عبد الوهاب معطر

حوار مع الأستاذ عبد الوهاب معطر، المحامي و الحقوقي و نائب رئيس الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين.

نواة: توليتم أستاذ عبد الوهاب، في الهيئة الجديدة المنتخبة، خطة نائب رئيس الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين عَـقِب أزمة بدت كما لو أنها ستعصف بالجمعية، هل انقشعت سحب الأزمة الآن ؟

عبد الوهاب معطر: لقد كان انبعاث الجمعيّة منذ تأسيسها استجابة طبيعيّة للحاجة المتزايدة لإسناد المساجين السياسيين و دعم نضالاتهم داخل السّجون و خارجها و للضّغط على السّلطة لرفع المظالم المتواصلة عنهم سيّما أنّ الجمعيّات الحقوقيّة الأخرى لم تجعل هذا الموضوع في مقدّمة اهتماماتها لأسباب ليس هنا المجال للتبسّط فيها. و لقد ساهمت الجمعيّة في تسليط الأضواء على الجرائم المرتكبة في حقّ المساجين و ساهمت بذلك في التعريف بقضيّتهم و في الدّفع نحو الإفراج عن أغلبهم ليتقلـّص عددهم في سنة 2007 إلى أقلّ من خمسين سجينا.

و إنّ تقييمنا لعمل الجمعيّة أثناء هذه المرحلة هو تقييم إيجابيّ بفضل نضاليّة أعضاءها و نكرانهم لذواتهم و روح التآلف السائدة بينهم و هو أمر بدأ يتلاشى بين أعضاء الهيئة المديرة السابقة لأسباب بعضها خارج عن نشاط الجمعيّة وصل إلى حدّ الأزمة كما تقولون. إلا أن إرادة التجاوز كانت حاضرة حيث أمكن للأغلبية الساحقة من أعضاء الجمعية و هيئتها المديرة أن يطووا الصفحة بسرعة لتنطلق الجمعية من جديد في أداء المهام و تحقيق الأهداف التي حددتها دون هواجس التموقع والمشاكسة ;وهو ماجعلنا نتجاوز الأزمة بسرعة قياسيّة و كأنّها لم تكن هناك أزمة أصلا.

,و مع أنّنا كنّا و مازلنا نحبّذ توحيد الجهود و مركزة المبادرات و حشد القوى في مواجهة آلة القمع و القهر فإننا و تفاعلا مع الواقع نطرح اليوم شعار ” ليتنافس في القضايا العادلة المتنافسون ”

نواة: ماذا تأملون إنجازه خلال دورتكم هذه

عبد الوهاب معطر: لقد حدّدت الهيئة المديرة عشيّة انتخابها برنامج عمل شامل لجلّ أوجه الدّعم و الإسناد للمساجين السّياسيين على ضوء الهجمة التي شنّتها السّلطة بداية من 2001 و مازلت تشنّها على المجتمع إلى اليوم و ذلك بشكل أشرس و أشدّ عمّا أتته في التـّسعينات تحت يافطة ” مساندة المجهود الدّوليّ لمكافحة الإرهاب ” المزعوم و بذلك فإنّ الدّفاع عن ضحايا قانون الإرهاب السيّء الصّيت بمختلف تجليّاته ( التـّعذيب – المحاكمات الظـّالمة – الحياة السجنيّة ) و قع إدماجه ضمن أولويّاتها بما لا ينال من مواصلة العمل من أجل إطلاق سراح بقيّة مساجين التـّسعينات. ولأنّ السّلطة قد حوّلت بقيّة المساجين المسرّحين إلى رهائن لديها بإخضاعهم إلى نظام قمعيّ ذي ثلاث أضلاع و هي المراقبة البوليسيّة اللـّصيقة و التـّجويع و الحرمان من حقوق المواطنة فإنّ الجمعيّة قد انفتحت على هذا البعد الاجتماعيّ الحقوقيّ للمسرّحين و أدرجته أيضا ضمن اهتماماتها و قد شكـّلت لكلّ محاور نشاطها لجان مختصّة. كما أنّ الجمعيّة تعمل على تفعيل طموحها الدوليّ و ذلك بربط علاقات تعاون مع جمعيّات حقوقيّة عاملة خارج التراب سواءا كانت تونسيّة أو عربيّة أو أوربيّة كما أنّها مقرّة العزم على التفاعل ايجابيّا مع ما توفـّره الهيئات الأمميّة من مجالات عمل لمقاومة اعتداءات السّلطة على حقوق الناس.

نواة: كيف تقرأون واقع حقوق الإنسان في تونس في علاقته بحجم الاعتقالات التي شهدتها البلاد و موجاتها المتلاحقة منذ تسعينات القرن الماضي و إلى عشريّة الألفين هذه؟

عبد الوهاب معطر: إنّ واقع حقوق الإنسان في تونس هو واقع مأساويّ في جميع أبعاده و تجليّاته فالسّلطة في تونس في جوهرها قائمة على القمع و الاستبداد و هي تواجه الرّأي المخالف بالهراوة و البوليس و قد ارتكبت جرائم بشعة في هذا السّياق و استصدرت قوانين جائرة لتقنين قمعها و استأسدت على القضاء الذي هو مجرّد تابع للخيارات البوليسيّة يصدر أحكاما ظالمة في محاكمات مهزليّة و قد استفحل هذا الوضع في السّنوات الأخيرة حيث أطلقت أيادي البوليس لتقتحم البيوت و تعتقل بالجملة و تعذّب الموقوفين و تفبرك لهم ملفـّات يتلقـّفها القضاء لينتهي المطاف بالآلاف من شباب تونس في الزّنزانات حيث ينفرد أعوان السّجون بفرائسهم يسومونهم شتى أنواع الاعتداءات و كلّ ذلك على خلفيّة غدت واضحة اليوم و هي حرص السّلطة على تسويق شرعيّتها للخارج بكونها صمام أمان لمحاربة ” الإرهاب ” بما يتيح لها ليس المقايضة فقط بل و أيضا التـّغطية على إهدارها لأبسط حقوق الإنسان و الحال أنّ بلادنا لا تعرف عموما الإرهاب أصلا بل أنّنا لا نبالغ إذا قلنا أنّ أكثر من تسعين في المائة من ضحايا قانون الإرهاب ليسوا إرهابيّين بل أريد لهم عنوة أن يكونوا كذلك بواسطة الملفـّات المفبركة و التـّعذيب أمّا العشرة في المائة الباقية فهم محض إنتاج لقمع السّلطة المنهجيّ و لخياراتها الاجتماعيّة و السياسيّة اللاشعبيّة و لانسداد أيّ أفق للعمل السّياسيّ السّلميّ. إنّ السّلطة الحاليّة هي التي تفرّخ الإرهاب و هي التي تختلق جحافل الإرهابيّين المزعومين اختلاقا . و في تقديرنا أنّ السلطة ستواصل في هذا النّهج الخطير طالما ضلّت الحركة الحقوقيّة ضعيفة و طالما أمكن للسّلطة مقايضة أمريكا و أوربا في حربها على المجتمع.

نواة: تقارير لجنة متابعة المحاكمات التي شرعت الجمعيّة في إصدارها مع الهيئة المديرة الجديدة قدمت زاوية جديدة لمراقبة الانتهاكات الحقوقيّة فهل وسّعت الجمعيّة الدّوليّة لمساندة المساجين السياسيّين من اهتمامها لتدرج القضاء ضمن دائرة استهدافاتها ؟

عبد الوهاب معطر: فعلا لقد غطـّت المحاكمات الماراتونيّة لضحايا قانون الإرهاب عن أنشطة الجمعيّة في الدورة النيابية الجارية و قد كان ذلك بحكم حجم المظالم و تسارع نسق الإيقافات و المحاكمات اليوميّة التي مسّت الآلاف من شباب تونس المشتبه فيهم على خلفيّة تديّنهم و أنتم تلحظون أنّ جميع البيانات الصّادرة عن لجنة متابعة المحاكمات تتضمّن تأكيدا على استغلال القضاء ( و ليس استقلاله ) و جور أحكامه و عجزه أحيانا حتى عن إنقاذ المظاهر في تناقض دراميّ مع دوره الطـّبيعيّ كحامي للحقوق و ضامن للعدل. إنّ وضع القضاء التـّونسيّ هو حقيقة وضع اللاّقضاء بل قل أنّه مجرد جهاز تابع تقتصر مهمّته على إضفاء مسحة ” القضائيّة ” على قرارات سابقة ممّا غدا معه المواطن التـّونسيّ أعزلا في مواجهة أجهزة قمعيّة لا ضوابط لها تشتغل دون حسيب أو رقيب.

نواة: بعد سراح السجناء السياسيين المحاكمين منذ تسعينات القرن الماضي ما الذي بقي للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين من مهمة تؤديها إزاء هؤلاء المسرحين ؟

عبد الوهاب معطر: إنّ الجمعيّة من حيث طبيعتها هي لمساندة المساجين السّياسيّين في جميع تجليّات العدوان عليهم و من المعروف أن إصرار السلطة على التشفي و التنكيل أدى إلى حقيقة مرة وهي أنّ الإفراج عن هذا السّجين أو ذاك لا يعني مطلقا نهاية المأساة بل هو بداية لمأساة جديدة متعدّدة الفصول و المظاهر إلى حدّ أنّ بعض السّجناء المسرّحين أصبحوا يعتبرون أنّ الزّنزانة كانت أرحم لهم من السّجن الكبير الذي يعيشون فيه جرّاء التـّدابير اللاّقانونيّة التي تنفـّذها مراكز الأمن ضدّهم بدءا من حالة المحاصرة و التـّخويف وصولا إلى الرّغبة في التـّجويع و غيرها من الممارسات القمعيّة التي حوّلتهم إلى أشخاص لا مواطنة لهم.

و بالطـّبع فإنّ هذا الواقع يفرض على الجمعيّة الانفتاح على هذه الوضع الجديد الذي يعاني منه أكثر من ألفي سجين سابق و ذلك للتـّعريف بالمظالم التي يتعرّضون لها و التي امتدت اليوم لتشمل حتى أفراد عائلاتهم .

نواة: كيف تقيّمون الأحكام التي أصدرها القضاء التونسي في حق المتهمين في قضية سليمان ؟

عبد الوهاب معطر: لقد أصدرت الجمعيّة الدّوليّة لمساندة المساجين السّياسيّين بيانات عديدة بخصوص المتـّهمين في قضيّة سليمان و كان تقييمها هو أنّ هؤلاء لم تتوفـّر لهم أدنى ضمانات المحاكمة العادلة ناهيك أنّ الناس في بلادنا لا يعرفون إلى اليوم ما الذي حدث حقيقة في سليمان بالنـّظر إلى أنّ ملفّ القضيّة تغلب عليه الفبركة و الاصطناع كما أنّ المتـّهمين تعرّضوا إلى صنوف شتى من التـّعذيب إلى حدّ إحداث سقوط بدني إلى بعضهم فضاعت بذلك الحقيقة و لم يبق منها إلاّ أنّ هؤلاء الشبّان كانوا في الواقع ضحايا لقانون الإرهاب و تبعاته على النـّحو المبيّن سلفا.

نواة: استغرقت الشؤون الحقوقية مجمل اهتمامات المعارضة التونسية، هل اختفى السياسي فعلاً من حياة التونسيين أم هي أولويات المرحلة ؟

عبد الوهاب معطر: نعم إنّ المسائل الحقوقيّة تتصدّر مشاغل النـّشطاء في الدّاخل و ذلك لأنّ استبداد السّلطة القائمة و قمعها لم يتركا أيّ جانب من النـّسيج الاجتماعيّ إلاّ و دخلاه بقوّة فأنت إذا كنت يوميّا تشهد الاقتحامات و الاعتقالات و إذا كنت يوميّا تسمع أنباء التـعذيب و جور المحاكمات و إن كنت يوميّا تسجّل الاعتداء على حريّة التـّنقـّل و العمل و التـّعبير بل و حتى في استخراج الوثائق الإداريّة فإنّه لا يمكنك السـّكوت بل عليك أن تتحرّك بما يتاح لك و بالطـّبع سيكون ذلك على حساب العمل السياسيّ و أنا أعتقد أنّ السّلطة تحاول عبر كلّ ذلك إلى صرف الاهتمام على ما هو أهمّ و هو العمل السياسيّ لأنّه هو الوحيد الذي يعالج المأساة من جذورها و هي قد نجحت في ذلك إلى حدّ أنّ النـّشطاء أصبحوا مشغولين برصد ممارساتها التي هي مجرّد أعراض لداء مستفحل فيها و هي طابعها الاستبدادي الفاسد.

و إنّ الجمعيّة الدّوليّة لمساندة المساجين السياسيين هي في الأصل جمعيّة حقوقيّة و بوصفها كذلك فإنّه من مصلحتها الإسهام من موقعها الحقوقيّ في تعويق آليّات القمع.

نواة: لقد حقـّقت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين نقلة نوعية في المشهد الحقوقي التونسي عندما قامت بنشر تحقيقاتها المصورة حول محنة المساجين السياسيين و عائلاتهم و قد كانت الأشرطة التي راجت في الداخل التونسي و على شبكة الانترنت و حتى على قنوات فضائية كالجزيرة و غيرها بمثابة تدشين لحقبة جديدة من أساليب التعاطي مع ملف المساجين السياسيين، للأسف لم تتكرر هذه المبادرات الإعلامية و عاد المشهد الحقوقي التونسي إلى عهد بيانات التنديد و عرائض الإمضاءات، هل من مخرج من هذا المأزق؟ و هل تنوي الجمعية إصدار أشرطة أخرى؟

عبد الوهاب معطر: نشير أوّلا إلى أنّ الجمعيّة لا تعتمد إلاّ على مجهودات أعضائها تطوّعا و تبرّعا سواء في تمويل نشاطاتها أو في إنجاز مهامّها اليوميّة المتراكمة و هي تقوم بذلك في مناخ المحاصرة و الملاحقة الشاملة والمتعددة التي ينتهجها البوليس اتـّجاهها و في هذا الإطار فإنّ البيانات و المتابعات الإخباريّة التي تصدر عن الجمعيّة لا يجوز الاستهانة بها في حدّ ذاتها لأنّها ثمرة إصرار الأعضاء على تجاوز العقبات و إراداتهم على الوفاء بما آمنوا به لنصرة المظلوم. و رغم ذلك فإنّ الجمعيّة تطرح على نفسها تحدّيات أخرى قوامها إيصال صوت المظلومين و التـّعريف بمآسيهم على أوسع نطاق بما في ذلك ما ذكرتم بشأن الأشرطة و المشاركة في المنتديات الدّوليّة و زيارة عائلات المساجين و تقديم العون العاجل لهم. و إنّ الشـّريط الخاصّ بالموت البطيء الذي أصدرته الجمعيّة في السّابق لن يكون يتيما فالجمعيّة ستصدر قريبا شريطها الثاني حول أوضاع المسرّحين و معاناتهم.

أجرى الحوار سامي بن غربية

نواة