بلادي وإن جارت علي عزيزة , وأهلي و إ ن ظنوا بي كرام .
الوقت أزف , والعد التنازلي بدأ للمقابلة الأولى لفريقنا القومي , أربعة وعشرون ساعة تفصلنا عن هذه المباريات التارخية .
شعبنا كله خلف الفريق يدعو له بالتوفيق , لأن من ميزة هذه اللعبة الشهيرة, توحيد المواطنين على كل أطيافهم خلفها , حين تنطلق صفارة الحكم معلنة بداية المواجهة مع الفريق السعودي الشقيق , تهفوا القلوب وترفع الأيادي بالدعاء سائلة الله العلي القدير أن يكتب الإنتصار لفريقنا الوطني , لاشك أننا نريد للفريق السعودي التوفيق , لكن ليس هذه المرة على حساب ممثل تونس الخضراء , في هذا الإحتفال الدولي الكبير الذي ترفع فيه
الرايات خفاقة .

أغتم هذه المناسبة الوطنية , التي تجمع قلوب الشعب على حب الوطن العزيز , وأدعواالحكومة والمعارضة إلى كلمة سواء , وإلى إعادة النظر في بعض الملفات الشائكة , لماذا ؟ لا نجعل من هذه الفرصة مناسبة لطي الصفحة السوداء التي إستمرت طويلا وطال ليلها , ونفتح صفحة بيضاء جديدة , نكتب عليها ” والصلح خير ” ونخط فوقها بأقلامنا بالروح بالدم نفديك ياجوهرة المتوسطي , عهدا علينا أن نكون أوفياء لك ولهويتك إخوة متحابين ,نعمل
فيما نتفق عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيم نختلف فيه , بعيدا عن التآمر والإقصاء
لذلك
أقدم هذه الأفكار التي تعتبر حصيلة تبادل الرأي مع أصدقاء تونسيين يحبون بلادهم ويغارون عليها .

1ــ ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق ألإنسان
أفضل حل لهذا الملف , وهو الحل الأبسط والأيسر , هو أن يشكل أنصار الحزب الحاكم في الرابطة هيئة وطنية جديدة للدفاع عن حقوق الإنسان , يسمونها مثلا الهيئة التجمعية , أو الدستورية للدفاع عن حقوق الإنسان , وأن يتركوا الرابطة بهيئتها الحالية تعمل مستقلة عنهم .
وعند ذلك تنطلق المنافسة بين الرابطة القديمة , والرابطة التجمعية , والمجلس الوطني
لحقوق الإنسان , في مجال خدمة المواطنين والدفاع عن حقوقهم , علما أن البلاد تحتاج لهذه المنافسة , وتستفيد منها وتستوعب العديد من الجمعيات المنافسة الأخرى , واليعلم التونسيون كافة أن بوسعهم تكوين جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان في أسبوع واحد , بسهولة في أي دولة أوروبية , فمن المانع أن يتمتعوا بهذا الحق في بلادهم .

2ــ نصيحة مخلصة للحكومة
تستطيع الحكومة التونسية أن تعترف بهذه الجمعيات وتنال الثناء المحلي والعالمي لإنفتاحها وسعة صدرها . وهي تستطيع أيضا أن تسحب البساط من كل هذه الجمعيات في أسبوع واحد , وذلك عبر الكف عن إنتهاك حقوق الإنسان أصلا .

3ــ ملف المحامين
يمكن حل هذا الملف على الطريقة الفرنسية . فقد ألغت الحكومة الفرنسية قانون التشغيل الجديد عندما رفضه الناس , ولن تخسر وزارة العدل التونسية شيئا إذا تراجعت عن قانونها الجديد ودخلت في مفاوضات جديدة مع القيادة الشرعية المنتخبة للمحامين .

قانون الوزارة ليس وحيا إلاهيا , وإنما هو إجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب , رفضته الهيئة الوطنية للمحامين ومنها يصبح منطقيا أن تعود الوزارة لمائدة الحوار بدل التعنت واستخدام أجهزة الأمن ضد المدافعين عن القانون والعدالة .

4ــ ملف المعتقلين الإسلاميين
في البلاد الآن نحو مائتي معتقل إسلامي تقريبا هم الباقين وراء القضبان . وفي الخارج
يوجد آلآف الإسلاميين الذين يعيشون في المنفى منذ أكثر من خمسة عشرة عاما ..

وفي الداخل أكثرمن عشرة آلآف سجين إسلامي سابق يعيشون تحت وطأة الرقابة الإدارية , والحصار الإقتصادي المشدد الذي يحاربهم في لقمة العيش .

بعد خمسة عشر عاما من الآن بإذن الله سيكون كل هذا تاريخا يحكى , الذكر الطيب سيكتب للذين يساهمون في طي هذه الصفحة السوداء على أسس عادلة وسليمة .

بعض المنفين الذين يريدون طيها من دون قانون واضح يحميهم هم وأبناؤهم من أن يصبحوا ضحايا جددا في لحظة غضب , من صبر خمسة عشرة عاما , يسعه أن يصبر خمسة أعوام أخرى , حتى تصل البلاد كلها إلى تسوية شاملة لهذا الملف , وكلمة شاملة تعني أن تسود في البلاد تقاليد وقوانين تمنع السلطة , أية سلطة , من أن تملأ السجون من جديد بين عشية وضحاها .

الحل إذن أن نعمل جميعا كتونسيين من أجل أن نصبح دولة لها الحد الأدنى من الحريات السياسية والدينية والقانونية والإعلامية, وخاصة نحاول بتظافر الجهود أن نقنع المسؤولين , بإبعاد المرأة من المعركة ,لأن إدخالها في الصراع من خلال محاربتها في لباسها أضر بسمعة تونس ….لا أقول أن تصبح بلادنا مثل سويسرا , مع أن هذا من حقنا ونحن جديرون به كبشر وكشعب عريق في الحضارة , ولكن يكفينا أن نصبح مثل المغرب والكويت , وإلى ذلك الحين لنتعاون على الصبر , وعلى رفع معنويات بعضنا البعض والتمسك بالإصلاح غير المزيف , والنتذكر مرة أخرى أن كل ما نعانيه الآن سيصبح بإذن الله تاريخا , مجرد ذكريات حزينة عابرة .

” واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع
الذين إتقوا والذين هم محسنون ”
صدق الله العظيم