على الأقل في الإبان.
وإذ نفعل ذلك، فبالإشارة إلى الوضع الراهن بتونس حيث ندعو للأخذ بما سنقول حتى لا يلحق الفشل الذريع أيضا تجربة الإسلام السياسي بتونس، وقد بدأ عند البعض العد العكسي لها. فكل المؤشرات تدل على النار الهادئة التي تُطبخ عليها جميع أنواع الأطعمة الشهية قد أشعلت بعد؛ بقي أن تُقرر ماهية الأكلة النهائية وقد تعددت، بل وكثرت فطغت التوابل.
ولعله من المفيد، قبل الغوص في هذا الباطن والنفوذ إلى الجوفية المركزية للسياسة الإسلامية كما كان لها أن تكون، أن نشير إلى أننا ممن لا ينفي الدور الكبار للطرف الأمريكي في لعبة الربيع العربي السياسية؛ إلا أننا نرى أنها من باب المزامنة والتواصل قبل أن تكون من بقية الزوايا التي لا يمكن تجاهلها دون فرضها كحقيقة، بما أنه لا حقيقة واحدة وحيدة كما سبق أن قلنا.
ثم علينا أيضا التذكير بأنه من الواجب الأكيد أن نخرج ، في تونس اليوم، من بوتقة التخريش والتخريف لإيجاد ما انعدم في الفكر الإسلامي السياسي الحالي وقد زخر به تراثنا التليد، فلا طارف في الذي سأقوله، إنما كله من الأصالة بمكان وهو مما يمكن أن تتأصل به الديمقراطية التونسية في بناء الجمهورية الجديدة.
إلا أني لن أعود هنا إلى ما سبق أن قلته فعددت المقترحات العاجلة التي من شأنها، أخذا بالمتخيل الإجتماعي، طرح ما تعكر في المشهد السياسي لتسريح عودة الصفاء إليه. سأكتفي هنا بعملية بحث أثرية أو تذكير، كعالم في العاديات، بحقائق ثابتة من شأنها المساعدة على توجيه دفة المسار السياسي نحو الاتجاه الصحيح، اتجاه النجاح في الانتقال الديمقراطي مع أو رغم الصبغة الإسلامية، بما أننا نعتقد، كما بيناه ونبينه في مقالات أخرى، أن الإسلام ديمقراطي أساسا، أو هو ليس بالإسلام في شيء.
اختزال الإسلام حسب ابن عربي :
وفي هذا العمل، سنعتمد على أفضل ما أنتجه الفكر الإسلامي على الإطلاق، ألا وهو فكر ابن عربي الذي يبقى تلك العلامة المضيئة في سماء الروحانيات في العالم أجمع. وهو لذلك وبحق أحسن ما يختزل مباديء الإسلام السامية في علميتها وكونيتها.
ونظرا لما قيل في ابن عربي من ترهات، فلنسارع بالتذكير أن أحد أقطاب السلفية، ألا وهو الإمام ابن تيمية، أنصف فكره رغم ما عُرف عن الشيخ السلفي من شدة إنكار عليه؛ فقال عنه بالحرف الواحد : «إنه أقرب القائلين بوحدة الوجود إلى الإسلام وأحسن منهم كلاما في مواضع كثيرة فإنه يفرق بين الظاهر والمظاهر… ويأمر بالسلوك بكثير مما أمر به المشايخ من الأخلاق والعبادات» (رسائل ابن تيمية، طبعة المنار، ج 1 ص 176).
ومعلوم أن أبن عربي عُرف بنظرية وحدة الوجود، وهي خير ما قيل في الفكر التوحيدي على ضعف فهم العامة لهذا المصطلح وخطأ العديد في ذلك، مما حدا بالبعض منهم إلى تكفير شيخ الصوفية، بينما نزههه عن ذلك العديد منهم ممن رسخوا في العلم فاتبعوا طريقته.
وقد تحدث ابن عربي عن مذهبه في الفتوحات المكية ولكن بأسلوب عسير الفهم؛ والحق يقال أنه أبهم في كتاباته، فعسر فهمها على الناس. ذلك لأنه وإن ميز كغيره بين عقيدة العوام وعقيدة الخواص، وقد رأينا هذا عند كل الصوفية، بل وحتى غير الصوفية كابن رشد، فهو يضيف إلى ذلك ما يسمية عقيدة الخلاصة أي خلاصة الخاصة أو صفوة الصفوة بتعبير آخر.
ولا شك أن الحال نفسه في السياسة؛ فللعامة نظرة ليست بالمخطئة لما يمكن أن نسيمه، اعتبارا بابن عربي، وحدة الحقيقة، إلا أن تجلياتها تختلف حسب الناس؛ فمن رزقه الله الفهم في السياسة يعرف أمرها ويميّز فيها بين ما ظهر وما بطن. فهي، عند ذلك، العلم الحق والقول الفصل إلى إن يأتى ما يخالفها حسب المنطوق العلمي الذي يضيف مرمى وراءها. ذلك لأنه، اعتمادا على ما صح عن باشلار، تقف صحة الحقيقة العلمية على حدوث ما يأتي فيناقض الحقيقة القائمة من حادث جدلي Fait polémique؛ فليست الحقيقة واحدة، وهي خاصة لا نهائية أبدا، بل هي في تطور وتغير أو في قابلية جذرية للتطور والتغير. فالحقيقة، كما أقوله عادة، هي أفق نتوجه نحوه ولا نصله أبدا Vers-ité.
إن ما يلخص مذهب ابن عربي يتمثل في أن الحقيقة الوجودية واحدة في جوهرها وذاتها وإن تكاثرت في صفاتها وأسمائها؛ وليس ذلك بالتعدد إلا من جهة الاعتبارات والنّسب والاضافات. وهذا هو مذهب وحدة الوجود الذي لم يوجد في الإسلام في صورته الكاملة والنهائية إلا عنده، إذ يُعتبر الواضع الحقيقي لدعائمه والمؤسس لمدرسته.
فأقطاب الصوفية في نهاية القرن الثالث الهجري، أمثال البسطامي والجنيد وتلميذه الحلاج، تحدثوا عن وحدة الشهود لا وحدة الوجود، حيث أن الفناء عندهم كان في حب الله عن أنفسهم وعن كل ما سوى الله، إذ لم يشاهدوا في الوجود غيره. فعند هؤلاء وحدة الشهود هي من باب فيض العاطفة وشطحات الجذب، بينما وحدة الوجود عند ابن عربي هي نظرية فلسفية قائمة الذات في الإلاهيات.
فالفرق مثلا بين ابن عربي والحلاج الذي رأى نفسه الحق في حالة من أحوال جذبه أو مع ابن الفارض، وهو من معاصري ابن عربي، الذي اتحد تمام الاتحاد بمحبوبه، هو أن ابن عربي ينظر لوحدة الحق والخلق لا بوحدته هو بالذات الإلهية أو فنائه في المحبوب. ففلسفة ابن عربي هي أكثر من مجرد نظرية في ثنائية الطبيعة الانسانية المؤلفة من لاهوت وناسوت؛ فهذه نظرية في الحلول ولا في الاتحاد الذي هو في وحدة الوجود.
ومذهب ابن عربي ليس بالمذهب المادي، فهو لا يحصر الوجود فيما يتناوله الحس وتقع عليه التجرية، بل هو مذهب روحي روحاني يخص الألوهية المحل الأعلى، إذ يعتبر الله الحقيقة الأزلية والوجود المطلق الواجب الذي هو أصل كل ما كان أو يكون من كائن. أما العلم الموجود فهو كوجود الظل بالنسة لشخصها أو صورة المرآة بالنسبة للمرئي. فالعالم ليس إلا خيالا وحلما يجب تأويله لفهم حقيقته، فلا وجود في الحقيقة إلا لله وحده، إذ هو الوجود الحقيقي الأوحد.
أما علاقة الله أو الحق بخلقه، فتتلخص في وجود الحق في ذاته، وهو الوجود الحقيقي، ووجوده في أعيان الممكنات، وهو الوجود الاضافي له. ولا مجال للتفصيل هنا والتدقيق، إذ يكفي لنفهم المعنى أن نعلم أن مثال ذلك هو ما قلناه عن الظل بالنسبة لعين الشي، فالظل لا يعطي الأشياء وجودها، وهي هنا الخلق، إلا من العين وهو الحق.
وعالم الخلق أو عالم الظاهر في تغير مستمر وتحول دائم، أو قل هو في خلق جديد متجدد. أما الحق فهو على ما هو عليه منذ الأزل. والذات الإلهية هي في الوقت نفسه منزهة عن صفات المحدثات وعن كل ما له علاقة بالوجود الظاهر، لوجودها المطلق. ولكنها أيضا متصفة بصفات، هو وجودها النسبي بما أنه يتعين في صور أعيان الممكنات.
وليس المهم هنا التدقيق في موضوع التشبيه والتنزيه أو غيره من المواضيع من جليل القول، إنما المهم ما تتضمنه نظرية وحدة الوجود من طرافة بخصوص الموقف من الله حسب ما أتت به الأديان المختلفة. والأهم من ذلك ما يمكن أن نستخرج منه لفائدة الإسلام اليوم في تجربته السياسية الراهنة.
قواعد الإسلام السياسي الناجح :
إننا إذ نستلهم من فكر ابن عربي في حديثنا عن الإسلام السياسي بتونس، فنحن نعني طبعا هذا الإسلام الحاكم وكيف له أن يبقى بالحكم، أو يعود إليه بسلم إن غادره بسلم، ما دام الدين الذي يستوحي منه برنامجه السياسي من مكونات غالبية الشعب. إلا أننا نعتقد أن الفهم الحالي للدين، علاوة على أنه من الخطأ الفادح في تزمته حسب المنطوق الشرعي البحت، لهو مما يخالف قواعد النجاح على سدة الحكم ومآله الفشل عاجلا أم آجلا.
لقد أدى فكر ابن عربى، وخاصة مذهبه في وحدة الوجود، وقد لخصناه بإيجاز شديد، إلى تغيير مفاهيم الاصطلاحات الدينية المعروفة واستبدالها بمفاهيم أخرى تتفق وروح مذهبه، دون أن تبعد في شيء عن روح الدين الإسلامي. لذا، فمن النوك عدم العودة إلى مثل هذه المفاهيم بالاغتراف من فكر كهذا في التجربة السياسية الراهنة.
فلا بد للإسلام السياسي بتونس، كما بغيرها من البلاد العربية الإسلامية، من الخروج من الدروب المطروقة وعدم الوقوف على الرسوم الدارسة؛ إذ لا نجاح للإسلام السياسي إذا لم يغيّر قواعد العمل السياسي عنده من المفاهيم الفقهية المتحجرة التي تلازمه إلى مفاهيم فلسفية صوفية هي أقرب إلى المعطى السياسي اليوم في عالم مابعد الحداثة في عودته الأكيدة إلى الروحانيات.
لقد هدم ابن عربي ما بلي من الفكر الإسلامي ليبني على أنقاض ظاهر الشريعة، فكانت قراءته للدين الإسلامي أعمق في روحانيته وأوسع في أفقه وأكثر إرضاء للنزعة الانسانية العامة من كل ما تصورة أهل الرسم من الفقهاء والمتكلمين. كذلك يجب علينا اليوم أن نستلهم من عمله في قراءتنا السياسية لديننا حسب ما تقتضيه النشأة الإسلامية المستأنفة. فهي ضرورية، ولا شك، على رأس كل قرن على الأقل، ولا بد للإسلام السياسي أن يجدد فكره فيتجدد ليُقدّر له النجاح في مجال السياسة وقد أحاطت به الدواهي من كل ناحية مشككة في حسه الديمقراطي الأصيل.
إن للسياسي المسلم في فكر ابن عربي لمن القوة والحيلة ما يغنيه عن الدهاء الخسيس الذي يركن إليه اليوم للمغالطة، باعتماده مثلا شعار الإسلام الوسطي، وليس هو إلا من باب الخداع لبقائه على تحجر نظرته حسب فقه قديم كان ثوريا في زمن ولى وانقضى. إن الثورية بحق اليوم تكون بالعودة إلى مثل اجتهادات ابن عربي وقد مكنه من الارتقاء بمعنى الألوهية إلى أعلى المراتب.
فمن الممكن الاستلهام من فكر ابن عربي في الميدان السياسي وذلك من ناحية وجود الألوهية الروحي والوجوب الذاتي لله لوجوب الحق له. فالآخد بالإسلام السياسي يكون عندها في رعايته لحقوق الله كما يقول ابن عربي في فاتحة فصوص الحكم متكلما عن الله : «منزل الحِكَم على قلوب الكَلِم بأحديّة الطريق الأمَم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والممل لاختلاف الأمم.»
وهذا يعنى بصريح العبارة أن الإسلام السياسي ليس له أن يكون مختلفا في أخذه بالمباديء الديمقراطية وحقوق الإنسان عن المعايير الدولية والاستحقاقات الشعبية كما جاءت بها القوانين والاتفاقات الدولية المنظمة للحياة البشرية.و طبعا لا يكون ذلك من باب المحاكاة والتقليد الإيمائي، وإنما لأن هكذا منطوقها في الإسلام نفسه حسب فهمه الصحيح ومقاصد شريعته السمحة.
فالمسلم الحق هو الإنسان الكامل، حسب النظرية التي عُرفت عند ابن عربي، وإن وجدناها أيضا عند الصوفي الآخر عبد الكريم الجيلي. ولا غرو أن هذه النظرية ليست إلا التعبير الإسلامي لما نجده في الديانتين اليهودية والمسيحية من أن الله خلق آدم على شاكلته. وقد مكن ذلك الصوفية من بناء نظرية الحلول التي تفرق في الطبيعة الإنسانية بين مكونين هما اللاهوت والناسوت، وهما طبيعتان لا تتحدان أبدا وإن امتزجت إحداهما بالأخرى كما تمتزج الخمرة بالماء.
وقد أخذ ابن عربي بهذه الفكرة دون أن تجعله يقول بتأليه الانسان، إذ هو لا يعتبر اللاهوت والناسوت إلا مجرد وجهين لحقيقة واحدة، لا طبيعتين منفصليتن. فالصورة الخارجية هي الناسوت، والصورة الباطنية في حقيقتها هي اللاهوت. فبذلك هما صفتان متحققتان لا في الإنسان وحده بل في كل الموجودات؛ وذلك هو الجوهر والعرض أو الظاهر والباطن. وبهذا، يتجلى الحق، أي الله، في الإنسان الكامل أي في أعلى صور الوجود وأكملها، كما يتجلى في جميع صور الوجود.
هكذا، تكون للإنسان حقيقة المنزلة الرفيعة التي شرفه بها الله بأن حمّله الأمانة؛ فالإنسان عند ابن عربي لهو أكمل مجالي الحق عندما يصل إلى مرتبة الكمال، فهو «المختصر الشريف» و«الكون الجامع» لجميع حقائق الوجود ومراتبه؛ وهو بذلك أيضا العالم الأكبر. أما، في انتظار ذلك، فهو أيضا العالم الأصغر الذي تنعكس فيه كمالات العالم الأكبر والصفات الإلاهية السامية.
بهذا، يكون الإنسان المسلم الكامل هو الجنس البشري في أعلى مراتبه عندما تجتمع عنده كمالات الوجود العقلي والروحي بذوبان طغيان المادة فيه. ولكن لا يصدق ذلك في الحقيقة إلا على أعلى مراتب الإنسان وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء؛ بينما المسلم الكامل هو الذي ينتهج نهجهم بأخذه بسنة السلف الصالح. فالإنسان في تطلع متواصل للأفضل، لا تهم نواقصه بقدر ما يهم قدر اكتماله لكماله؛ لأن الهنات والصفات في الإنسان مدعوة للزوال لأجل الكمال.
وبهذا نفهم كيف يرى ابن عربي أنه لا ثواب ولا عقاب في الإسلام الحقيقي على صورته التي عهدناها في فقهنا، إذ أن الثواب عنده هو اسم ناشيء عن الطاعة في نفس المطيع كما أن العقاب هو إسم للأثر الناشيء عن المعصية في نفس العاصي. وتأصيلا على ذلك، فمآل الخلق جميعا إلى الله، سواء من قدر له الدخول في الجنة ومن قدر له الدخول إلى الجحيم؛ وليس كل ذلك إلا من النعيم، وإن تعددت صوره واختلفت، لأن العودة إلى لله لا يمكن أن تكون إلا من النعيم، بما أنه أرحم الراحمين. فرحمة الله وسعت كل شيء؛ وليس في الوجود من شيء إلا وتذكره الرحمة الإلهية.
أما الاختلاف بين أهل الجنة وأهل النار فهو مجرد اختلاف في درجة معرفة الله وفي مرتبة التحقق بالوحدة الذاتية مع الحق. لذا فالنعيم المقيم هو ذاك الذي يصل إليه الإنسان عندما يكتمل؛ فنعيمه على قدر قربه من الله. ومن تحقق بالوحدة الكاملة في حياته وعرف سر هذه الوحدة بالعمل المثالي والتصرف الأمثل، محترما غيره رافضا المظاهر والمراءات، كان له أعظم قسط من النعيم. أما من سترته الحجب عن هذه الوحدة وأخذ بظواهر الأشياء رياء، فخبث قوله وفعله، حتى وإن تمسك بالرسم الفقهي والتزم الشعائر، لم يدرك إلا الجزء القليل من أسرارها، فكان نعيمه على قدر إدراكه.
معنى هذا أن لا مجال في الإسلام السياسي للتفريق بين خلق الله، فلا تمييز بين مؤمن وكافر؛ فإنما المعبود هو الحق الواحد مهما تعددت صور اعتقادات الناس فيه؛ ولا مجال للوجود المادي بمعنى قصور الحقيقة على العالم، بل لا مجال إلا للوجود الروحي، إذ الوجود الحق قاصرا على الله وما العالم إلا ظـلا له وصورة.
ولا شك أننا بأخذنا بمثل هذه التعاليم نضمن للإسلام في تجربته السياسية بتونس النجاح بانتهاج أفضل وسائله، وذلك مع البقاء، كما يقول ابن عربي في نهاية فاتحة فصوص الحكم َ«ممن أُيّد فتأيد وقُيّد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد وقيّد».
ولنختم قولنا هذا بأبيات لابن عربي من نفس فاتحة الكتاب، هي هدية منا للمسلمين في مستهل شهر رمضان الكريم:
فمن الله فاسمعوا / وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما / أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصّلوا / مجمل القول واجمعوا
ثم مُنّوا به على / طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي / وسعتكم فوسّعوا
مقال مليء بالكلمات الفضفاضة – فاجعة مثلا – والاخرى الموضوعة فقط للزينة بينما لا تفيد شيئا للتاكيد على اطروحة الكاتب. ما لا يعيه صاحب هذا المقال أن الاسلام السياسي لا يمكن ان يكون ناجح او أساس لقيام أي مجتمع أو دولة بالمفهوم الحديث. حتى لو نجح في تطوير الاقتصاد والمشاكل الاجتماعية فأنه لم ولن يتصالح مع الحريات ومبادئ حقوق الانسان. عندما نتبنى ديانة دون اخرى كمشروع سياسي فنحن ندخل بالضرورة في الحكم بعالم الغبيبيات. مما يعني أن المجتمع بالضرورة سيقسم على اطراف خيوط الديانة والطائفية. الجميع يعلم أنه لم ولن نجد أي حل لتواصل المجتمعات القائمة على الطائفية، طبعا التاريخ يعلمنا الحلول الوحيدة كانت المجازر والحروب والتطهير العرقي. لكن هل نريد اعادة التاريخ؟
أعتقد أنه يمكن للجناح المحافظ والمتدين للمجتمع التونسي والذي مثل نسبة لا بأس بها ان يكون ممثلا سياسيا دون رفع شعارات طائفية ودينية اقصائية. كيف تريد بناء مجتمع مسالم وأول اهدافك هو ارساء محجتمع مبنى على مشروع ديني غبيبي لا يشاركك كل المحتمع فيه؟
أخيرا، تعاليم الدين الاسلامي وخاصة الحديث تحتوي على الكثير من النصوص المعادية للديمقراطية وحتى أبسط الحريات. مثلا ماذا عن الارتداد عن الاسلام؟ ماذا عن حرية الملبس؟ ماذا عن العدالة الجبائية؟ يا اما انتم بالحاجة إلى اعادة انتاج الدين الاسلامي من جديد أو أرجوكم توقفوا عن بيع سلعة فات تاريخ صلاحيتها منذ سنون، وقريبا سيفوت تاريخ صلاحيته كسلعة سياسية أيضا بعد أن يفيق المجتمع بالاكذوبة الفكرية الكبرى التي تروجون لها.
@Kais Gabsi
الإسلام، يا سيدي، أحببنا أم كرهنا، دين ودولة؛ فهذا معطى لا مفر من التعامل معه وإلا كان كلامنا خارج الموضوع تماما. كيف يكون إذا العمل مع الإسلام السياسي ولا إسلام بدون سياسة؟ هل نقصي أصحابه من الحكم إذا أتوه بصناديق الإقتراع؟
لقد كان الإسلام حديثا قبل الحداثة السياسية وتلك حداثته التراجعية؛ فهو قابل للديمقراطية إذا تخلصنا مما رسب فيه مما شوه حقيقة تعاليمه. إن الإسلام ديمقراطي في روحه، احترم الحريات وحقوق الإنسان قبل أن يقبل بها المجتمع البشري؛ فليس الخطأ في الإسلام إذا تنكر أهله اليوم ومن يدعي الانتماء إليه إلى مباديء الديمقراطية في مفهومها العالمي ومعايرها الدولية؛ فهي كذلك في الإسلام الصحيح إذا عدنا إلى النص المحض وتركنا جانبا ما حصل في فقهنا من تأثيرات وتأويلات لا تمت بصلة إلى الإسلام الحقيقي. وقد بينت ذلك في عديد من المقلات، ومنها موضوع الردة الذي ذكرت، فلتعد إليها.
آلمهم اليوم هو السؤلا الآتي : هل من يحكم على الإسلام بأنه غير قابل للديمقراطية يعمل لأجل الديمقراطية حقا أم همه العمل ضد الإسلام؟ أنا أقول أن الإسلام ديمقراطي بأتم معنى الكلمة في روحه، وأدلل على ذلك بأمثلة عديدة معللة. أما من يقول بغير هذا، فليدلل على ذلك، على أن لا يستشهد، كما تفعل أنت، بما نرى في البلاد الإسلامية بما أنها لا تأخذ حقا بتعاليم الإسلام كما هي في روح الدين ومقاصد الشريعة. ليناقش أطروحاتي وأطروحات من يرى مثلي أنوار الإسلام الساطعة لا ظلمات أهله.
لذا أقول أن أفضل مثال للإسلام، إذا أراد النجاح حقا في الميدان السياسي، وله أن ينجح نجاحا باهرا كما نجحت الديمقراطيات المسيحية وهي أقل احتراما في الأساس من الإسلام للحريات وحقوق الإنسان، هو الإسلام الصوفي. والعودة إلى هذا الإسلام ضرورية في نطاق النشأة الإسلامية المستأنفية، إذ الإسلام يتجدد في تأويل حرفه حسب تغير الأحوال البشرية، حيث الأهم فيه هو أن تبقى تعاليمه وفية لروحه السنية.
فكفانا تلاعبا بالألفاظ ولنكن صرحاء مع أنفسنا : فأما أن نكون ضد الإسلام، وهذا من حق الناس، ولكن ليقولوه، فلا يكذبوا على الإسلام. وأما أن نريد الديمقراطة بالفعل، فلا يجب عندها أن نرفضها ما دام الإسلام الذي أتحدث عنه لا يتنافى مع مبادئها، بل لنعمل على التثبت من صحة ذلك إذا أردنا، ثم لنروج له بين عموم المسلمين عوض التهجم على مشاعرهم، إذ بذلك، ولا شك، سنكسب الأنصار للديمقراطية حتى بين صفوف المسلمين النزهاء المتمسكين بدينهم عوض جعلهم يخلطون بين الديمقراطية والمعاداة للإسلام فيخلقون لأنفسهم ديمقراطية وهمية ويرفضون ما بدا لهم اعتداء على دينهم. فلنكن نزهاء مع أنفسنا ومع الحقيقة التاريخية إذا أردنا حقا خدمة الديمقراطية دون الوقوع في فخ المعاداة لدين هو ثقافة شعب قبل أن يكون شعائر وطقوس!
لو ان الاسلام السياسي سيعتمد على الفلاسفة الربوبيين كابن عربي و غيره , فلا مجال وقتها للحديث عن اسلام سياسي اصلا ,فعند تأويل النص الديني باطنيا , يكون الانسان هو مصدر التشريع و تلك هي العلمانية في ابهى صورها
@ كريم
ليس الإسلام، يا سيدي، ما حصل عندنا من فقه، فذلك اجتهاد أفاد في عصر، وتهافت اليوم. فالإسلام يبقى في القرآن أولا والسنة الصحيحة ثانيا. أما التأويلات، فكما صحت يوما، لها أن لا تصح في يومنا الحاضر؛ إذ لا يبقى النص أزليا في حرفه وتأويله، بل في روحه ومقاصده. فالروح لا تتغير، بل تتغير تأويلاتها.
وهذا ما لا يفهمه معظم من أراد العمل بتعاليم الإسلام، فتمسك بتأويلات ونسي أن يعمل عقله للعودة إلى الأصل ومقاصده فيأتي بتأويلات أدق وأصح وأكثر فهما للدين. وهو بذلك يخالف أحد أهم تعاليم الإسلام، ألا وهو الاجتهاد العقلي.
وقد فهم أهل الصوفية الأوائل ذلك فأعطو للإسلام أبهى حلة، وكان ذلك قبل العلمانية وقبل إعلانات وتشريعات حقوق الإنسان. فالإنسان كما عرفه الصوفي لهو مصدر التشريع حقا، وهو السيد على الأرض، وإلا لما حمله الله الأمانة ولما كان خليفته؛ وهذه هي الثورية الإسلامية وقد جاءت قبل أن تقول بها العلمانية !
après les imbéciles furieux,on a les imbéciles heureux.
فلا حقيقة واحدة بل حقائق متعددة، وذلك ما أسميه بكوكبة الحقائق أو الحقيقة الكوكبية
il nous dit cela mais il ne se gêne pas de réclamer une lecture vraie de l’islam. pour lui le problème de l’islam politique c’est qu’il n’applique pas le vrai islam. il vante les droits de l’Homme et la démocratie mais il oublie que ces principes ont été forgés par des Homme qui ne manifestaient pas forcément un attachement à un dieu au contraire ils étaient les farouches adversaires de la religion. ils faisaient dans le divin sans y croire ?
une autre espèce de commerçants de la religion mais elle est plutôt soufi.
ne vous inquiétez pas la laïcité respecte la liberté de conscience alors lâchez la politique et allez poursuivre votre projet messianique dans les mosquées.
فأما أن نكون ضد الإسلام، وهذا من حق الناس، ولكن ليقولوه، فلا يكذبوا على الإسلام.
les petites cervelles qui voient le monde en noir et blanc sont incapables de voir les nuances. la démocratie n’a jamais été chrétienne et les chrétiens démocrates ont su s’intégrer dans la démocratie quand ils ont arrêté de parler au nom de la religion. on attend la même chose des partis politiques qui se revendique de l’islam politique. on veut sortir de votre débat stérile qui tourne autour de la religion alors que c’est plus simple de mettre nos croyances de côté pour travailler sur un vivre ensemble dans le respect. vous n’êtes qu’un takfiriste.
allez continuons à discuter du sexe des anges. l’islam véritable interdit d’égorger les bêtes parc qu’on sait qu’une dame a été condamnée à l’enfer parce qu’elle a maltraité une chatte. il faut arrêter de faire subir ce supplice sadique et barbare aux bêtes, l’islam véritable veut qu’on soit végétariens. et comme vous aimez mettre nos conneries sur le dos des judéo-chrétiens, je dirais que cette tradition est judéo-chrétienne. l’islam véritable n’accepte pas la circoncision parce que c’est une mutilation qui nous fait perdre des sensations et comme vous le dites dieu nous a crée à son image avec un pubis sinon il aurait pu nous créer sans le pubis. aller je rajoute votre argument favori c’est une tradition judéo-chrétienne.
allez vous soigner et arrêtez vos débilités vous avez passé l’age.
vous êtes le super croyant celui qui a percé les volontés divines,c’est bon on a compris allez vous coucher maintenant.
من دون موافقة صاحب المقال في كلّ ما فصّل فإنّي أراهُ يحدّدُ منهج عملٍ جديرٍ بالإهتمام.نحتاج التصوّف فعلا لأنّه يمنحُ الفكر مساحةً ورحابة يحرمُ الفقهُ منها منذ قرون.