GIF

أكبر سابقة لا خلاف عليها في هذا العام هو الحكم الكافكاوي على الصحفي علي المرابط بحرمانه من ممارسة العمل الصحافي لمدة عشر سنوات الذي أصدرته محكمة البداية الاولى في العاصمة المغربية الرباط. وكان هذا الحكم هو نتيجة قضية اتسمت بمخالفة القواعد والأصول. وهذا يبين نية السلطات المبيتة لإجبار علي المرابط على السكوت، في حين أنه كان في انتظار الموافقة على تأسيس جريدة جديدة.

وكان الباعث على رفع تلك الدعوى ضد هذا الصحفي هي تصريحاته في جريدة “المستقل” الأسبوعية عن الصحراويين الذين يعيشون في مخيم البوليساريو جنوب غرب الجزائر. وكان قد صرح بأن “الصحراويين ليسوا معتقلين” – كما تصرح البلاغات الرسمية – وإنما هم “لاجئون” طبقا لمفهوم الأمم المتحدة.

وبغض النظر عن وصفه بالخيانة في الحملة الصحافية الموجهة ضده والاحتجاجات التي نظمتها جمعيات غير معروفة حتى ذلك الحين، فقد رفعت شكاوي ضده في عديد من مدن المملكة. ونظرا للحساسية المفرطة التي يتسم بها موضوع الصحراء الغربية فمن الممكن أن تتسع دائرة العواقب التي تنتج عن الموضوع.

وقد كان قد حكم على علي المرابط في الحادي والعشرين من مايو/أيار 2003 – وكان آنذاك رئيس تحرير جريدة “دومان” وجريدة “Demain”– بالاعتقال لمدة أربع سنوات بتهمة “ثلب شخص الملك” و”النيل من سيادة التراب الوطني” و”النيل من النظام الملكي”. وتم تخفيف الحكم إلى ثلاث سنوات، وفي يناير/كانون الثاني 2004 عفى عنه الملك مع صحفيين آخرين.

وفي جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية المجاورة يقضي محمد بن شيكو مدير صحيفة “لوماتان” اليومية الناطقة بالفرنسية – التي لم يعد لها وجود – عقوبة السجن لمدة عامين، في حين أن المحامين الموكلين للدفاع عنه كانوا يتوقعون إطلاق سراحه بسبب سوء حالته الصحية، صدر الحكم ضده بعقوبتين أخرتين: ثلاثة أشهر حبس بدون إيقاف التنفيذ بعد دعوى رفعها أحد الوزراء ضده، وشهرين آخرين إثر دعوى رفعها ضده رجل أعمال.

كما صدر حكم بنفس العقوبة ضد أربعة صحفيين كانوا يعملون بجريدة “لوماتان”، وهناك قضيتان ضد صحفيين آخرين لم يبت فيهما بعد. والاتهامات التي ترتكز عليها الملاحقة القانونية ما هي إلا قذف وإهانة رجال الحكومة (ولا يوجد هناك تعريف دقيق لهذا المصطلح المقصود) أو قذف وتشويه سمعة رئاسة الدولة.

رقم قياسي في اعتقال الصحفيين

وفي موريتانيا أفرج في أبريل/نيسان من هذا العام مؤقتا على الصحفي محمد الأمين ولد محمودي، الذي قضى شهرا في السجن بسبب حديث صحفي أجراه مع امرأة شابة كانت إحدى المنظمات غير الحكومية قد تحققت من شخصيتها أنها أمة مسترقة كانت في طريق الهروب من أسيادها.

وفي بلد الياسمين التي تتأهب لعقد القمة العالمية حول المعلوماتية يتبين لنا أن النظام التونسي وعقيد ليبيا القذافي سجلا رقما قياسيا في اعتقال الصحفيين، وعلاوة على ذلك لا توجد حرية صحافية على الإطلاق.

وهكذا يتواجد المحامي محمد عبّو – الذي ألقي القبض عليه أول مارس/آذار هذا العام – بسجن انعزالي بمدينة الكاف إثر نشره مقال على شبكة الإنترنت عن فضيحة “أبو غريب”، ومقال آخر يتعلق بالدعوة الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون الذي سيشارك في المرحلة الثانية من القمة العالمية في تونس خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

وفي هذا المقال عدد مناقب شارون وقارنها بمناقب بن علي، وصدر الحكم ضده في 29 أبريل/نيسان الماضي بالحبس لمدة ثلاث سنوات ونصف لنشره معلومات خاطئة.

وحمادي جبالي رئيس تحرير صحيفة الفجر التابعة لحزب النهضة الإسلامي المحظور الذي يقضي عقوبة السجن منذ 1991 بدأ في التاسع من أبريل/نيسان هذا العام الإضراب عن الطعام مرة أخرى.

وكان حمادي جبالي قد اعتقل في 31 من يناير/كانون الثاني 1991 وحكم عليه في نفس اليوم بالحبس مدة عام بتهمة “القذف” إثر نشره مقال طالب فيه بإلغاء المحاكم العسكرية. وفي 28 من أغسطس/آب 1992 حكم عليه بالسجن لمدة ستة أعوام بتهمة “الإنتماء إلى منظمة سرية” و”محاولة قلب نظام الحكم”.

أكثر من ثلاثين سنة في السجن

وقد حطمت ليبيا الرقم القياسي العالمي بحبسها الصحفي عبدالله علي السنوسي الضراط، الذي يتواجد منذ 1973 في السجن دون تهمة أو قضية، ولا أحد يعلم شيئا عن مكان سجنه ولا عن حالته الصحية.

وفي ليبيا أيضا ألقي القبض في يناير/كانون الثاني من هذا العام على عبد الرازق المنصوري وهو تاجر كتب من مدينة طبرق يبلغ من العمر 52 عاما، ونقل سرا إلى طرابلس بتهمة نشر مقالات على صفحة الإنترنت في بريطانيا ينتقد فيها الحكومة.

وما ذكر هنا يشير إلى حالة يرثى لها، فعدم تقسيم السلطة وعدم تفعيل النظام القضائي يجعل الديمقراطية التي ينادي بها كل نظام محض خيال. وعلى الرغم من وجود تحسن فعليّ إلا أن ثمة طريق وعرة يجب اجتيازها حتى تطبق في الجزائر والمغرب حرية صحافية حقة، مع العلم بأن هذين البلدين أكثر البلاد تقدما في هذا المجال.

وفي المغرب العربي حدود لا يجوز تخطيها ومجالات لا ينبغي الاقتراب منها، مثل: رئيس الجمهورية والأسرة المالكة وشؤون الدفاع والجيش والرشوة. ولا يقصد بالرشوى الإشارة العامة على وجودها، بل الوقائع الحقيقية والمعلومات الصحيحة.

وأضف إلى ذلك المخابرات والحياة الخاصة للطبقة القيادية. فكل صحفي يحاول نشر وقائع أو مجرد تعليق على هذه الموضوعات يعرض نفسه للخطر, ولهذا ظلت الحرية التي ينادي بها الإعلام شكلية فقط.

رصاص الإسلاميين وقبضة السلطة

وهذا النقد لن يقلل من شجاعة الصحفيين الذين يجدون أنفسهم في مأزق بين الرقابة والسجن، إذا لم يتعرضوا للتهديد برصاص الإسلاميين الراديكاليين أو القبض عليهم من قبل رجال السلطة كما هو الحال في الجزائر.

ومع ذلك يجب ذكر حالة البلبلة التي يعيشها بعض الصحفيين، الذين يتحركون بين تقديم الحقائق والمعلومات للجمهور كفريضة وظيفية من ناحية وبين مكائد النظام الحاكم وأعوانه من ناحية أخرى.

فعلى سبيل المثال مزجت مجموعة من الصحافيين الجزائريين – أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2004 – نقدها لمرشح مقعد الرئيس بأكاذيب وقصص كانت وراءها شلة من العسكريين. وسوف يبقى هذا الموضوع عالقا في أذهان الناس لمدة طويلة.

ومن الممكن أن نضع حدا لهذه الملاعبات غير المهنية عن طريق التأهيل الجيد واحترام القواعد الصحفية، ولكن ذلك لن يكون كافيا دون أساسيات قانونية واقتصادية ضرورية لتحرير الإعلام من أعبائه الحالية في بيئة لا تتحول إلا ببطء شديد نحو الليبرالية.

بقلم حميد سكيف
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005
حميد سكيف صحفي وكاتب جزائري مقيم في هامبورغ وهو المدير التنفيذي لمركز التبادل الثقافي “ألف ما”

قنطرة