بقلم إسماعيل دبارة ـ إيلاف

لم يجد الصحافي التونسي سفيان الشورابي مراسل موقع آفاق الإخباري من طريقة تمكنه من العبور إلى الموقع الإلكتروني الذي يبثّ من واشنطن غير استعمال تقنية البروكسي ليتمكن من الاطّلاع والتثبت من تاريخ نشر تقاريره التي يرسلها بإستمرار، وتهتمّ بالشؤون السياسية والحقوقية والاجتماعية التونسية. وعلى الرغم من أن الموقع ‘إخباري يهتم بقضايا الإصلاح والتنوير في المنطقة العربية’ على حدّ التعريف الذي اختارته إدارة ‘آفاق’ إلا أن سفيان فوجئ في صبيحة أحد أيام نيسان/أبريل الماضي بحجب الموقع في تونس .

ويقول سفيان لـ “إيلاف”: حُجب ‘آفاق’ في ابريل الماضي من دون أي سبب منطقي يمكن أن يبرر هذا السلوك، قد يكون البعد النقدي للموقع سببًا في ذلك، وقد تكون المواضيع المطروحة لا ترضي بعضهم، لكنني متأكد من أنني حافظت على التوازن والمهنية فيما حررته على هذا الموقع.

ما حدث لسفيان الشورابي تكرر مع معز الجماعي مراسل موقع الحوار.نت الذي يعنى بالشؤون المغاربية ويسلّط الأضواء على القضايا السياسية التونسية المختلفة .

‘الحوار. نت موقع إخباري متنوّع ، بدأ رسميًا يوم 11 نيسان/أبريل 2004، وتم حجبه في اليوم ذاته الذي ظهر فيه لمستعملي الانترنت. وربما تعود هذه السرعة في حجبه إلى الإعلان الذي سبق ظهوره والذي تم عبر عدد من المواقع الأخرى’، يقول معز الجماعي لإيلاف بحسرة، ويضيف: ‘على الرغم من هذا الحجب القاسي والذي لم يشفع بمبرر منطقي من أي جهة إلى حدّ اليوم ، فإن رسالة الموقع وصوته يصلان باستمرار إلى بعض القراء داخل تونس. لا شك أن الحجب أثر بشدة على عدد زواره من داخل البلاد’.

حجب المواقع الالكترونية في تونس موضوع يشغل بال الصحافيين والباحثين ومستعملي الانترنت منذ سنوات ، وعلى الرغم من أن الحكومة تنفي أي ضلوع لها في الاضطراب الحاصل على شبكة الانترنت، وأكدت أكثر من مرة أن المواقع التي تقوم بحجبها هي المواقع التي تحثّ على الإرهاب والعنف والمواقع الخليعة والمنافية للأخلاق فحسب، إلا أن جهات من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة تتهم السلطات التونسية بعمليات الحجب والقرصنة والتخريب المختلفة التي تستهدف المواقع الإخبارية والسياسية والمدونات ذات الخط التحريري المخالف للسائد.

الحجب في تونس استهدف على وجه الخصوص مواقع أحزاب المعارضة، القانونية منها وغير القانونية. وقد طالت القرصنة والحجب في عدة مناسبات موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (غير قانوني) وحزب العمال الشيوعي التونسي (محظور) ومواقع ‘التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات’ و’الحزب الديمقراطي التقدمي’ المرخص لهما.

كما حُجب موقع العربية نت نهائيًا في 12/11/2005، وتزامن حجبه مع صدور قرار يقضى بمنع ذكر اسم الموقع في أي جريدة تونسية رسمية وفق بعض التقارير الإعلامية. ويرى متابعون أن حجب العربية نت في تونس يعود إلى التقارير الجريئة التي حررها مراسل الموقع ‘سليم بوخذير’ الذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة عام واحد .

وعادة ما يتطرق ‘بوخذير’ في مقالاته إلى الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان بتونس والفساد الإداري والمالي، إضافة إلى تسليطه الضوء على أخبار المعارضات التونسية المختلفة. ولم تسلم مدونة ‘بوخذير’ أيضًا من القرصنة والتخريب، فقد هاجم قراصنة مجهولون مدونته الشخصية قبل اعتقاله وأتلفوا محتواها بشكل نهائي.

من جهته يقول محمد أحمد مراسل ‘إسلام أونلاين. نت’ في تونس لإيلاف: “الحجب أضحى قاعدة في تونس ، كل موقع يحمل توجها مخالفا غير موافق للدعاية الإعلامية المألوفة يحجبُ فورًا، وهذا السلوك يشكل خطرًا حقيقيًا على حرية الصحافة والتعبير وتناقل المعلومة، وقد لمست تذمرًا متصاعدًا بين الزملاء هنا، لا يمكن أن يستمرّ هذا الوضع ونحن نعيش ثورة معلوماتية هائلة تشملُ كل نواحي الحياة”.

الحجب طال كذلك موقع “تونس نيوز” منذ تأسيسه وتعرض للقرصنة يوم 5 ديسمبر 2007 ، كما فُسخ أرشيفه كاملاً في عملية أثارت متصفحي الانترنت والمدافعين عن حرية الرأي العبير.

ولم يختلف الأمر كثيرًا مع مواقع ‘الفجر نيوز’ و’ نواة’ و السبيل أونلاين الجامعة. ويقول الصحافي سامي بن غربية، وهو أحدد محرري موقع ‘نواة ‘ الالكتروني لـ “إيلاف”: لقد تم حجب موقعنا بعد شهر تقريبًا من إطلاقه في أبريل سنة 2004. المشكل في سياسة الحجب في تونس، على عكس غيرها من البلدان العربية، أن الطرف أو المؤسسة المسؤولة عن الحجب وإتخاذ القرارات المتعلقة به غير معلن عنها مما جعل من الحجب والرقابة واقعًا معاشًا يشوه المشهد الإعلامي التونسي، بل ويحرم مستخدمي الشبكة من الاستفادة من خدمات عالمية شهيرة كمواقع الترجمة ومواقع تقاسم الفيديو يوتيوب ودايلي موشيون المحجوبان منذ أواخر السنة الماضية.

والطريف أن تقوم هذه الجهة دون أي شفافية بحجب مواقع لأحزاب سياسية معترف بها كموقع الحزب الديمقراطي التقدمي وعدد من المدونات الشخصية’.

المدونات أيضًا نالت نصيبها من الحجب والقرصنة في تونس فمقالات القاضي المعروف مختار اليحياوي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر استعمال تقنية البروكسي للتمكن من فتح مدونته التي أطلق عليها اسم (tunisia watch) .

إضافة إلى مدونة عبد الله الزواري الصحافي السابق بجريدة الفجر الناطقة باسم حركة النهضة المحظورة والذي يقبع حاليًا تحت الإقامة الجبرية في قرية ‘جرجيس’ بالجنوب التونسي .

وفي مصادفة غريبة، وصلنا من المعارض المنصف المرزوقي ونحن بصدد تحرير هذا التقرير، توضيح مفاده أن موقعه الشخصي اختفى تماما من الانترنت منذ يوم الأحد الماضي بفعل ‘قرصان مأجور متمرس في القرصنة حيث أفرغت تمامًا قاعدة المعلومات التي كانت تحتوي على عشرات المقالات والحوارات ناهيك عن أكثر من عشرين كتابًا بالعربية والفرنسية منهم الكتب العلمية والأدبية’. ويأتي هذا الهجوم الجديد الذي استهدف موقع ‘المرزوقي’ بعد أربعة أشهر من تدمير موقع حزبه المؤتمر من أجل الجمهورية.

التفاف على الحجب

منال 23 سنة طالبة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار اشتكت لإيلاف من الأثر السيئ الذي يخلفه الحجب على صورة المشهد الإعلامي التونسي. منال لم تشتك من سلبيات حجب المواقع التي تحتاج إليها في بحوثها الجامعية والتي تهم الشأن السياسي لأن’ البروكسي منّة من السماء استطعنا من خلالها الالتفاف على شح المعلومة الالكترونية في تونس’ كما أفادت .

ويشاطرها محمود بن سلامة 25 سنة الرأي في الاحتفاء بتقنية البروكسي (proxy) ويفسّر لإيلاف: البروكسي هو عنوان الشركة التي تزودنا بالخدمة وبوساطته نستطيع العبور إلى المواقع التي يتم حجبها ولكن الشركات المزودة في بعض البلدان تخضع لعمليات مراقبة شديدة كما يحصل لنا في تونس، وهو ما يفرض على المتصفح البحث عن عناوين بروكسي جديدة تكون في الغالب مجانية ومتوفرة وسهلة الاستعمال’.

أما الآنسة ريم طالبة سنة رابعة اختصاص صحافة الكترونية فهي مع حجب المواقع التي تشنّ ‘حملات مغرضة تهدف إلى تشويه سمعة تونس في الداخل و الخارج ، فالمعارضون والموالون لجهات أجنبية على حدّ تعبيرها لا يمكن أن يُسمح لهم بإبلاغ دعايتهم ومغالطاتهم الخطرة حول الأوضاع في تونس”.

ويقول معز الجماعي مراسل الحوار نت : هناك من يتصفح المواقع المغلقة بطرق مختلفة ، وقد زاد عددهم بنسب ملحوظة في الفترة الأخيرة خصوصا مع استعمال طريقة البروكسي التي نجتهد للتعريف بها وكيفية استعمالها والبحث على عناوينها عبر مواقع توفر هذه الخدمة مجانًا’.

أما الصحافي سامي بن غربية فيقول: هناك عدد قليل من مستخدمي الشبكة في تونس ممن يتمكنون من كسر الحجب والوصول إلى ‘نواة’ مما أدى إلى تقليص عدد زوار موقعنا في تونس إلى نسبة جد ضئيلة. وحصر زوار الموقع بين الجالية التونسية المقيمة في الخارج فقط. لكننا قمنا من جهة أخرى بنشر قائمة مرسلات موجهة إلى الداخل التونسي وسنقوم قريبًا بنشر برنامج صغير يمكن مستخدمي الشبكة في تونس من كسر الحجب المضروب على بعض المواقع والمدونات التونسية وعدد من المواقع العالمية المحجوبة كيوتيوب ودايليموشيون.

تونس نيوز أيضًا لجأت إلى حلول أخرى، كالمراسلات البريدية التي تبعث بها كل ليلة إلى مشتركيها الذين يعدوّن بالآلاف، وتحوي المراسلات البريدية عادة آخر ما نشر على الموقع المحجوب وبعض الصور والروابط .

‘وكالة الانترنت’ …في قفص الاتهام

وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات دامغة على أن السلط الرسمية هي التي تقف وراء حجب كل تلك المواقع و المدونات ، إلا أن بعض تقارير المنظمات الحقوقية و الجمعيات التي تعنى بحرية الصحافة والتعبير اتهمتها صراحة في عدة مناسبات بالوقوف وراء عمليات الحجب والقرصنة وتخريب المنتديات التونسية بصفة متكررة مما “يِؤثّر بشكل كبير على حق المواطن في المعلومة ومن مصادر مختلفة”.

ويرى معز الجماعي أن أسباب الحجب ‘هي رفض السلطة للرأي الآخر و خوفها من الإعلام الحر الذي يساهم في التعريف بمعاناة الشعب التونسي السياسية والاجتماعية’.
ويقول: “من دون شك لا نتهم سوى السلطات التونسية في حجب موقع الحوار نت وكل المواقع المماثلة فبلادنا الوحيدة التي لها فرقة تسمى ‘شرطة الإنترنت'”

من جهته يتهم السيد رشيد خشانة رئيس تحرير صحيفة الموقف المعارضة الوكالة التونسية للانترنت بممارسة سياسية الحجب والإشراف على إغلاق كل موقع يحمل آراء مخالفة للرأي الرسمي المهيمن أصلاً على وسائل الإعلام في تونس.

ويقول لـ “إيلاف”: ‘هذه الوكالة تسخّر كل الإمكانيات البشرية والمالية والتقنية للاضطلاع بمهام الحجب وإتلاف المواقع.

أما بن غربية فيقول:’ هناك قناعة بأن الوكالة التونسية للانترنت هي المؤسسة الرسمية التي تدير سياسة الحجب و الرقابة، إلا أنها لم تتحمل يومًا مسؤولية حجب موقع ما، الشيء الذي أخرجها من إطار المحسوبية. وعلى عكس ما نراه في أغلب البلدان العربية حيث هناك نوع من الشفافية في ممارسة الحجب أين تجد على أغلب الصفحات المحجوبة عنوانًا يمكن الاتصال به من أجل تقديم طلب لرفع الحجب’.

يذكر أن “الوكالة التونسية للإنترنات” أنشئت في مارس/ آذار 1996 كمؤسسة حكومية تتولى دور المشرف على خدمات الانترانت وتعميم استعمالها في تونس. وتخضع الوكالة لسلطة إشراف وزارة تكنولوجيات الاتصال، ومن أهم وظائفها تطوير إستراتيجية استعمال الانترانت وإيجاد تطبيقات جديدة في هذا الميدان وإدارة الربط الوطني بالشبكة.