بقلم مرسل الكسيبي

بسم الله الرحمن الرحيم

ختمنا مقالنا ليوم أمس السادس عشر من شهر ماي الجاري من سنة 2005 ميلادية بالحديث عن مشروع للوفاق الوطني كعلاج يخرجنا من واقع الاقصاء الذي يسود الفضاء السياسي التونسي سواء في علاقة السلطة بالمعارضة أو في علاقة المعارضة ببعضها البعض أو حتى في علاقة بعض المعارضات بسلطة الاشراف , ولكم وددت يومها ألا أجعل من الحديث عن هذا المشروع مجرد خاتمة لمقالي انف الذكر ولكن مغالبة النعاس لي وشعوري بالارهاق في ساعة متأخرة من الليل اليا علي الاقتضاب في الحديث عن هذا المشروع وعدم الخوض في تفصيلاته.

مرة أخرى أجدني موضحا جملة من النقاط والضوابط لانجاح مثل هذه المبادرة السياسية قبل الخوض في جملة من تفاصيلها .

1-الضوابط والأهداف العامة لمبادرة الوفاق الوطني:

أولا :أدعو معارضتنا الكريمة وأطياف مجتمعنا المدني كما سلطة الاشراف في بلدنا الحبيب تونس الى عدم التشنج في التعاطي مع هذه المبادرة على اعتبار أنها جاءت من خارج دوائر الزعامات التقليدية, وبالمناسبة فانني لا أدعي لنفسي الزعامة أو أنشدها بطرحي لمثل هذه الأفكار بقدر ماأطمح للمضي قدما بمراتب الحوار واخراجه من دوائر الشخصنة للسجال كما أشدو من خلال مثل هذه التصورات الى مقاومة سلمية هادفة لما سميته في مقال سابق باحتكار الصناعة السياسية وقبل ذلكم كله أبتغي من خلال هذا العمل مرضاة رب العزة وخدمة الوطن المفدى.

ثانيا: ان مأساة السجناء السياسيين في بلدنا الحبيب تونس ومعاناة ضحايا السياسات الأمنية في التسعينات والمنتصف الأول من الألفية الثانية لما بعد الميلاد تقتضي منا الابتعاد عن النرجسية السياسية وعقلية الدكاكين الحزبية الضيقة أو منطق العقارات الايديولوجية التي تكون على ملك نفس الفضاء الايديولوجي وأقصد بذلك مبادرات بعض الأطراف التي تحتكر صفة الديمقراطيين.

ثالثا: على الاخوة الأعزاء في حركة النهضة عدم التضايق من مثل هذه المبادرة وعدم اعتبارها عملا موازيا يريد أن يسحب البساط من تحت أقدام قيادات الحركة أو القائمين عليها وأجدد الذكر أن ماأطرحه من أفكار مكتوبة هو محض اجتهاد شخصي نميته وطورته على ضوء جملة من الحوارات المباشرة أو الهاتفية أو بعد حالة تأملية في المشهد السياسي العام استمرت زهاء الست سنوات .

رابعا: أرجو من سلطة الاشراف في تونس الترحيب بمثل هذا التصور حيث أنه يهدف الى قطع الطريق على التدخل الأجنبي في سياسات بلدنا الداخلية كما أنه يريد ممارسة الاصلاح السياسي من داخل نفس الفضاء القائم دون الدعوة الى محاكمة للقائمين على الخروقات أو المظالم اللهم ان ارتأت السلطة نفسها مصلحة في معاقبة من تجاوز الخروقات الكبيرة التي مست حرمات الناس أو حقهم المقدس في الحياة .

خامسا: أرجو من الاخوة الكرام زوار المواقع الاليكترونية المختلفة من الذين اطلعوا على نص هذه المبادرة ابداء الرأي فيها في بعد تام عن الاتهام أو القدح والتجريح أو التشكيك في النوايا , وليتأكد الجميع من أحبابنا وأصدقائنا خارج البلاد وداخلها ان ماورد فيها(المبادرة) ليس مشروعا لحزب سياسي جديد بقدر ماأنها فضاء مفتوح لكل الاصلاحيين حتى وان كانوا من داخل التجمع الحزب الحاكم اي من الذين يطمحون الى مستقبل أفضل لبلدهم في بعد عن السياسات الأمنية وماجرته من مخاطر جمة على البلاد.

سادسا: ان هذه المبادرة مفتوحة بلا شك على كل الطاقات المبدعة في تونس الخضراء سواء كانوا منتظمين في أحزاب أو جمعيات تتعاطى مع الشأن العام أو مستقلين مهتمين بمصلحة البلاد وخاصة من الذين التزموا كثيرا من الصمت في العشرية الأخيرة بعد أن ملوا سياسات الصراع والتطاحن الحزبي أو الأمني.

سابعا: ان المساهمين في انجاح هذه المبادرة لا يحملون السلطة وحدها ماوقع من مظالم في الحقبة الفارطة وانما يعتبرون أن ماانزلقت اليه البلاد من سياسات أمنية كان نتيجة حتمية لنمط معين من التفكير لدى النخبة والطبقة السياسية مع تراوح في درجات تحمل المسؤولية.

ثامنا: هذه المبادرة لا تريد فتح جراحات الماضي ولا تريد اتهام طرف على حساب اخر كما أنها لاترغب في اشعار السلطة بعقدة الذنب وكل ماتريده هو النظر للمستقبل بعد معالجة مخلفات الماضي والعزم على الدخول في حقبة جديدة من تاريخ تونس المعاصرة.

2- تفصيلات المبادرة :

تريد هذه المبادرة تكوين تيار واسع للوفاق الوطني يجمع في أحضانه كل الراغبين في الاصلاح للشأن العام وهي في حقيقتها مبادرة تنتهي بتحقيق أهدافها اذ أنها ليست مشروعا لحزب سياسي وانما هي جملة من المنتديات داخل البلاد وخارجها تبدا بعقد ندوات سياسية مفتوحة على كل النخب المتعلمة والمثقفة في تونس والخارج تتطارح فيما بينها سبل تجاوز أزمات الماضي ومخلفاتها وتعالج بذلك جملة من القضايا المستشكلة في مختلف القطاعات على رأسها القطاع السياسي بصفته البوابة الرئيسة لمناقشة مشاكل مختلف القطاعات وتتطور هذه المنتديات الى كتابة مقرراتها وملاحظاتها بشكل منظم حسب مجالات التخصص ترفعها في نهاية الأمر الى مجلس موسع يتشكل من مختلف التيارات السياسية وجمعيات المجتمع المدني وبعض الشخصيات المستقلة الفاعلة في الحياة العامة بمعدل شخصين أو ثلاثة على أقصى تقدير عن كل تنظيم أو جمعية وبنفس المعدل عن الشخصيات المستقلة ولكن مع حق في مضاعفة هذا العدد بالنسبة للمستقلين بحسب القطاعات*(مثلا اثنين من المستقلين عن كل قطاع سياسي فاقتصادي فثقافي فاجتماعي …) ,ويشرف على متابعة حراك هذه الندوات أو المنتديات كل حزب أو جمعية ع!
لى حدة لتصوغ مطالبها ومطامحها في نهاية المطاف في شكل بنود وملاحظات يرفعها المجلس المذكور أعلاه الى سلطة الاشراف والى رئيس الجمهورية في ظرف زمني لايتجاوز السنة أو السنة ونصف على أقصى تقدير.

أما المستقلون فيرفعون مالديهم من تصورات وملاحظات الى المجلس المذكور أعلاه في أفق زمني لا يتجاوز الثمانية أشهر على سبيل المثال حتى يتمكن مجلس الوفاق الوطني من صياغة أمينة لمختلف المطالب المستقلة والاراء فيما تبقى من عمر المبادرة التي يصبح دورها بعد انتهاء المدى الزمني مقصورا على مجلس الأمانة الذي يتابع مسيرة الحوار مع أعلى هرم السلطة ويتابع نتائج هذا الحوار على مدار ستة أشهر تقريبا لينشر بعدها تقريرا للرأي العام الوطني حول نتائج هذه الحوارات وماتعهدت السلطة العليا فيه من اجرائات أوخطوات اصلاح.

في الأثناء يرجى من سلطة الاشراف الاقدام وفي أسرع وقت ممكن على مجموعة من الخطوات والاجراءات التي تخفف من مناخات الاحتقان كاطلاق سراح من تبقى من مساجين الرأي وايقاف المحاكمات السياسية وابلاغ شارون قرار العدول عن دعوته لقمة المعلوماتية في شهر نوفمبر القادم وتبادل المعارضة وهيئات المجتمع المدني مثل هذه الاجراءات بقرار عام للتهدئة على مستوى الخطاب والممارسة يكون معلنا من قبلها في شكل بيانات رسمية تستحسن ماقامت به السلطة من خطوات على طريق وضع حد نهائى أو شبه نهائي لحالة الاحتقان العام التي تتمعش منها بعض الجهات الخارجية أو تعود بالضرر على سمعة البلاد وأمنها واستقرارها.

في الأخير أذكر القراء الأعزاء أنه بالامكان تطوير المبادرة أو مزيد من ضبط معالمها على ضوء كتاباتهم المفتوحة أو الخاصة أو حتى عبر مكالماتهم الهاتفية وهاأنا مرة أخرى أؤكد للجميع أن مااحتوته من بنود ومعالم وضوابط هو من قبيل اليد الممدودة لكل التونسيين التي تريد أن تصافح الجميع بقلب مفتوح في بعد تام عن الحسابات السياسية أو الايديولوجية الضيقة وفي ارتفاع تام عن الجراحات الشخصية أو الرغبة في الانتقام من أي كان حتى وان ظلم أو جار.

أخوكم مرسل الكسيبي

ألمانيا الاتحادية

الثلاثاء 8 -ربيع الثاني 1426 ه الموافق ل17 ماي 2005